هذا الذِّي ضيَّع أوقاتهُ في القيل والقال... هل يُعان على حِفْظِ لسانِهِ في أوقات المواسم؟ هل يُعان على استغلال المواسم؟ يسمع بقوله -عليه الصَّلاة والسَّلام-: ((من حجَّ فلم يرفث ولم يفسُق رجع من ذُنُوبِهِ كيوم ولدته أُمُّهُ)) أربعة أيَّام يحرص على حِفْظِ لِسانِهِ فلا يستطيع؛ لأنَّهُ لم يتعرَّف على الله في حال الرَّخاء، لِسَانُهُ في القيل والقال في أوقات الرَّخاء؛ فإذا جاء وقتُ الشِّدَّة لا يُعان على ذلك، وقُل مثل هذا في تلاوة القرآن، نجد من طلبة العِلم من يَتَفرَّغ في رمضان أو في العشر الأواخر من رمضان بأنْ يهجُر أهلهُ ووطنَهُ وجميع وسائل الرَّاحة إلى أماكن المُضاعفات، في أشْرَف الأوقات، ويَسْمع عن سَلَفِ هذهِ الأُمَّة من يقرأ القُرآن في يوم، ومن يقرأ القُرآن في اليوم مرَّتين، ومنهم من يقرأ في يومين، ومنهم من يقرأ في ثلاث، فَيَحرص على أنْ يختم القرآن فلا يَسْتطيع، يَجْلِس ويتعرَّض لهذا، يجلس من صلاة العصر إلى أذان المغرب فَاتِحاً المُصحف يُريد أنْ يقرأ في ساعتين يعني أقل تقدير يقرأ سِتَّة أجزاء هذا إذا كان مِمَّن لم يَتَعوَّد ويَتَمَرَّنْ على قِراءة القُرآن، يعني الجُزء بثُلث ساعة كُل إنسان يستطيع هذا؛ لكن ما الحَصِيلة؟ وما النَّتيجة؟؟؟ لأنَّهُ لم يتعوَّد في وقت الرَّخاء... كم يقرأ؟ لا يزيد على الجُزء، يقرأ آية آيتين؛ ثُمَّ يلتفِت يَمِيناً وشِمالاً عَلَّ أحداً أنْ يَعْرِفَهُ فيَجْلِسْ معهُ؛ لِيُزاول المِهنة التِّي كان يُزاولُها عَامَهُ كُلَّهُ؛ إنْ وجد أنْ جاءهُ أحد؛ وإلا ذهب هو ليبحث عن النَّاس... طيب لماذا أنت سافرت وتركت أهلك... ألا تُريد أنْ تستغل هذهِ الأوقات؟ هذا واقع كثير من الشَّباب، وأقول: يُوجد -ولله الحمد- منْ يفعل فِعل السَّلف، يعني يُوجد من يقرأ القرآن في يوم، ليست المسألة مسألة يأس وقنوط – لا – لكن هذا فيه الحثّ حث الأخوان على استغلال الأوقات، وقولُهُ -عليه الصَّلاة والسَّلام-: ((تعرَّف على الله في الرَّخاء يعرفكَ في الشِّدَّة)) مُضطرِد في كُلِّ شيء؛ فإذا تعوَّدْت قراءة القرآن في أوقات الرَّخاء، وخَصَّصْت لهُ وقتاً من سَنَام وقتك، لا على الفَرغة! بحيث إذا جئت قبل الإقامة بخمس دقائق أو عشر دقائق فتحت المُصحف وقرأت وإلا فلا! – لا – يعني لو جَلَس طالب العلم من صلاة الصُّبح في مكانِهِ، وأتى بالأذكار المُرغَّب فيها؛ ثُمَّ قرأ القرآن إلى أنْ تَنْتَشِر الشَّمس هذا يقرأ القرآن في سبع من غير مَشَقَّة، ومن غير تفويت أي مصلحة لا دينيَّة ولا دُنيويَّة؛ بل سوف يجدُ أثرها على بقيَّة يومِهِ، كما قال شيخ الإسلام، هي الزَّاد التِّي تُعينُهُ على بقيَّة أعمالِهِ الصَّالحة في يومِهِ ، ابن القيم رحمهُ الله تعالى لمَّا شَرَح حال الأبرار، وحال المُقرَّبين في (طريق الهِجرتين) وَضع برنامج من استِيقاظهم من النَّوم لصلاة الصُّبح، وكيفيَّة استعدادِهِم للصَّلاة، وذهابِهِم إليها، وقُربهِم من الإمام، واستِماعُهم للقراءة المشهُودة؛ ثُمَّ الجُلُوس إلى انتِشَار الشَّمس مع الانكِسَار بين يدي الله -جلَّ وعلا-، والتَّعرُّض لنَفَحَاتِهِ؛ مثل هذا يُعان بَقِيَّة يومِهِ، وإذا كان هذا ديْدَنُهُ يُعانْ بَقِيَّة عُمرِهِ، والإنسان يمُوت على ما عاش عليهِ، المُغنِّي يمُوت على خشبة المسرح، والتَّالي لِكِتاب الله يمُوت ورأسُهُ في المُصحف، هذهِ حقائق، والمُصلِّي يمُوت وهو ساجد، يعني هذه حقائق أمثلة عملِيَّة، نعرف من شيُوخنا من صار عليهِ حادث سيَّارة، وأُدْخِل المُستشفى في العِناية المُركَّزة لا يَعْرِفُ أحداً، ولا ينْطِق بكلمة، والقُرآنُ يُسمعُ من لِسَانِهِ واضِحاً جَلِيًّا، ويُوجد من المُؤذِّنِين من أفْنَى عُمرَهُ في هذا العمل الجليل والمُؤذِّنُون أطول النَّاس أعناقاً يوم القيامة يُوجد من يُسمع منهُ الأذان وهو في العناية في وقت الأذان، المقصُود أنَّ على طالب العلم أنْ يبذل الأسباب، ويدفع الموانع قَدْر استطاعتِهِ، مثل هذا الجِهاد، والمُجاهدة تأتي بالتَّدريج، ما تأتِي دُفْعة واحِدة؛ ولِذا جاء عنْ بعض السَّلف أنَّهُم كابَدُوا قِيام الليل سِنين؛ ثُمَّ تَلَذَّذُوا بِهِ بَقِيَّة العُمر، كُل شخص يَتَلَذَّذ بِمُناجاة محبُوبِهِ؛ بل وُجِد هذا في الحيوان يَتَلَذَّذ بِمُجالسة ومُناجاة محبُوبِهِ؛ فإذا كان المحبُوب هو الله -جلَّ وعلا- فحدِّث ولا حرج، وإذا كان ابن القيم يشرح حال المُقرَّبين يُقسِمُ بالله أنَّهُ ما شمَّ لهُم رائِحة... فكيف بغيرِهِ؟! وقد وَصَف حالهُم وبرنامجهم اليومي وصفاً دقيقاً كأنَّهُ منهم ومن بينهم؛ بل الذِّي يغلبُ على الظَّن أنَّهُ منهم، ويقول مع ذلك إنَّهُ يستفيد فائِدة ولو لم يكن ممَّن يفعل هذا علَّ أحداً أنْ يفعلهُ فيُكتب لهُ من أجرِهِ، وإذا تَحَدَّثنا عن القِيام، وعن الصِّيام، وعن تِلاوة القرآن فلا يعني هذا أنَّ الإنسان مُتَّصِف بهذا الوصف! والله المُستعان.