كتاب الجهاد والسير من المحرر في الحديث - 07
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد،
فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "وعن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: قسم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يوم خيبر للفرس سهمين، وللراجل سهمًا، متفق عليه، وهذا لفظ البخاري، وفي لفظ: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أسهم للرجل ولفرسه ثلاثة أسهم، سهمًا له، وسهمين لفرسه، رواه أحمد وأبو داود، وهذا لفظه".
هذا الحديث شرح في الدرس الماضي، وبمقتضى هذا الحديث يقول جمهور أهل العلم، وعرفنا رأي الحنفية، وأنهم يرون أن الفارس له سهمان؛ سهم لفرسه، وسهم له، وللراجل سهم واحد، وكأنهم يرون أنهم بذلك لا يفضلون الدابة على الإنسان المسلم، مع أن المنظور إليه في مثل هذا الباب الغَناء، فلا شك أن الفارس أنفع وأجدى من الراجل أضعافًا، ولا يكفي أن يقال: ضعف واحد، والحكم في ذلك ما جاء عنه -عليه الصلاة والسلام-، وهذا تقدم.
والعلماء يختلفون فيما إذا حضر المجاهِد بأكثر من فرس، هل يقسم لفرس واحد، فيعطى مع فرسه ثلاثة أسهم، أو يقسم لاثنين فيعطى خمسة، أو يقسم لثلاثة فيعطى سبعة، وهكذا، فالجمهور قالوا: إنه لا يسهم إلا لفرس واحد، ولا يسهم لها إلا إذا حضر بها القتال؛ لأن الإنسان قد يتحايل ويأتي برعية من الخيل فيقول: اضربوا لكل واحد منها بسهمين، فيجحف بالغنيمة، لكن لو جاء برعية عشرين، ثلاثين، وأعطى كل راجل واحدًا منها، على أن يكون سهم الفرس له، يعني لصاحبه، فكيف تكون القسمة؟
قوله: للفرس سهمين، أو للفارس ثلاثة أسهم، هل من شرطه أن يكون ملكًا له، أو يُقسَم له ولو كان إجارة أو إعارة، شخص ما عنده فرس استعار فرسًا هل نقول: إن الفرس ليس لك؟
لفرسه، الإضافة هذه تقتضي تمليكًا أو لا يلزم؟ لأن المنظور إليه المعنى، وهو أن الفرس ينفع في الجهاد، فيقسم له لمن ركبه ولو لم يكن له فهذا الذي جاء بعشرين فرسًا وركب واحدًا منها، ووزع البقية على أفراد أو بعض أفراد الجيش وقال: ما يخص الفرس لي وما يخصكم لكم، فيعير هذه الأفراس، أو يؤجر هذه الأفراس على المجاهدين، هل في ذلك من بأس؟ فيه حرج أم ما فيه حرج؟
يعني ما يستفاد منها ولو كانت إجارة أو عارية؟ يستفاد منها الفائدة هي هي ما تتغير، وراكب الفرس يستفيد منه سواء كان له أو لغيره، فيأخذ ثلاثة أسهم، وهو مع صاحب الفرس على ما يصطلحان عليه.
ثم قال -رحمه الله تعالى-: "وعن أبي الجويرية الجَرمي قال: أصبتُ بأرض الروم جرة حمراء فيها دنانير، أصبت بأرض الروم جرة حمراء فيها دنانير في إمرة معاوية، وعلينا رجل من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- من بني سُلَيْم يقال له: معن بن يزيد، فأتيته بها، فقسمها بين المسلمين، فقسمها بين المسلمين، وأعطاني منها مثل ما أعطى رجلاً منهم".
لا شك أن هذه الجرة من مال الكفار الحربيين، وهي دائرة بين اللقطة وبين الرِّكاز وبين الغنيمة، كونها ركازًا لا يظهر؛ لأنها على ظهر الأرض، والركاز الدِّفن، يعني المدفون، الركاز المدفون، وكونها لقطة تعرَّف هذا خاص بأموال المسلمين الذين لهم ملك على أموالهم، بخلاف الحربيين، وكونها غنيمة أو فيئًا هي مترددة بينهما، فإن كانت أُخذت نتيجة لحرب وإيجاف خيل وركاب فهي غنيمة، وإن كانت أخذت من غير إيجاف خيل ولا ركاب فهي فيء.
"فأتيته بها، فقسمها بين المسلمين، وأعطاني منها مثل ما أعطى رجلاً منهم ثم قال: لولا أني سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: «لا نَفْل إلا بعد الخمس» لأعطيتك" يعني هل له مزية على غيره؟ هو يرى أن له مزية على غيره، لماذا؟ لأنه هو الذي وجدها، وأمير السرية يرى أنه كواحد من المسلمين في المغنم، وهذه منها، ويرفع ذلك إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بقوله: «لا نفل إلا بعد الخمس»، "ولولا أني سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: «لا نفل إلا بعد الخمس» لأعطيتك، ثم أخذ يعرِض عليَّ من نصيبه فأبَيْت"، والنفل هو ما يزيده الإمام لأحد الغانمين على نصيبه، وهو متَّفق على جوازه، {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَنفَالِ قُلِ الأَنفَالُ لِلّهِ وَالرَّسُولِ} [سورة الأنفال:1].
واختلفوا هل يكون من أصل الغنيمة النفل أو من الخمس؟
قال الخطابي: أكثر الأخبار دالة على أن التنفيل من أصل الغنيمة، التنفيل من أصل الغنيمة، ما وجه دلالة الحديث المرفوع على ما صنعه هذا الأمير؟ الآن أهل العلم حينما يوردون مثل هذا الخبر الذي بعضه موقوف، وبعضه مرفوع، يوردونه للاستدلال بالمرفوع أو بالموقوفن أو بهما معًا؟
طالب: ..........
الاستدلال الأصل بالمرفوع، لكن تطبيق الصحابي للمرفوع على واقعة بمثابة التفسير العملي لهذا المرفوع، ومن المقرر عند أهل العلم أن الصحابي أعرف بما روى، أعرف بما روى، لكن قد يكون المرفوع مطابقًا للموقوف من وجه دون وجه، وقد يكون استدلال الصحابي وفهمه للمرفوع وتطبيقه على الموقوف قد يناقَش فيه، من الأمثلة على هذا ما استدل به ابن عباس على اختلاف المطالِع، استدل به ابن عباس على اختلاف المطالِع، وقال: هكذا أمرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؛ لأن الهلال في الشام رُئِيَ قبل رؤيته بالمدينة، وأفطر أهل الشام قبل أهل المدينة، وقيل لابن عباس: إن معاوية والناس رأوا الهلال ليل السبت، فقال: لانزال نصوم حتى نراه، هكذا أمرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وحينئذ يقول: هل عند ابن عباس خبر خاص يدل على هذه المسألة بخصوصها أو عنده عموم «صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته»؟ فمثل هذه المسألة من دقائق المسائل وينبغي أن ينتبه لها طالب العلم.
ونرى تطبيق ما معنا على القصة قال: هكذا أمرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، هل عنده شيء خاص يدل على أنه إذا رئي في بلد فإنها لا تلزم الرؤية لغيره من البلدان والأقاليم، أو أن عنده الأمر العام «صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته»، ويكون هذا فهم الصحابي لهذا الخبر من باب تطبيقه على الواقعة تبعًا لفهمه؟
طالب: ..........
نعم.
طالب: ...........
قال: هكذا أمرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ويستدل بهذا الخبر من يقول باختلاف المطالع، والذي لا يقول باختلاف المطالع، مع أن الخبر صحيح قد لا يجد حرجًا في مخالفته، وهو في الصحيح؛ لأنه يقول: هذا فهم ابن عباس، حيث طبَّق الحديث العام على هذه الحادثة، مفهوم الكلام أم غير مفهوم؟ لماذا ما يجيب الإخوان؟!
أجيبوا، فيه شيء؟
طالب: ..........
نعم.
طالب: ...........
فهم من الصحابي للحديث العام، وطبقه على هذه الواقعة، ويسوغ له أن يقول: هكذا أمرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بأمر عام، ويطبَّق على فرد من أفراده؟ يسوغ له؟ أو نقول: إن عنده أمرًا خاصًّا يتعلق بهذه المسألة بعينه وخصوصها؛ لأننا نرى من أهل العلم، من أهل التحري من أهل الفهم من يخالِف هذا النص، ويعرف أنه في الصحيح، لماذا؟ لأنه يقول: هذا فهم ابن عباس من عموم «صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته»، فرأى أنه لايزال يصوم حتى يراه، ويُرى في البلد الذي هو فيه.
طالب: ..........
حتى نراه.
طالب: ..........
هو هكذا قال، وإذا قال الصحابي يُقبَل قوله: هكذا أمرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وجمهور عامة أهل العلم على أنه إذا قال الصحابي: أُمرنا أو أَمرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه مرفوع حجة ملزِمة.
طالب: ..........
المسألة كبيرة، وفيها كثير من التشعبات.
ومن باب الطرفة أو النكتة الحديثية، وهي لها صلة بموضوعنا، يختلف أهل العلم هل يوجَد في سنن أبي داود حديث ثلاثي أو لا يوجد؟ مع أنه ينبغي ألا يُختلَف فيه، ينبغي ألا يختلف فيه؛ لأن الثلاثي عدد الرواة وتعرف هل هم ثلاثة أو أربعة، هل هو ثلاثي أو رباعي، حديث أبي برزة في الحوض في سنن أبي داود هل هو ثلاثي أم رباعي؟ خلاف بين أهل العلم؛ لأنه مشتمِل على موقوف ومرفوع؛ لأنه مشتمل على موقوف ومرفوع، القصة الموقوفة ثلاثية واضحة ما فيها إشكال، والقصة المرفوعة فيه واسطة بين أبي برزة وبين مَن يروي عنه القصة الموقوفة حدثنا رجل في السماط أن أبا برزة حدَّث بالحديث.
هذه أمور ينبغي أن يستحضرها طالب العلم؛ لأنه يبتلى بنظائر لها، ثم ما يدري ماذا يصنع، ما يدري ماذا يصنع.
هذه الجرة التي فيها الدنانير، وأصابها أبو الجويرية الجرمي، وأخذها منه أمير السرية وقسمها بين الجيش مستدلاً بقوله -عليه الصلاة والسلام-: «لا نفل إلا بعد الخمس» ما وجه المطابقة بين الدليل والمدلول المستدل له؟
العلماء يستدلون بهذا الخبر، وأن من يجد شيئًا في أرض العدو أنه أسوة غيره، مثل غيره، يعني مادام الجيش والقتال قائمًا فما يجده يكون حكمه حكم غيره إلا فيما يتلف من الطعام ونحو، أو ما يُحتاج إليه في الأكل والشرب على ما سيأتي، إن شاء الله تعالى.
"لولا أني سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: «لا نفل إلا بعد الخمس»" ما الدليل من المرفوع على القصة الموقوفة؟
الجمهور على أن التنفيل من أصل الغنيمة، من أصل الغنيمة، كما قاله الخطابي وغيره، وأكثر الأخبار دالة على ذلك قبل أن تُخَمَّس، وهنا قال: «لا نفل إلا بعد الخمس» أكثر الأخبار تدل على أن التنفيل من أصل الغنيمة، وهل مثل هذه الجرة تكون تنفيلاً «من قتل قتيلاً فله سلَبه»؟ وإذا ظفرت سرية من الجيش أو قطعة من الجيش بشيء من المال؛ بسبب معاناتهم له بقتل أصحابه، وأخذ ما معهم، أو أسرهم، فإنهم يُنَفَّلُون منه، يُنَفَّلُون منه.
قال: "فأتيته به فقسمه بين المسلمين وأعطاني منها مثل ما أعطى رجلاً منهم، ثم قال: لولا أني سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: «لا نفل إلا بعد الخمس»"، يعني مثل هذه الجرة على مقتضى الحديث أنها تودَع في الغنيمة، ولا يمكن أن ينفَّل صاحبها إلا بعد أن تخمَّس، والخطابي يقول: أكثر الأخبار دالة على أن التنفيل من أصل الغنيمة، يعني كيف يقول الخطابي: أكثر الأخبار دالة على أن التنفيل من أصل الغنيمة، وهنا يقول: «لا نفل إلا بعد الخمس»؟ فيه تعارض أم ما فيه تعارض؟
فيه تعارض فيه تعارض بين حديث الباب وبين ما نقله أو ما قاله الخطابي أن أكثر الأخبار دالة على أن التنفيل من أصل الغنيمة.
الآن مطابقة المرفوع للموقوف ظاهرة أم غير ظاهرة؟ أنه قبل التخميس، هذا قبل التخميس أخذ الجرة ووضعها في بيت المال، وقسمها على الناس مثل ما قسم وأعطاه مثلهم، وقال: «لا نفل إلا بعد الخمس»، يعني لو أن الغنيمة قسمت ووزعت وعرف الخمس وكذا، يمكن أن يقال: لك نفل هذا، لكن مادام ما قسمت، ولا خمِّسَت فإن ما يوجد من النفل يكون من أصل الغنيمة، ويعطى صاحبه مثل غيره، لكن ماذا عما يقوله الخطابي: أكثر الأخبار دالة على أن التنفيل من أصل الغنيمة، يعني قبل أن تخمس؟
طالب: ........
نعم نفلهم، وبلغ نصيب كل واحد منهم اثني عشر بعيرًا، لكن هل هذا بعد التخميس أو قبله؟ يعني هذا مما جاؤوا به مما غنموه هم فنفلهم إياه، وقسمه بينهم، ولا علاقة له بالغنيمة، وهل نقول مثل هذا في هذه الجرة أو نقول: إن هذه الجرة يختلف حكمها، هذا وجدها وأصابها هل أصابها من عدو مقاتل أو وجدها ملقاة في الأرض ما أوجف عليها خيل ولا ركاب، يقول: أصبتُ جرة حمراء فيها دنانير، فلعله وجدها من غير معالجة، من غير معالجة، وحينئذ تودَع في أصل المال، ويعطى منها مثل ما يعطى غيره، كما هو الفرق بين ما يوجف عليه وما لا يوجف عليه على ما سيأتي.
قال -رحمه الله-: "وعن ابن عمر -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان ينفِّل بعض من يبعث من السرايا لأنفسهم خاصة سوى قسم عامة الجيش، أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كان ينفل بعض من يبعث من السرايا لأنفسهم خاصة سوى قسم عامة الجيش".
بعض هذا يدل على أن النفل ليس بلازم، على أن النفل ليس بلازم، وإنما هو بحسب المصلحة، وعلى حسب تقدير الإمام لهذه المصلحة.
"أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان ينفِّل بعض من يبعث من السرايا لأنفسهم خاصة سوى قسم عامة الجيش".
ولا شك أن الأمر يختلف من حال إلى حال، إذا كان الناس كلهم عندهم استعداد للتضحية في سبيل الله فما يحتاجون إلى ما يعينهم على ذلك، وإذا كان فيهم تباطؤ وشيء من التكاسل، شيء من خوف العدو؛ لكثرته أو قلة العدد في المسلمين، أو قلة العدة، فإنهم يحتاجون إلى ما يشجعهم ويعينهم، ولذا سيأتي في الحديث الذي يليه الفرق بين التنفيل في أول الأمر والتنفيل في آخره إذا ضعف الناس.
"متفق عليه، زاد مسلم: والخمس في ذلك واجب كله". حتى ما يصيبه بعض المجاهدين وينفَّلون إياه لا بد أن يؤخذ منه الخمس.
قال: "وعن حبيب بن مسلمة -رضي الله عنه- قال: شهدت النبي -صلى الله عليه وسلم- نفَّل الربع في البدأة، والثلث في الرجعة، نفَّل الربع في البدأة، والثلث في الرجعة، رواه أحمد وأبو داود، وهذا لفظه، وابن ماجه وابن حبان، وتكلم فيه ابن القطان".
تكلم فيه ابن القطان؛ لأن في إسناده زياد بن جارية، زياد بن جارية قال فيه أبو حاتِم: مجهول، فتكلم فيه ابن القطان؛ بسبب هذا، ولا بد أن نعرف اصطلاح أبي حاتم في مراده بالمجهول، أكثر من ألف وخمسمائة راوٍ قال فيهم أبو حاتم: مجهول، وفي كثير منهم قال: مجهول، أي لا أعرفه، وعلى هذا فهل تكون الجهالة عند أبي حاتم جرحًا أو عدم علم بحال الراوي؟
قوله: مجهول أي لا أعرفه، مقتضاه عدم علمه بحال الراوي، وحينئذ لا يلزم منه التضعيف بدليل أن أبا حاتم قال في راوٍ من الرواة من المهاجرين الأولين: مجهول، من أفضل المهاجرين الأولين، فيه أعدل منهم وأوثق منهم؟ قال من المهاجرين الأولين مجهول، وابن حجر في تهذيب التهذيب يقول: أبو حاتم قد عبَّر بعبارة مجهول في كثير من الصحابة، فهل الجهالة عند أبي حاتم لها أثر في الرواة؟ ثم يأتينا من يطعن بحديث ابن أم مكتوم وهو في الصحيح؛ لأن في رواته راوٍ قال فيه أبو حاتم: مجهول، ومن تكلم بغير فنه أتى بالعجائب.
ومسألة المجهول في الرواة مسألة كبيرة جدًّا، وهي دائرة بين الأمرين الذَين ذكرتهما أنها هل هي جرح في الراوي فيضعّف الخبر بسببها، أو عدم علم بحال الراوي فيتوقف فيه؟ وفرق بين الأمرين.
ابن حجر جعل الجهالة في مراتب التجريح، بينما في النخبة وشرحها قال: ومن المهم معرفة أحوال الرواة تعديلاً أو تجريحًا أو جهالة، فجعل الجهالة قسيمًا للتجريح، وليست قسمًا منه، فابن القطان طعن في هذا الراوي زياد بن جارية؛ لأن أبا حاتم قال فيه: مجهول، مع أنه معروف عند غير أبي حاتم، فمن هنا يؤتى المرء ويدخل عليه الخلل إذا تعاطى فنًّا لا يحسنه، أو لا يحيط بقواعده. أكثر من ألف وخمسمائة راوٍ فيهم صحابة، وفيهم أئمة، وفيهم قال: مجهول.
ويأتينا من يتصدى لنقد الحديث، وهي في الصحيحين أو أحدهما؛ لأن أبا حاتم قال: مجهول، طيب أبو حاتم قال من المهاجرين الأولين مجهول، ماذا تريد أن تحكم على هذا الصحابي الجليل؟!
ابن حجر يقول: إن أبا حاتم حكم على أو عبَّر بعبارة مجهول في حق كثير من الصحابة، وعندي هؤلاء الرواة كلهم مجموعون ومميز بين صحابيهم وإمامهم، ومن هو ثقة، ومن هو ضعيف، ومن هو متوسط الحال، فلا بد من معرفة اصطلاح الأئمة، كل إمام على حدة، ولا نُلزِم متقدِّم باصطلاح متأخر، أو نلزم إمامًا باصطلاح إمام آخر.
مثل هذه الأمور لا بد من التنبه لها وإلا وقعنا في الخلط والخبط وتصحيح الضعيف، وتضعيف الصحيح.
"شهدتُ النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- نفَّل الربع في البدأة"؛ للنشاط وقوة الظهر والحماس، بينما في الرجعة يضعف الإنسان؛ لأنه معلوم أنه لا يمكن أن يكون الإنسان بسبب ما جُبِل عليه من الضعف أن يثبت على حال واحدة في جميع أحواله وأطواره وظروفه، ينشط أحيانًا، ويضعف أحيانًا، الإيمان في الشخص الواحد يزيد وينقص، وهمته تفتر، قد ينشط فيقرأ من القرآن عشرة أجزاء في جلسة، وقد تضعف همته فلا يقرأ إلا النصف، أو أقل، وقد يفتر فلا يقرأ أو يقرأ شيئًا يسيرًا، وقل مثل هذا في سائر العبادات.
فإذا كانوا في أول الأمر معهم الهمة والنشاط والحيوية والإقبال على هذا الأمر العظيم، وهو الجهاد لإعلاء كلمة الله، لكنهم في آخر الأمر يضعفون، هذا جُبِل عليه الإنسان، جُبِل الإنسان على هذا، خلق الإنسان ضعيفًا، لكن حينما ينظر في الأمور، وما جاء فيها من نصوص، وما رُتِّب عليها من أجور ينشط، ثم بعد ذلك يدب إليه الضعف على دابته، كذلك فاحتاجوا إلى ما يزيد من هممهم.
كانوا في أول الأمر ينفل الربع، وفي الرجعة الثلث، وهذا الحديث دليل على أنه- صلى الله عليه وسلم- لم يجاوز الثلث في التنفيل، دليل على أن النبي -عليه الصلاة والسلام- لم يجاوز الثلث في التنفيل.
وقال آخرون: إن للإمام أن ينفِّل السرية جميع ما غنمت، ينفل السرية جميع ما غنمت؛ لقوله تعالى: {قُلِ الأَنفَالُ لِلّهِ وَالرَّسُولِ} [سورة الأنفال:1]، ففوَّضها إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، وحينئذ تفوَّض إلى اجتهاد الإمام مع مراعاة المصلحة، وليس مرد ذلك إلى التشهي، كل أمر شرعي يرد إلى اجتهاد أحد فإنما المراعى فيه المصلحة، لا التشهي. «اغسلنها بماء وسدر ثلاثًا أو خمسًا أو سبعًا أو أكثر إن رأيتن» فرد الأمر إلى رؤيتهن، لكنه مربوط بالمصلحة المقتضية لهذه الزيادة، لا إلى التشهي.
"وعن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: كنا نصيب في مغازينا العسل والعنب فنأكله ولا نرفعه، كنا نصيب في مغازينا العسل والعنب فنأكله ولا نرفعه".
مثل هذا الذي يتلف مع الوقت هل يصلح أن يودَع مع الغنائم؟ لا يصلح.
الأمر الثاني أنه يُحتاج إليه في الأكل والشرب، فمثل هذا لا يُحتاج فيه إلى إذن، ولا نرفعه يعني لا نحمله على سبيل الادخار، يعني ما هو كل واحد وقف له على صناديق من العنب، وهو يحتاج إلى عنقود أو عنقودين يحملها كلها ويودعها إلى مخبئه أو خبائه، لا، يأكل بقدر الحاجة، ولا نرفعه يعني لا نحمله على سبيل الادخار، أو لا نرفعه إلى من يتولى أمر الغنيمة، يعني ما نحتاج إلى أن نرفعه إلى الإمام فنستأذن ونقول له: اقسمه، إنما يترك للناس يأكلونه في وقته بقدر الحاجة، وهو دليل على جواز أخذ الغانمين القوت وما يصلح به قبل القسمة، ولا يعد هذا من الغلول، ولا يعد هذا من الغلول؛ لأنه إن لم يؤكل تضرر الغزاة؛ لاحتياجهم إليه، وفسد ولم يستفد منه أحد.
طالب: ........
نعم.
طالب: ...........
لكنه مأكول يحتاجونه، قد يحتاجون إليه، فدل على أن الطعام لا يحتاج فيه إلا أن يرفع، هذا إذا أكل، لكن إذا رفع قال: والله العسل ما يفسد، نرفع منه كم جرة، أو كم علبة، نقول: لا.
"وعن نافع أن عبدًا لابن عمر أبق فلحق بالروم فظهر عليه خالد بن الوليد فرده على عبد الله".
يعني على صاحبه، وإن فرسًا لابن عمر عار شرد وهرب، فلحق بأرض الروم، فظهر عليه، فرده إلى عبد الله، يعني المال الذي يضل من صاحبه يبقى ملكه عليه ولو لحق بأرض العدو، لحوقه بأرض العدو لا يرفع الملك، فعلى من وجده أن يرده إليه، وليس من أسباب انتقال الملك الضياع، حتى اللقطة لا تُملَك وتغلق من صاحبها، وتُنقل ملكيتها إلى واجدها إلا بعد أن ييأس من وجود صاحبها بتعريفها سنة، فهذا العبد الذي أبق وهو تحت ملك عبد الله بن عمر وجده من وجده، وهو خالد بن الوليد، فرده إليه.
لكن من وجده في مثل هذه الصورة فقال: لا أسلمه لصاحبه إلا بأجرة، أجرة الرد، فهل يقال: إنه مادام ما وكله، وما جعل له جعلاً أو أجرة للإتيان به، فلا يستحق شيئًا أو نقول: إنه يستحق أجرة المثل؛ لأنه بإمكانه أن يقول: أنا ما وكلتك تأتي به، أو قال: أنا ما جعلت جعلاً لمن يأتي به، فتصرفك فضولي، لا تستحق أجرًا.
على كل حال مثل هذه المسألة ابتداءً هو لا يستحق؛ لأنه ليس فيه اتفاق مسبق بينهما، لكن إن أعطيَ من باب حثه على الإتيان بمثله لو وجده؛ لأنه لو لم يُعطَ هذه المرة لاسيما إذا كان فيه شيء من المقاولة والمعاندة، أنا أستحق، وأنت لا تستحق، يمكن يرى غيره فلا يأتي به، فمن باب حثه على مثل هذا العمل يُعطى.
يقول "رواهما البخاري.
وعن عمر بن الخطاب -رضي الله تعالى عنه- أنه سمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: «لأخرجن اليهود والنصارى من جزيرة العرب، حتى لا أدع إلا مسلمًا»"، في آخر أيامه -عليه الصلاة والسلام-: «لأخرجن اليهود والنصارى من جزيرة العرب»، واللام واقعة في جواب قسم مقدَّر، والله لأخرجن اليهود والنصارى من جزيرة العرب حتى لا أدعَ إلا مسلمًا، وفي حديث آخر: «لا يجتمع دينان في جزيرة العرب، لا يجتمع دينان في جزيرة العرب»، وفي القاموس: جزيرة العرب ما أحاط به بحر الهند وبحر الشام ثم دجلة والفرات أو ما بين عدن أبين إلى أطراف الشام طولاً، يعني من الجنوب إلى الشمال، ومن جُدَّة إلى أطراف ريف العراق عرضًا من الغرب للشرق.
وهذا هو المصطلح عليه الآن في تعريف جزيرة العرب أو شبه جزيرة العرب هذا هو المصطلح عليه الآن، ونُزِّل الخبر على هذا الاصطلاح في صنيع صاحب القاموس، وتحدثنا مرارًا عن تنزيل النصوص على كتب اللغة المتأخرة بعد شيوع الاصطلاحات التي تأثرت بالاصطلاحات سواء كانت جغرافية كما هنا، أو اصطلاحات فقهية، ولها أثرها في بيان الحقائق، أو اصطلاحات عقدية، وهي كذلك، وهي موجودة في كتب الغريب، وبعض كتب اللغة التأثر موجود، ولذا ينصح ويوصى طالب العلم أن تكون مراجعه من كتب المتقدمين، وإذا احتاج إلى كتب متأخرة فلا يقتصر على كتب مشرب واحد.
يعني لو رجعت إلى حقيقة الخمر عند المطرِّزي وجدتها متأثرة بمذهب الحنفية، وإذا رجعت إلى حقيقته في المصباح المنير وجدتها متأثرة باصطلاح الشافعية، وقل مثل هذا في بقية المذاهب، وقد ترجع إلى كتب الغريب، فتجد هذا التأثُّر في المسائل الفرعية والأصلية، حتى لو رجعت إلى الفائق في غريب الحديث للزمخشري وجدت أن الاعتزال قد أثَّر في بيان بعض الحقائق التي لهم فيها قول.
فالذي يُنصَح به طالب العلم أن يكون معوله ابتداءً على كتب المتقدمين، ثم بعد ذلك لا يمنع أن يرجع إلى كتب المتأخرين، وإذا وجد الاختلاف وأوجس خيفة من تأثر هذا الكتاب في هذه المسألة أو في هذا الاصطلاح فلا مانع من أن يتأكد بالنظر في المشارب الأخرى.
يقول في القاموس: جزيرة العرب ما أحاط به بحر الهند وبحر الشام ثم دجلة والفرات، أو ما بين عدن أبين إلى أطراف الشام طولاً، ومن جدة إلى أطراف ريف العراق عرضًا، وبمقتضى هذا التحديد قال الإمام مالك والشافعي وغيرهما، إلا أن الشافعي بمقتضى الخبر بمقتضى الحديث ما هو بمقتضى تحديد صاحب القاموس، بمقتضى الحديث قال مالك والشافعي، بمعنى أنه لا يجوز أن يبقى دين غير الإسلام في جزيرة العرب على اختلافهم في تحديد جزيرة العرب، والمراد بها بمقتضى الحديث قال مالك والشافعي وغيرهما، إلا أن الشافعي خص ذلك بالحجاز خص ذلك بالحجاز والحجاز مكة والمدينة والطائف ومخاليفها يعني ما يتبعها هذه الوصية، وهي من آخر الوصايا النبوية، مات النبي -عليه الصلاة والسلام- قبل تنفيذها، ثم جاء أبو بكر فلم تطل مدته، واشتغل بحروب الردة، ثم جاء عمر فأجلاهم إلى تيماء وأريحا، تيماء وأريحا، تيماء هي داخلة في حدود الجزيرة أم خارجة؟ داخلة، اليمن فيه اليهود، هل تم إجلاؤهم أو ما تم إجلاؤهم؟ ما تم إجلاؤهم.
المقصود أن مثل هذه القضايا، ووجود مثل هؤلاء مما يؤثِّر على التحديد الذي ذكره صاحب القاموس، وإن كان بعضهم يقول: لا ننظر إلى أي تصرُّف يخالف ما جاء عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، النبي قال هذا الكلام يُنَفَّذ -عليه الصلاة والسلام- بغض النظر عن كونهم بقوا أو أجلوا، نُفِّذَت الوصية، أو ما نُفِّذَت، ما لنا كلام، والمراد من إخراجهم من جزيرة العرب المراد به عدم تمكينهم من السكن، أما كونهم يردون للتجارة، ويرجعون أو يسكنون سكنى مؤقتة بعقود وعهود ومواثيق فهذا لأهل العلم فيه كلام، منهم من لا يرى بقاءهم أكثر من ثلاثة أيام، ومنهم من يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ} [سورة المائدة:1].
على كل حال مثل هذه المسألة مسألة كبيرة جدًّا، وحلها وبحثها من قِبَل أهل العلم، من قِبَل أهل العلم، ومثل هذا لا يُترَك لتصرفات الآحاد والأفراد.
نعم للإنسان أن يستقدم أو يقتصر على المسلم، ويرى وفي قرارة نفسه أنه لا يجوز له أن يستقدم غير مسلم امتثالاً لهذا الحديث، له ذلك، لكن إذا استقدمه غيره ودخل بعهد وميثاق فليس للأفراد أن يعالجوا مثل هذه الأمور، ليس للأفراد، نعم إذا كان تحت يدك وتحت كفالتك فأنت حر، لكن إذا كان جاء بعقد وعهد وميثاق الله -جل وعلا- يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ} [سورة المائدة:1]، ولو قيل بأن الإنسان إذا استقدم غير مسلم أثم لهذا الخبر ما بعد، لكن معالجة هذا الإثم لا يتم عن طريق الأفراد.
كم باقٍ؟
طالب: ........
نعم.
طالب: ...........
كونهم يدخلون بعقد وعهد، ولا يزيد الأمر على ثلاثة أيام كما قرر ذلك بعض أهل العلم؛ لتجارة ونحوها أو على حسب ما يتفقان عليه بحيث لا يسمى سكنى، لا يصل إلى حد السكنى، مثل هذا يستثنى منه مكة، {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلاَ يَقْرَبُواْ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا} [سورة التوبة:28]، وبعض العلماء يلحق بها المدينة، وأنه لا يجوز لهم أن يدخلوها كمكة؛ لاشتراكهما في كثير من الأحكام.
والله أعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.