كتاب الجنايات من المحرر في الحديث - 02
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد،
فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى- في كتاب الجنايات:
يقول: "وعن الحسن عن سمرة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «من قتل عبده قتلناه، ومن جدع عبده جدعناه»" يقول: "رواه أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجه والترمذي" يعني الخمسة، "وحسنه" يعني الترمذي، "وإسناده صحيح إلى الحسن، وقد اختلفوا في سماعه من سمرة.
ولأبي داود والنسائي: «ومن خصى عبده خصيناه»".
أولاً: رواية الحسن عن سمرة مختلف فيها، فجمع من أهل العلم يرون أنه لم يسمع منه مطلقًا، ويرى آخرون أنه سمع منه مطلقًا، وفي البخاري عن حبيب بن الشهيد، في البخاري عن حبيب بن الشهيد قال لي ابن سيرين: سل الحسن عمَّن سمعتَ حديث العقيقة؟ فقال: من سمرة في هذا ما يدل على أن الحسن سمع من سمرة، ولكنه إنما وقع التصريح بحديث العقيقة «كل غلام مرتهن بعقيقته»، فمن أهل العلم من يثبت السماع مطلقًا احتجاجًا بهذا، وأنه ما دام سمع منه حديثًا واحدًا فما المانع أن يكون سمع منه جميع مروياته أو بعضها غير حديث العقيقة؟ ومنهم من يثبت سماعه حديث العقيقة؛ لأنه متيقَّن منه، ومجزوم به، كما في البخاري، ومنهم من يقول، لم يسمع مطلقًا.
وعلى كل حال هذا الحديث على وجه الخصوص يرويه الحسن عن سمرة بصيغة عن، والحسن معروف بالتدليس، ولا يُقبَل من حديثه إلا ما صرَّح فيه بالتحديث، ولا يُقبل من حديثه إلا ما صرَّح فيه بالتحديث، وهنا رواه بصيغة عن، وهي لا تُقبل من المدلِّس، فصيغة عن محمولة على الاتصال بشرطين عند أهل العلم: ألا يُعرَف الراوي بالتدليس، وأن يثبت سماعه له، يعني لا يوصف بالتدليس، والحسن موصوف بالتدليس، وأن يثبت سماعه له ولو في حديث واحد كما هنا، وقد سمع من سمرة حديث العقيقة، لكن الشرط الأول متخلِّف، وهو أن الحسن موصوف بالتدليس، وتدليسه شديد.
على كل حال هذا الحديث لا يصح؛ لأنه من رواية الحسن بالعنعنة، وهو معروف بالتدليس الشديد، والخلاف الذي سقناه في سماع الحسن من سمرة، يعني يرجِّح جانب عدم السماع لهذا الحديث؛ لأنه لم يثبت التصريح بالسماع إلا في حديث العقيقة.
"أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «من قتل عبده قتلناه»" في هذا ما يستدل به بعضهم من أن الحر يُقتل بالعبد، يستدلون بهذا الحديث، وعرفنا أنه لا يقوى للاستدلال، ومن أدلتهم أيضًا النفس بالنفس؛ {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} [سورة المائدة:45]، والعبد نفس، كما أن الحر نفس، لكن هذا في آية المائدة: {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} [سورة المائدة:45]، وفي سورة البقرة: {الْحُرُّ بِالْحُرِّ} [سورة البقرة:178]، يعني الحر يُقتل بالحر، ومفهومه أنه لا يُقتل بالعبد، مفهومه أنه لا يُقتل بالعبد.
طيب قد يقول قائل: إن سورة المائدة من أواخر ما نزل من القرآن، وفي هذا أمر يجب على طالب العلم أن يتنبَّه له، سورة المائدة من أواخر ما نزل من القرآن، يعني بعد البقرة، بعد البقرة، آية الحر بالحر في سورة البقرة، {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} [سورة المائدة:45] في سورة المائدة، سورة المائدة متأخرة عن البقرة، لكن قوله -جل وعلا-: {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا} [سورة المائدة:45] يعني في التوراة، مما يدل على أن الحكم متقدِّم وإن تأخرت السورة، وإن تأخر نزول السورة، فهذا الحكم متقدم، وهو أيضًا في شرع من قبلنا، وفي شرعنا الحر بالحر، والعبد بالعبد.
والحديث على كل حال لا يقوى على معارضة آية البقرة، وعرفنا أن سورة المائدة وإن كانت متأخرة في النزول إلا أن الحكم متقدم؛ لأنه في التوراة {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ} [سورة المائدة:45] يعني على بني إسرائيل {فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} [سورة المائدة:45]. وعلى كل حال الحر بالحر والعبد بالعبد أخص من النفس بالنفس «من قتل عبده قتلناه»، فالراجح في هذه المسألة أن الحر لا يُقتل بالعبد، أن الحر لا يُقتل بالعبد.
«ومن جدع عبده جدعناه» يعني جدع أنفه قطع أنفه أو أذنه أو شفته أو.. هذا الجدع يعني القطع، والحديث كما ذكرنا آنفًا لا يقوى على مساواة العبد للحر مع قوله- جل وعلا-: {الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ} [سورة البقرة:178].
«ومن جدع عبده جدعناه، ومن خصى عبده خصيناه» مثل الجمل السابقة، فالعبد لا يساوي الحر في...ولا يكافئه بحيث يقتل به، ومع ذلكم كما قدمنا الحديث ضعيف.
قال: "رواه أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجه والترمذي" يعني لو قال: رواه الخمسة كان أخصر على اصطلاحهم؛ لأن المراد بالخمسة أحمد وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه الخمسة.
"وإسناده صحيح إلى الحسن" يعني مَن قبل الحسن ثقات، لكن الإشكال في الحسن في تدليسه، وروايته بالعنعنة، وبخصوص روايته عن سمرة فالحديث لا يصح، ولا يثبت به الحكم الذي قرره بعض أهل العلم أن العبد مساوٍ للحر بهذا الحديث، وبقوله: {النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} [سورة المائدة:45] {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} [سورة المائدة:45]، وعرفنا أن ما جاء في سورة البقرة وإن كان متقدمًا في النزول إلا أنه متأخر في الحكم والتشريع.
"وإسناده صحيح إلى الحسن، وقد اختلفوا في سماعه من سمرة" وذكرنا الخلاف.
"ولأبي داود والنسائي: «ومن خصى عبده خصيناه»" يعني إما قطع أو سل الخصيتين أو تسبب في تعطيلهما، المقصود أن الحديث ضعيف، لكن لو حصل هذا بين حرين فالجروح قصاص، {وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ} [سورة المائدة:45].
ثم قال بعد ذلك -رحمه الله-: "وعن الحجاج بن أرطاة عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، عن الحجاج بن أرطاة عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، عن عمر بن الخطاب قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: «لا يقاد الوالد بولده، لا يقاد الوالد بولده»" يقول: "رواه أحمد وابن ماجه والترمذي، وهذا لفظه، وقال: وقد روي هذا الحديث عن عمرو بن شعيب مرسلاً، وهذا حديث فيه اضطراب".
هذا حديث فيه اضطراب لماذا؟
لأنه من رواية عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، جده عبد الله بن عمرو بن العاص فقيل: عن عمر كما هنا عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن عمر، وقيل: عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن سراقة، وقيل: بلا واسطة، بدون ذكر عمر، وبدون ذكر سراقة، عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: سمعت رسول الله إلى آخره، كالجادة المعروفة في الرواية بهذه السلسلة. هذا الاختلاف يسمونه اضطرابًا، والاضطراب أن يُروى الحديث على أوجه، يعني على أكثر من وجه كما هنا مختلفة، يعني غير متفقة، متساوية. ما معنى ما معنى متساوية؟ يعني أنه لا يمكن الترجيح بينها، لا يمكن الترجيح بينها، فإذا روي الحديث على أوجه مختلفة متساوية حكم باضطرابه، وإذا أمكن الترجيح بين هذه الأوجه انتفى الاضطراب، وهنا قال: وفيه اضطراب؛ لأنه جاء على ثلاثة أوجه، «لا يقاد الوالد بالولد» قالوا: إن الوالد إذا قتل ولده لا يُقتَل؛ لأن شفقة الوالد تنفي التُّهَمَة، يعني تنفي التُّهَمة، والقتل قد حصل، المسألة تُهَمَة أم حقيقة الآن؟
القتل حقيقي، كيف قالوا: إن الشفقة تنفي التهَمة، تنفي تهَمة أن يقتله عدوانًا بغير حق، تنفي أن يقتله عدوانًا بغير حق، فشفقة الوالد لا شك أنها موجودة، ولكن قد يقتل ولده لأمر يقتضي ذلك، لكن قد يصيب، وقد يخطئ في تقدير هذا الأمر، واستحقاقه بسببه القتل، واستحقاقه بسببه القتل، فالوالد إذا وجد الولد- نسأل الله السلامة والعافية- على أخيه أو على أخته قد تحمله الغيرة فيقتله، لكن ليس هذا إليه، أخطأ الوالد في ذلك، لكن شفقته المعروفة المقررة شرعًا وعقلاً وعرفًا تنفي أن يكون قتله عدوانًا بغير شبهة.
على كل حال الحديث حسن، الحديث حسن، وهو عمدة جمهور أهل العلم الذين قالوا بأن الوالد لا يُقتَل إذا قتل ولده، وذهب بعضهم إلى أن الوالد كغيره يُقتل مادام وجد القتل، السبب، يقتل، وأما قولهم: إن الوالد سبب وجود الولد، والجمهور يقولون: إن الوالد سبب وجود الولد، فلا يمكن أن يكون الولد سببًا في إعدام الوالد، هذا سبب في الوجود، فلا يمكن أن يكون الولد سببًا في الإعدام، هذا من تعليل الجمهور الذين قالوا: إنه يقاد؛ لعموم النفس بالنفس قالوا: إن الولد ليس سببًا، هو الذي تسبب في قتل نفسه، فقتل ولده.
الإمام مالك يقول: إذا ثبت العمد في قتل الوالد لولده قيد به، يعني قتل به بأن يضجعه وينحره بسكين أو يبقر بطنه، هذا ما فيه شبهة، هذا متعمد، عمد لا لبس فيه، ولا إشكال فيه، وليس فيه تأويل، هذا متعمد للقتل، فيُقتَل، وعرفنا أن المذاهب في هذه المسألة ثلاثة، ولكن جمهور أهل العلم، جمهور أهل العلم يرون أن الولد لا يقاد بولده؛ احتجاجًا بهذا الحديث، وبالعلة التي ذكروها أن الوالد عنده من الشفقة والرأفة بولده ما يجعله لا يقدم على قتله إلا بحق. وعلى كل حال الحديث حسن قابل للاحتجاج.
"وقد روى البيهقي نحوه من رواية ابن عجلان عن عمرو، وصحح إسناده" قالوا: الحديث لا ينزل عن درجة الحسن، والحسن يحتج به في الأحكام.
ثم قال بعد ذلك: "وعن أنس بن مالك- رضي الله تعالى عنه- أن جارية وجد رأسها قد رُضَّ بين حجرين، أن جاريةً وجد رأسها قد رُضَّ بين حجرين" يعني رُضِخ بين حصاتين، بين حجرين، صخرتين، بين حجرين، "فسألوها" جيء بها إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وبها رمق، يعني ما فارقت الحياة باقية فيها، "فسألوها: من صنع هذا بكِ؟" ما أجابت؛ لأنها ما تتكلم، فقيل لها: "فلان، فلان" عددوا عليها، "حتى ذكروا يهوديًّا، فأومأت برأسها، حتى ذكروا يهوديًّا فأومأت برأسها، فأُخِذ اليهودي" يعني فقرر، حقق معه "فأقر"، واعترف، "فأمر به رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يُرَضَّ رأسه بالحجارة".
الحديث متفق عليه، هذه الجارية يحتمل أن تكون أمة، ويحتمل أن تكون حرة، لكنها صغيرة، يقال للصغيرة من الأحرار: جارية، هذه الجارية عليها أوضاح، يعني حلي من فضة، حلي من فضة، فقتلها هذا اليهودي؛ ليأخذ ما عليها من حلي، رَضَّ رأسها بين حجرين، هذه طريقتهم وهذا شأنهم وهذا ديدنهم الغدر، الغدر، نسأل الله العافية، من أجل أوضاح، ومع الأسف أن يوجَد بين المسلمين من يشابههم في هذا، قد ذُكِر حوادث من وجود جوارٍ في أكثر من قصة عليهن حلي، فيأتي السارق يحاول أن يخرج هذا الحلي، فلا يستطيع، يقطع اليد ويمشي يأخذ.. نسأل الله العافية، نسأل الله السلامة والعافية.
أقرب شيء في الأخبار أمس أو قبل أمس اليهود سلخوا بعض الضحايا الذين قتلوهم وباعوا جلودهم، يعني جلد آدمي تصل الوحشية إلى هذا الحد، يعني انتهت الدنيا كلها وأسباب الكسب كله ينتهي حتى يصل الحد إلى جلد الآدمي يُسلخ ويُباع؟! نسأل الله السلامة والعافية، لكنهم اليهود هذا تاريخهم، هذه من أجل أوضاح، ومن فضة، لو بعد لو من ذهب كان يمكن الأمر أشد، يرضخ رأسها بين حجرين ويأخذ هذه الأوضاح.
"أن جارية وجد رأسها قد رض بين حجرين، فسألوها من صنع بك؟ من صنع هذا بك؟" هي لا تستطيع أن تقول فلان، لكنها لما قالوا لها، عرضوا عليها "فلان، فلان، حتى ذكروا يهوديًّا، فأومأت برأسها" هل يكفي هذا في إدانته؟ يكفي؟
لا، لا يكفي، لكنه قرينة، لكنه قرينة، ولذا ما اكتفوا بهذا، "فأُخِذَ اليهودي" أُخِذ، قُبِض عليه، فقُرِّر وحُقِّق معه فأقر واعترف، وهو إنما أخذ بإقراره، نعم القرينة حددت المطلوب، وإن لم تدينه، لكنها قرينة، قرينة على ما حصل منه، فمثل يُعمَل به في باب القرائن والإقرار، في باب: فيما يقابل البينات.
"فأقر فأمر به رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يُرَضَّ رأسه بالحجارة، فأمر به رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أن يرض رأسه بالحجارة" مماثلة، مماثلة، {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُواْ بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُم بِهِ} [سورة النحل:126]، وهذا في الصحيحين، وجاء في حديث: «لا قَوَد إلا بالسيف، لا قَوَد إلا بالسيف»، لكن الحديث ضعيف، والمماثلة كما هنا وما تدل عليه الآيات والنصوص أن المعاقبة بالمثل هي الأصل، {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُواْ بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُم بِهِ} [سورة النحل:126]، وجزاء سيئة سيئة مثلها، فهذه مماثلة شرعية، وما يخالفها من حديث «لا قود إلا بالسيف» الحديث ضعيف، والنبي -عليه الصلاة والسلام- رض رأس اليهودي بالحجارة، كما سمعتم.
وفيه هذه المسألة، ومسألة أخرى وهي قتل الرجل بالأنثى، قتل الرجل بالأنثى، من أهل العلم وهم جمهور أهل العلم يقولون: إن الرجل يُقتل بالمرأة، يُقتل بالمرأة؛ استنادًا إلى هذا الحديث، وهي أنها نفس مسلمة تساوي الرجل في مثل هذا، وإن كانت الدية على النصف، دية المرأة على النصف من دية الرجل حتى قال بعضهم: إن الرجل يقتل بالمرأة، لكن يدفع أهله نصف الدية لأهلها، نعم تساووا في القود ولم يتساووا في الدية، فيدفع الفرق نصف الدية، هذا القول الأول أنه يقاد الرجل ويقتل بالمرأة من غير نظر إلى الدية؛ لأن المسألة قصاص، ولو عدل إلى الدية ما استحقوا إلى نصف الدية.
ومنهم من يقول: لا يقاد الرجل بالمرأة؛ استنادًا إلى {وَالأُنثَى بِالأُنثَى} [سورة البقرة:178]، يعني إنما تقاد الأنثى بقتل الأنثى، ولكنه مفهوم، وحديث الباب منطوق، وهو مقدم على المفهوم، ولذا ذهب جمهور أهل العلم إلى أن الرجل يُقتل بالمرأة، بعضهم يقول: إنما قُتل اليهودي لا قصاصًا بقتله هذه الجارية، وإنما لنقضه العهد، لنقضه العهد، وليس لهذا أي ذكر في روايات الحديث وطرقه، وإنما اعترف بقتلها فقُتِل، فدل على أن السبب في قتله هو قتله هذه الجارية، ولا شك أن اليهود أهل غدر وأهل خيانة، وكادوا للنبي -عليه الصلاة والسلام- في أكثر من مناسبة، ولكن الله يعصمه منه كما يعصمه من غيرهم، فقد قال الله -جل وعلا-: {وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} [سورة المائدة:67] كادوا له في أكثر من مناسبة، قاتلهم الله، وليس بمستكثر ولا مستبعد منهم، فهم أهل الخيانة والغدر.
ثم قال -رحمه الله تعالى-: وعن أبي هريرة.
اقرأ.. اقرأ إلى آخر الباب..
"بسم الله، الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه.
اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللحاضرين والمستمعين يا رب العالمين.
قال المؤلف -رحمه الله-:
وعن أنس بن مالك -رضي الله عنه- أن جارية وجد رأسها قد رض بين حجرين، فسألوها من صنع هذا بك؟ فلان؟ فلان؟ حتى ذكروا يهوديًّا فأومأت برأسها، فأُخذ اليهودي فأقر فأمر به رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يرض رأسه بالحجارة.
وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: اقتتلت امرأتان من هذيل، فمرت إحداهن الأخرى بحجر، فقتلتها وما في بطنها، فاختصموا إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقضى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن دية جنينها غرة عبد، أو وليدة، وقضى بدية المرأة على عاقلتها وورثها ولدها ومن معهم فقال: حَمْل بن النابغة الهذلي.."
حَمَل.
أحسن الله إليكم.
"فقال حَمَل بن النابغة الهذلي: يا رسول الله، كيف أغرم من لا شَرِب ولا أكل ولا نطق ولا استهل فمثل ذلك يطل؟ فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «إنما هذا من إخوان الكهان من أجل سجعه الذي سجع». متفق عليهما، واللفظ لمسلم.
وعن عمران بن حصين -رضي الله عنه- أن غلامًا لأناس فقراء قطع أذن غلام لأناس أغنياء، فأتوا النبي -صلى الله عليه وسلم- فلم يجعل لهم شيئًا. رواه أحمد وأبو داود والنسائي، ورواته ثقات مخرج لهم في الصحيح.
وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رجلاً طعن رجلاً بقرن في ركبته، فجاء إلى النبي- صلى الله عليه وسلم- قال: أقْدني.."
أَقِدْني.. أَقِدْني..
أحسن الله إليكم.
"فجاء إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: أَقِدْني، فقال: «حتى تبرأ»، ثم جاء إليه، فقال: أقِدْني، فأقاده، ثم جاء إليه فقال: يا رسول الله، إني عرجت، فقال: «نهيتك وعصيتني، فأبعدك الله، وبطل عرجك»، ثم نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يقتص من جرح حتى يبرأ صاحبه. رواه أحمد عن يعقوب عن أبيه عن ابن إسحاق قال: وذكر عمرو، فكأنه لم يسمعه منه، ورواه الدارقطني من رواية محمد بن عمران، وهو صالح الحديث، عن ابن جريج عن عمرو.
وعن أنس -رضي الله عنه- أن الربيِّع عمته كَسرت ثنيَّة جارية، فطلبوا إليها العفو فأبوا، فعرضوا الأرش فأبوا، فأتوا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأبوا إلا القصاص، فأمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالقصاص، فقال أنس بن النضر: يا رسول الله، أتكسر ثنية الربيع؟ لا والذي بعثك بالحق لا تكسر ثنيتها، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «يا أنس، كتاب الله القصاص»، فرضي القوم فعفوا، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «إن من عباد الله من لو أقسم على الله لأبره». متفق عليه، واللفظ للبخاري."
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "وعن أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- قال: اقتتلت امرأتان من هذيل، اقتتلت امرأتان من هذيل" وفي بعض الروايات من بني لحيان، ولا اختلاف؛ لأن بني لحيان من هذيل، وهما ضرتان، هاتان المرأتان ضرتان، تحت حَمَل بن النابغة، هو زوج المرأتين، ويحصل من الضرات أكثر مما يحصل بين غيرهما.
على كل حال حملت إحداهما فحصل بينهما كما جاء في الخبر: "فرمت إحداهن الأخرى بحجر، فرمت إحداهن الأخرى بحجر، فقتلتها وما في بطنها" قتلت الضرة، وقتلت ما في بطنها، "فاختصموا إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم"- أهل المقتولة وأهل القاتلة اختصموا إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-. طيب الزوج ما موقفه؟ ما موقف هذا الزوج؟ زوج هاتين الضرتين، يعني هل هو محايد أو منحاز إلى إحداهما؟ معروف أن الزوج عليه أن يشهد بالحق، وأن ينطق به إلا فيما يخفى عليه من الأحكام، لكن إما أن ينحاز إلى إحداهما ويقول في القتيل الولد القتيل وهو ولده: كيف ندي كذا وكذا؟ هذا يدل على نوع انحياز إلى القاتلة ضد المقتولة. وعلى كل حال النفس البشرية لا تسلم في الغالب من مثل هذا، لكن المسلم الواجب عليه أن يقول الحق، وأن يدور مع الحق كيفما دار.
"فرمت إحداهن الأخرى بحجر، فقتلتها وما في بطنها" قتلت ضرتها، وقتلت جنينها، "فاختصموا إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فقضى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن دية الجنين غرة" أصل الغرة البياض في الجبين، ثم أطلق على ما ذكر عبد أو أمة ولو كان أسود، الغرة الأصل فيها البياض، «إن أمتي يبعثون يوم القيامة غرًّا محجلين، فمن استطاع..» إلى آخره، البياض في الجبين يقال له: غرة، ثم أطلق على دية الجنين ولو كان غير أبيض عبد أو أمة عبد أو جارية، "عبد أو وليدة" يعني أمة جارية يقال لها: وليدة، وتعادل هذه الغرة عشر دية الأم، عشر دية الأم، يعني خمسًا من الإبل، هذه ديتها.
"وقضى بدية المرأة" المقتولة، وقضى بدية المرأة يعني المقتولة "على عاقلتها" يعني على عاقلة المرأة القاتلة، يعني معروف أن الدية على العاقلة وهم العصبة، على خلاف في الأب والولد هل يدخلان وإن كان عصبة، بل أقرب العصبة، خلاف بين أهل العلم، هل يدخلان في المشاركة في العقل في الدية، وأما الإخوة والأعمام وإن بعدوا وعلوا، على كل حال العاقلة هم العصبة عليهم الدية.
"وقضى بدية المرأة" يعني المقتولة "على عاقلتها" يعني القاتلة، "وورِثها ولدها ومن معهم"، في بعض النسخ: وورَّثها ولدها ومن معهم، "فقال حَمَل بن النابغة" زوجها "الهذلي" زوج القاتلة كما أنه زوج المقتولة "يا رسول الله، كيف أغرم" يعني أدفع دية حمْل لم يشرب ولم يأكل ولا تكلم، قال: "كيف أغرم من لا شرب ولا أكل ولا نطق ولا استهل؟!" يعني المولود حينما يولد يستهل صارخًا، وبذلك تثبت حياته ويثبت إرثه، وتثبت له جميع الأحكام إذا استهل صارخًا "ولا نطق ولا استهل، فمثل ذلك يُطَل" مثل هذا يُطَل، يترك، يهدر دمه، ما يساوي شيئًا، ما فيه علامة من علامات الحياة، لا أكل ولا شرب ولا نطق ولا استهل، يقول مثل هذا يطل، وفي بعض الروايات: مثل هذا بَطَل، يعني بطل حكمه، بطل حكمه، فلا يستحق شيئًا؛ لأنه ما بعد وجد في الواقع وفي الحياة، هذا ظنه وزعمه. قال ذلك معارضًا الحكم الشرعي على حسب رأيه، وكأنه لم يسمع في هذه المسألة شيئًا من رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فقال ما قال.
"فمثل ذلك يطل، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «إنما هذا من إخوان الكهان»" الكهان الذين يدَّعون علم الغيب من العرافين والمنجمين وغيرهم ممن يدعي معرفة علم الغيب ويقال له: كاهن، يقال له: كاهن.
«من أجل سجعه الذي سجع» يعني قد لا يكون كاهنًا في حقيقة الأمر، قال: هذا من إخوان الكهان، يعني يشبه الكهان؛ لأن كلامهم في الغالب مسجوع، في الغالب مسجوع، وهو كلام يعارَض به الحق، اجتمع فيه السجع المتكلَّف الذي يُنصَر به الباطل، الذي يُنصَر به الباطل، فالمشابهة ولو من وجه تجيز الوصف بالأخوَّة.
لما جاءت حفصة وعائشة في قصة من يخلف النبي -عليه الصلاة والسلام- في الصلاة قال: «مروا أبا بكر فليصلِّ بالناس»، قالت عائشة: إن أبا بكر رجل أسيف، إذا قام في مقامك لم يسمع الناس، ثم قالت لحفصة: قولي للرسول -عليه الصلاة والسلام-: مر عمر، فليصلِّ بالناس؛ لأن أبا بكر رجل أسيف إذا قام في مقامك لا يسمع الناس، وقصد عائشة- رضي الله عنها- من شفقتها على أبيها أن الذي يخلف العظيم يكون في صدور الناس عليه شيء، يعني أنت افترض أن شخصًا من عظماء الرجال، قام بما أوجب الله عليه من كل وجه، واقتنع به الناس، ورضوا به، ثم فجأة يُعزَل ويوضع في مكانه شخص آخر، أو يموت فجأة ثم يكون في مقامه شخص أقل منه، فما منزلة أبي بكر من منزلة الرسول -عليه الصلاة والسلام-؟ الناس لا يرتاحون، فعائشة ما تريد أن يقف أبوها هذا الموقف، واحتجت بأنه رجل أسيف إذا صلى لم يسمع الناس من البكاء، هل هذه صفة مدح أم صفة ذم؟
مدح، نحن بحاجة إلى إمام يحرك قلوب الناس بالخشوع، فقالت لحفصة، لما قالت حفصة ما قالت للرسول -عليه الصلاة والسلام- قال: «إنكن لأنتن صواحب يوسف»، أنتن صواحب يوسف، يعني أشبهتن صواحب يوسف اللواتي جمعتهن امرأة العزيز أو مثل امرأة العزيز الذي ادعت على يوسف بدعوى غير الحقيقية، فهذا وجه شبه، وإن كان غير مطابق من كل وجه، لكن المشابهة ولو من وجه واحد تجيز الوصف بالأخوة والصحبة.
إنما هذا من إخوان الكهان، هو ليس بكاهن، لكنه أشبههم في رد الحق بهذا السجع، والرسول -عليه الصلاة والسلام- يقول: «إن من البيان لسحرًا، إن من البيان لسحرًا»، فإن كان البيان بجميع الأنواع البلاغية التي اشتمل عليها إنما استُعمل في نصر الحق فهذا مدح؛ لأنه يؤثِّر في الناس بالحق كتأثير الساحر بالباطل، لا شك أن الكلام الفصيح البليغ يؤثر في الناس، وإن كان لنصر الباطل أشبه السحر من هذه الحيثية.
وقوله: «إنما هذا من إخوان الكهان»: لأنه رد الحق بهذا الكلام المسجوع.
وعلى كل حال السجع إذا استُعمِل في نصر الباطل فهو مذموم، وإذا كان متكلفًا فهو مذموم، أما إذا كان عفويًّا، واستُعمل في نصر الحق أو في كلام مباح فإنه لا شيء فيه، فقد صدر عنه- عليه الصلاة والسلام- بعض الجمل المسجوعة، «اللهم إنا نعوذ بك من قلب لا يخشع ومن علم لا ينفع ومن..» إيش؟
طالب: ..............
«ومن دعاء لا يُسمع».
على كل حال هذا معنى قوله -عليه الصلاة والسلام-: «إن هذا من إخوان الكهان»، والحديث متفق عليه، وعلى الذي قبله، واللفظ لمسلم.
رمتها بحجر فقتلتها، النبي -صلى الله عليه وسلم- قضى بدية المرأة على عاقلتها، هذا يدل على أن هذا الحجر لا يقتل غالبًا، ولو كان مما يقتل غالبًا لقُتِلَت بها، لقُتِلَت بها، وهو ما اختاره جمهور العلماء في القَوَد بالقتل بالمثقَّل، منهم من يرى أن المثقَّل الذي لا يخرج الدم، لا ينهر الدم لا يُقتَل به. بعض أهل العلم يقول هذا.
والجمهور على أنه إذا كان يقتل مثله فإنه يقاد به، القتل بالمثقَّل، المثقَّل الشيء الثقيل الذي لو وقع على الإنسان قتله، فدل على أن هذا الحجر ليس بقاتل في الغالب، لكنه اجتمع عليه الحمل مع هذا الحجر وأسقطت ما في بطنها، ويمكن حصل معها نزيف مع هذا الإسقاط من جراء هذا الحجر فماتت، ولهذا حكم بديتها، ولم يأمر بالاقتصاص منها، والاقتياد منها، فهذا دليل على النوع الثاني من أنواع القتل الذي هو العمد، الذي هو شبه العمد، ثم الخطأ؛ لأن أنواع القتل ثلاثة: العمد، وشبه العمد، والخطأ، فالعمد فيه القصاص، وشبه العمد فيه الدية المغلظة على ما سيأتي، والخطأ فيه الدية المقررة المعروفة.
بقي وقت؟
طالب: ..............
نعم.
طالب: ..............
طيب.
القتل بالمثقَّل يذكره العلماء إذا رُمِيَ الشخص بشيء ثقيل يقتل غالبًا هذا القتل بالمثقَّل، لكن لو تصارع رجلان أحدهما من الوزن الثقيل فصرعه، وجلس عليه إلى أن مات، يلحق بالمثقل أم ما يلحق؟
هم ما ذكروا هذه المسألة، لكن جلس عليه حتى مات، يقاد به أم ما يقاد؟ دعونا ممن يقول بعدم القتل القصاص بالقتل بالمثقل، لكن الذي يقول به الذي يقول: إن القتل بالمثقل يقاد به.
طالب: ..............
كيف؟
طالب: ..............
يعني ما الفرق بينه وبين الصخرة الكبيرة؟
طالب: ..............
فيه فرق؟
طالب: ..............
ما فيه فرق، فالذي يظهر أنه إذا قصد قتله بهذا فإنه يقاد به.
طالب: ..............
أحرقه؟
طالب: ..............
إذا استثنينا مثل هذا بحديث «لا يعذب بالنار إلا الله -جل وعلا-»، وإلا فالأصل المماثلة، حتى قال بعضهم: إنه إذا مات بسبب محرم كسقاه خمرًا مثلاً حتى مات يسقى نظيره من الحلال، يسقى خلًّا حتى يموت، وإذا مات -نسأل الله العافية- بسبب اللواط مثلاً قالوا: يدخل في دبره خشبة حتى يموت، لكن مثل هذه الأمور لا تليق بمسلم، مثل هذه يقاد بالسيف وبغيره من أدوات القتل المباحة، وهذا كله من باب تطبيق المماثلة والقتل بالمثل.
"وعن عمران بن حصين رضي الله عنه أن غلامًا لأناس فقراء قطع أذن غلام لأناس أغنياء، فأتوا النبي -صلى الله عليه وسلم-، فلم يجعل لهم شيئًا. رواه أحمد وأبو داود والنسائي ورواته ثقات مخرج لهم في الصحيح".
عن عمران بن حصين، عمران بن حصين من أفاضل الصحابة، ومن عبادهم، يقول- كما في الصحيح أنه في مرضه الأخير كان يسلَّم عليه يسمع التسليم.