إذا اختار الشيخ واختار الكِتاب، عليهِ أنْ يحفظَ المَقْطَع الذِّي يُراد شَرْحَهُ في هذا اليوم، ذَكَرُوا في كتب طُرُق التَّعَلُّم أنَّكَ تُرَدِّدْ هذا المَقْطَع حَتَّى تَحْفَظَهُ، من الغَدْ تَقْرَأ ما حَفِظْتَهُ بالأمس خَمْسْ مَرَّاتْ، ثُمَّ تَحْفَظْ نَصِيب اليَوْم الثَّانِي، في اليوم الثَّالث تُكَرِّر ما حَفِظْتَهُ في اليوم الأوَّل أَرْبَع مَرَّاتْ، وما حَفِظْتَهُ في اليوم الثَّاني خَمْسْ مَرَّاتْ، ثُمَّ تَزِيد نَصِيب اليوم الثَّالث، ثُمَّ في اليوم الرَّابع نَصِيب اليوم الأوَّل ثَلاث مَرَّات، والثَّانِي أربع مَرَّاتْ، والثَّالث خَمْسْ مَرَّاتْ وهكذا، تبدأ في اليوم السَّادس تترُك نَصِيب اليوم الأوَّل، في اليوم السَّابع تترُك نصيب الثَّاني ضَمِنْتَهُ، كم كرَّرْتَهُ من مَرَّة؟! وهذهِ طريقةٌ مُجرَّبَة، ونَافِعَة؛ فإذا حَفِظَ الطَّالِب هذا النَّصِيب، والشيخ عبد القادر بدران ذَكَر طريقة لِتَحضِير الدُّرُوس نَافِعَة؛ لكنْ مع الأسَف الشَّديد أنَّ كثير من الطُّلاَّب لا يَعْرِف الكِتاب إلاَّ عند الشيخ في حَلْقَةِ الدَّرْس، ومِثْل هذا قلَّ أنْ يُفْلِح، الشيخ عبد القادر يقول -رَحِمَهُ الله-: تَحْفَظ المِقْدَار المُحدَّد مع مجمُوعة خمسَة سِتَّة يكُون من الطُّلاَّب الجَادِّينْ الذِّين يُناسبُونكَ في فَهْمِك، وفي مُسْتَواكَ العِلْمِي، ثُم كُلّ واحد يَنْفَرِد بمُفْرَدِهِ، ويَشْرَح ما حَفِظَهُ منْ غَيرِ رُجُوع إلى الشُّرُوح، يَشرح المقطع يشرحه؛ فإذا شَرحهُ قُرِئَ الشَّرح على هذا الكِتَاب، وكُلّ واحد مَعَهُ شَرْحُهُ، ثُمَّ إذا تَبَيَّنْ لهُ خطأ في فَهْمِهِ ، وفي شَرْحِهِ صَحَّحْ، بِهَذِهِ الطَّريقة لَنْ يَتَكَرَّر الخطأ مرَّة ثانية خلاص، اجْتُثَّ الخَطأ من أساسِهِ، ثُمَّ بعد ذلك رَاجَعُوا الحَواشِي، وتَنَاقَشُوا في الشَّرح والحَواشِي، بعد ذلك يَذْهُبُون إلى الشيخ يَمْثُلُونَ بينَ يديْهِ بِكُلِّ أدَبْ، وتَواضُع، واحْتِرَام، لا يجي طالب نافشٍ نفسُهُ يقول أنا خلاص أنا ماني بحاجة شيخ، أنا حَفِظْت وقرأتْ الشَّرح والحاشية وأشُوف وش عندُهُ! ؛ لأنَّ بعض طَّالب يأتي بهذهِ النَّفْسِيَّة وحِينئِذٍ لَنْ يَسْتَفِيد من الشيخ، بعضُ الطُّلاب قد يحضر عند بعض الشُّيُوخ يوم يومين ثلاثة عشرة ثُم يَتْرُكُهُ! وش السَّبب؟ والله ما اسْتَفَدْت! تَرَدَّدْت على هذا الشيخ ما شوفت لهُ فايدةٍ تُذْكَر! وقد يكُون هذا الشيخ من الأكابِر، من العُلماء الكِبَار؛ لكنْ هذا الطَّالب يبي يطلع ما عند الشيخ في يوم، أو في يومين أو في عشرة؟! يصبر، ولا شكَّ أنَّ كُلاًّ من الشيخ والطالب لا بُدَّ أن يتعرضا لمرحلة امتحان، حتى إذا تجاوزا هذه المرحلة وُفِّقَا وَسُدِّدَا، الشيخ أيضاً قد يَجْلِسْ لإقْرَاء الطُّلاَّب وتَعْلِيمُهُم، يجلس أوَّل يوم يجلس عندهُ عشرة مثلا،اليوم الثاني ينقصُون يصيرُون خمسة، اليوم الثَّالث يصيرُون اثنين، الشيخ يُراجع حساباتُهُ ويترُك! أقول: يا أخي لا تترُك، هذِهِ مَرْحَلَة امْتِحَان أنْت اسْتَمِرّ، أنْت لو اسْتَأْجَرْت من يَقْرَأْ عليك بالدَّراهِم ما هُو بِكثير، خلّيه يقرأ عندك اثنين ثلاثة ما يخالف؛ ((لَئِنْ يَهْدِيَ اللهُ بِكَ رجُلاً واحِداً خيرٌ لكَ من حُمُر النَّعَم))؛ لكنْ أنت إذا تَجَاوَزْتْ هذهِ المَرْحَلة أبْشِر، وقد أدْرَكنا بعض شيُوخِنا ما عندهُم إلاَّ طالب واحِد ليس من أهلِ هذهِ البِلاد! والآنْ بالمِئَات؛ بل بالأُلُوف الحُضُور عندَهُم، وآحَادُ النَّاس يأتي إلى هذا الشيخ الذِّي يَحْضُرُهُ الأكابِر من العُلماء، ومن القُضَاة، ومن الدُّعاة، يأتِي من صِغَارِهِم يقول: والله ما مسكت شي ما فيه فائدة! إذا كُنت جاي لِتَطْلُب العلم بهذهِ النَّفْسِيَّة من الآنْ يا أخي لَنْ تُحصِّل شيء! على كُلِّ حال العُلُوم لا بُدَّ أنْ يأخُذ طالب العلم من كُلِّ علمٍ منها بِطَرف، فيُعْنَى بِكِتاب الله وما يَخْدِمُ الكِتاب؛ وليَكُن لِسُنَّة نَبِيِّهِ -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلام- النَّصِيب الأَوْفَر، على الجَادَّة المَعْرُوفة، يَبْدَأ بِكُتُب المُتُون الصَّغِيرة المُخْتَصَرَة إلى أنْ يَتَرَقَّى إلى الكُتُب المُسْنَدَة الأصْلِيَّة، يَقْرَأ أيضاً يَتَفَقَّه على مَذْهبٍ مُعيَّنْ، وليَست هذهِ دَعوى إلى التَّقليد – لا – إنَّما هي دَعْوَى إلى المَنْهَجِيَّة وسُلُوك الجَادَّة في طَلَبِ العلم؛ لأنَّ بعض النَّاس يسمعنا نقول، أو يَسْمَع غيرنا يقول: اقْرَأ في زاد المُستقنع أو في دليل الطَّالب، يَظُنّ أنَّ هذهِ الكُتُب دَسَاتِير لا يُحاد عنها، - لا - هي كُتب البَشَر؛ لكنْ كيف تَتَحَدَّدْ معَالم العِلم وأنْتَ لستَ على جَادَّة، يقول بعضُهُم أنَّهُ يَتَفَقَّه من الكِتاب والسُّنَّة، يا أخي أنتْ مُبتدِئ، كيف تَتَعامل مع الكتاب والسُّنَّة؟! عندك من العِلْم ما يُعِينك على فَهم الكِتاب والسُّنَّة؟! عَرَفْتْ العَام والخاصّ والمُطْلَق والمُقيَّد، عَرَفْتْ كيف تَتَعَامل مع النُّصُوص؟! عَرَفْتْ النَّاسِخ والمَنْسُوخ؟! ما عَرَفْتْ! تَفَقَّهْ على كِتَاب مُخْتَصَرْ، احْفَظْ مَسَائِلَهُ، وتَصَوَّرْ هذهِ المَسَائِلْ بِدِقَّة، اقْرَأ الشُّرُوح، واحْضَر الدُّرُوس، وفَرِّغْ الأَشْرِطَة، واسْتَدِلّ لهذِهِ المَسَائِلْ، يعني ما هو مُفترض منْ طالب العِلم أنْ يَحْفَظ أقوال جَافَّة بِدُونْ أدِلَّة – لا – العِلْمُ قال الله، وقال رسُولُهُ، اسْتَدِلّ لهذِهِ المَسَائل، وانْظُر منْ وَافَقَ المُؤَلِّفْ على هذهِ الأحْكَامْ معَ النَّظَر في أَدِلَّتِهِمْ وتَعْلِيلاتِهِمْ، وانْظُر من خَالَفْ، وانْظُر دَلِيل المُخَالِفْ، وَوَازِنْ بَيْنَ الأَدِلَّة، بهذا تُخَرّج عالم، ما تقول أتَفَقَّه من الكتاب والسُّنًَّة وأنْت ما عندك شيء! طيب ما الذِّي في الكتاب منْ تفصيلات أحكام الصَّلاة فضلاً عن غيرها؟! وأنت تقول أتَفَقَّه من الكتاب، إذا قرأت في السُّنَّة وأنت لا تعرف مُطلق ولا مُقيَّد ولا ناسِخ ولا منسُوخ كيف تعرف؟! مثال ردَّدْناهُ مِرَاراً، يَقْرَأ الطَّالب المُبتدئ بابُ الأمرِ بقتلِ الكِلاب ثُمَّ يخرج بالمُسَدَّس؛ فإذا رأى كلب قَتَلَهُ! طيِّب الدَّرس من الغد بابُ نسخِ الأمر بقتل الكِلاب، كيف يَتَفَقَّه مثل هذا؟! لا بُدّ من الجَوَادِّ المَعْرُوفَة عند أهل العِلْم، قد يقول قائِل: إنَّ هذهِ الكُتُب لا تُوجد في عَصْرِ السَّلَفْ؛ إنَّما أَخَذُوا من النَّبي -عليه الصَّلاة والسَّلام- مُباشرة وتَفَقَّهُوا، يا أخي إذا كُنت في مُسْتَواهُم، في فَهْمِهِم، هُم يَفْهَمُون، يَفْهَمُونْ اللَّفْظ كيف يُرَاد، اللَّفْظ العَام، واللَّفظ الخَاصْ، العَام المَخْصُوص، والعَام الذِّي أُريدَ بِهِ الخُصُوص، أنت ما تَفْهَم شيء؟! ما زِلْتْ مُبتدئ، في حُكمِ العَامِّيّ! بِهذِهِ الطَّريقة إذا سَلَكَها الطَّالب -بإذنِ الله- ما يُنْهِي كتاب مُخْتَصَر من المُختصرات من المُتُون المَتِينَة المَعْرُوفة عند أهل العِلم، لا يأتِي إلى كِتابٍ سَهْل، والمَشَقَّة كما هو مَعْرُوف لَيْسَت مَقْصُودَة لِذَاتِها في الشَّرع؛ لكنْ الكِتاب المَتِينْ يُربِّي طالب عِلْم، هُو الذِّي يَجْعلك تُبْحَثْ عَنْ مَعَاني هذا الكِتَاب ومَنْطُوقُهُ ومَفْهُومُهُ وإلاَّ فالمَشَقَّة لَيْسَتْ مَقْصُودَة لِذَاتِها، كِتاب سَهل تَقْرَؤُهُ، طيب ما الذِّي يَثْبُت في الذِّهن منْ قِراءة كِتابٍ مُيَسَّر؟! ما يَثْبُت شيء؛ لكنْ إذا كان الكِتاب فيهِ مُعَاناة، فيهِ صُعُوبة، هذا يَثْبُت بإذن الله، وإلاَّ ما الذِّي يجعل طُلاَّب العلم يُعانُون زاد المُستقنع منْ أُلِّف إلى يومنا هذا وهو من أَعْقَد الكُتُب؟! مُختصر خليل عند المالكيَّة ألْغَاز! ومع ذلك هو عُمْدَتُهُم يعني هذا الاعتماد جاء من فَرَاغ؟! اعتماد المَالِكِيَّة على خليل خطأ؟! مو بصحيح؛ لأنَّهُ كتاب يُربِّي طالب عِلم، وكثير من الإخوان يعتمد على مُؤَلَّفات مُعاصِرين، وكِتاباتٍ سَيَّالة، هذهِ لا تحتاج إلى مُعاناة، مُجرَّد ما تَتْرُك الكتاب وش يَعْلَقْ بِذِهنك منهُ؟! لكنْ الكِتاب الصَّعب الذِّي السَّطْر منهُ يحتاج إلى مُعاناة، ومُراجعة شُرُوح وحواشي، وسُؤال مشايخ، وتَفْرِيغ أشْرِطَة هُنا يَثْبُت العِلْم.