الإنسان إذا عَرف الهدف من وُجُودِهِ، الهدف... لماذا خُلِق؟ وحَدَّدَ الهدف، وسَعَى لِتَحْقِيق هذا الهدف، وما يَخْدم هذا الهدف، سَلِمَ مِن شَرٍّ كبير، وارْتَاح الرَّاحَة التَّامَّة، ونَعِمَ بَالُهُ، وسَلِمَ من كثير من الأُمُور التِّي يَتَعَرَّض لها كثير من النَّاس من أَسْبَاب الشَّقَاء في هذه الحَيَاة، إذا عَرَف الإنسان أنَّهُ مَخْلُوق للعِبَادة، مَخْلُوق لِعِبَادة الله -جلَّ وعلا-، {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات/ 56] وسَعَى لِتَحْقِيق هذا الهَدَف، وجاء من باب التَّبَع لِتَحْقِيق هذا الهَدف، ما يُعِينُهُ على البَقَاء في هذِهِ الدُّنيا لِتَحْقِيق هذا الهَدف، فالهَدف من الوُجُود ومن الخَلْق العِبَادة؛ لكنْ هل تستطيع أنْ تَعْبد الله -جلَّ وعلا- منْ غير أنْ تَأكل أو تَشْرب أو تَنَام أو تَلْبَس؟ لا تستطيع، إذن هذِهِ الأُمُور وسائل لِتَحْقِيق الهَدَف الأعْظَم، هذه الوَسَائِل بعض النَّاس يَجْعَلُها هي الأهداف، لمَّا كانت هذِهِ الوسائل جاء التَّنْبِيه عليها بقوله -جلَّ وعلا-: {وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا} [القصص/ 77] الذِّي يُقال لهُ هذا الكلام من تَصَوَّر الهَدَف وسَعَى لِتَحْقِيقِهِ، لو تَصَوَّر الهَدف مِنْ وُجُودِهِ، وسَعَى بِالفِعِل جَادًّا لِتَحْقِيقِهِ، يُقَال لهُ: {وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا} [القصص/ 77]؛ لكنْ الذِّي هَدَفُهُ الدُّنيا، يَنْبَغِي أنْ يُقَال لهُ: يا أخي: لا تَنْسَ الآخِرَة، كما هُو حال كثيرٍ من النَّاس اليوم، وما أُصِيب النَّاس بالشَّقاء والأمْرَاض سواءً كانت العُضْوِيَّة أو النَّفْسِيَّة إلاّ لمَّا كان هَدَفُهُم وغَايَتُهُم الدنيا، أقول: من سَعَى لِتَحْقِيق الهدف من وُجُودُهُ ارْتَاح الرَّاحَة التَّامَّة من كثير مِمَّا يُعَانِيهِ النَّاس اليوم من أمراض عُضْوِيَّة ونَفْسِيَّة...لماذا؟ لأنَّ هَدَفَهُ مُحَدَّد غير مُشَتَّت، هَدَفُهُ أنْ يُرْضِي الله -جلَّ وعلا- بِعِبَادَتِهِ التِّي خُلِقَ منْ أَجْلِهَا، فهو يَسْعَى لِتَحْقِيق هذا الهَدف، وما يُعِينْ على تَحْقِيق هذا الهَدَف من باب التَّبَع، لا على سبيل الاسْتِقْلال، لا على جِهَة الاسْتِقْلال ؛ لكنْ إِذَا كان هَدَفُهُ الدُّنْيَا تَشَتَّت، الدُّنْيَا كما يقول النَّاس لا يَلْحَق لها طرف، أُمُورُهَا لا تنتهي، مطالِبُها لا يُمْكن الإِحَاطَةُ بها، وجاءت الإشارةُ إلى هذا المَعْنَى في قولِهِ -عليه الصَّلاة والسَّلام-: ((مَنْ أَصْبَحَ والدُّنْيَا هّمُّه شَتَّتَ اللهُ شَمْلهُ...)) بلا شك يُريد أنْ يَحُوش الدُّنْيا بِحَذَافِيرِها، لا يستطيع، الدُّنيا لا يُمْكِن الإِحَاطَةُ بها، ونَهَم الإنسان إِذَا انْفَتَح على هذِهِ الدُّنْيَا لا يُمْكِنْ أنْ يَرْتَاح لهُ بَال؛ لأنَّهُ أيّ شيءٍ يَرَاهُ بحيث يُعْجِبُهُ عِنَد فُلان أو عَلَّان يُرِيدُهُ، ذُكِر عند فلان بيت قَصر مُنِيف، سَعَى لِتَحْقِيق هذا الهَدف، ذُكِر عند عَلَّان سَيَّارة فَارِهَة سَعَى لِتَحِقِيق هذا الهَدف، ذُكِر عند فُلان امْرَأة جَمِيلَة أو بِنْت سَعَى لِتَحْقِيق هذا الهدف... كيف يُحِيط بهذهِ الأُمُور؟ لا يُمْكِن أنْ يُحِيط بهذِهِ الأُمُور، ولو بَذَل جميع ما أُوتِي وما مُدَّ لَهُ من عُمر، واسْتَغل جميع اللَّحظات من عُمُره لنْ يستطيع أنْ يُحَقِّق مثل هذه الأُمُور، ولَنْ يحصل لهُ منْ دُنْيَاهُ إلاَّ ما كُتِبَ لَهُ؛ لكنْ من جَعَل الهَدف الشَّرعي الحَقيقي وهُو عِبَادةُ الله -جلَّ وعلا- على مُرَادِهِ -جلَّ وعَلا- وعلى ضَوْءِ ما جَاءَ عن نَبِيِّه -عليه الصَّلاة والسَّلام- القُدْوَة والأُسْوَة، يَجْتَمع هَمُّهُ، ولا يَتَفَرَّق شَمْلُهُ، ويُحَدَّد مَسَارُهُ وحِينئذٍ يَرْتَاح يَمْشِي على نُور وعلى بَيِّنَة، وعلى بُرْهَان، وعلى بَصِيرَة.