في الحديث السابق: ((للعامل فيهن مثل أجر خمسين رجلاً، يعملون مثل عملكم)) يعني من الصحابة -رضوان الله عليهم-، قد يشكل هذا على بعض الناس، ويقول: أنه قد يأتي في آخر الزمان من هو أفضل من الصحابة؛ لأننا إذا نظرنا إلى بعض أعمال الناس في الزمن المتأخر وجدناه كثير جداً ومتنوع، تجده ثري مثلاً، وصاحب صلاة، وذكر، وتلاوة، وصيام، وبذل أموال، مدة طويلة تزيد مثلاً على نصف قرن، وأجره مثل أجر خمسين من الصحابة، إذن أجوره لا يحاط بها، كثيرة جداً، فهل يتصور أن مثل هذا أفضل من أقل الصحابة شأناًً وليس فيهم قليل الشأن، بل كل واحد منهم شأنه عظيم -أعني الصحابة رضوان الله عليهم-؟
لا.. أجر خمسين في العمل نفسه، أما شرف الصحبة وأجر الصحبة فلن يناله أحد، أي كائناً من كان، ولا عمر بن عبد العزيز، الخليفة الراشد المعروف.
ولما سئل من سئل عن معاوية بن أبي سفيان وعمر بن عبد العزيز أيهما أفضل؟ قال: غبارٌ في أنف معاوية مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- خيرٌ من عمر بن عبد العزيز.
فالصحبة شرفٌ لا يناله أحد إلا من اتصف به ممن رأى النبي –عليه الصلاة والسلام- مؤمناً به ومات على ذلك، فدع عنك مسألة الصحبة، وأجرها، هذا أمرٌ لا يدركه أحد ممن توفي النبي -عليه الصلاة والسلام- قبل أن يراه، بعد ذلك الأعمال متفاوتة، نعم، أعمال في وقت أفضل منها نفسها في وقتٍ آخر، تتصدق بألف ريال في وقت الناس فيه ليسو بحاجة ماسة، ليس أجره كمن تصدق بدرهم وقع موقعاً عظيماً في نفس المتصدق عليه، أنقذه من هلكة، تتفاوت، والناس عند فساد الزمان تمسكهم بالدين شأنه عظيم؛ لأنهم لا يجدون من يعينهم، وأما في عهد النبي -عليه الصلاة والسلام- فبعضهم يعين بعضاً، ويشجع بعضهم بعضاً، ومع ذلكم شرف الصحبة لا يناله أحد ممن لم ير النبي -عليه الصلاة والسلام- مؤمناً به؛ لأن هذا قد يشكل، مقرر عند أهل العلم أن الصحابة أفضل ممن جاء بعدهم.