شرح العقيدة الطحاوية (67)
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
قال الإمام الطحاوي –رحمه الله تعالى-:
وَفِي دُعَاءِ الْأَحْيَاءِ وَصَدَقَاتِهِمْ مَنْفَعَةٌ لِلْأَمْوَاتِ".
قال الشارح –رحمه الله-:
" اتَّفَقَ أَهْلُ السُّنَّةِ أَنَّ الْأَمْوَاتَ يَنْتَفِعُونَ مِنْ سَعْيِ الْأَحْيَاءِ بِأَمْرَيْنِ: أَحَدُهُمَا: مَا تَسَبَّبَ إِلَيْهِ الْمَيِّتُ فِي حَيَاتِه.ِ
وَالثَّانِي: دُعَاءُ الْمُسْلِمِينَ وَاسْتِغْفَارُهُمْ لَهُ، وَالصَّدَقَةُ وَالْحَجُّ، عَلَى نِزَاعٍ فِيمَا يَصِلُ إِلَيْهِ مِنْ ثَوَابِ الْحَجِّ: فَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: أَنَّهُ إِنَّمَا يَصِلُ إِلَى الْمَيِّتِ ثَوَابُ النَّفَقَةِ، وَالْحَجُّ لِلْحَاجِّ. وَعِنْدَ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ: ثَوَابُ الْحَجِّ لِلْمَحْجُوجِ عَنْهُ، وَهُوَ الصَّحِيحُ".
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابة أجمعين، أما بعد:
فيقول المصنف –رحمه الله تعالى-: وَفِي دُعَاءِ الْأَحْيَاءِ وَصَدَقَاتِهِمْ مَنْفَعَةٌ لِلْأَمْوَاتِ.
الدعاء والصدقة مما اتفق عليه أهل العلم من أنه يصل ثوابه إلى الميت.
ويقول الشارح –رحمه الله تعالى-:
اتَّفَقَ أَهْلُ السُّنَّةِ أَنَّ الْأَمْوَاتَ يَنْتَفِعُونَ مِنْ سَعْيِ الْأَحْيَاءِ بِأَمْرَيْنِ: ويكون مخصوصًا من قوله –جل وعلا-: {وَأَن لَّيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَى} [سورة النجم:39]؛ لأن هذين الأمرين في حقيقتهما هما من سعيه، أو فيهما من سعيه، أحدهما: ما تسبب إليه الميت في حياته.
الميت تسبب في تربية الولد، تسبب في تربية التلميذ وتعليمه، تسبب في دلالة الناس على الخير وعلى الهدى ومن دل على هدى كان له مثل أجر فاعله، هذا تسبب فيه، فهذا في الحقيقة من سعيه، وإن كان العمل المستمر عمل غيره، هذا محل اتفاق.
والثاني: دعاء المسلمين واستغفارهم له.
دعاء المسلمين واستغفارهم له وفيه نوع تسبب؛ لأن الوصف الذي من أجله يدعون لك بدخولك في عموم المسلمين؛ لأنك أسلمت واتصفت بهذا الوصف هو من سعيك، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، إذا كنت صالحًا دخلت في الدعوة، وهذا يشمل الصالحين إلى قيام الساعة، وأنت متصفٌ بهذا الوصف يشملك أيضًا، وأنت متسببٌ وساعٍ في صلاح نفسك مع توفيق الله– جل وعلا- فهذه أشياء متفق عليها.
دعاء المسلمين واستغفارهم، والصدقة والحج.
الحج حج عن أبيك واعتمر «أرأيتِ إن كان على أمك دين أكنتِ قاضيته؟» فهذا يقبل النيابة ويصل الثواب إلى المحجوج عنه، خلافًا لما ذكره الشارح –رحمه الله- عن محمد بن الحسن أنه إنما يصل إليه ثواب النفقة؛ لأنها من جنس الصدقة، لا أصل الحج الذي هو عبادة بدنية، فهو أشبه ما يكون بالصلاة، والتفريق لا دليل عليه، وقبول النيابة في الحج فيه الأدلة الصحيحة الصريحة، والمسألة الخلاف فيه مثل هذا ضعيف.
"وَاخْتُلِفَ فِي الْعِبَادَاتِ الْبَدَنِيَّةِ، كَالصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ وَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ وَالذِّكْرِ: فَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ وَجُمْهُورُ السَّلَفِ إِلَى وُصُولِهَا، وَالْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ عَدَمُ وُصُولِهَا".
يعني هو الاقتصار على ما ورد فيه النص، مع أن الصوم ورد فيه النص الصحيح «من مات وعليه صوم، صام عنه وليه».
"وَذَهَبَ بَعْضُ أَهْلِ الْبِدَعِ مِنْ أَهْلِ الْكَلَامِ إِلَى عَدَمِ وُصُولِ شَيْءٍ ألْبَتَّةَ".
لا دعاء ولا الصدقة ولا حج ولا غيره {وَأَن لَّيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَى} [سورة النجم:39]، وسيأتي الجواب عن هذه الآية وعن غيرها.
لا الدُّعَاءِ وَلَا غَيْرِهِ. وَقَوْلُهُمْ مَرْدُودٌ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، لَكِنَّهُمُ اسْتَدَلُّوا بِالْمُتَشَابِهِ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأَن لَّيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَى} [سورة النجم:39]. وَقَوْلِهِ: {وَلَا تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [سورة يس: 54] وَقَوْلِهِ :{لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ} [سورة الْبَقَرَةِ:286]".
طالب:.........
لأن {وَأَن لَّيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَى} [سورة النجم:39] يشمل كل ما فات، يشمل كل ما تقدم، لكن إذا أوردنا عليه النصوص المحكمة النصية في الموضوع المراد، هذه صارت تحتمل، والمحتمل ما هو المتشابه.
"وَقَدْ ثَبَتَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ قَالَ :«إِذَا مَاتَ ابْنُ آدَمَ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثٍ:..»"
النص في مسلم: إذا مات الإنسان..
"»انْقَطَعَ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثٍ: صَدَقَةٌ جَارِيَةٌ، أَوْ وَلَدٌ صَالِحٌ يَدْعُو لَهُ، أَوْ عِلْمٌ يُنْتَفَعُ بِهِ مِنْ بَعْدِه «فَأَخْبَرَ أَنَّهُ إِنَّمَا يَنْتَفِعُ بِمَا كَانَ تَسَبَّبَ فِيهِ فِي الْحَيَاةِ، وَمَا لَمْ يَكُنْ تَسَبَّبَ فِيهِ فِي الْحَيَاةِ فَهُوَ مُنْقَطِعٌ عَنْهُ.
وَاسْتَدَلَّ الْمُقْتَصِرُونَ عَلَى وُصُولِ الْعِبَادَاتِ الَّتِي تَدْخُلُهَا النِّيَابَةُ، كَالصَّدَقَةِ وَالْحَجِّ بِأَنَّ النَّوْعَ الَّذِي لَا تَدْخُلُهُ النِّيَابَةُ بِحَالٍ، كَالْإِسْلَامِ وَالصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ، يَخْتَصُّ ثَوَابُهُ بِفَاعِلِهِ لَا يَتَعَدَّاهُ، كَمَا أَنَّهُ فِي الْحَيَاةِ لَا يَفْعَلُهُ أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ".
بمعنى أن عدم النيابة في هذه الأمور، وأنها عبادات بدنية، يعني ما يمكن أن يدخل اثنان المسجد، ويقول واحد: والله أنا تعبان صلِّ عني تحية المسجد يقول للثاني، فيأتي بركعتين، ثم يأتي بركعتين عن صاحبه، لكن لو صلى ركعتين وأهدى ثوابهما إلى من يحب هذه مسألة ثانية، ما يكون صلى عنه يكون أهدى الثواب، وهذا الذي يقصده أهل العلم، أما أن يدخل يصلي عنه أو يقول: والله أنا تعبان فصلى الصبح أو الظهر...هذا لا يمكن.
"كَمَا أَنَّهُ فِي الْحَيَاةِ لَا يَفْعَلُهُ أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ، وَلَا يَنُوبُ فِيهِ عَنْ فَاعِلِهِ غَيْرُهُ، وَقَدْ رَوَى النَّسَائِيُّ بِسَنَدِهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ قَالَ: «لَا يُصَلِّي أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ، وَلَا يَصُومُ أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ، وَلَكِنْ يُطْعِمُ عَنْهُ مَكَانَ كُلِّ يَوْمٍ مُدًّا مِنْ حِنْطَةٍ»".
هذا لا يثبت مرفوعًا عن النبي- عليه الصلاة والسلام-، لكن هو عن ابن عباس موقوفًا عليه.
طالب:.........
النذر الذي ورد فيه النص، مع أن النص مع وروده على سبب وهو السؤال عن النذر فيه عموم «من مات وعليه صوم صام عنه وليه» فيشمل النذر وغير النذر، لكن في حال الحياة لا يصوم أحدٌ عن أحد، ما في أحد يصوم عن أحد.
طالب:.........
هذا عن ابن عباس من قوله، من اجتهاده، من رأيه.
"وَالدَّلِيلُ عَلَى انْتِفَاعِ الْمَيِّتِ بِغَيْرِ مَا تَسَبَّبَ فِيهِ ، الْكِتَابُ وَالسَّنَةُ وَالْإِجْمَاعُ وَالْقِيَاسُ الصَّحِيحُ.
أَمَّا الْكِتَابُ، فَقَالَ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ} [سورة الْحَشْرِ:10] فَأَثْنَى عَلَيْهِمْ بِاسْتِغْفَارِهِمْ لِلْمُؤْمِنِينَ قَبْلَهُمْ، فَدَلَّ عَلَى انْتِفَاعِهِمْ بِاسْتِغْفَارِ الْأَحْيَاءِ، وَقَدْ دَلَّ عَلَى انْتِفَاعِ الْمَيِّتِ بِالدُّعَاءِ إِجْمَاعُ الْأُمَّةِ عَلَى الدُّعَاءِ لَهُ فِي صَلَاةِ الْجَنَازَةِ، وَالْأَدْعِيَةُ الَّتِي وَرَدَتْ بِهَا السُّنَّةُ فِي صَلَاةِ الْجَنَازَةِ مُسْتَفِيضَةٌ. وَكَذَا الدُّعَاءُ لَهُ بَعْدَ الدَّفْنِ، فَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ، مِنْ حَدِيثِ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا فَرَغَ مِنْ دَفْنِ الْمَيِّتِ وَقَفَ عَلَيْهِ فَقَالَ: «اسْتَغْفِرُوا لِأَخِيكُمْ، وَاسْأَلُوا لَهُ التَّثْبِيتَ، فَإِنَّهُ الْآنَ يُسْأَلُ»".
ولو لم ينتفع بهذا الاستغفار لكان كلامه –عليه الصلاة والسلام- لغوًا، وحاشاه من ذلك، الرسول – عليه الصلاة والسلام- يخفى عليه أنه لا ينتفع ويقول: «اسْتَغْفِرُوا لِأَخِيكُمْ» والله المستعان.
"وَكَذَلِكَ الدُّعَاءُ لَهُمْ عِنْدَ زِيَارَةِ قُبُورِهِمْ، كَمَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ، مِنْ حَدِيثِ بُرَيْدَةَ بْنِ الْحَصِيبِ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُعَلِّمُهُمُ إِذَا خَرَجُوا إِلَى الْمَقَابِرِ أَنْ يَقُولُوا: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الدِّيَارِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُسْلِمِينَ، وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ بِكُمْ لَاحِقُونَ، نَسْأَلُ اللَّهَ لَنَا وَلَكُمُ الْعَافِيَةَ" .
طالب:.........
وجاء السؤال للتثبيت بعد الدفن والوقوف عند قبره يقف يجلس ما فيه إشكال، جاء تحديده بقدر ما ينحر جزور في بعض الروايات.
طالب:.........
لكنهم اعتمدوا على الحديث، المقصود أن مجموع ما ورد في الباب متواتر تواترًا معنوي.
طالب:.........
على كلٍّ «اسألوا له التثبيت» نص من اقتصر عليه فهو أولى.
طالب:.........
لا الدعاء عن قيام.
"وَفِي الصَحِيحِ أَيْضًا، عَنْ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -سَأَلَتِ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَيْفَ تَقُولُ إِذَا اسْتَغْفَرَتْ لِأَهْلِ الْقُبُور"
إذا استغفَرْتَ.
"كيْفَ تَقُولُ إذا استغفَرْتَ لأهل القبور قال قولي.."
هذه الصياغة «قولي» إِذَا اسْتَغْفَرَتْ مع أن التاء مفتوحة عندنا ليست تسأل النبي -عليه الصلاة والسلام- عن قوله هو، إذا استغفَرْتَ أنتَ..
طالب: استغفرتُ.
ويجوز أن تكون كيف تقول إِذَا اسْتَغْفَرَتْ لأهل القبور.
"وَفِي الصَحِيحِ أَيْضًا، عَنْ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -سَأَلَتِ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَيْفَ تَقُولُ إِذَا اسْتَغْفَرَتْ لِأَهْلِ الْقُبُورِ؟ قَالَ: «قُولِي: السَّلَامُ عَلَى أَهْلِ الدِّيَارِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُسْلِمِينَ، وَيَرْحَمُ اللَّهُ الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنَّا وَالْمُسْتَأْخِرِينَ، وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ بِكُمْ لَلَاحِقُونَ».
وَأَمَّا وُصُولُ ثَوَابِ الصَّدَقَةِ، فَفِي الصَّحِيحَيْنِ، عَنْ -عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا- أَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ أُمِّي افْتُلِتَتْ نَفْسُهَا، وَلَمْ تُوصِ، وَأَظُنُّهَا لَوْ تَكَلَّمَتْ تَصَدَّقَتْ، أَفَلَهَا أَجْرٌ إِنْ تَصَدَّقْتُ عَنْهَا؟ قَالَ: «نَعَمْ»".
هى ماتت (فلتة) أي فجأة دون أن تنظم أمورها وترتب أحوالها وتوصي بما تريد ماتت بغتة.
"وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- أَنَّ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ تُوُفِّيَتْ أُمُّهُ وَهُوَ غَائِبٌ عَنْهَا فَأَتَى النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ أُمِّي تُوُفِّيَتْ وَأَنَا غَائِبٌ عَنْهَا، فَهَلْ يَنْفَعُهَا إِنْ تَصَدَّقْتُ؟ قَالَ: نَعَم، قَالَ: فَإِنِّي أُشْهِدُكَ أَنَّ حَائِطَيِ الْمِخْرَافِ صَدَقَةٌ عَنْهَا . وَأَمْثَالُ ذَلِكَ كَثِيرَةٌ فِي السُّنَّةِ.
وَأَمَّا وُصُولُ ثَوَابِ الصَّوْمِ، فَفِي الصَّحِيحَيْنِ، عَنْ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صِيَامٌ صَامَ عَنْهُ وَلِيُّه» وَلَهُ نَظَائِرُ فِي الصَّحِيح.
وَلَكِنَّ أَبُو حَنِيفَةَ -رَحِمَهُ اللَّهُ- قَالَ بِالْإِطْعَامِ عَنِ الْمَيِّتِ دُونَ الصِّيَامِ عَنْهُ؛ لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ الْمُتَقَدِّمِ".
«لا يصلي أحدٌ عن أحد، ولا يصوم أحدٌ عن أحد»، ولكن عرفنا أنه لا يصح في المرفوع، ولو صح لحُمل على أنه يتولى الصيام عنه في حياته.
"وَالْكَلَامُ عَلَى ذَلِكَ مَعْرُوفٌ فِي كُتُبِ الْفُرُوعِ.
وَأَمَّا وُصُولُ ثَوَابِ الْحَجِّ، فَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- أَنَّ امْرَأَةً مِنْ جُهَيْنَةَ جَاءَتْ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَتْ: إِنَّ أُمِّي نَذَرَتْ أَنْ تَحُجَّ فَلَمْ تَحُجَّ حَتَّى مَاتَتْ، أَفَأَحُجُّ عَنْهَا؟ قَالَ: «نَعَمْ حُجِّي عَنْهَا، أَرَأَيْتِ لَوْ كَانَ عَلَى أُمِّكِ دَيْنٌ، أَكُنْتِ قَاضِيَتَهُ؟ اقْضُوا اللَّهَ، فَاللَّهُ أَحَقُّ بِالْوَفَاءِ» وَنَظَائِرُهُ أَيْضًا كَثِيرَةٌ.
وَأَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَنَّ قَضَاءَ الدَّيْنِ يُسْقِطُهُ مِنْ ذِمَّةِ الْمَيِّتِ، وَلَوْ كَانَ مِنْ أَجْنَبِيٍّ، وَمِنْ غَيْرِ تَرِكَتِهِ، وَقَدْ دَلَّ عَلَى ذَلِكَ حَدِيثُ أَبِي قَتَادَةَ، حَيْثُ ضَمِنَ الدِّينَارَيْنِ عَنِ الْمَيِّتِ، فَلَمَّا قَضَاهُمَا قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «الْآنَ بَرَدَتْ عَلَيْهِ جِلْدَتُهُ».
وَكُلُّ ذَلِكَ جَارٍ عَلَى قَوَاعِدِ الشَّرْعِ. وَهُوَ مَحْضُ الْقِيَاسِ، فَإِنَّ الثَّوَابَ حَقُّ الْعَامِلِ، فَإِذَا وَهَبَهُ لِأَخِيهِ الْمُسْلِمِ لَمْ يُمْنَعْ مِنْ ذَلِكَ، كَمَا لَمْ يُمْنَعْ مِنْ هِبَةِ مَالِهِ فِي حَيَاتِهِ، وَإِبْرَائِهِ لَهُ مِنْهُ بَعْدَ وَفَاتِهِ.
وَقَدْ نَبَّهَ الشَّارِعُ بِوُصُولِ ثَوَابِ الصَّوْمِ عَلَى وُصُولِ ثَوَابِ الْقِرَاءَةِ وَنَحْوِهَا مِنَ الْعِبَادَاتِ الْبَدَنِيَّةِ يُوَضِّحُهُ: أَنَّ الصَّوْمَ كَفُّ النَّفْسِ عَنِ الْمُفْطِرَاتِ بِالنِّيَّةِ، وَقَدْ نَصَّ الشَّارِعُ عَلَى وُصُولِ ثَوَابِهِ إِلَى الْمَيِّتِ، فَكَيْفَ بِالْقِرَاءَةِ الَّتِي هِيَ عَمَلٌ وَنِيَّةٌ؟!"
في الحال هذا قياس وليس منصوصًا عليه.
"وَالْجَوَابُ عَمَّا اسْتَدَلُّوا بِهِ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى} [سورة النَّجْمِ:39] قَدْ أَجَابَ الْعُلَمَاءُ بِأَجْوِبَةٍ: أَصَحُّهَا جَوَابَانِ :
أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْإِنْسَانَ بِسَعْيِهِ وَحُسْنِ عِشْرَتِهِ اكْتَسَبَ الْأَصْدِقَاءَ، وَأَوْلَدَ الْأَوْلَادَ، وَنَكَحَ الْأَزْوَاجَ، وَأَسْدَى الْخَيْر،َ وَتَوَدَّدَ إِلَى النَّاسِ، فَتَرَحَّمُوا عَلَيْهِ، وَدَعَوْا لَهُ، وَأَهْدَوْا لَهُ ثَوَابَ الطَّاعَاتِ".
هو متسبب لهذا الدعاء، وهذا الإهداء هو متسبب بِخُلُقِه الحسن كسب الأصدقاء، بزواجه وإنتاج الذرية كسب الأولاد الذين يدعون له.
طالب:.........
حتى ما يعرف كيف يدعو للمسلمين.
طالب:.........
يدعو له وما يعرفه ولا اسمه؟
طالب:.........
هذا السماع معرفة، السماع سببه كسبه.
"وَأَهْدَوْا لَهُ ثَوَابَ الطَّاعَاتِ، فَكَانَ ذَلِكَ أَثَرَ سَعْيِهِ، بَلْ دُخُولُ الْمُسْلِمِ مَعَ جُمْلَةِ الْمُسْلِمِينَ فِي عَقْدِ الْإِسْلَامِ مِنْ أَعْظَمِ الْأَسْبَابِ فِي وُصُولِ نَفْعِ كُلٍّ مِنَ الْمُسْلِمِينَ إِلَى صَاحِبِهِ، فِي حَيَاتِهِ وَبَعْدَ مَمَاتِهِ، وَدَعْوَةُ الْمُسْلِمِينَ تُحِيطُ مِنْ وَرَائِهِمْ.
يُوَضِّحُهُ: أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَ الْإِيمَانَ سَبَبًا لِانْتِفَاعِ صَاحِبِهِ بِدُعَاءِ إِخْوَانِهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَسَعْيِهِمْ، فَإِذَا أَتَى بِهِ فَقَدْ سَعَى فِي السَّبَبِ الَّذِي يُوصِلُ إِلَيْهِ ذَلِكَ.
الثَّانِي: -وَهُوَ أَقْوَى مِنْهُ-: أَنَّ الْقُرْآنَ لَمْ يَنْفِ انْتِفَاعَ الرَّجُلِ بِسَعْيِ غَيْرِهِ، وَإِنَّمَا نَفَى مِلْكَهُ لِغَيْرِ سَعْيِهِ، وَبَيْنَ الْأَمْرَيْنِ مِنَ الْفَرْقِ مَا لَا يَخْفَى. فَأَخْبَرَ تَعَالَى أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ إِلَّا سَعْيَهُ، وَأَمَّا سَعْيُ غَيْرِهِ فَهُوَ مِلْكٌ لِسَاعِيهِ".
كما ينتفع بمال غيره، ولا يملك مال غيره، لكن قد ينتفع بمال غيره، إما بهديه أو بأي وجه من وجوه الانتفاع.
" وَأَمَّا سَعْيُ غَيْرِهِ فَهُوَ مِلْكٌ لِسَاعِيهِ، فَإِنْ شَاءَ أَنْ يَبْذُلَهُ لِغَيْرِهِ، وَإِنْ شَاءَ أَنْ يُبْقِيَهُ لِنَفْسِهِ.
وَقَوْلُهُ سُبْحَانَهُ: {أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى} [سورة النَّجْمِ: 38-39] آيَتَانِ مُحْكَمَتَانِ، تُقْتَضِيَتَانِ عَدْلَ الرَّبِّ تَعَالَى.
فَالْأُولَى تَقْتَضِي أَنَّهُ لَا يُعَاقِبُ أَحَدًا بِجُرْمِ غَيْرِهِ، وَلَا يُؤَاخِذُهُ بِجَرِيرَةِ غَيْرِهِ، كَمَا يَفْعَلُهُ مُلُوكُ الدُّنْيَا.
وَالثَّانِيَةُ تَقْتَضِي أَنَّهُ لَا يُفْلِحُ إِلَّا بِعَمَلِهِ، لِيَقْطَعَ طَمَعَهُ مِنْ نَجَاتِهِ بِعَمَلِ آبَائِهِ وَسَلَفِهِ وَمَشَايِخِهِ، كَمَا عَلَيْهِ أَصْحَابُ الطَّمَعِ الْكَاذِبِ، وَهُوَ سُبْحَانَهُ لَمْ يَقُلْ: لَا يَنْتَفِعُ إِلَّا بِمَا سَعَى.
وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {لَهَا مَا كَسَبَتْ} [سورة الْبَقَرَةِ:286]. وَقَوْلُهُ: {وَلَا تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [سورة يس:54]. عَلَى أَنَّ سِيَاقَ هَذِهِ الْآيَةِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمَنْفِيَّ عُقُوبَةُ الْعَبْدِ بِعَمَلِ غَيْرِهِ، فَإِنَّهُ تَعَالَى قَالَ: {فَالْيَوْمَ لَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَلَا تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [سورة يس:54]. وَأَمَّا اسْتِدْلَالُهُمْ بِقَوْلِهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِذَا مَاتَ ابْنُ آدَمَ انْقَطَعَ عَمَلُهُ»، فَاسْتِدْلَالٌ سَاقِطٌ، فَإِنَّهُ لَمْ يَقُلِ انْقَطَعَ انْتِفَاعُهُ، وَإِنَّمَا أَخْبَرَ عَنِ انْقِطَاعِ عَمَلِهِ".
انقطاع العمل لا يخالف فيه أحد، انقطاع العمل باعتبار أن هذا الإنسان مات، كيف يعمل؟! لا يستطيع أن يعمل، فانقطع العمل، لكن الانتفاع بما تسبب فيه في حياته أي نوع من أنواع التسبب على ما تقدم يبقى، ومنها الثلاثة المنصوص عليها، وصلت في النصوص الآخرى إلى عشرة.
"وَأَمَّا عَمَلُ غَيْرِهِ فَهُوَ لِعَامِلِهِ، فَإِنْ وَهَبَهُ لَهُ وَصَلَ إِلَيْهِ ثَوَابُ عَمَلِ الْعَامِلِ، لَا ثَوَابَ عَمَلِهِ هُوَ، وَهَذَا كَالدَّيْنِ يُوَفِّيهِ الْإِنْسَانُ عَنْ غَيْرِهِ، فَتَبْرَأُ ذِمَّتُهُ، وَلَكِنْ لَيْسَ لَهُ مَا وَفَّى بِهِ الدَّيْنَ".
المال ليس له، لكن يوفى عنه منه، يعني ما يملك؛ كي يملَّك.
طالب:.........
هو يأثم بالتأخير، لكن لو دفعها عنه أولاده خفت، لكن أثم التأخير لازمٌ له.
"وَأَمَّا تَفْرِيقُ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الْعِبَادَاتِ الْمَالِيَّةِ وَالْبَدَنِيَّةِ - فَقَدْ شَرَعَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الصَّوْمَ عَنِ الْمَيِّتِ، كَمَا تَقَدَّمَ، مَعَ أَنَّ الصَّوْمَ لَا تُجْزِئُ فِيهِ النِّيَابَةُ، وَكَذَلِكَ حَدِيثُ جَابِرٍ- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-، قَالَ :صَلَّيْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عِيدَ الْأَضْحَى، فَلَمَّا انْصَرَفَ أَتَى بِكَبْشٍ فَذَبَحَهُ، فَقَالَ: «بِسْمِ اللَّهِ وَاللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُمَّ هَذَا عَنِّي وَعَمَّنْ لَمْ يُضَحِّ مِنْ أُمَّتِي» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ، وَحَدِيثُ الْكَبْشَيْنِ اللَّذَيْنِ قَالَ فِي أَحَدِهِمَا: «اللَّهُمَّ هَذَا عَنْ أُمَّتِي جَمِيعًا، وَفِي الْآخَرِ: اللَّهُمَّ هَذَا عَنْ مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّد، رَوَاهُ أَحْمَد. وَالْقُرْبَةُ فِي الْأُضْحِيَّةِ إِرَاقَةُ الدَّمِ، وَقَدْ جَعَلَهَا لِغَيْرِهِ.
وَكَذَلِكَ عِبَادَةُ الْحَجِّ بَدَنِيَّةٌ، وَلَيْسَ الْمَالُ رُكْنًا فِيهِ، وَإِنَّمَا هُوَ وَسِيلَةٌ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْمَكِّيَّ يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَجُّ إِذَا قَدَرَ عَلَى الْمَشْيِ إِلَى عَرَفَاتٍ، مِنْ غَيْرِ شَرْطِ الْمَالِ، وَهَذَا هُوَ الْأَظْهَرُ".
يعني هل هو شرطٌ للاستطاعة؟ المشترط في وجوب الحج الاستطاعة، لكن من لم يتمكن من الحج ولم يستطع الحج إلا بمال، صار شرطًا باعتباره جزءًا من أجزاء الاستطاعة، كما أن قدرة البدن وقوة البدن من الاستطاعة.
طالب:.........
والله التأكيد بجميع أن يشمل الجميع.
طالب:.........
على كل حال التأكيد بجميعًا كما قال: «اللهم هذا عن أمتي جميعًا» يشمل الماضي والمستقبل.
"أَعْنِي أَنَّ الْحَجَّ غَيْرَ مُرَكَّبٍ مِنْ مَالٍ وَبَدَنٍ، بَلْ بَدَنِيٌّ مَحْضٌ، كَمَا قَدْ نَصَّ عَلَيْهِ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ الْمُتَأَخِّرِين".
بدنيٌ محض يُتصور في المكي الذي لا يحتاج إلى مال، وبإمكانه أن يحج على قدميه، يمكن أن يحج بدون مال، لكن إذا كان الحج يتطلب مالاً، ونفقته في الحج أقل مما ينفقه في بيته من غير ثواب، هل يكون هذا المال شرطًا فيه؟ يعني نفقة عادية ينفقها في مكة أو في المشاعر أو في الرياض أو في أي مكان، والغالب أن النفقة في البلد أقل من النفقة في الحج في ظروفنا التي نعيشها الآن، كان القوت ميسورًا، والبلغة تكفي، نحن الآن لا، البيوت يتوسع فيها في الصرف أضعافًا أضعافًا؛ ولذا استئذان الدائن عندما نريد لاسيما حج الفرض ونفقته في حجه أقل من نفقته في بيته، يعني من حيث المعنى لا قيمة له.
طالب:.........
ما لها أثر في الدين.
"وَانْظُرْ إِلَى فُرُوضِ الْكِفَايَاتِ: كَيْفَ قَامَ فِيهَا الْبَعْضُ عَنِ الْبَاقِينَ؟ وَلِأَنَّ هَذَا إِهْدَاءُ ثَوَابٍ، وَلَيْسَ مِنْ بَابِ النِّيَابَةِ، كَمَا أَنَّ الْأَجِيرَ الْخَاصَّ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَسْتَنِيبَ عَنْهُ، وَلَهُ أَنْ يُعْطِيَ أُجْرَتَهُ لِمَنْ شَاء".
الآن حج الصبي، ألهذا حجٌ يا رسول الله؟ قال: «نعم ولكِ أجر»، اعتاد الناس لا سيما العامة إذا أحرموا إلى صبيانهم يقول: حجة هذا لوالدي، وحجة هذا لأمي، وحجة هذه لأختي وهكذا، بناءً على أنهم نواب عنهم، هذا ما يصح، ولا يصلح؛ لأن له حج هذا الطفل، الحج له، والأجر لأمه، والثواب لأمه التي حجت به أو لأبيه، بإمكانه أن يهدي هذا الثواب لمن يشاء على هذه القاعدة التي ذكروها.
طالب:.........
لأنه يقول: «لكِ أجر» ما قال: للطفل أجر، الطفل له حج «ولكِ أجر»؛ لأن هي التي تتعب عليه، فأجر هذا التعب تهديه لمن تشاء.
طالب:.........
تبقى مسألة الشح بالحسنات والبذل والسخاء بها، عند بعض الناس في الدنيا يعني قد تغيب بعض هذه المعاني عن الناس ويهدون، ولهم أجر عند الله –جل وعلا-؛ بسبب هذا الثواب والإيثار، لكن عند الحساب ما يمكن لأحدٍ أن يهدي شئًاء لا لأم ولا حسنة واحدة، لكن في الدنيا مع استبعاد الموازنة يوم القيامة، وأنه قد يحتاج أو ما يحتاج، من يستحضر هذه الأمور لن يفعل شيئًا، من يستحضر هذا الأمر يشح بكل شيء.
طالب:.........
حجة هذا الصبي «لكِ أجر» حيث مكنتيه من الحج، وتعبتِ عليه من هذه الحيثية.
"وَأَمَّا اسْتِئْجَارُ قَوْمٍ يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ وَيُهْدُونَهُ لِلْمَيِّتِ !! فَهَذَا لَمْ يَفْعَلْهُ أَحَدٌ مِنَ السَّلَفِ، وَلَا أَمَرَ بِهِ أَحَدٌ مِنْ أَئِمَّةِ الدِّينِ، وَلَا رَخَّصَ فِيهِ. وَالِاسْتِئْجَارُ عَلَى نَفْسِ التِّلَاوَةِ غَيْرُ جَائِزٍ بِلَا خِلَافٍ. وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا فِي جَوَازِ الِاسْتِئْجَارِ عَلَى التَّعْلِيمِ وَنَحْوِه، مِمَّا فِيهِ مَنْفَعَةٌ تَصِلُ إِلَى الْغَيْرِ. وَالثَّوَابُ لَا يَصِلُ إِلَى الْمَيِّتِ إِلَّا إِذَا كَانَ الْعَمَلُ لِلَّهِ، وَهَذَا لَمْ يَقَعْ عِبَادَةً خَالِصَةً".
الأجير ليس له أجر، بل يأثم إذا قرأ القرآن بأجرة بهذه النية، مثل هذا آثم، فكيف يُهدى ثواب قراءة آثم لغيره، وفي الأمصار يستأجرون القراء في المآتم وعند القبور، يستأجرون رجاء ثواب هذه القراءة، مع أن هذه القراءة مع الأجرة لا ثواب فيها.
طالب:.........
إذا كان قصده وهمه هذه الأجرة، فهو من هذا النوع.
طالب:.........
وإذا استحضر أن قراءته في الإذاعة يسمعها الألوف، بل الملايين ويستفيدون منها، الأمور بمقاصدها.
طالب:.........
ما تجوز بدعة.
"وَهَذَا لَمْ يَقَعْ عِبَادَةً خَالِصَةً، فَلَا يَكُونُ ثَوَابُهُ مَا يُهْدَى إِلَى الْمَوْتَى!! وَلِهَذَا لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ إنَّهُ يَكْتَرِي مَنْ يَصُومُ وَيُصَلِّي وَيُهْدِي ثَوَابَ ذَلِكَ إِلَى الْمَيِّتِ، لَكِنْ إِذَا أعْطِىَ لِمَنْ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ وَيُعَلِّمُهُ وَيَتَعَلَّمُهُ مَعُونَةً لِأَهْلِ الْقُرْآنِ عَلَى ذَلِكَ، كَانَ هَذَا مِنْ جِنْسِ الصَّدَقَةِ عَنْهُ، فَيَجُوزُ.
وَفِي الِاخْتِيَارِ: لَوْ أَوْصَى بِأَنْ يُعْطَى شَيْءٌ مِنْ مَالِهِ لِمَنْ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ عَلَى قَبْرِهِ".
الاختيار لتعليل المختار للموصلي كتاب في مذهب الحنفية.
"فَالْوَصِيَّةُ بَاطِلَةٌ؛ لِأَنَّهُا فِي مَعْنَى الْأُجْرَةِ، انْتَهَى.
وَذَكَرَ الزَّاهِدِيُّ فِي الْقُنْيَةِ: أَنَّهُ لَوْ وَقَفَ عَلَى مَنْ يَقْرَأُ عِنْدَ القبر، فَالتَّعْيِينُ بَاطِلٌ.
وَأَمَّا قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ وَإِهْدَاؤُهَا لَهُ تَطَوُّعًا بِغَيْرِ أُجْرَةٍ، فَهَذَا يَصِلُ إِلَيْهِ، كَمَا يَصِلُ ثَوَابُ الصَّوْمِ وَالْحَجّ.
فَإِنْ قِيلَ: هَذَا لَمْ يَكُنْ مَعْرُوفًا فِي السَّلَفِ، وَلَا أَرْشَدَهُمْ إِلَيْهِ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
فَالْجَوَابُ: إِنْ كَانَ مُورِدُ هَذَا السُّؤَالِ مُعْتَرِفًا بِوُصُولِ ثَوَابِ الْحَجِّ وَالصِّيَامِ وَالدُّعَاءِ، قِيلَ لَهُ: مَا الْفَرْقُ بَيْنَ ذَلِكَ وَبَيْنَ وُصُولِ ثَوَابِ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ؟ وَلَيْسَ كَوْنُ السَّلَفِ لَمْ يَفْعَلُوهُ حُجَّةً فِي عَدَمِ الْوُصُولِ، وَمِنْ أَيْنَ لَنَا هَذَا النَّفْيُ الْعَامُّ؟
فَإِنْ قِيلَ: فَرَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَرْشَدَهُمْ إِلَى الصَّوْمِ وَالْحَجِّ وَالصَّدَقَةِ دُونَ الْقِرَاءَةِ. قِيلَ: هُوَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَمْ يَبْتَدِئْهُمْ بِذَلِكَ، بَلْ خَرَجَ ذَلِكَ مِنْهُ مَخْرَجَ الْجَوَابِ لَهُمْ، فَهَذَا سَأَلَهُ عَنِ الْحَجِّ عَنْ مَيِّتِهِ فَأَذِنَ لَهُ فِيهِ، وَهَذَا سَأَلَهُ عَنِ الصَّوْمِ عَنْهُ، فَأَذِنَ لَهُ فِيهِ، وَلَمْ يَمْنَعْهُمْ مِمَّا سِوَى ذَلِكَ، وَأَيُّ فَرْقٍ بَيْنَ وُصُولِ ثَوَابِ الصَّوْمِ الَّذِي هُوَ مُجَرَّدُ نِيَّةٍ وَإِمْسَاكٍ وَبَيْنَ وُصُولِ ثَوَابِ الْقِرَاءَةِ وَالذِّكْرِ؟"
لكن لقائلٍ أن يقول: إن مثل هذه الأمور عبادات، فهي توقيفية، فيقتصر فيها على موارد النصوص فقط ولا يزاد عليها، وقد قال جمعٌ من أهل العلم بذلك: الذي لم يرد فيه نص لا يجوز.
طالب:.........
هذا أحوط، لكن الجمهور على وصول الثواب مطلقًا؛ لأن هذه التي ذكرت في النصوص هي مجرد أمثلة وموارد أسئلة سئل عنها فأجاب –عليه الصلاة والسلام- فهي تدل على ما سواها.
طالب:.........
ما شيء من هذا النوع.
طالب:.........
في البخاري في الصحيح.
طالب:.........
«من مات وعليه صوم صام عنه وليه» هو محمولٌ على أولاً: المذهب عند الحنابلة ويرجحه شيخ الإسلام وابن القيم أنه في النذر؛ لأن السؤال عن النذر، وهو ما أوجبه الإنسان على نفسه دون ما وجب بأصل الشرع، فما وجب بأصل الشرع كالصلاة، ما يُصام ولا يُصلى، ومنهم من قال: إن العبرة بعموم اللفظ «من مات وعليه صوم صام عنه وليه»، فهذا بالنسبة للفريضة، لكن النفل كيف يموت وعليه صوم نفل؟
طالب:.........
مثل بقية العبادات في مسألة إهداء الثواب قول جمهور أهل العلم.
"فَإِنْ قِيلَ : مَا تَقُولُونَ فِي الْإِهْدَاءِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟
قِيلَ: مِنَ الْمُتَأَخِّرِينَ مَنِ اسْتَحَبَّهُ، وَمِنْهُمْ مَنْ رَآهُ بِدْعَةً؛ لِأَنَّ الصَّحَابَةَ لَمْ يَكُونُوا يَفْعَلُونَهُ".
فالرسول –عليه الصلاة والسلام- ليس بحاجة إلى أن يُهدى إليه ثواب؛ لأن له مثل أجور أمته كلهم، هذا العامل للرسول –عليه الصلاة والسلام – مثله، لماذا؟ لأنه هو الذي دلهم على الخير، ودلهم على الهدى «من دل على هدى فله مثل أجور من عمل به».
طالب:.........
لا لا؛ لأنه لا يلزم أن يكون من دلالته.
"لِأَنَّ الصَّحَابَةَ لَمْ يَكُونُوا يَفْعَلُونَهُ، وَلِأَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَهُ مِثْلُ أَجْرِ كُلِّ مَنْ عَمِلَ خَيْرًا مِنْ أُمَّتِهِ، مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أَجْرِ الْعَامِلِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي دَلَّ أُمَّتَهُ عَلَى كُلِّ خَيْرٍ، وَأَرْشَدَهُمْ إِلَيْهِ.
وَمَنْ قَالَ: إِنَّ الْمَيِّتَ يَنْتَفِعُ بِقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ عِنْدَهُ، بِاعْتِبَارِ سَمَاعِهِ كَلَامَ اللَّهِ، فَهَذَا لَمْ يَصِحَّ عَنْ أَحَدٍ مِنَ الْأَئِمَّةِ الْمَشْهُورِينَ. وَلَا شَكَّ فِي سَمَاعِهِ، وَلَكِنَّ انْتِفَاعَهُ بِالسَّمَاعِ لَا يَصِحُّ، فَإِنَّ ثَوَابَ الِاسْتِمَاعِ مَشْرُوطٌ بِالْحَيَاةِ، فَإِنَّهُ عَمَلٌ اخْتِيَارِيٌّ، وَقَدِ انْقَطَعَ بِمَوْتِهِ، بَلْ رُبَّمَا يَتَضَرَّرُ وَيَتَأَلَّمُ".
استماع القرآن عبادة، استماع كلام الله عبادة، والتعبد من الميت قد انقطع انتهى {حَتّى يَأتِيَكَ اليَقينُ} [سورة الحجر:99] وجاءه اليقين وانتهى، فليس له من أجر القراءة مثل ما للحي من أجر الاستماع.
الأمر الثاني: أن هذا الميت قد يتألم بقراءة بعض الآيات التي كان يخالفها، قد تكون هذه الآيات تنص على منكرات وجرائم وعقوبات، لمن فعل بعد الأمور وقد فعلها، هو لا يستفيد وقد يتضرر.
طالب:.........
هذا القول على أساس أن {وَمَا أَنتَ بِمُسْمِعٍ مَّن فِي الْقُبُورِ} [سورة فاطر:22] المسألة خلافية.
"بَلْ رُبَّمَا يَتَضَرَّرُ وَيَتَأَلَّمُ؛ لِكَوْنِهِ لَمْ يَمْتَثِلْ أَوَامِرَ اللَّهِ وَنَوَاهِيهِ، أَوْ لِكَوْنِهِ لَمْ يَزْدَدْ مِنَ الْخَيْرِ.
وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ عِنْدَ الْقُبُورِ، عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ: هَلْ تُكْرَهُ، أَمْ لَا بَأْسَ بِهَا وَقْتَ الدَّفْنِ، وَتُكْرَهُ بَعْدَهُ؟
فَمَنْ قَالَ بِكَرَاهَتِهَا، كَأَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ وَأَحْمَدَ فِي رِوَايَةٍ - قَالُوا: لِأَنَّهُ مُحْدَثٌ، لَمْ تَرِدْ بِهِ السُّنَّةُ، وَالْقِرَاءَةُ تُشْبِهُ الصَّلَاةَ، وَالصَّلَاةُ عِنْدَ الْقُبُورِ مَنْهِيٌّ عَنْهَا، فَكَذَلِكَ الْقِرَاءَةُ.
وَمَنْ قَالَ: لَا بَأْسَ بِهَا، كَمُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ وَأَحْمَدَ فِي رِوَايَةٍ، اسْتَدَلُّوا بِمَا نُقِلَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما- أَنَّهُ أَوْصَى أَنْ يُقْرَأَ عَلَى قَبْرِهِ وَقْتَ الدَّفْنِ بِفَوَاتِحِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ وَخَوَاتِمِهَا. وَنُقِلَ أَيْضًا عَنْ بَعْضِ الْمُهَاجِرِينَ قِرَاءَةُ سُورَةِ الْبَقَرَةِ".
لكن لم يعرف عن كبار الصحابة كأبي بكر وعمر وغيرهما من العشرة، ابن عمر صاحب تحرٍّ، وصاحب حرص، وفعل أشياء لم يفعلها من هو أكبر منه كأبيه وغيره، فإن صح عنه هذا يكون هذا من مزيد تحريه، والله أعلم.
طالب:.........
هو الظاهر أنه لا يصح.
طالب:.........
لا لا انقطع التكليف.
"وَمَنْ قَالَ: لَا بَأْسَ بِهَا وَقْتَ الدَّفْنِ فَقَطْ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ - أَخَذَ بِمَا نُقِلَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَبَعْضِ الْمُهَاجِرِينَ.
وَأَمَّا بَعْدَ ذَلِكَ، كَالَّذِينِ يَتَنَاوَبُونَ الْقَبْرَ لِلْقِرَاءَةِ عِنْدَهُ - فَهَذَا مَكْرُوهٌ، فَإِنَّهُ لَمْ تَأْتِ بِهِ السُّنَّةُ، وَلَمْ يُنْقَلْ عَنْ أَحَدٍ مِنَ السَّلَفِ مِثْلَ ذَلِكَ أَصْلًا. وَهَذَا الْقَوْلُ لَعَلَّهُ أَقْوَى مِنْ غَيْرِهِ؛ لِمَا فِيهِ مِنَ التَّوْفِيقِ بَيْنَ الدَّلِيلَيْنِ.
قَوْلُهُ: (وَاللَّهُ تَعَالَى يَسْتَجِيبُ الدَّعَوَاتِ ، وَيَقْضِي الْحَاجَات)
قَالَ تَعَالَى: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [سورة غَافِرٍ :60]، {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ} [سورة الْبَقَرَةِ:186]. وَالَّذِي عَلَيْهِ أَكْثَرُ الْخَلْقِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَسَائِرِ أَهْلِ الْمِلَلِ وَغَيْرِهِمْ -: أَنَّ الدُّعَاءَ مِنْ أَقْوَى الْأَسْبَابِ فِي جَلْبِ الْمَنَافِعِ وَدَفْعِ الْمَضَارِّ، وَقَدْ أَخْبَرَ تَعَالَى عَنِ الْكُفَّارِ أَنَّهُمْ إِذَا مَسَّهُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ، وَأَنَّ الْإِنْسَانَ إِذَا مَسَّهُ الضُّرُّ دَعَاهُ لِجَنْبِهِ أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَائِمًا. وَإِجَابَةُ اللَّهِ لِدُعَاءِ الْعَبْدِ، مُسْلِمًا كَانَ أَوْ كَافِرًا، وَإِعْطَاؤُهُ سُؤْلَهُ: مِنْ جِنْسِ رِزْقِهِ لَهُمْ، وَنَصْرِهِ لَهُمْ. وَهُوَ مِمَّا تُوجِبُهُ الرُّبُوبِيَّةُ لِلْعَبْدِ مُطْلَقًا، ثُمَّ قَدْ يَكُونُ ذَلِكَ فِتْنَةً فِي حَقِّهِ وَمَضَرَّةً عَلَيْهِ، إِذْ كَانَ كُفْرُهُ وَفُسُوقُهُ يَقْتَضِي ذَلِكَ. وَفِي سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَنْ لَمْ يَسْأَلِ اللَّهَ يَغْضَبْ عَلَيْه». وَقَدْ نَظَمَ بَعْضُهُمْ هَذَا الْمَعْنَى، فَقَالَ :
الرب يغضب إن تركت سؤاله |
| وبني آدم حين يُسأل يغضب" |
ولو سأل الناس التراب لأوشكوا |
| إذا قيل هاتوا أن يملوا ويمنعوا |
وهو تراب! والله – جل وعلا- يأمر بدعائه، ويعد بإجابة الدعاء، وهذا من الفطرة إن الإنسان يدعو ربه عند الحاجة الصغير والكبير، هذا أمرٌ مستقر متفقٌ عليه بين أهل الإسلام قاطبة، إلا من تلوث بالأفكار الوافدة من المتكلمين والفلاسفة وغيرهم، وبعض المبتدعة الذين يقولون: إن الدعاء لا ينفع؛ لأن هذا الذي تدعو به كان مكتوبًا لك، سيحصل لك، ما يحتاج أن تدعو، وإن كان ما كُتب لك لن يحصل دعوتَ أو لم تدعُ، قالوا لهم: أيضًا الولد إن كان مكتوبًا لك ما تحتاج أن تتزوج إذا كان مكتوبًا لك ولد، وإن كان ما كُتب لك ولد تزوجت أو ما تزوجت ما هو جاءٍ لك، وهكذا في جميع الأسباب، فالدعاء سبب؛ قد يتحقق لوجود السبب المقتضي وانتفاء المانع، وقد لا يتحقق؛ لوجود مانع أو لمعارضٍ آخر، أو لادخار ما هو أعظم منه يوم القيامة، أو يصرف عنه من السوء بقدره أو أكثر كما جاء في ذلك النص.
"قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: قَدْ نَدَبَ اللَّهُ تَعَالَى إِلَى الدُّعَاءِ، وَفِي ذَلِكَ مَعَانٍ:
أَحَدُهَا: الْوُجُودُ، فَإِنَّ مَنْ لَيْسَ بِمَوْجُودٍ لَا يُدْعَى.
الثَّانِي: الْغِنَى، فَإِنَّ الْفَقِيرَ لَا يُدْعَى.
الثَّالِثُ: السَّمْعُ، فَإِنَّ الْأَصَمَّ لَا يُدْعَى.
الرَّابِعُ: الْكَرَمُ، فَإِنَّ الْبَخِيلَ لَا يُدْعَى.
الْخَامِسُ: الرَّحْمَةُ، فَإِنَّ الْقَاسِيَ لَا يُدْعَى.
السَّادِسُ: الْقُدْرَةُ، فَإِنَّ الْعَاجِزَ لَا يُدْعَى.
وَمَنْ يَقُولُ بِالطَّبَائِعِ يَعْلَمُ أَنَّ النَّارَ لَا يُقَالُ لَهَا: كُفِّي! وَلَا النَّجْمُ يُقَالُ لَهُ: أَصْلِحَ مِزَاجِي!! لِأَنَّ هَذِهِ عِنْدَهُمْ مُؤَثِّرَةٌ طَبْعًا لَا اخْتِيَارًا، فَشَرَعَ الدُّعَاءَ وَصَلَاةَ الِاسْتِسْقَاء؛ِ لِيُبَيِّنَ كَذِبَ أَهْلِ الطَّبَائِعِ".
لو أن الطبائع مؤثرة والنجوم فاعلة على ما يقولون ما يحتاج أن يستسقون، يدعون هذه النجوم وهذه الأفلاك ويحصلون عل ما يريدون.
"وَذَهَبَ قَوْمٌ مِنَ الْمُتَفَلْسِفَةِ وَغَالِيَةِ الْمُتَصَوِّفَةِ إِلَى أَنَّ الدُّعَاءَ لَا فَائِدَةَ فِيهِ! قَالُوا: لِأَنَّ الْمَشِيئَةَ الْإِلَهِيَّةَ إِنِ اقْتَضَتْ وُجُودَ الْمَطْلُوبِ فَلَا حَاجَةَ إِلَى الدُّعَاءِ، وَإِنْ لَمْ تَقْتَضِهِ فَلَا فَائِدَةَ فِي الدُّعَاءِ!! وَقَدْ يَخُصُّ بَعْضُهُمْ بِذَلِكَ خَوَاصَّ الْعَارِفِينَ! وَيَجْعَلُ الدُّعَاءَ عِلَّةً فِي مَقَامِ الْخَوَاصِّ!! وَهَذَا مِنْ غَلَطَاتِ بَعْضِ الشُّيُوخِ. فَكَمَا أَنَّهُ مَعْلُومُ الْفَسَادِ بِالِاضْطِرَارِ مِنْ دِينِ الْإِسْلَامِ -فَهُوَ مَعْلُومُ الْفَسَادِ بِالضَّرُورَةِ الْعَقْلِيَّةِ، فَإِنَّ مَنْفَعَةَ الدُّعَاءِ أَمْرٌ اتَّفَقَتْ عَلَيْهِ تَجَارِبُ الْأُمَمِ، حَتَّى إِنَّ الْفَلَاسِفَةَ تَقُولُ: ضَجِيجُ الْأَصْوَاتِ فِي هَيَاكِلِ الْعِبَادَاتِ، بِفُنُونِ اللُّغَاتِ، يُحَلِّلُ مَا عَقَدَتْهُ الْأَفْلَاكُ الْمُؤَثِّرَاتُ!! هَذَا وَهُمْ مُشْرِكُونَ.
وَجَوَابُ الشُّبْهَةِ بِمَنْعِ الْمُقَدِّمَتَيْنِ: فَإِنَّ قَوْلَهُمْ عَنِ الْمَشِيئَةِ الْإِلَهِيَّةِ: إِمَّا أَنْ تَقْتَضِيَهُ أَوْ لَا، ثُمَّ قِسْمٌ ثَالِثٌ، وَهُوَ: أَنْ تَقْتَضِيَهُ بِشَرْطٍ لَا تَقْتَضِيهِ مَعَ عَدَمِهِ، وَقَدْ يَكُونُ الدُّعَاءُ مِنْ شَرْطِهِ، كَمَا تُوجِبُ الثَّوَابَ مَعَ الْعَمَلِ الصَّالِحِ، وَلَا تُوجِبُهُ مَعَ عَدَمِهِ، وَكَمَا تُوجِبُ الشِّبَعَ وَالرِّيَّ بالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ، وَلَا تُوجِبُهُ مَعَ عَدَمِهِا، وَحُصُولُ الْوَلَدِ بِالْوَطْءِ".
ما قال: عند الوطء.
طالب:.........
لأن الأسباب مؤثرة، والتأثير بجعل الله –جل وعلا- التأثير فيها، لا تؤثر بذاتها، إنما الله جعل التأثير فيها، خلافًا للمعتزلة الذين يزعمون أنها مؤثرة بذاتها، وسلب التأثير من الأسباب هو رأي الأشعرية، وأنها وجودها مثل عدمها، وأن الشيء يوجد عند السبب لا به، تشرب هذه القارورة فتروى، متى حصل الري؟ عند الشرب لا به، تشبع عند الأكل لا به.
طالب:.........
ما قطعت السكين حصل القطع عندها لا بها؛ وهذا من المضحكات، ويذكرونه في كتبهم بالحرف يجوز أن يرى أعمى الصين بقة الأندلس، أقصى المشرق وأقصى المغرب وهو أعمى، (والبق) صغار البعوض؛ لأن البصر سبب الإبصار، فيحصل المُبصَر عنده لا به، هو ما له قيمة.
طالب:........
هم يثبتون رأيهم ويطردونه وما عليهم منك، المقصود أن هذا القول مخالف للعقل والحس والشرع، يحصل عنده لا به! ذلك عندنا، والري عند الأكل هذا ما هو بصحيح؛ ولذلك القول الصحيح: وحصول الولد بالوطء؛ لأنه سبب.
طالب:........
لا لا مطردة القاعدة، على كلامهم هم الذين يزعمون أن للقاء صاحب القبر أثر استجيبت به.
طالب:.........
لا لا نحن ما سمعنا أبدًا بالموضوع.
طالب:........
المثال الأظهر مثال جيد في هذا الباب، المثال الأظهر إن كان الشؤم ففي ثلاث: الدابة والدار والزوجة، ثلاث. ابن القيم –رحمه الله- يقول: أنت سكنت هذه الدار، دخلت أول مرة فوقعت فانكسرت رجلك، دخلت ثاني مرة وضربك عمود وسال الدم من وجهك، اختبروا العيال ولا نجحوا، هل الشؤم بها أو عندها؟ بحيث لو سكنت دارًا ثانية نفس الشيء المقدر عليك يحصل في هذه الدار وغيرها، فيكون الشؤم وما حصل من أضرار عندها لا بها؛ لأنه لا أثر لها في هذا الباب، ليست أسبابًا لها أثر، وإنما حصل الشؤم وحصل منه أضرار عندها لا بها؛ ولذلك الذي يقرأ كلام ابن القيم يظن أنه مطّرد مع قول الأشاعرة، لكنه في هذه المسألة صحيح؛ لأنها ليست أسباب.
هل المرأة سبب لكون الزوج عمي أو أصيب بمرض؟ ليست سببًا، لكن حصل هذا المرض عند اقترانه بهذه المرأة.
طالب:.........
نحن نوجه كلام ابن القيم على كل حال هي ليست أسبابًا، والمقدر عليه يحصل في هذه الدار أو في غيرها، مع هذه المرأة أو مع غيرها، على هذه الدابة أو في غيرها، واحد يقول: والله من يوم ما اشتريت هذه السيارة وأنا كل يوم أصدم، واحد آخر يقول: أنا كل ما صليت صدمت، نقول: الصلاة سبب؟ لا، شؤم بك أنت وأفعالك، وآثار أفعالك السيئة.
طالب:.........
الدار ليست سببًا، ولا أثر لها في الباب، لكن هذه الأمور قدرت عليه مع أو عند دخوله هذه الدار.
طالب:.........
يصير تشاؤمًا.
طالب:.........
لا التفات إلى مثلها؛ لأن الشؤم هذا وهذه الأضرار حصلت عندها لا بها، ومنهم من يقول مثل ما قال الأخ: إنها مستثناة، ويحصل فيها ما يحصل، وبعض البيوت حصل فيها ما يحصل، وإن انتقل عنها انقطع هذا الأمر، بعض النساء شؤمها في لسانها، فتغيَّر لا لأنها شؤم، لكن للضرر المترتب عليها.
طالب:.........
إن كان الشؤم.
طالب:.........
وفيها الجزم، على كل حال كلام أهل العلم واضح.
طالب:.........
في أي كتاب؟
طالب:.........
مفتاح دار السعادة طوّل جدًّا ذكر جميع الأوجه.
طالب:.........
كلام مطول لأهل العلم؛ لأنه فيه نوع إشكال، الحديث فيه إشكال، فأجوبة أهل العلم عنه كثيرة.
"وَحُصُولُ الْوَلَدِ بِالْوَطْءِ، وَالزَّرْعَ بِالْبَذْرِ. فَإِذَا قُدِّرَ وُقُوعُ الْمَدْعُوِّ بِهِ بِالدُّعَاءِ لَمْ يَصِحَّ أَنْ يُقَالَ لَا فَائِدَةَ فِي الدُّعَاءِ، كَمَا لَا يُقَالُ لَا فَائِدَةَ فِي الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَالْبَذْرِ وَسَائِرِ الْأَسْبَابِ. فَقَوْلُ هَؤُلَاءِ كَمَا أَنَّهُ مُخَالِفٌ لِلشَّرْعِ، فَهُوَ مُخَالِفٌ لِلْحِسِّ وَالْفِطْرَة.
وَمِمَّا يَنْبَغِي أَنْ يُعْلَمَ مَا قَالَهُ طَائِفَةٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ، وَهُوَ: أَنَّ الِالْتِفَاتَ إِلَى الْأَسْبَابِ شِرْكٌ فِي التَّوْحِيدِ ! وَمَحْوُ الْأَسْبَابِ أَنْ تَكُونَ أَسْبَابًا، نَقْصٌ فِي الْعَقْلِ، وَالْإِعْرَاضُ عَنِ الْأَسْبَابِ بِالْكُلِّيَّةِ قَدْحٌ فِي الشَّرْعِ. وَمَعْنَى التَّوَكُّل وَالرَّجَاء يَتَأَلَّفُ مِنْ وُجُوبِ التَّوْحِيدِ وَالْعَقْلِ وَالشَّرْع".
قاله طائفةٌ من العلماء ونص عليها الغزالي في إحياء علوم الدين.
"وَبَيَانُ ذَلِكَ: أَنَّ الِالْتِفَاتَ إِلَى السَّبَبِ هُوَ اعْتِمَادُ الْقَلْبِ عَلَيْهِ، وَرَجَاؤُهُ وَالِاسْتِنَادُ إِلَيْهِ. وَلَيْسَ فِي الْمَخْلُوقَاتِ مَا يَسْتَحِقُّ هَذَا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُسْتَقِلٍّ، وَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ شُرَكَاءَ وَأَضْدَادٍ مَعَ هَذَا كُلِّهِ، فَإِنْ لَمْ يُسَخِّرْهُ مُسَبِّبُ الْأَسْبَابِ لَمْ يُسَخَّرْ.
وَقَوْلُهُمْ: إِنِ اقْتَضَتِ الْمَشِيئَةُ الْمَطْلُوبَ فَلَا حَاجَةَ إِلَى الدُّعَاءِ. قُلْنَا: بَلْ قَدْ تَكُونُ إِلَيْهِ حَاجَةٌ، مِنْ تَحْصِيلِ مَصْلِحَةٍ أُخْرَى عَاجِلَةٍ وَآجِلَةٍ، وَدَفْعِ مَضَرَّةٍ أُخْرَى عَاجِلَةٍ وَآجِلَةٍ".
ولو لم يكن فيه إذا لم يجب إلا الثواب العظيم من الله –جل وعلا- لأنه عبادة، الدعاء عبادة، جاء الدعاء هو العبادة، وجاء مخ العبادة، مع أن الداعي لن يخيب ما لم يرتكب اسمًا أو قطيعة رحم، أو يستحسر ويستعجل، دعوت ودعوت ولم أر يستجاب لي، فهناك موانع يجتنبها الإنسان.
"وَكَذَلِكَ قَوْلُهُمْ: وَإِنْ لَمْ تَقْتَضِهِ، فَلَا فَائِدَةَ فِيهِ. قُلْنَا: بَلْ فِيهِ فَوَائِدُ عَظِيمَةٌ، مِنْ جَلْبِ مَنَافِعَ، وَدَفْعِ مَضَار، كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، بَلْ مَا يُعَجِّلُ لِلْعَبْدِ، مِنْ مَعْرِفَتِهِ بِرَبِّهِ، وَإِقْرَارِهِ بِهِ، وَبِأَنَّهُ سميْعٌ قَرِيبٌ قَدِيرٌ عَلِيمٌ رَحِيمٌ، وَإِقْرَاره بِفَقْرِهِ إِلَيْهِ وَاضْطِرَارِهِ إِلَيْهِ، وَمَا يَتْبَعُ ذَلِكَ مِنَ الْعُلُومِ الْعَلِيَّةِ وَالْأَحْوَالِ الزَّكِيَّةِ، الَّتِي هِيَ مِنْ أَعْظَمِ الْمَطَالِب.
فَإِنْ قِيلَ: إِذَا كَانَ إِعْطَاءُ اللَّهِ مُعَلَّلًا بِفِعْلِ الْعَبْدِ، كَمَا يُعْقَلُ مِنْ إِعْطَاءِ الْمَسْؤولِ لِلسَّائِلِ، كَانَ السَّائِلُ قَدْ أَثَّرَ فِي الْمَسْؤولِ حَتَّى أَعْطَاهُ؟ !
قُلْنَا: الرَّبُّ سُبْحَانَهُ هُوَ الَّذِي حَرَّكَ الْعَبْدَ إِلَى دُعَائِهِ، فَهَذَا الْخَيْرُ مِنْهُ، وَتَمَامُهُ عَلَيْهِ كَمَا قَالَ عُمَرُ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- : إِنِّي لَا أَحْمِلُ هَمَّ الْإِجَابَةِ، وَإِنَّمَا أَحْمِلُ هَمَّ الدُّعَاءِ، وَلَكِنْ إِذَا أُلْهِمْتُ الدُّعَاءَ فَإِنَّ الْإِجَابَةَ مَعَه،ُ وَعَلَى هَذَا قَوْلُهُ تَعَالَى: { يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ} [سورة فُصِّلَتْ:5]. فَأَخْبَرَ سُبْحَانَهُ أَنَّهُ يَبْتَدِئُ بِالتَّدْبِيرِ، ثُمَّ يَصْعَدُ إِلَيْهِ الْأَمْرُ الَّذِي دَبَّرَهُ، فَاللَّهُ سُبْحَانَهُ هُوَ الَّذِي يَقْذِفُ فِي قَلْبِ الْعَبْدِ حَرَكَةَ الدُّعَاءِ، وَيَجْعَلُهَا سَبَبًا لِلْخَيْرِ الَّذِي يُعْطِيهِ إِيَّاهُ، كَمَا فِي الْعَمَلِ وَالثَّوَابِ، فَهُوَ الَّذِي وَفَّقَ الْعَبْدَ لِلتَّوْبَةِ ثُمَّ قَبِلَهَا، وَهُوَ الَّذِي وَفَّقَهُ لِلْعَمَلِ ثُمَّ أَثَابَهُ، وَهُوَ الَّذِي وَفَّقَهُ لِلدُّعَاءِ ثُمَّ أَجَابَهُ، فَمَا أَثَّرَ فِيهِ شَيْءٌ مِنَ الْمَخْلُوقَاتِ، بَلْ هُوَ جَعَلَ مَا يَفْعَلُهُ سَبَبًا لِمَا يَفْعَلُهُ".
السؤال الذي أوردوه وهو أن السائل مؤثر في المسؤول، ففي بداية أمرهم شبهوا الله –جل وعلا- بخلقه، وأنه يؤثر فيه المخلوق، المخلوق لا شك أنه لو لم يأت هذا السائل، ما حصل هذا الإعطاء وهذه الإجابة، وبعض المسؤولين إذا جاء من يسأله تضايق، يتضايق لما يرى من يسأل؛ ولذلك قد يعطي وهو كاره، والله –جل وعلا- هو الذي أمر بسؤاله، أمر عباده أن يسألوه {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [سورة غَافِرٍ:60] وينزل في آخر كل ليلة في الثلث الأخير ويبسط يده، هل من سائل فأعطيه؟ هل من مستغفر فأغفر له؟ هل من تائب فأتوب عليه؟ هو الذي يحث على ذلك، فالبداية بالتشبيه، والنهاية في سوء الأدب مع الله -جل وعلا-.
"قَالَ مُطَرِّفُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الشِّخِّير ، أَحَدُ أَئِمَّةِ التَّابِعِينَ: نَظَرْتُ فِي هَذَا الْأَمْرِ، فَوَجَدْتُ مَبْدَأَهُ مِنَ اللَّهِ، وَتَمَامَهُ عَلَى اللَّهِ، وَوَجَدْتُ مِلَاكَ ذَلِكَ الدُّعَاءَ.
وَهُنَا سُؤَالٌ مَعْرُوفٌ، وَهُو:َ أَنَّ مِنَ النَّاسِ مَنْ قَدْ يَسْأَلُ اللَّهَ شَيْئًا فَلَا يُعْطَى، أَوْ يُعْطَى غَيْرَ مَا سَأَلَ؟ وَقَدْ أُجِيبَ عَنْهُ بِأَجْوِبَةٍ، فِيهَا ثَلَاثَةُ أَجْوِبَةٍ مُحَقَّقَةٍ:
أَحَدُهَا: أَنَّ الْآيَةَ لَمْ تَتَضَمَّنْ عَطِيَّةَ السُّؤَالِ مُطْلَقًا".
تضمنت الإجابة {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [سورة غَافِر:60]. لكن هل يلزم من الاستجابة أن يكون بنفس ما سأل؟ لا يلزم.
"وَإِنَّمَا تَضَمَّنَتْ إِجَابَةَ الدَّاعِي، وَالدَّاعِي أَعَمُّ مِنَ السَّائِلِ، وَإِجَابَةُ الدَّاعِي أَعَمُّ مِنْ إِعْطَاءِ السَّائِلِ".
إذا أجلت إجابة الدعوة، أجيبت لكنها مع التأجيل سأل الجنة، ولن يدخل الجنة حتى يموت ويبعث، هل نقول: إن هذا ما أجيب، والله -جل وعلا- يقول: {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [سورة غَافِر:60] هذا أجيب، فإما أن يعجل ولا يؤجل، تؤخر لمصلحته، وإما أن يُعطى ما سأل، وإما أن يدخر له من الأجر فوق ما سأل، أو يُعطى أعظم مما سأل.
"وَلِهَذَا قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «يَنْزِلُ رَبُّنَا في كُلَّ لَيْلَةٍ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا فَيَقُولُ: مَنْ يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ؟ مَنْ يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ؟ مَنْ يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ؟».
فَفَرْقٌ بَيْنَ الدَّاعِي وَالسَّائِلِ، وَبَيْنَ الْإِجَابَةِ وَالْإِعْطَاءِ، وَهُوَ فَرْقٌ بِالْعُمُومِ وَالْخُصُوصِ، كَمَا أَتْبَعَ ذَلِكَ بِالْمُسْتَغْفِرِ، وَهُوَ نَوْعٌ مِنَ السَّائِلِ، فَذَكَرَ الْعَامَّ ثُمَّ الْخَاصَّ ثُمَّ الْأَخَصَّ. وَإِذَا عَلِمَ الْعِبَادُ أَنَّهُ قَرِيبٌ، يُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِي، عَلِمُوا قُرْبَهُ مِنْهُمْ، وَتَمَكُّنَهُمْ مِنْ سُؤَالِهِ-: وَعَلِمُوا عِلْمَهُ وَرَحْمَتَهْ وَقُدْرَتَهُ، فَدَعَوْهُ دُعَاءَ الْعِبَادَةِ فِي حَالٍ، وَدُعَاءَ الْمَسْأَلَةِ فِي حَالٍ، وَجَمَعُوا بَيْنَهُمَا فِي حَالٍ، إِذِ الدُّعَاءُ اسْمٌ يَجْمَعُ الْعِبَادَةَ وَالِاسْتِعَانَةَ، وَقَدْ فُسِّرَ قَوْلُه: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [سورة غَافِرٍ:60] بِالدُّعَاءِ، الَّذِي هُوَ الْعِبَادَةُ، وَالدُّعَاءِ الَّذِي هُوَ الطَّلَبُ.
{قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ} [سورة الفرقان:77]" يقول ابن عباس: { دُعَاؤُكُمْ} إيمانكم، فالدعاء كما يُطلق على الطلب يُطلق أيضًا على العبادة البدنية وعلى الإيمان، وجميع ما يقرب إلى الله.
طالب:.........
الذي لا يستجيب إلى ما يُدعى إليه هذا ضال بلا شك، دُعي إلى الإيمان، دُعي إلى التوحيد، دُعي إلى الصلاة ولا يستجيب، فهذا ضال بلا شك.
"وَقَوْلُهُ بَعْدَ ذَلِكَ: {إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي } [سورة غَافِرٍ:60] - يُؤَيِّدُ الْمَعْنَى الْأَوَّل".
طالب: جوابه الأول مربوط بالحديث، ففي الحديث: «من يسألني فأعطيه؟» وبعض الناس يسأل فلا يُعطى، فهو يقول في الجواب: إن الآية لم تتضمن عقيدة السؤال مطلقًا، وفي الحديث قال: «من يسألني فأعطيه؟» فلا يصلح هذا الجواب على السؤال.
السؤال عن الآية أم عن الحديث؟
طالب: هو يقول: بعض الناس يقول: أنا أدعو وقد يسأل الله شيئًا فلا يعطى، وجاء في الجواب الأول: أن الآية ليست خاصة بعطية السؤال، ثم أتى بالحديث وفيه: «من يسألني فأعطيه؟».
«من يسألني فأعطيه؟» يسأل سؤال من غير معارض، ومن غير مانع من قبول يعطى.
طالب: إذًا جوابه بالآية على هذا الذي قيل ليس جوابًا.
إلا جواب الله يوفقك، الإعطاء لا يقتصر على ما سأل، يُعطى غيره، يُعطى أفضل منه، يُدخر له، كل هذا عطايا.
طالب:........
طيب سأل وعنده مانع، يُعطى؟
طالب: لا.
خلاص.
طالب: أن أقصد جوابه هو قال: فرقٌ بين الدعاء والسؤال، وجاء بالكلام على أن الآية لا تختص بالسؤال، ثم أتى بالحديث وفيه السؤال.
لا، فيه السؤال وغير السؤال «يدعوني فأستجيب له، يسألني فأعطيه، يستغفر لي فأغفر له» وأعم من ذلك فأتى بالأعم، ثم الخاص، ثم الأخص.
"الْجَوَابُ الثَّانِي: أَنَّ إِجَابَةَ دُعَاءِ السُّؤَالِ أَعَمُّ مِنْ إِعْطَاءِ عَيْنِ المسؤول، كَمَا فَسَّرَهُ النَّبِيُّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِيمَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ، أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «مَا مِنْ رَجُلٍ يَدْعُو اللَّهَ بِدَعْوَةٍ لَيْسَ فِيهَا إِثْمٌ وَلَا قَطِيعَةُ رَحِمٍ إِلَّا أَعْطَاهُ بِهَا إِحْدَى ثَلَاثِ خِصَالٍ. إِمَّا أَنْ يُعَجِّلَ لَهُ دَعْوَتَهُ، أَوْ يَدَّخِرَ لَهُ مِنَ الْخَيْرِ مِثْلَهَا، أَوْ يَصْرِفَ عَنْهُ مِنَ الشَّرِّ مِثْلَهَا» قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِذًا نُكْثِرُ، قَالَ: «اللَّهُ أَكْثَرُ» . فَقَدْ أَخْبَرَ الصَّادِقُ الْمَصْدُوقُ أَنَّهُ لَا بُدَّ فِي الدَّعْوَةِ الْخَالِيَةِ عَنِ الْعُدْوَانِ مِنْ إِعْطَاءِ السُّؤَلِ مُعَجَّلًا، أَوْ مِثْلِهِ مِنَ الْخَيْرِ مُؤَجَّلًا، أَوْ يَصْرِفُ عَنْهُ مِنَ السُّوءِ مِثْلَهُ.
الْجَوَابُ الثَّالِثُ: أَنَّ الدُّعَاءَ سَبَبٌ مُقْتَضٍ لِنَيْلِ الْمَطْلُوبِ، وَالسَّبَبُ لَهُ شُرُوطٌ وَمَوَانِعُ، فَإِذَا حَصَلَتْ شُرُوطُهُ وَانْتَفَتْ مَوَانِعُهُ حَصَلَ الْمَطْلُوبُ، وَإِلَّا فَلَا يَحْصُلُ ذَلِكَ الْمَطْلُوبُ، بَلْ قَدْ يَحْصُلُ غَيْرُهُ. وَهَكَذَا سَائِرُ الْكَلِمَاتِ الطَّيِّبَاتِ، مِنَ الْأَذْكَارِ الْمَأْثُورَةِ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهَا جَلْبُ مَنَافِعَ أَوْ دَفْعُ مَضَارَّ، فَإِنَّ الْكَلِمَاتِ بِمَنْزِلَةِ الْآلَةِ فِي يَدِ الْفَاعِلِ، تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ قُوَّتِهِ وَمَا يُعِينُهَا، وَقَدْ يُعَارِضُهَا مَانِعٌ مِنَ الْمَوَانِعِ. وَنُصُوصُ الْوَعْدِ وَالْوَعِيدِ الْمُتَعَارِضَةِ فِي الظَّاهِرِ-: مِنْ هَذَا الْبَابِ. وَكَثِيرًا مَا تَجِدُ أَدْعِيَةً دَعَا بِهَا قَوْمٌ فَاسْتُجِيبَ لَهُمْ، وَيَكُونُ قَدِ اقْتَرَنَ بِالدُّعَاءِ ضَرُورَةُ صَاحِبِهِ وَإِقْبَالُهُ عَلَى اللَّهِ، أَوْ حَسَنَةٌ تَقَدَّمَتْ مِنْهُ، جَعَلَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ إِجَابَةَ دَعْوَتِهِ شُكْرًا لِحَسَنَتِهِ".
أو يكون الوقت وقت إجابة، يعني مع ما اتصف به الداعي مما هو من آداب الدعاء وأسباب القبول، قد لا يكون سببًا واحدًا، أسبابًا مجتمعة، وقد تجتمع في زيد، ولا تجتمع في عمرو، فيستجاب لهذا ولا يستجاب لهذا، مع أن المسألة المسؤول عنها واحدة.
"أَوْ صَادَفَ وَقْتَ إِجَابَةٍ، وَنَحْو ذَلِكَ".
أو يُستجاب لهذا استدراجًا وابتلاءً، ولا يستجاب لهذا أيضًا امتحانًا، يمتحن إيمانه ويمتحن صبره وهكذا.
"فَأُجِيبَتْ دَعْوَتُهُ، فَيَظُنُّ أَنَّ السِّرَّ فِي ذَلِكَ الدُّعَاءِ، فَيَأْخُذُهُ مُجَرَّدًا عَنْ تِلْكَ الْأُمُورِ الَّتِي قَارَنَتْهُ مِنْ ذَلِكَ الدَّاعِي.
وَهَذَا كَمَا إِذَا اسْتَعْمَلَ رَجُلٌ دَوَاءً نَافِعًا فِي الْوَقْتِ الَّذِي يَنْبَغِي، فَانْتَفَعَ بِهِ، فَظَنَّ آخَرُ أَنَّ اسْتِعْمَالَ هَذَا الدَّوَاءِ بِمُجَرَّدِهِ كَافٍ فِي حُصُولِ الْمَطْلُوبِ، فَكَانَ غَالِطًا.
وَكَذَا قَدْ يَدْعُو بِاضْطِرَارٍ عِنْدَ قَبْرٍ، فَيُجَابُ، فَيَظُنُّ أَنَّ السِّرَّ لِلْقَبْرِ، وَلَمْ يَدْرِ أَنَّ السِّرَّ لِلِاضْطِرَارِ وَصِدْق اللَّجأ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى، فَإِذَا حَصَلَ ذَلِكَ فِي بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللَّهِ تَعَالَى كَانَ أَفْضَلَ وَأَحَبَّ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى".
وقد تكون الإجابة عند القبر من باب الابتلاء، وقد يسمع صوتًا من داخل القبر من شيطان، كما ذكر ذلك شيخ الإسلام في كتاب الفرقان، كل هذا من باب الإبتلاء لهذا العبد المسكين الذي ضل في سعيه وظن أنه يحسن صنعًا.
"فَالْأَدْعِيَةُ وَالتَّعَوُّذَاتُ وَالرُّقَى بِمَنْزِلَةِ السِّلَاحِ، وَالسِّلَاحُ بِضَارِبِهِ، لَا بِحَدِّهِ فَقَطْ، فَمَتَى كَانَ السِّلَاحُ سِلَاحًا تَامًّا وَالسَّاعِدُ سَاعِدًا قَوِيًّا، وَالْمَحَلُّ قَابِلًا، وَالْمَانِعُ مَفْقُودًا-: حَصَلَتْ بِهِ النِّكَايَةُ فِي الْعَدُوِّ، وَمَتَى تَخَلَّفَ وَاحِدٌ مِنْ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ تَخَلَّفَ التَّأْثِيرُ.
فَإِذَا كَانَ الدُّعَاءُ فِي نَفْسِهِ غَيْرَ صَالِحٍ، أَوِ الدَّاعِي لَمْ يَجْمَعْ بَيْنَ قَلْبِهِ وَلِسَانِهِ فِي الدُّعَاءِ، أَوْ كَانَ ثَمَّ مَانعٌ مِنَ الْإِجَابَةِ-: لَمْ يَحْصُلِ الْأَثَرُ.
قَوْلُهُ: (وَيَمْلِكُ كُلَّ شَيْءٍ، وَلَا يَمْلِكُهُ شَيْءٌ. وَلَا غِنَى عَنِ اللَّهِ تَعَالَى طَرْفَةَ عَيْنٍ، وَمَنِ اسْتَغْنَى عَنِ اللَّهِ طَرْفَةَ عَيْنٍ، فَقَدْ كَفَرَ وَصَارَ مِنْ أَهْلِ الْحَيْنِ).
كَلَامٌ حَقٌّ ظَاهِرٌ لَا خَفَاءَ فِيهِ. وَالْحَيْنُ، بِالْفَتْحِ: الْهَلَاكُ". .
اللهم صل على محمد.
"