التعليق على تفسير القرطبي - سورة الزخرف (03)
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
عليكم السلام ورحمة الله وبركاته
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين،
قال الإمام القرطبي -رحمه الله تعالى:
"اللَّفْظُ الرَّابِعُ: الْعَقِبُ، وَهُوَ فِي اللُّغَةِ عِبَارَةٌ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَ شَيْءٍ كَانَ مِنْ جِنْسِهِ أَوْ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ، يُقَالُ: أَعْقَبَ اللَّهُ بِخَيْرٍ، أَيْ جَاءَ بَعْدَ الشِّدَّةِ بِالرَّخَاءِ، وَأَعْقَبَ الشَّيْبُ السَّوَادَ، وَعَقَبَ يَعْقِبُ عُقُوبًا وَعَقْبًا إِذَا جاء شيئًا بعد شيء، وَلِهَذَا قِيلَ لِوَلَدِ الرَّجُلِ: عَقِبُهُ، وَالْمِعْقَابُ مِنَ النِّسَاءِ: الَّتِي تَلِدُ ذَكَرًا بَعْدَ أُنْثَى، هَكَذَا أَبَدًا، وَعَقِبُ الرَّجُلِ: وَلَدُهُ وَوَلَدُ وَلَدِهِ الْبَاقُونَ بَعْدَهُ، وَالْعَاقِبَةُ الْوَلَدُ، قَالَ يَعْقُوبُ: فِي الْقُرْآنِ { وَجَعَلَها كَلِمَةً باقِيَةً فِي عَقِبِهِ"}، وَقِيلَ: بَلِ الْوَرَثَةُ كُلُّهُمْ عَقِبٌ، وَالْعَاقِبَةُ الْوَلَدُ، وَلِذَلِكَ فَسَّرَهُ مجاهد هنا، وقال ابن زيد: ها هنا هُمُ الذُّرِّيَّةُ، وَقَالَ ابْنُ شِهَابٍ: هُمُ الْوَلَدُ وَوَلَدُ الْوَلَدِ، وَقِيلَ غَيْرُهُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ عَنِ السُّدِّيِّ.
وَفِي الصِّحَاحِ: الْعَقِبُ (بِكَسْرِ الْقَافِ) مُؤَخَّرُ الْقَدَمِ وَهِيَ مُؤَنَّثَةٌ، وَعَقِبِ الرَّجُلِ أَيْضًا وَلَدُهُ وَوَلَدُ وَلَدِهِ، وَفِيهِ لُغَتَانِ: عَقِبٌ وَعَقْبٌ (بِالتَّسْكِينِ)، وَهِيَ أَيْضًا مُؤَنَّثَةٌ، عَنِ الْأَخْفَشِ، وَعَقِبُ فُلَانٌ مَكَانَ أَبِيهِ عَاقِبَةً أَيْ خَلْفَهُ، وَهُوَ اسْمٌ جَاءَ بِمَعْنَى الْمَصْدَرِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: { لَيْسَ لِوَقْعَتِها كاذِبَةٌ} [الواقعة: 2]. وَلَا فَرْقَ عِنْدَ أَحَدٍ مِنَ الْعُلَمَاءِ بَيْنَ لَفْظِ الْعَقِبِ وَالْوَلَدِ فِي الْمَعْنَى، وَاخْتُلِفَ فِي الذُّرِّيَّةِ وَالنَّسْلِ فَقِيلَ: إِنْهَمَّا بِمَنْزِلَةِ الْوَلَدِ وَالْعَقِبِ، لَا يَدْخُلُ وَلَدُ الْبَنَاتِ فِيهِمَا عَلَى مَذْهَبِ مَالِكٍ، وَقِيلَ: إِنَّهُمْ يَدْخُلُونَ فِيهِمَا، وَقَدْ مَضَى الْكَلَامُ فِي الذُّرِّيَّةِ هُنَا وَفِي" الْأَنْعَامِ" .
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
اللفظ الرابع من الألفاظ التي يتداولها الناس، وجاءت بها اللغة، وجاءت بها النصوص بعد الولد والذرية والعقب، هذه يُحتاج إليها في الوصايا والأوقاف والمواريث، يعني إذا وقف على عقبه أو على نسله أو على ذريته أو على ولده ذكر هنا اللفظ، وهو في اللغة عبارة عن شيء بعد شيء، يعني شيء يأتي بعد شيء، من التعاقب، ومنه الحديث: «يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار»، يعني هؤلاء يعقبون هؤلاء، بحيث لا يجتمعون إلا في الوقت الذي ينزل فيه هؤلاء ويصعد فيه هؤلاء، ولا يلزم من ذلك عدم الاجتماع، وإلا لقلنا: إن العقب هو الولد الذي يأتي بعد موت أبيه، بمعنى أنه يعقبه، فإذا وُلد بحياته فهو عقب ومع ذلك اجتمع معه قوله عبارة عن شيء بعد شيء لا يلزم منه أن يكون بعد زواله وانقضائه سواء من جنسه أو من غير جنسه، وأكثر ما يقال عقب لما يأتي بعد غيره على التدريج لا دفعة واحدة، كالشيب مثلًا، أعقب الشيب السواد، يعني ما يأتي دفعة واحدة، وكذلك بعد الشدة الرخاء ، الرخاء لا يأتي فجأة، لا ينام الناس في شدة ثم يصبحون في رخاء، حيث يعمهم الرخاء، إنما يأتي هذا شيئًا بعد شيء.
"اللَّفْظُ الْخَامِسُ: نَسْلِي، وَهُوَ عِنْدَ عُلَمَائِنَا كَقَوْلِهِ: وَلَدِي وَوَلَدُ وَلَدِي، فَإِنَّهُ يَدْخُلُ فِيهِ وَلَدُ الْبَنَاتِ، وَيَجِبُ أَنْ يَدْخُلُوا؛ لِأَنَّ نَسَلَ بِهِ بِمَعْنَى خَرَجَ، وَوَلَدُ الْبَنَاتِ قَدْ خَرَجُوا مِنْهُ بِوَجْهٍ، وَلَمْ يَقْتَرِنْ بِهِ مَا يَخُصُّهُ كَمَا اقْتَرَنَ بِقَوْلِهِ عَقِبِي مَا تَنَاسَلُوا، وَقَالَ بَعْضُ عُلَمَائِنَا: إِنَّ النَّسْلَ بِمَنْزِلَةِ الْوَلَدِ وَالْعَقِبِ لَا يَدْخُلُ فِيهِ وَلَدُ الْبَنَاتِ، إِلَّا أَنْ يَقُولَ الْمُحْبِسُ: نَسْلِي وَنَسْلُ نَسْلِي، كَمَا إِذَا قَالَ: عَقِبِي وَعَقِبُ عَقِبِي، وَأَمَّا إِذَا قَالَ: وَلَدِي أَوْ عَقِبِي مُفْرَدًا فَلَا يَدْخُلُ فِيهِ الْبَنَاتُ".
وأهل العلم يختلفون في مثل هذا، في مثل ما إذا اختلفت الحقيقة اللغوية عن الحقيقة العرفية، يعني إذا وقف على نسله، والنسل مثلما قال: بأن نسل بمعنى خرج، نسله من خرج من صلبه وما تعاقبوا ونسل نسله يريد به الأولاد عمومًا البنين والبنات وأولادهم، هذا من حيث اللغة، لكن من حيث العرف هل يدخلون يدخل أولاد البنات كما قيل في الولد، كما قيل في الذرية أو لا يدخلون؟ هذه مسألة يختلف فيها هذه الحقائق، ويختلف أهل العلم في المقدَّم من هذه الحقائق عند الاختلاف، ولا شك أن العالم الذي يعرف مدلولات الألفاظ يطالب بما تدل عليه لغته؛ لأنه من أهلها، والعامي الذي لا يعرف مدلولات الألفاظ فإنه يُخاطب باصطلاحه، ويُعامَل باصطلاحه.
هناك كلمات تُشكِل على كثير ممن يتصدى لتطبيق هذه الوصايا والأوقاف؛ لأنها استُعملت، وعُرفت في وقت دون وقت، وانقضت، صارت لا تُستعمل ولا تُتُداول، فيحصل فيه الخلاف الكبير، وإن وجد من يحلها من كبار السن، أو وُجِدت في بعض الكتابات القديمة وفيها بيان لها وإلا بقيت مشكلة، بقيت مشكلة.
"اللَّفْظُ السَّادِسُ: الْآلُ، وَهُمُ الْأَهْلُ، وَهُوَ اللَّفْظُ السَّابِعُ".
الآل السادس، والأهل السابع على خلاف بين أهل العلم في الآل هل أصله أهل؛ لأنه يُصغر على أُهيل، آل الرجل أهله يُصغر على أُهيل أو أن "أهل" تفسير للآل، والآل من الأَوْل؛ وهو الرجوع؛ لأنه يرجع إليهم.
" قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: هُمَا سَوَاءٌ، وَهُمُ الْعَصَبَةُ وَالْإِخْوَةُ وَالْبَنَاتُ وَالْعَمَّاتُ، وَلَا يَدْخُلُ فِيهِ الْخَالَاتُ، واصل أهل الاجتماع، يُقَالُ: مَكَانُ آهل إِذَا كَانَ فِيهِ جَمَاعَةٌ".
وهل يدخل الشخص في آله وأهله؟ في قوله –جل وعلا-: { ويوم تقوم الساعة أدخلوا آل فرعون أشد العذاب} قالوا: دخوله أولي، يدخل، لكن إذا أوصى أو وقف على آله وأهله، ثم احتاج أن يأكل فهل يأكل أو لا يأكل؟ هل نقول: إنه يدخل دخولًا أوليًّا؛ لأنه ما أوصى لهم إلا من بابا الشفقة عليهم، ولا شك بأن شفقته على نفسه أشد، فيدخل في آله أو لا يدخل؟ إذا وقف قال: غلة هذه المزرعة أو هذه المحلات لأهلي أو لآلي، وقف منجز، ثم احتاج بعد ذلك أن يأكل، فهل يأكل أو لا يأكل؟ يستفيد أو لا يستفيد؟
طالب: يأكل.
نعم؟
طالب: يأكل.
إذا عاملنه بلفظه، هو ما وقف على نفسه، ما قال: علي وعلى أهلي وعلى آلي؟
طالب: وكما قلته وما أنفق إلا لأنه..
من باب الشفقة على آله وأهله، والشفقة على نفسه إذا نظرنا إلى المعنى قلنا: هو أولى منهم.
طالب:...محتاج.....
هو في وقت من الأوقات غير محتاج، لكن احتاج بعد أن خرج الوقف من يده.
طالب: ........
ماذا يقول الشيخ يدخل أو ما يدخل؟
طالب: القول. القول ... الأصل أنه لا يدخل ...
على ماذا؟
طالب: الأصل أنه ما يدخل...
نعم، مقتضى اللفظ أنه ما يدخل، يعني من أين أخذنا أن فرعون دخل في الآية دخولًا أوليًّا؟ يعني ما يمكن، نجاته غير متصورة، لا بد أن يدخل، النصوص وعذابه مقطوع بأنه أشد منهم، فدخوله فيها قطعي، وإذا نظرنا إلى المعنى هناك نظرنا إلى النصوص الأخرى، وهنا ننظر إلى المعنى فإذا قلنا: إن سبب وقفه على آله وأهله الشفقة عليهم خشية أن يحتاجوا فلا يجدوا، فوقف عليهم هذا، وبعض الناس يتخذ الوقف الذري من أجل أن يضمن عدم بيع الموقوف، بعض الورثة ولو كانت الأموال طائلة، تأتي إليه بعد سنة وما معه شيء، لا يحسن التصرف في الأموال، فيحتاج الأب في مثل هذه الصورة إلى أن يقف عليهم ما يسكنون فيها، بحيث لا يحتاجون إلى أن يتنقلوا من بيت إلى بيت، وقد لا يجدون أجرة، فيحفظ لهم هذا البيت؛ من أجل ألا يتعرضوا لحاجة، لاسيما السكن، والسكن في قديم الزمان وحديثه هو من الحاجات الأصلية الضرورية التي من فقدها يتعرض إلى مشقة شديدة.
طالب: نقل الوقف.
نقل الوقف إذا تعطلت منافعه، إذا تعطلت منافعه.
طالب:....اليوم. ....لكن الصرف ...بنفس السعر....وقف آخر بنفس الشروط.....
لا، هذا ما تعطَّلت منافعه، لكن إذا افترضنا هذا الوقف وُقِف على شخص، واقتضت المصلحة في نظر ولي الأمر أن ينقله من هذا البلد إلى بلد آخر، وكون الوقف في محل أو في محل آخر وإن لم تتعطل منافعه عليه مشقة شديدة، في مثل هذه الصورة الاجتهاد ممكن، لكن يتصرفون في الأوقاف تصرفات غير مرضية، بعض الأسر إذا وُقِف عليهم شيء- وهذا كثير جدًّا يحصل مشاكل وقطيعة رحم بسببه، وحينئذ هذا الوقف لا يحقق الهدف الشرعي الذي من أجله شُرع الوقف، فهل يُباع وتُوزَّع عليهم تركة، وينتهون ويفرغون من هذه القطيعة، أو يبقى وقفًا، كما هو الأصل في حكمه الشرعي؟
أسر من مائة سنة ما يكلم بعضهم بعضًا، كله من أجل هذا الوقف، تعاقبوا على هذا، وتناقلوا هذه الإحن والعداوات، وصار لا يكلم بعضهم بعضًا؛ من أجل هذه الأوقاف، بعض أهل العلم يستروح أنه هذا في الحقيقة ليس بوقف؛ لأنه لا يحقق الهدف الشرعي الذي من أجله شُرع الوقف، إذا كان هذا الوقف قُصِد به الثواب من الله، ثم أُوقف وصار محلات تجارية فيه المباح والمحرم، يباع فيها المباح والمحرم، فهل هذا وقف؟ هل يحقق الهدف الشرعي الذي من أجله شرع الوقف؟ لا.
شيخ الإسلام –رحمه الله- يرى أن الوقف إذا لم يتحقق به الهدف الشرعي فليس في الحقيقة وقفًا، فليس بوقف، وكثير من الأوقاف تصعب السيطرة عليها إذا كانت كبيرة، تصعب السيطرة عليها، فالمسألة تحتاج إلى دقة نظر من الواقف قبل أن يبرم العقد الملزم.
هناك أوقاف تُوقف ثم يتسلّط عليها بعض الولاة أو بعض الأنظمة في بعض الدول، وتستولي عليها، وتترك الورثة بدون وقف؛ لأن وزارات الأوقاف ما أُسِّست إلا من أجل هذه الأوقاف، فبعضهم بحق، وبعضهم بغير حق يتسلط على هذه الأوقاف، ويستولى عليها، ويترك ورثة الواقف فقراء يتكففون الناس، فالإنسان عليه أن يدرس وضعه قبل أن يجري الوقف، ويدرس الآثار المترتبة عليه، ويضبط وقفه بضوابط لا يحصل بعدها مشاكل بين الورثة أو قطيعة أو ما أشبه ذلك.
طالب: ........
أما مسالة الوقف الذري فهذه مسألة مختلف فيها هل يسمى وقفًا أو ما يسمى وقفًا؟ المقصود أن الفائدة منه عند من يجيزه أن يستمر هذا البيت لهم ما يبيعونه بحيث يتعرضون لإهانات، يجدون سكنًا يأويهم، والبقية أمرها أسهل، القوت أمره أسهل كما تشاهدون الآن مشكلة المشاكل السكن، نعم.
طالب:...........
كل ما عنده هو الثلث.
طالب:.......
ماذا؟
طالب: الثلث ......
ويكون على نظره وتحت يديه، يكون وقفًا منجزًا أم ماذا يفعل له؟
طالب: ........
هو الآن أسلم ما يمكن أن تصرف فيه هذه الأموال المساجد، ما فيها مشاكل، عمر وخلاص يصلون الناس وانتهى الإشكال، أم أوقاف على ورثة متشاكسين، يعني تجد أسرًا كانت أسر فضل وعلم وخير صارت معروفة بالقطيعة؛ من أجل هذه الأوقاف، لكن لو أراد أن يوقف مثل هذا النوع، يعدد الأوقاف بعدد ما يحتمل من الورثة، يقول: هذا وقف على هذا، وقف يعني يبنى عمارة ويقول: شقة لفلان وقف عليه، وهذا لفلان، وهذه لفلان مع أنه بالنسبة للأجر بعض أهل العلم لا يرتب عليه أجرًا؛ لأنه هذا في حكم الميراث، لكنه من باب الشفقة عليهم؛ لئلا يضطروا إلى أن يخرجوا من البيت أوقفه عليهم، وبعضهم يشكك في صحته، صحة الوقف الذري ونفوذه؛ لأن الأصل أن يحبس لله، لا للورثة، ولا شك أن النفقة على المحتاج سواء من الورثة وهم أولى أو من غيرهم، من أعظم أبواب البر، ويبقى أنه لا يجوز له أن يوصي لوارث بالشخص، بالشخص، يعني فلان له من وصيتي أو من تركتي كذا دون غيره، لا يجوز، «لا وصية لوارث» لكن إن أوصى بالوصف، لطالب العلم من ذريتي، أو للمحتاج من ذريتي، فهذا لا بأس به؛ لأنه لا يقصد منه التمييز بين الورثة.
"وَذَلِكَ بِالْعَصَبَةِ وَمَنْ دَخَلَ فِي الْقُعْدَدِ مِنَ النِّسَاءِ، وَالْعَصَبَةُ مُشْتَقَّةٌ مِنْهُ وَهِيَ أَخْصُّ بِهِ، وَفِي حَدِيثِ الْإِفْكِ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَهْلُكَ! وَلَا نَعْلَمُ إِلَّا خَيْرًا."
القعدد القرب والدنو من الموصي، يعني العصبة وإن بعدوا والنساء القريب منه، لذلك لما قالوا في أصح الأسانيد مالك عن نافع عن ابن عمر قالوا: إذا روى عن مالك الشافعي صار أصح الأسانيد من أجل القعدد هذه. قالوا: أصح الأسانيد بعد مالك الشافعي عن مالك عن بن عمر بعد الشافعي إذا روى أحمد عن الشافعي عن مالك عن ابن عمر.
اعتُرِض على هذا بأن الشافعي وإن أخذ عن مالك ألا أنه ليس بقريب منه، فابن وهب والقعنبي قالوا لهما: القعدد من مالك، يعني لهما القرب من الإمام مالك، فهم أولى بالرواية بالتصحيح؛ لأن ملازمة الشيوخ لها دول ودخل مدخل في قوة الرواية وضعفها، لكن أجابوا وأكثر من كتب في هذا من الشافعية قالوا: وإن كان لهم القعدد، فأين منزلتهما من منزلة الإمام الشافعي؟
وعلى كل حال مسألة القول بأصح الأسانيد معروفة، وبعضهم لا يجيز إطلاقًا، والداعي لذكرها ما عندنا المراد بالقعدد القرب.
وهنا قال: يقول في الأصول في العقد، من دخل في العقد، وفي ابن العربي من دخل في العقدة، وقد أثبتناه كما ترى، يعني من غير الأصول، أثبتناه كما ترى استئناسًا بما في شرح الباجي على الموطأ وعبارته، ولا يدخل في ذلك الخالات، ومعنى ذلك عندي العصبة أو من كان في قعددهن من النساء. والقعدد بضم أوله وسكون ثانيه وضم ثالثه: القربى يعني الأقرب، يعني القريب من النساء بخلاف العصبة فإنهم ولو بعدوا.
"وَفِي حَدِيثِ الْإِفْكِ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَهْلُكَ! وَلَا نَعْلَمُ إِلَّا خَيْرًا، يَعْنِي عَائِشَةَ، وَلَكِنْ لَا تَدْخُلُ فِيهِ الزَّوْجَةُ بِإِجْمَاعٍ، وَإِنْ كَانَتْ أَصْلَ التَّأَهُّلِ".
أَهْلُكَ! وَلَا نَعْلَمُ إِلَّا خَيْرًا هذا كلام من؟
طالب: أسامة.
من؟
طالب: علي.
طالب: علي.
لا، علي قال: النساء غيرها كثير.
طالب: ........
طالب: نعم أسامة
نعم أسامة وقريب منه قول بريرة لما استشاره –عليه الصلاة والسلام-.
"وَلَكِنْ لَا تَدْخُلُ فِيهِ الزَّوْجَةُ بِإِجْمَاعٍ وَإِنْ كَانَتْ أَصْلَ التَّأَهُّلِ" لِأَنَّ ثُبُوتَهَا لَيْسَ بِيَقِينٍ؛ إِذْ قَدْ يَتَبَدَّلُ رَبْطُهَا وَيَنْحَلُّ بِالطَّلَاقِ، وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ: آلُ مُحَمَّدٍ كُلُّ تَقِيٍّ، وَلَيْسَ مِنْ هَذَا الْبَابِ، وَإِنَّمَا أَرَادَ أَنَّ الْإِيمَانَ أَخْصُّ مِنَ الْقَرَابَةِ، فَاشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ الدَّعْوَةُ وَقُصِدَ بِالرَّحْمَةِ، وَقَدْ قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ التُّونِسِيُّ: يَدْخُلُ فِي الْأَهْلِ كُلُّ مَنْ كَانَ مِنْ جِهَةِ الْأَبَوَيْنِ، فَوَفَّى الِاشْتِقَاقَ حَقَّهُ وَغَفَلَ عَنِ الْعُرْفِ وَمُطْلَقِ الِاسْتِعْمَالِ، وَهَذِهِ الْمَعَانِي إِنَّمَا تُبْنَى عَلَى الْحَقِيقَةِ أَوْ عَلَى الْعُرْفِ الْمُسْتَعْمَلِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ، فَهَذَانِ لَفْظَانِ"
يعني الخلاف بين أهل العلم في تقديم الحقائق بعضها على بعض، يعني مثل الأيمان والنذور الجمهور يقول: مبناها على العرف، مبناها على العرف، ولو خالف الحقيقة الشرعية واللغوية؛ مثلاً المرجح عند أهل العلم أن الشعر والظفر في حكم المنفصل، ولذا جاز جزُّه عن الحيوان، ولو كان متصلًا لكان داخلًا في قوله: وما أبين من حي فهو كالميتة، ومثلها الظفر، لكن لو حلف ألا يمس حيوانًا، فوضع يده فوق ظهره، وقلنا: الشعر في حكم المنفصل، يحنث أو ما يحنث؟
طالب: يحنث.
بناءً على أن العرف يدخل الشعر في الحيوان، الحيوان بما حواه جلده، بما فيه شعره، والإمام مالك يقول: لا، لا يقدم العرف على ما ينويه الحالف أو الناذر، العبرة بما في نيته ولو خالف العرف.
طالب: أحسن الله إليك، دعوى الإجماع في عدم دخول الزوجة في الأهل؟
يرده قوله في حديث الصلاة الإبراهيمية في آخر التشهد: «اللهم صلي على محمد وعلى آل محمد» جاء بدله أزواجه وذريته، فدخل الأزواج في آل محمد.
طالب: من يعذرني في رجل بلغ أذاه في بيتي....
في أهلي، في أهلي، هو لا شك أن الإطلاق يشمله، يشمل، والأهل هنا قال: ولا تدخل فيه الزوجة بإجماعِ، وإن كانت أصل التأهل، يعني بقية الأهل فروع عنها، إذا كان المقصود الذرية كلهم فروع عنها، لكن ما الذي منع من الدخول؟ قال: لأن ثبوتها ليس بيقين، يعني مشكوك فيه؛ إذ قد يتبدل ربطها وينحل بالطلاق، مادامت في عصمته فهي من أهله، مادامت في عصمته فهي مقطوع بأنها من أهله، والاحتمال وإن كان قائمًا إلا أنه الأصل، يعني خلاف احتمال انحلال العلاقة.
طالب: استثناء من الأهل في قوم لوط رأت لوط وأهله إلا امرأته.
حتى في ولده إنه ليس من أهلك، إنه ليس من أهلك، وولده، هذه الحالات مسألة اختلاف الدين، يعني الدين فوق كل شيء، فوق كل علاقة، وفوق كل رابط، فإذا انتهى هذا الأمر الأعظم في الربط بين الناس، فخلاص انتهى كل شيء، يعني إذا كان هذا مسلمًا، وهذا كافرًا انتهت كل العلاقة.
طالب:.........
والله، مسائل الإجماع يتسرع فيها بعض أهل العلم، ويتساهلون في نقله، ويكثرون من ذلك، وهذا موجود بكثرة في كلام أهل العلم، لكن الشوكاني قال: دعاوى الإجماع تجعل طالب العلم لا يهاب من الإجماع، يعني بعض من يتسرع في نقل الإجماع، وبعضهم ينقل الإجماع، وينقل الخلاف نفسه، وبعضهم ينقل الإجماع في مسائل اشتهر فيه الخلاف عن أئمة، النووي كثيرًا ما ينقل الإجماع، وينقل الخلاف، وقد ينقل الإجماع والخلاف معروف في كتب متداولة لا تخفى على الخاص والعام. قال: وعيادة المريض سنة بالإجماع، مع قول الإمام البخاري: باب وجوب عيادة المريض، وقال أيضًا: وصلاة الكسوف سنة بالإجماع، مع قول أبي عوانة: باب وجوب صلاة الكسوف، فالبخاري ما يخفى عن النووي ولا عن غير النووي.
طالب: أيهما أصح اللفظين اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد في التشهد أو اللهم صلِّ على محمد وعلى أزواجه وذريته؟
لا، آل محمد أكثر.
طالب: آل محمد.
أكثر، أكثر نعم.
"اللَّفْظُ الثَّامِنُ: قَرَابَةٌ، فِيهِ أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ: الْأَوَّلُ: قَالَ مَالِكٌ فِي كِتَابِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدُوسٍ: إِنَّهُمُ الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ بِالِاجْتِهَادِ، وَلَا يَدْخُلُ فِيهِ وَلَدُ الْبَنَاتِ وَلَا وَلَدُ الْخَالَاتِ".
قال محمد: قال مالك في كتاب محمد بن عبدوس، يعني مما جمعه محمد بن عبدوس من أقوال الإمام مالك، وهذه الكتب معروفة عند المالكية، كتب تجمع أقوال الإمام مالك، وكتب أيضًا عند الشافعي تجمع أقوال الشافعي، بحيث لا تخلطها بغيرها، فتخرج أقوال الإمام منها.
"الثَّانِي: يَدْخُلُ فِيهِ أَقَارِبُهُ مِنْ قِبَلِ أَبِيهِ وَأُمِّهِ، قاله عَلِيُّ بْنُ زِيَادٍ، الثَّالِثُ: قَالَ أَشْهَبُ: يَدْخُلُ فِيهِ كُلُّ رَحِمٍ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ، الرَّابِعُ: قَالَ ابْنُ كِنَانَةَ: يَدْخُلُ فِيهِ الْأَعْمَامُ وَالْعَمَّاتُ وَالْأَخْوَالُ وَالْخَالَاتُ وَبَنَاتُ الْأُخْتِ، وَقَدْ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ تَعَالَى: { قُلْ لَا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى} [الشورى: 23] قَالَ: إِلَّا أَنْ تَصِلُوا قَرَابَةَ مَا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ، وَقَالَ: لَمْ يَكُنْ بَطْنٌ مِنْ قُرَيْشٍ إِلَّا كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -قَرَابَةٌ، فَهَذَا يَضْبِطُهُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ."
لكن كما يقرر أهل العلم أن المشقة تجلب التيسير، إذا كثروا، واحتملهم اللفظ، يعني صاروا قبائل متزاوجة ومتداخلة، وصار بينهم قرابة، فهل يدخلهم في مثل ما هم فيه من أوقاف ووصايا، ويلزم صلتهم كلهم بأعيانهم؟ لا يلزم؛ لأن هذا أمر غير مقدور عليه، وتختلف الصلة من شخص إلى آخر، فالشخص الذي ليس له إلا عم واحد وخال واحد وعمة واحدة وخالة واحدة تتأكد عليه الصلة أكثر مما تتأكد على من عنده عشرة أعمام وعشرة أخوال وستة خالات؛ لأن هذا إذا وصل الثاني بمستوى الصلة التي يصل بها الأول تعطلت مصالحه، تعطلت مصالحه، بعض الناس إذا أراد أن يدور على أقاربه من كثرتهم يحتاج إلى وقت طويل، تتعطل فيه المصالح، فمثل هذا يُقتصر على الأصول ومن قرب منهم من الفروع، أما بالنسبة للأول فيسترسل في الفروع بقدر، بحيث لا يشق عليه، فهذه الأمور غير محددة في الشرع؛ نظرًا إلى المشقة وعدمها، فإذا كثروا خف بالنسبة لصلتهم ما يشق أمر ما يشق، وإذا قاربوا تأكدت صلة الجميع إذا قلوا.
طالب: ........
نعم؟
طالب: قوله تعالى: { الذين أمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان}. قالوا: إن ... النبي –صلى الله عليه وسلم- قالوا.....داخل في درجته.....
على كل حال اتبعتهم ذريتهم بإيمان، بإيمان، لا بأس، منهم من يحد الذرية والولد بالسابع فقط، ولا يسترسل إلى قيام الساعة، على كل حال فضل الله واسع، لكن الشرط لا بد منه بإيمان، أما المخالف فلا يلحق.
"اللَّفْظُ التَّاسِعُ: الْعَشِيرَةُ، وَيَضْبِطُهُ الْحَدِيثُ الصَّحِيحُ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمَّا أَنْزَلَ: { وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ} [الشعراء: 214] دَعَا النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -بُطُونَ قُرَيْشٍ وَسَمَّاهُمْ- كَمَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ- وَهُمُ الْعَشِيرَةُ الْأَقْرَبُونَ، وَسِوَاهُمْ عَشِيرَةٌ فِي الْإِطْلَاقِ، وَاللَّفْظُ يُحْمَلُ عَلَى الْأَخَصِّ الْأَقْرَبِ بِالِاجْتِهَادِ، كَمَا تَقَدَّمَ مِنْ قول علمائنا.
اللَّفْظُ الْعَاشِرُ: الْقَوْمُ، يُحْمَلُ ذَلِكَ عَلَى الرِّجَالِ خاصة من العصبة دون النساء، والقوم يَشْمَلُ الرِّجَالَ وَالنِّسَاءَ، وَإِنْ كَانَ الشَّاعِرُ قَدْ قَالَ:
وَمَا أَدْرِي وَسَوْفَ إِخَالُ أَدْرِي أَقَوْمٌ آلُ حِصْنٍ أَمْ نِسَاءُ"
يعني الأولى من ذلك: {لا يسخر قوم من قوم ... ولا نساء من نساء} دل على أن النساء لا تدخل القوم.
"وَلَكِنَّهُ أَرَادَ أَنَّ الرَّجُلَ إِذَا دَعَا قَوْمَهُ لِلنُّصْرَةِ عَنَى الرِّجَالَ، وَإِذَا دَعَاهُمْ لِلْحُرْمَةِ دَخَلَ فِيهِمُ الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ، فَتُعَمِّمُهُ الصِّفَةُ وَتُخَصِّصُهُ الْقَرِينَةُ ، اللَّفْظُ الْحَادِيَ عَشَرَ- الْمَوَالِي، قَالَ مَالِكٌ: يَدْخُلُ فِيهِ مَوَالِي أَبِيهِ وَابْنِهِ مَعَ مَوَالِيهِ، وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ: يَدْخُلُ فِيهِ أَوْلَادُ مَوَالِيهِ، قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: وَالَّذِي يَتَحَصَّلُ مِنْهُ أَنَّهُ يَدْخُلُ فِيهِ مَنْ يَرِثُهُ بِالْوَلَاءِ، قَالَ: وَهَذِهِ فُصُولُ الْكَلَامِ وَأُصُولُهُ الْمُرْتَبِطَةُ بِظَاهِرِ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ الْمُبَيِّنَةِ لَهُ، وَالتَّفْرِيعُ وَالتَّتْمِيمُ في كتاب المسائل، والله أعلم."
التفريع والتتميم في كتاب المسائل، يعني بعد أن فصل هذا التفصيل كله في جميع الألفاظ المحتملة على كلمة باقية في عقبه، الأصل العقب ثم حاء بعشرة ألفاظ زائدة على المطلوب، كله لأنها تشترك معها في الأحكام.
طالب: ألا يقال ...بالبيت...
يعني حتى هنا ما دام استدل بالبيت لماذا يستدل بالآية؟
"قَوْلُهُ تَعَالَى: { بَلْ مَتَّعْتُ" وقرى" بَلْ مَتَّعْنَا}" هؤُلاءِ وَآباءَهُمْ" أَيْ فِي الدُّنْيَا بِالْإِمْهَالِ،" حَتَّى جاءَهُمُ الْحَقُّ" أَيْ مُحَمَّدٌ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -بِالتَّوْحِيدِ وَالْإِسْلَامِ الَّذِي هُوَ أَصْلُ دِينِ إِبْرَاهِيمَ، وَهُوَ الْكَلِمَةُ الَّتِي بَقَّاهَا اللَّهُ فِي عَقِبِهِ،" وَرَسُولٌ مُبِينٌ" أَيْ يُبَيِّنُ لَهُمْ مَا بِهِمْ إِلَيْهِ حَاجَةٌ،" وَلَمَّا جاءَهُمُ الْحَقُّ" يَعْنِي الْقُرْآنَ،" قالُوا هَذَا سِحْرٌ وَإِنَّا بِهِ كافِرُونَ" جاحدون،" وَقالُوا لَوْلا نُزِّلَ" أَيْ هَلَّا نَزَلَ" هذَا الْقُرْآنُ عَلى رَجُلٍ، وقرئ " عَلَى رَجْلٍ" بِسُكُونِ الْجِيمِ، " مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ" أَيْ مِنْ إِحْدَى الْقَرْيَتَيْنِ".
لا يمكن أن يأتي رجل واحد من قريتين رجل واحد من قريتين لا يتصور اللهم إذا كان على سبيل التجوز، بمعنى أن له مسكنًا في هذه القرية ومسكنًا آخر في القرية الأخرى، فهو رجل من القريتين باعتبار المسكنين، وإلا فالأصل فالرجل منسوب إلى قرية واحدة، وهنا رجل من قريتين، يعني من مكة والطائف على رجلين، على أحد رجلين من هاتين القريتين، وهذا اقتراح منهم على الله – جل وعلا-، تعالى الله عما يقولون.
" كَقَوْلِهِ تَعَالَى: { يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجانُ} [الرحمن: 22] أَيْ مِنْ أَحَدِهِمَا، أَوْ عَلَى أَحَدِ رَجُلَيْنِ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ، الْقَرْيَتَانِ: مَكَّةُ وَالطَّائِفُ، وَالرَّجُلَانِ: الْوَلِيدُ بْنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ مَخْزُومٍ عَمُّ أَبِي جَهْلٍ، وَالَّذِي مِنَ الطَّائِفِ أَبُو مَسْعُودٍ عُرْوَةُ بْنُ مَسْعُودٍ الثَّقَفِيُّ، قَالَهُ قَتَادَةُ، وَقِيلَ: عُمَيْرُ بْنُ عَبْدِ يَالَيْلَ الثَّقَفِيُّ مِنَ الطَّائِفِ، وَعُتْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ مِنْ مَكَّةَ، وَهُوَ قَوْلُ مُجَاهِدٍ، وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ عَظِيمَ الطَّائِفِ حَبِيبُ بْنُ عَمْرٍو الثَّقَفِيُّ، وَقَالَ السُّدِّيُّ: كِنَانَةُ بْنُ عَبْدِ بْنِ عَمْرٍو، رُوِيَ أَنَّ الْوَلِيدَ بْنَ الْمُغِيرَةِ- وَكَانَ يُسَمَّى رَيْحَانَةَ قُرَيْشٍ- كَانَ يَقُولُ: لَوْ كَانَ مَا يَقُولُهُ مُحَمَّدٌ حَقًّا لَنَزَلَ عَلَيَّ أَوْ عَلَى أَبِي مَسْعُودٍ، فَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: { أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ}".
{الله أعلم حيث يجعل رسالته}.
"يَعْنِي النُّبُوَّةَ فَيَضَعُونَهَا حَيْثُ شَاءُوا { نَحْنُ قَسَمْنا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا}".
نعم يعني إذا كان ما بين أيديهم من المعيشة وما لهم به سبب لا يستطيعون قسمته، فكيف يقسمون ما ليس في أيديهم وما لا سبب لهم به الذي هو النبوة؟
"أَيْ أَفْقَرْنَا قَوْمًا وَأَغْنَيْنَا قَوْمًا، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ أَمْرُ الدُّنْيَا إِلَيْهِمْ فَكَيْفَ يُفَوَّضُ أَمْرُ النُّبُوَّةِ إِلَيْهِمْ، قَالَ قَتَادَةُ: تَلْقَّاهُ ضَعِيفُ الْقُوَّةِ قَلِيلُ الْحِيلَةِ عَيِيُّ اللِّسَانِ وَهُوَ مَبْسُوطٌ لَهُ، وَتَلْقَّاهُ شَدِيدُ الْحِيلَةِ بَسِيطُ اللِّسَانِ وَهُوَ مُقَتَّرٌ عَلَيْهِ، وَقَرَأَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٌ وَابْنُ مُحَيْصِنٍ".
وبهذا التقدير من الله العليم القدير ظل من ظل من يعترض على القدر كيف هذا بحيلته وحكمته وذكاءه فقير، وهذا مع غفلته غني؟ كما يذكر عن المعري وغيره:
كم حالم عالم ضاقت مسالكه... وجاهل جاهل تلقاه مرزوقا
هذا الذي سير الأفهام حائرة..... وصير العالم النحرير زنديقا
نسأل الله العافية، يعترضون، والوقع يشهد بمطابقة ما يذكر هنا، تجد كثيرًا من الناس من أذكى الناس وأشدهم حيلة ومع ذلك يكون ذكاؤه وبالًا عليه، والسبب في ذلك أن مثل هذا من كثرة حسابه للعواقب لا يقدِم ولا يجزم ولا يجرؤ، والآخر الذي أقل منه ذكاءً تجده لا يحسب للعواقب، ويبرم الصفقات التي لو تأملها وتدبرها ما أقدم عليها، ثم بعد ذلك يترتب عليها ما يترتب.
يعني من طرائف ما يذكر أن أعرابيًّا قدم إلى بلد ليشتري طعامًا، فاشتري طعامًا، قمحًا قالوا: مائة وزنة، الوزنة قبل ما تُلغى، يعني قبل خمسين سنه، خمس وأربعين سنة، سنة أربعة وثمانين تقرب من كيلو ونصف، وجعلها في كيس واحد، يعني مائة وخمسين كيلو في كيس واحد كبير، فأراد أن يحملها على البعير، ما تثبت على البعير، فأخذ كيسًا آخر فملأه رملًا، وعدل به كيس القمح، وأراد أن يركب فالبعير ثقيل عليه ثلاثمائة كيلو ويركب بعد، صعب، فصار يمشي، لحقه شخص فقال له: ما هذا الذي على الدابة؟ قال: هذا عيش، وهذا رمل، قال: ارمِ الرمل واقسم القمح بين الكيسين، واركب. قال له: رأيك طيب، يعني هذا مقتضى العقل، لكن ما النتيجة؟ لما ولى المشير دعاه قال: ما الذي عندك من الأموال؟ قال: والله ما أملك إلا العصا التي بيدي وهذا الثوب المنشق، عليه ثوب مخرق، بعد أن رمى الرمل أعاده قال: دع زكاءك ينفعك، أنا عندي رعايا من الإبل والغنم وغيرها، وأعاد الرمل، لكن إعادة الرمل حمق، وإلا فانظر الآن هذا المغفل مرزوق، هذا قدر، هذا قدر الله، وذاك الذكي لا يملك شيئًا، فلا بد، بل يجب على الإنسان، بل من أركان الإيمان الإيمان بالقضاء والقدر.
"وَقَرَأَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٌ وَابْنُ مُحَيْصِنٍ فِي رِوَايَةٍ عَنْهُ" مَعَايِشَهُمْ"، وَقِيلَ: أَيْ نَحْنُ أَعْطَيْنَا عَظِيمَ الْقَرْيَتَيْنِ مَا أَعْطَيْنَا لَا لِكَرَامَتِهِمَا عَلَيَّ وَأَنَا قَادِرٌ عَلَى نَزْعِ النِّعْمَةَ عَنْهُمَا، فَأَيُّ فَضْلٍ وَقَدْرٍ لَهُمَا."
يعني إذا كان التفضيل بأمر من أمور الدنيا يعني بسببه، زال هذا الفضل وهذا التفضيل بزواله زال ما علق عليه.
"{ وَرَفَعْنا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ} أَيْ فَاضَلْنَا بَيْنَهُمْ، فَمِنْ فَاضِلٍ وَمَفْضُولٍ وَرَئِيسٍ وَمَرْءُوسٍ، قَالَهُ مُقَاتِلٌ، وَقِيلَ: بِالْحُرِّيَّةِ وَالرِّقِّ، فَبَعْضُهُمْ مَالِكٌ وَبَعْضُهُمْ مَمْلُوكٌ، وَقِيلَ: بِالْغِنَى وَالْفَقْرِ، فَبَعْضُهُمْ غَنِيٌّ وَبَعْضُهُمْ فَقِيرٌ، وَقِيلَ: بِالْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ".
يعني بعضهم آمر، وبعضهم مأمور.
"{لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً سُخْرِيًّا}".
والتنصيص على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ لأن رفع الدرجات هنا دخول الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من باب تفضيل هذه الأمة على غيرها من الأمم وإثبات خيريتها على غيرها من الأمم؛ بسبب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولذلك أورده هنا وإلا فالفروع كثيرة.
"قَالَ السُّدِّيُّ وَابْنُ زَيْدٍ: خَوَلًا وَخُدَّامًا، يُسَخِّرُ الأغنياء الفقراء فيكون بَعْضُهُمْ سَبَبًا لِمَعَاشِ بَعْضٍ، وَقَالَ قَتَادَةُ وَالضَّحَّاكُ: يَعْنِي لِيَمْلِكَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، وَقِيلَ: هُوَ مِنَ السُّخْرِيَةِ الَّتِي بِمَعْنَى الِاسْتِهْزَاءِ، أَيْ لِيَسْتَهْزِئَ الْغَنِيُّ بِالْفَقِيرِ، قَالَ الْأَخْفَشُ: سَخِرْتُ بِهِ وَسَخِرْتُ مِنْهُ، وَضَحِكْتُ مِنْهُ وَضَحِكْتُ بِهِ، وَهَزِئْتُ مِنْهُ وَبِهِ، كُلٌّ يُقَالُ، وَالِاسْمُ السُّخْرِيَةُ (بِالضَّمِّ)، وَالسُّخْرِيُّ وَالسِّخْرِيُّ (بِالضَّمِّ وَالْكَسْرِ)، وَكُلُّ النَّاسِ ضَمُّوا" سُخْرِيًّا".
يعني في الآية يعني كل القراء ضموها إلا من استُثني.
" إِلَّا ابن محيصن ومجاهد فإنهما قرءا" سخريا"، {وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ} أَيْ أَفْضَلُ مِمَّا يَجْمَعُونَ مِنَ الدُّنْيَا، ثُمَّ قِيلَ: الرَّحْمَةُ النُّبُوَّةُ، وَقِيلَ الْجَنَّةُ، وَقِيلَ: تَمَامُ الْفَرَائِضِ خَيْرٌ مِنْ كثرة النَّوَافِلِ، وَقِيلَ: مَا يُتَفَضَّلُ بِهِ عَلَيْهِمْ خَيْرٌ مما يجازيهم عليه من أعمالهم."
رحمة الله -جل وعلا – للعبد بهدايته ولزومه الاستقامة والصراط المستقيم لا شك أنه خير مما يجمعه أهل الدنيا بحذافيره، و«موضع سوط أحدكم من الجنة خير من الدنيا»، و«ركعتا الفجر خير من الدنيا وما فيها».
"قوله تعالى: {وَلَوْلا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً لَجَعَلْنا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً مِنْ فِضَّةٍ وَمَعارِجَ عَلَيْها يَظْهَرُونَ}
فِيهِ خَمْسُ مَسَائِلَ: الْأُولَى: قَالَ الْعُلَمَاءُ: ذَكَرَ حَقَارَةَ الدُّنْيَا وَقِلَّةَ خَطَرِهَا، وَأَنَّهَا عِنْدَهُ مِنَ الْهَوَانِ بِحَيْثُ كَانَ يَجْعَلُ بُيُوتَ الْكَفَرَةِ وَدَرَجَهَا ذَهَبًا وَفِضَّةً لَوْلَا غَلَبَةُ حُبِّ الدُّنْيَا عَلَى الْقُلُوبِ، فَيَحْمِلُ ذَلِكَ عَلَى الْكُفْرِ".
نعم يعني لو حصل هذا لصار كثير من ضعاف النفوس من المسلمين ينظرون إلى هؤلاء الكفرة، وهم ينظرون الآن، لكن ماذا لو كان كل الكفار على هذا المستوى؟ مع أنه يوجد في الكفار من الفقر، في بعضهم من الفقر أشد مما عند كثير من المسلمين، لكن هم تميَّزوا في أمر الدنيا، الآن هم متميزون، والناس ينظرون إليهم، ويقتدون بهم من باب اقتداء المغلوب بالغالب، ينظرون أنهم أهل الحضارة، وأهل التقدم، وحتى ضل من ضل وقال: إن الدين هو سبب تأخرنا، فسمى الدين غلًّا، وتكاليفه أغلالًّا، فارتد بذلك عن الإسلام، وردَّ عليه أهل العلم.
وهذه مقالة إلى الآن تُكرر وتُردد، وأن الكفار عندهم من النعيم، وعندهم من رغد العيش وغيره، والمناظر، حتى صار بعض المسلمين يفتن بها، ويسافر في أوقات فراغه، ثم ماذا يجني من هذه الأسفار؟ بلدانهم لا شك أنها بالنسبة للجو قد تكون أفضل من كثير من بلدان المسلمين، وبالنسبة للخصب وما أشبه ذلك، وفرص العمل عندهم أكثر؛ لأنهم هذا غاية أمرهم، هذا مبلغ علمهم، هذا غاية أمرهم، ما عندهم شيء يتمسَّكون به إلا هذه الدنيا، فاضطروا إلى أن ينتبه لها، أما المسلم الأصل أنه مشغول بالعبودية، لتحقيق العبودية، ثم بعد ذلك جاء الأمر: {ولا تنس نصيبك من الدنيا}، يعني اعمل لدنياك، لكن لا يشغلك عن الهدف الأصلي، فعمارة الدنيا ليست للمسلم، لماذا؟
لأن الأصل أنها ليست للمسلم، ولذا نجد التميز في بلاد الكفار في كل شيء من أمور الدنيا، فلو كانت دنياهم أوسع من هذا، يعني أنه فتن بهم كثير من المسلمين، لو كان مثل ما ذكر الله– جل وعلا- {لجعلنا لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم سقفا من فضة ومعارج عليه يظهرون}، ثم بعد ذلك سيأتي ذكر الذهب، يعني كل واحد منهم هذا مستواه، تجد كثيرًا من ضعفاء النفوس ومن ضعيفي الإيمان واليقين يرتد عن دينه، ولأنه لو كان ديننا هو الحق والخير لرحمنا مثلهم، وما يدري أن الله –جل وعلا- يعطي الدنيا لمن يحب ولمن لا يحب، ولكنه –جل وعلا- لا يعطي الدين إلا من أحب.
"قَالَ الْحَسَنُ: الْمَعْنَى لَوْلَا أَنْ يَكْفُرَ النَّاسُ جَمِيعًا بِسَبَبِ مَيْلِهِمْ إِلَى الدُّنْيَا وَتَرْكِهِمُ الْآخِرَةَ لَأَعْطَيْنَاهُمْ فِي الدُّنْيَا مَا وَصَفْنَاهُ؛ لِهَوَانِ الدُّنْيَا عِنْدَ اللَّهِ -عَزَّ وَجَلَّ-، وَعَلَى هَذَا أَكْثَرُ الْمُفَسِّرِينَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَالسُّدِّيُّ وَغَيْرُهُمْ، وَقَالَ ابْنُ زيد: { وَلَوْلا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً} فِي طَلَبِ الدُّنْيَا وَاخْتِيَارِهَا عَلَى الْآخِرَةِ " لَجَعَلْنا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً مِنْ فِضَّةٍ"، وَقَالَ الْكِسَائِيُّ: الْمَعْنَى لَوْلَا أَنْ يَكُونَ فِي الْكُفَّارِ غَنِيٌّ وَفَقِيرٌ وَفِي الْمُسْلِمِينَ مِثْلُ ذَلِكَ لَأَعْطَيْنَا الْكُفَّارَ مِنَ الدُّنْيَا هَذَا لِهَوَانِهَا.
الثَّانِيَةُ: قَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ وَأَبُو عَمْرٍو: " سَقْفًا" بِفَتْحِ السِّينِ وَإِسْكَانِ الْقَافِ عَلَى الْوَاحِدِ، وَمَعْنَاهُ الْجَمْعُ، اعْتِبَارًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: { فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ} [النحل: 26]، وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِضَمِّ السِّينِ وَالْقَافِ عَلَى الْجَمْعِ، مِثْلَ رَهْنٍ وَرُهُنٍ، قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَلَا ثَالِثَ لَهُمَا، وَقِيلَ: هُوَ جَمْعُ سَقِيفٍ، مِثْلَ كَثِيبٍ وَكُثُبٍ، وَرَغِيفٍ وَرُغُفٍ، قَالَهُ الْفَرَّاءُ، وَقِيلَ: هُوَ جَمْعُ سُقُوفٍ، فَيَصِيرُ جَمْع الْجَمْعِ: سَقْفٌ وَسُقُوفٌ، نَحْوَ فَلْسٍ وَفُلُوسٍ، ثُمَّ جَعَلُوا فُعُولًا كَأَنَّهُ اسْمٌ وَاحِدٌ فَجَمَعُوهُ عَلَى فُعُلٍ، وَرُوِيَ عَنْ مُجَاهِدٍ" سَقْفًا" بِإِسْكَانِ الْقَافِ، وَقِيلَ: اللَّامُ فِي { لِبُيُوتِهِمْ} بِمَعْنَى عَلَى، أَيْ عَلَى بُيُوتِهِمْ، وَقِيلَ: بَدَلٌ، كَمَا تَقُولُ: فَعَلْتُ هَذَا لِزَيْدٍ؛ لِكَرَامَتِهِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: { وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ} [النساء: 11]، كَذَلِكَ قَالَ هُنَا: { لَجَعَلْنا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمنِ لِبُيُوتِهِمْ}.
الثالثة: قوله تعالى: { وَمَعارِجَ} يعني الدرج، قاله ابْنُ عَبَّاسٍ وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ، وَاحِدُهَا مِعْرَاجٌ، وَالْمِعْرَاجُ السُّلَّمُ، وَمِنْهُ لَيْلَةُ الْمِعْرَاجِ، وَالْجَمْعُ مَعَارِجُ وَمَعَارِيجُ."
والعروج هو الصعود.
" مِثْلُ مَفَاتِحَ وَمَفَاتِيحَ، لُغَتَانِ،" وَمَعَارِيجَ" قَرَأَ أَبُو رَجَاءٍ الْعُطَارِدِيُّ وَطَلْحَةُ بْنُ مُصَرِّفٍ".
لكن مفاتح هي التي جاء بها القرآن {وعنده مفاتح الغيب}، {وإن مفاتحه} نعم مع أنه يجوز مفاعل ومفاعيل علي صيغة منتهى الجموع مثل مراسل ومراسيل، ومساند ومسانيد.
"وَهِيَ الْمَرَاقِي وَالسَّلَالِيمُ، قَالَ الْأَخْفَشُ: إِنْ شِئْتَ جَعَلْتَ الْوَاحِدَ مِعْرَجَ وَمَعْرَجَ، مِثْلُ مِرْقَاةٍ وَمَرْقَاةٍ، {عَلَيْها يَظْهَرُونَ} أَيْ عَلَى الْمَعَارِجِ يَرْتَقُونَ وَيَصْعَدُونَ، يُقَالُ: ظَهَرْتُ عَلَى الْبَيْتِ أَيْ عَلَوْتُ سَطْحَهُ، وَهَذَا لِأَنَّ مَنْ عَلَا شَيْئًا وَارْتَفَعَ عَلَيْهِ ظَهَرَ لِلنَّاظِرِينَ، وَيُقَالُ: ظَهَرْتُ عَلَى الشَّيْءِ أَيْ عَلِمْتُهُ، وَظَهَرْتُ عَلَى الْعَدُوِّ أَيْ غَلَبْتُهُ، وَأَنْشَدَ نَابِغَةُ بَنِي جَعْدَةَ".
ومنه ظهر الدابة، والدابة كلها يقال لها ظهر؛ لارتفاع ظهرها وعلوه.
"وَأَنْشَدَ نَابِغَةُ بَنِي جَعْدَةَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَوْلهُ:
عَلَوْنَا السَّمَاءَ عِزَّةً وَمَهَابَةً،،، وَإِنَّا لَنَرْجُوُ فَوْقَ ذَلِكَ مَظْهَرَا
أَيْ مِصْعَدًا، فَغَضِبَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَالَ: « إِلَى أَيْنَ »؟ قَالَ: إِلَى الْجَنَّةِ، قَالَ: « أَجَلْ إِنْ شَاءَ اللَّهُ »، قَالَ الْحَسَنُ: وَاللَّهِ لَقَدْ مَالَتِ الدُّنْيَا بِأَكْثَرِ أَهْلِهَا وَمَا فَعَلَ ذَلِكَ! فَكَيْفَ لَوْ فَعَلَ؟!
الرَّابِعَةُ: اسْتَدَلَّ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ بِهَذِهِ الْآيَةِ عَلَى أَنَّ السَّقْفَ لَا حَقَّ فِيهِ لِرَبِّ الْعُلُوِّ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَ السُّقُوفَ لِلْبُيُوتِ، كَمَا جَعَلَ الْأَبْوَابَ لَهَا، وَهَذَا مَذْهَبُ مَالِكٍ- رَحِمَهُ اللَّهُ-، قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: وذلك".
يعني ليس لساكن العلو أن يتصرف في السقف؛ لأن السقف تبع للسفل، وليس تبعًا للعلو، ليس تبعًا للعلو، فلا يتصرف فيه إلا بإذن صاحب السفل؛ لأن الله-جل وعلا- أضاف السقف للبيوت، السقف للبيوت، لكن إذا كان هناك سقف ثانٍ يتبعه، وهكذا لو كانت المسألة أدوارًا، فكل سقف تابع لما تحته.
"قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: وَذَلِكَ لِأَنَّ الْبَيْتَ عِبَارَةٌ عَنْ قَاعَةٍ وَجِدَارٍ وَسَقْفٍ وَبَابٍ، فَمَنْ لَهُ الْبَيْتُ فَلَهُ أَرْكَانُهُ، وَلَا خِلَافَ أَنَّ الْعُلُوَّ لَهُ إِلَى السَّمَاءِ، وَاخْتَلَفُوا فِي السُّفْلِ، فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ هُوَ لَهُ".
لأن الهواء له حكم القرار، يعني من اشترى أرضًا له هواها إلى ما لانهاية، والتحديد بالأدوار المعينة نعم له أن يفعل ما لا يضر بالآخرين، لا يرفع بناءه بحيث يتضرر الجيران، وإذا اقتضت المصلحة العامة ورأى ولي الأمر منع الناس من ارتفاع أكثر مما يُحدد لهم إما لأن الأرض لا تتحمل كثرة الأدوار، أو لأن الجيران بعضهم لا يستطيع أن يرفع بيته فيتضرر، إلى غير ذلك من المصالح التي تُقدر، المصالح العامة لا الخاصة، المصالح الخاصة هذه لا يُنظر إليها في الأصل، لكن إذا اقتضت المصلحة العامة ذلك فله أن يلزم بما تقتضيه المصلحة.
"وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: لَيْسَ لَهُ فِي باطن الأرض شيء، وَفِي مَذْهَبِنَا الْقَوْلَانِ، وَقَدْ بَيَّنَ حَدِيثُ الْإِسْرَائِيلِيِّ الصَّحِيحِ فِيمَا تَقَدَّمَ: أَنَّ رَجُلًا بَاعَ مِنْ رَجُلٍ دَارًا فَبَنَاهَا، فَوَجَدَ فِيهَا جَرَّةً مِنْ ذَهَبٍ، فَجَاءَ بِهَا إِلَى الْبَائِعِ، فَقَالَ: إِنَّمَا اشْتَرَيْتُ الدَّارَ دُونَ الْجَرَّةِ، وَقَالَ الْبَائِعُ: إِنَّمَا بِعْتُ الدَّارَ بِمَا فِيهَا، وَكُلُّهُمْ تَدَافَعَهَا، فَقَضَى بَيْنَهُمُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -أَنْ يزوِّج أحدهما ولده من بنت الْآخَرِ وَيَكُونُ الْمَالُ لَهُمَا".
من الذي قضى بينهما؟
طالب:.......
نعم.
طالب:.....
هذا الصحيح، يعني من بني إسرائيل، ما أدركوا النبي -عليه الصلاة والسلام-.
"وَالصَّحِيحُ أَنَّ الْعُلُوَّ وَالسُّفْلَ لَهُ، إِلَّا أَنْ يَخْرُجَ عَنْهُمَا بِالْبَيْعِ، فَإِذَا بَاعَ أَحَدهُمَا أَحَدَ الْمَوْضِعَيْنِ فَلَهُ مِنْهُ مَا يَنْتَفِعُ بِهِ وَبَاقِيهِ لِلْمُبْتَاعِ مِنْهُ.
الْخَامِسَةُ: مِنْ أَحْكَامِ الْعُلُوِّ وَالسُّفْلِ، إِذَا كَانَ الْعُلُوُّ وَالسُّفْلُ بَيْنَ رَجُلَيْنِ فَيَعْتَلُّ السُّفْلَ أَوْ يُرِيدُ صَاحِبُهُ هَدْمَهُ، فَذَكَرَ سَحْنُونٌ عَنْ أَشْهَبَ".
يتأثر السفل، يتصدع جدرانه، وتحتاج إلى هدم، إذا أراد أن يهدمه؛ لأنه معتل فلا بد أن يستأذن صاحب العلو، وليس لصاحب العلو أن يمنع إذا اقتضت المصلحة ذلك لاسيما إذا كان المنع يترتب عليه أخطار، عليه وعلى غيره، وهل لصاحب العلو أو السفل أن يُشفّع إذا باع أحدهما كالجار وكالشريك أو ليس له ذلك؟ يشفع أو ما يشفع؟
طالب: يشفع.
نعم هو أقرب من الجار، الجار مستقل، لكن هذا غير مستقل، فيتضرر بما يتضرر به صاحبه، نعم.
طالب: سلام عليكم.....
ماذا فيه؟
طالب:.....
له، له ما لم يضر بغيره، له.
طالب:... هذا مضطرد.......
هذا الأصل، لكن إذا كان، إذا حفر في السفل تضرر الجيران فيمنع منه.
طالب:......اشترى بيتًا وجد فيها ....
لا، الكلام على السفل الذي هو باطن الأرض، يعني لو وجد كنزًا، أو وجد شيئًا مدفونًا، ووجد عليه ما يدل على أن له صاحبًا فلا بد أن يرجعه إلى صاحبه.
" فَذَكَرَ سَحْنُونٌ عَنْ أَشْهَبَ أَنَّهُ قَالَ: إِذَا أَرَادَ صَاحِبُ السُّفْلِ أَنْ يَهْدِمَ، أَوْ أَرَادَ صَاحِبُ الْعُلُوِّ أَنْ يَبْنِيَ عُلُوَّهُ فَلَيْسَ لِصَاحِبِ السُّفْلِ أَنْ يَهْدِمَ إِلَّا مِنْ ضَرُورَةٍ، وَيَكُونُ هَدْمُهُ لَهُ أَرْفَقَ لِصَاحِبِ الْعُلُوِّ؛ لِئَلَّا يَنْهَدِمَ بِانْهِدَامِهِ الْعُلُوُّ، وَلَيْسَ لِرَبِّ الْعُلُوِّ أَنْ يَبْنِيَ عَلَى عُلُوِّهِ شَيْئًا لَمْ يَكُنْ قَبْلَ ذَلِكَ إِلَّا الشَّيْءَ الْخَفِيفَ الَّذِي لَا يَضُرُّ بِصَاحِبِ السُّفْلِ، وَلَوِ انْكَسَرَتْ خَشَبَةٌ مِنْ سَقْفِ الْعُلُوِّ لَأَدْخَلَ مَكَانَهَا خَشَبَةً مَا لَمْ تَكُنْ أَثْقَلَ مِنْهَا وَيُخَافُ ضَرَرُهَا عَلَى صَاحِبِ السُّفْلِ."
نعم؛ لأن الخشبة إذا كانت أثقل من الأولى تحمل البناء الأسفل، ومثل هذا لو استأجر صاحب العلو، ثم أراد أن يحمِّل السكن أكثر مما يتحمل، طالب علم استأجر الدور الثاني أو الثالث وعنده مكتبة أطنانًا؛ لأن الكتب ثقيلة، فلصاحب السقف أن يمنعه إذا خشي الضرر، وغلب على الظن الضرر.
طالب: السلام عليكم يا شيخ يعني المسألة موجودة نعم....
نعم.
طالب: إذا أراد الصبي أن يتصرف يهدم أو يعدل أو...
ما يهدم إلا لضرورة، يعني إذا خشي، ما يهدم إلا لضرورة.
طالب: إذا هدم هذه .....
يلزم الثاني إذا وجدت الضرورة أن يذعن.
طالب: يبني للثاني.
يبني له.
طالب: يعني يهدم ويبني ليعوض؟
يعوضه نعم.
طالب: هذا موجود بالعقود......
نعم، موجود تبع شقق، تبع شقق.
طالب: سطح المبنى يا شيخ.
كيف؟
طالب: ........
الأصل أنه للثاني للعلو، كما قلنا: إن السقف الأول لصاحب الأسفل، فالسقف الثاني، إلا إذا اشترط واستثني فالمسلمون على شروطهم.
طالب: شخص ....ستة عشر....ناس اشتروا...عندما انتهوا.....
نعم.
طالب: ........
مثل هذا يحتاج إلى استثناء، يحتاج إلى بيان عند العقد.
طالب: من شرطه عند العقد أن السقف ما لهم فيه
هو الأصل أنه يُنص عليه السقف.
" قَالَ أَشْهَبُ: وَبَابُ الدَّارِ عَلَى صَاحِبِ السُّفْلِ، قَالَ: وَلَوِ انْهَدَمَ السُّفْلُ أُجْبِرَ صَاحِبُهُ عَلَى بِنَائِهِ، وَلَيْسَ عَلَى صَاحِبِ الْعُلُوِّ أَنْ يَبْنِيَ السُّفْلَ، فَإِنْ أَبَى صَاحِبُ السُّفْلِ مِنَ الْبِنَاءِ قِيلَ لَهُ: بِعْ مِمَّنْ يَبْنِي".
يعني فيشترط على المشتري أن يبني.
" وَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ فِي السُّفْلِ لِرَجُلٍ وَالْعُلُوِّ لِآخَرَ فَاعْتَلَّ السُّفْلُ، فَإِنَّ صَلَاحَهُ عَلَى رَبِّ السُّفْلِ، وَعَلَيْهِ تَعْلِيقُ الْعُلُوِّ حَتَّى يَصْلُحَ سُفْلُهُ؛ لِأَنَّ عَلَيْهِ إِمَّا أَنْ يَحْمِلَهُ عَلَى بُنْيَانٍ أَوْ عَلَى تَعْلِيقٍ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ على العلو علو".
تعليق يعني جسرًا، تعليقه على الجسر بحيث لا يتضرر صاحب العلو.
" وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ على العلو علو، فَتَعْلِيقُ الْعُلُوِّ الثَّانِي عَلَى صَاحِبِ الْأَوْسَطِ، وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ تَعْلِيقَ الْعُلُوِّ الثَّانِي عَلَى رَبِّ الْعُلُوِّ حَتَّى يَبْنِيَ الْأَسْفَلَ".
يعني التدرج والتعرض لمثل هذه المسائل من خصائص هذا الكتاب؛ لأنه كتاب أحكام، وهو أطول كتاب في أحكام القرآن، وانظر فيه كيف ينتزع المسائل من الآيات، ويستدل لها من الحديث، كما استدل على ما قرَّره في هذه المسألة على حديث: «مثل القائم علي حدود الله والواقع فيها»، ويذكره، وهذا من نباهته –رحمه الله-.
" وَحَدِيثُ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -قَالَ: « مَثَلُ الْقَائِمِ عَلَى حُدُودِ اللَّهِ وَالْوَاقِعِ فِيهَا كَمَثَلِ قَوْمٍ اسْتَهَمُوا عَلَى سَفِينَةٍ، فَأَصَابَ بَعْضُهُمْ أَعْلَاهَا، وَبَعْضُهُمْ أَسْفَلَهَا، فَكَانَ الَّذِينَ فِي أَسْفَلِهَا إِذَا اسْتَقَوْا مِنَ الْمَاءِ مَرُّوا عَلَى مَنْ فَوْقَهُمْ فَقَالُوا: لَوْ أَنَّا خَرَقْنَا فِي نصيبنا خرقًا، ولم نؤذِ مَنْ فَوْقَنَا، فَإِنْ يَتْرُكُوهُمْ وَمَا أَرَادُوا هَلَكُوا جَمِيعًا، وَإِنْ أَخَذُوا عَلَى أَيْدِيهِمْ نَجَوْا وَنَجَوْا جَمِيعًا»".
نعم، لو أراد صاحب السفل أن يهدم جدارًا من الأركان التي تحمل البناء لا شك أن صاحب العلو يتضرر، يتضرر، فيمنع مثل ما يمنع من أراد أن يخرق هذه السفينة؛ لأن صاحب العلو يتضرر.
"أَصْلٌ فِي هَذَا الْبَابِ، وَهُوَ حُجَّةٌ لِمَالِكٍ وَأَشْهَبَ، وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ صَاحِبَ السُّفْلِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُحْدِثَ عَلَى صَاحِبِ الْعُلُوِّ مَا يَضُرُّ بِهِ، وَأَنَّهُ إِنْ أَحْدَثَ عَلَيْهِ ضَرَرًا لَزِمَهُ إِصْلَاحُهُ دُونَ صَاحِبِ الْعُلُوِّ، وَأَنَّ لِصَاحِبِ الْعُلُوِّ مَنْعَهُ مِنَ الضَّرَرِ؛ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ: « فَإِنْ أَخَذُوا عَلَى أَيْدِيهِمْ نَجَوْا وَنَجَوْا جَمِيعًا»، وَلَا يَجُوزُ الْأَخْذُ إِلَّا عَلَى يَدِ الظَّالِمِ أَوْ مَنْ هُوَ مَمْنُوعٌ مِنْ إِحْدَاثِ مَا لَا يَجُوزُ لَهُ فِي السُّنَّةِ".
أو يكون ممن يُحجر عليه فيُمنع، ولو لم يتعدَّ ضرره إلى غيره.
" وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى اسْتِحْقَاقُ الْعُقُوبَةِ بِتَرْكِ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ".
لأنه قال: هلكوا، نعم.
"وَقَدْ مَضَى فِي" الْأَنْفَالِ". وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ الْقُرْعَةِ وَاسْتِعْمَالِهَا، وَقَدْ مَضَى فِي" آلِ عِمْرَانَ"،
فَتَأَمَّلْ كُلًّا فِي موضعه تجده مبينًا، والحمد لله."
طالب:....
نعم.
طالب:.....يقول ....والصعود....كما أن ...ويكون الصعود عليه
نعم.
طالب: ........
لا يصح؛ لأن أخذ المعراج والإعراج والعروج يعني كلٌّ يناسبه من أصل المادة، فالأعرج هذا يرتفع ببدنه برجله الطويلة مثلاً، فهو ارتفاع وصعود، يعني ما يكون هو الأصل، لا، هو فرع من المادة.
"قَوْلُهُ تَعَالَى: { وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْواباً} أَيْ وَلَجَعَلْنَا لِبُيُوتِهِمْ، وَقِيلَ: " لِبُيُوتِهِمْ" بَدَلُ اشْتِمَالٍ مِنْ قَوْلِهِ: "لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمنِ"، " أَبْواباً" أَيْ مِنْ فِضَّةٍ،" وَسُرُراً" كَذَلِكَ، وَهُوَ جَمْعُ السَّرِيرِ، وَقِيلَ: جَمْعُ الْأَسِرَّةِ".
يعني بدل مثل ما تقدم في لبيوتهم الأولى.
" وَقِيلَ: جَمْعُ الْأَسِرَّةِ وَالْأَسِرَّةُ جَمْعُ السرير، فيكون جمع الجمع،" يَتَّكِؤُنَ عليها" الاتكاء والتوكؤ: التحامل على الشيء، ومنه" أَتَوَكَّؤُا عَلَيْها"، وَرَجُلٌ تُكَأَةٌ، مِثَالُ هُمَزَةٍ، كَثِيرُ الِاتِّكَاءِ، وَالتُّكَأَةُ أَيْضًا: مَا يُتَّكَأُ عَلَيْهِ، وَاتَّكَأَ عَلَى الشَّيْءِ فَهُوَ مُتَّكِئٌ، وَالْمَوْضِعُ مُتَّكَأٌ، وَطَعَنَهُ حَتَّى أَتْكَأَهُ".
اتكأه يعني أماله على أحد جنبيه، لما طعنه أماله على أحد جنبيه، وسقط على أحد جنبيه فكأنه اتكأ عليه.
(عَلَى أَفْعَلَهُ) أَيْ أَلْقَاهُ عَلَى هَيْئَةِ الْمُتَّكِئِ، وَتَوَكَّأْتُ عَلَى الْعَصَا، وَأَصْلُ التَّاءِ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ وَاوٌ، فَفَعَلَ بِهِ مَا فُعِلَ بِاتَّزَنَ وَاتَّعَدَ".
اتزن واتعد، ومتعد ومتزن ومتكئ، ومثله متصل، متعد، ومتصل، ومتكأ، هذه لغة الأكثر، ولغة الإمام الشافعي، لغة الإمام الشافعي كما نص على ذلك بن الحاجب في شافيته أنه يفك الإدغام هنا ويقول: مُؤتعد ومُؤتزن ومُؤتصل، ويعبر عن الحديث متصل الإسناد بأنه مُؤتصل، كما جاء في الرسالة والأم وغيرهما، وما عداه يدغم وهو حجة في العربية -رحمه الله-.
" وَزُخْرُفاً" الزُّخْرُفُ هُنَا الذَّهَبُ".
يعني في مقابل الفضة السابقة.
"عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَغَيْرِهِ، نَظِيرُهُ: { أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ} [الاسراء: 93]، وَقَدْ تَقَدَّمَ، وَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ: هُوَ مَا يَتَّخِذُهُ النَّاسُ فِي مَنَازِلِهِمْ مِنَ الْأَمْتِعَةِ وَالْأَثَاثِ، وَقَالَ الْحَسَنُ: النُّقُوشُ، وَأَصْلُهُ الزِّينَةُ، يُقَالُ: زَخْرَفْتُ الدَّارَ، أَيْ زَيَّنْتُهَا، وَتَزَخْرَفَ فُلَانٌ، أَيْ تَزَيَّنَ، وَانْتَصَبَ " زُخْرُفاً" عَلَى مَعْنَى: وَجَعَلْنَا لَهُمْ مَعَ ذلك زخرفا، وقيل: بنزع الْخَافِضِ، وَالْمَعْنَى فَجَعَلْنَا لَهُمْ سُقُفًا وَأَبْوَابًا وَسُرَرًا مِنْ فِضَّةٍ وَمِنْ ذَهَبٍ، فَلَمَّا حَذَفَ " مِنْ" قَالَ: " وَزُخْرُفاً" فَنَصَبَ.
{ وَإِنْ كُلُّ ذلِكَ لَمَّا مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا} قَرَأَ عَاصِمٌ وَحَمْزَةُ وَهِشَامٌ عَنِ ابْنِ عَامِرٍ: { وَإِنْ كُلُّ ذلِكَ لَمَّا مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا} بِالتَّشْدِيدِ، الْبَاقُونَ بِالتَّخْفِيفِ، وَقَدْ ذُكِرَ هَذَا، وَرُوِيَ عَنْ أَبِي رَجَاءٍ كَسْرُ اللَّامِ مِنْ " لَمَّا"، فَ " مَا" عِنْدَهُ بِمَنْزِلَةِ الَّذِي، وَالْعَائِدُ عَلَيْهَا مَحْذُوفٌ، وَالتَّقْدِيرُ: وَإِنْ كُلُّ ذلك للذي هو متاع الحياة الدنيا، وحذف الضمير ها هنا كَحَذْفِهِ فِي قِرَاءَةِ مَنْ قَرَأَ: { مَثَلًا مَا بَعُوضَةً فَما فَوْقَها} { تَماماً عَلَى الَّذِي أَحْسَن} [الانعام: 154]، أَبُو الْفَتْحِ: يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ "كُلُّ" عَلَى هَذِهِ الْقِرَاءَةِ مَنْصُوبَةً".
من أبو الفتح؟
طالب:......
نعم، الظاهر أنه ابن جني.
" لِأَنَّ "إِنْ" مُخَفَّفَةٌ مِنَ الثَّقِيلَةِ، وَهِيَ إِذَا خُفِّفَتْ وَبَطَلَ عَمَلُهَا لَزِمَتْهَا اللَّامُ فِي آخِرِ الْكَلَامِ؛ لِلْفَرْقِ بَيْنَهَا وَبَيْنَ " إِنْ" النَّافِيَةِ الَّتِي بِمَعْنَى مَا، نَحْوُ إِن زَيْدٌ لَقَائِمٌ، وَلَا لَامَ هُنَا سِوَى الْجَارَّةِ".
وخففت إن فقل العمل، يعني قد تعمل، لكنه قليل، {إن هذان لساحران }.
" {وَالْآخِرَةُ عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ} يُرِيدُ الْجَنَّةُ لِمَنِ اتَّقَى وَخَافَ، وَقَالَ كَعْبٌ: إِنِّي لَأَجِدُ فِي بَعْضِ كُتُبِ اللَّهِ الْمُنَزَّلَةِ: لَوْلَا أَنْ يَحْزَنَ عَبْدِي الْمُؤْمِنُ لَكَلَّلْتُ رَأْسَ عَبْدِي الْكَافِرِ بِالْإِكْلِيلِ، وَلَا يَتَصَدَّعُ، وَلَا يَنْبِضُ مِنْهُ عِرْقٌ بِوَجَعٍ. وَفِي صَحِيحِ التِّرْمِذِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ -رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: « الدُّنْيَا سِجْنُ الْمُؤْمِنِ وَجَنَّةُ الْكَافِرِ»، وَعَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: « لَوْ كَانَتِ الدُّنْيَا تَعْدِلُ عِنْدَ اللَّهِ جَنَاحَ بَعُوضَةٍ مَا سَقَى كَافِرًا مِنْهَا شَرْبَةَ مَاءٍ » وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ.
وَأَنْشَدُوا:
فَلَوْ كَانَتِ الدُّنْيَا جَزَاءً لِمُحْسِنٍ ... إِذًا لَمْ يَكُنْ فِيهَا مَعَاشٌ لِظَالِمِ
لَقَدْ جَاعَ فِيهَا الْأَنْبِيَاءُ كَرَامَةً ... وَقَدْ شَبِعَتْ فِيهَا بُطُونُ الْبَهَائِمِ
وَقَالَ آخَرُ:
تَمَتَّعْ مِنَ الْأَيَّامِ إِنْ كُنْتَ حَازِمًا... فَإِنَّكَ فِيهَا بَيْنَ نَاهٍ وَآمِرِ
إِذَا أَبْقَتِ الدُّنْيَا عَلَى الْمَرْءِ دِينَهُ ... فَمَا فَاتَهُ مِنْهَا فَلَيْسَ بِضَائِرِ
فَلَا تَزِنُ الدُّنْيَا جَنَاحَ بَعُوضَةٍ ... وَلَا وَزْنَ رَقٍّ مِنْ جَنَاحٍ لِطَائِرِ
فَلَمْ يَرْضَ بِالدُّنْيَا ثَوَابًا لِمُحْسِنٍ ... وَلَا رَضِيَ الدُّنْيَا عقابًا لكافر"
اللهم صلي على محمد وعلى آله وصحبه وسلم.