كتاب العتق من المحرر في الحديث - 02
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
نعم.
"بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه.
اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللحاضرين والمستمعين يا رب العالمين.
قال الإمام ابن عبد الهادي- رحمه الله-: باب التدبير:
عن عمرو بن دينار عن جابر -رضي الله عنه- أن رجلاً من الأنصار أعتق غلامًا له عن دبر لم يكن له مال غيره، فبلغ ذلك النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: «من يشتريه مني؟» فاشتراه نعيم بن عبد الله بثمان مائة درهم، فدفعها إليه، قال عمرو: سمعت جابر بن عبد الله يقول: عبدًا قبطيًّا مات عام أول، متفق عليه، واللفظ لمسلم.
وفي لفظ للبخاري: أعتق غلامًا له عن دبر، فاحتاج، وروى النسائي من رواية الأعمش عن سلمة بن كهيل عن عطاء عن جابر -رضي الله عنه- قال: أعتق رجل من الأنصار غلامًا له عن دبر وكان محتاجًا، وكان عليه دين فباعه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بثمان مائة درهم فأعطاه، فقال: «اقض دينك»."
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد،
فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "باب التدبير، باب التدبير" التدبير عتق العبد بعد موت سيده، يعتقه على دبر من حياته، يعني بعد انقضاء حياته، سمي بذلك؛ لأن السيد جعل العتق في دبر الحياة، يعني في آخره أو لأن السيد دبَّر أمره، فاستفاد من عبده في حياته، وبعد مماته دبَّر أمره فاستفاد من العبد في حياته بالخدمة، واستفاد منه بعد مماته بالعتق.
"عن عمرو بن دينار عن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- أن رجلاً من الأنصار"، وجاء في بعض الروايات تسميته بمذكور، مذكور.
"أعتق غلامًا له" جاءت تسميته أيضًا بأنه يعقوب، "عن دبر" يعني بعد موته، يعلِّق عتقه بموته، "لم يكن له مال غيره، لم يكن له مال غيره"، وهذا وصف مؤثِّر في الحكم، "لم يكن له مال غيره، فبلغ ذلك النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «من يشتريه مني؟ من يشتريه مني؟» فاشتراه نعيم بن عبد الله بثمانمائة درهم فدفعها إليه، «من يشتريه مني؟»" استدل بذلك من يرى بيع المدبَّر مطلقًا، وأن النبي -عليه الصلاة والسلام- باعه، ولكن الوصف لم يكن له مال غيره اعتبره جمع من أهل العلم، وهو أن بيع المدبَّر إنما يجوز للحاجة، ولذا جاء في بعض الروايات اللاحقة فاحتاج، أعتق غلامًا له عن دبر فاحتاج، وفي رواية فأعطاه فقال: «اقض دينك»، وكل هذا يؤيد ما ذهب إليه الجمهور من أن المدبَّر حكمه حكم الوصية المدبَّر حكمه حكم الوصية، وأنها لا تثبت إلا بالموت لو أعتق غلامًا له عن دبر، وهذا الغلام لا شيء بالنسبة لماله، ثم بعد ذلك احتاج، هل المنظور له حال الموت أم حال التدبير؟ وهل العبرة كما يقول أهل العلم بالحال أو بالمآل؟
الآن قال: هذا الغلام إذا مت فهو حر، إذا مت فهو حر، فيملك الألوف المؤلفة وقيمة هذا الغلام لا تعادل واحدًا بالمائة من تركته، مضت السنون فافتقر، وعند وفاته هذا الغلام رأس مال، يعني أكثر من الثلث، قد يكون جميع ما يملك، فهل العبرة بوقت التدبير كما يقول أهل العلم: العبرة بالحال، أو العبرة بوقت الوفاة التي هي المآل المقرر عند أهل العلم أن العبرة بالحال لا بالمآل؟ لكن هل تدخل هذه الصورة في هذه القاعدة أو لا تدخل؟
ما تدخل؛ لأن العتق معلَّق بالموت فهو الوقت المناسب لتطبيق الشروط، الوقت المناسب لتطبيق الشروط فالمرجَّح أن حكم المدبَّر حكم الوصية، وأنه لا ينفذ إلا بالموت، ويكون من الثلث، ويكون من الثلث، ومن أهل العلم - هذا قول الجمهور، ومن أهل العلم من يرى أنه من رأس المال، وأن العبرة بالحال، وأنه يعتق عليه، لكن لا ينفذ، هو عتق حكمًا، لكن لا ينفذ ذلك الحكم وتترتب عليه آثاره إلا بحلول الشرط الذي هو الموت، وبيع المدبَّر كما في حديث جابر برواياته دليل على أنه على أن حكمه حكم الوصية، الموصي إذا أوصى بشيء من ماله له أن يرجع فيه قبل أن يموت، له أن يرجع فيما أوصى به، وله أن يزيد، وله أن ينقص قبل الموت هذا في الوصية لا في الوقت المنجَز، والذي معنا في المدبَّر لا في العتق المنجَز، غير المعلَّق بالموت العتق المنجَز أعتق ستة أرقاء كما تقدم، شخص أعتق ستة أرقاء كما تقدم، فقسمهم النبي -عليه الصلاة والسلام- أثلاثًا، فأعتق اثنين وباع أربعة.
هذا مع الحاجة، هذا مع الحاجة، وإلا فالأصل أن العتق ينفذ، هذا مع الحاجة، فحاجته مقدَّمة على تقرره وعتقه؛ لأن الواجب مقدَّم على المستحب، ونفقة الأولاد وما يصلح أحوالهم وسداد الديون كل هذا واجب.
وفي الحديث دليل على بيع المدبَّر كما قلنا، وذلك مقرون للحاجة؛ لأنه في هذه الرواية أشار إلى أنه ليس له مال غيره، وفي الرواية التي تليها "قال عمرو: سمعت جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- يقول: عبدًا قبطيًّا مات عام أول" ما الفائدة من هذا الكلام لو كان حبشيًّا ماذا يصير، ومات قبل عشر سنين أو حي، الآن يؤثر في الحكم يؤثر؟
لا يؤثر في الحكم، لكن الرواة يذكرون مثل هذه الأمور؛ للدلالة على الضبط والإتقان للدلالة على الضبط والإتقان، فإذا كان الخبر مقرونًا بالقصة دل على أن الراوي ضبط هذه الرواية وأتقنها، وجاء بها بفصها كما يقولون: جاء بها بفصها.
"متفق عليه، واللفظ لمسلم.
وفي لفظ للبخاري: أعتق غلامًا له عن دبر فاحتاج، أعتق غلاما له عن دبر فاحتاج، وروى النسائي من رواية الأعمش عن سلمة بن كهيل" يعني من باب الفائدة القاعدة التي أشرت إليها هل العبرة بالحال أو بالمآل، أهل العلم يقررون أن العبرة بالحال.
من أمثلتها شخص لزمته كفارة في وقت يستطيع أن يعتِق، أو يستطيع أن يطعِم، أو يستطيع أن يكسو في هذا الوقت وقت لزوم الكفارة يستطيع، ثم افتقر فيما بعد وقال: صم يصوم؟ لأن العبرة بالحال لا بالمآل، شخص لا يستطيع الخصال الثلاث، فلزمه الصوم، اغتنى، استغنى فيما بعد، هل يلزَم بالإطعام أو يلزَم بكذا؛ لأن العبرة بالحال، لكن لو فعل الأنفع عند أهل العلم يجزئ شخص أحرم بالعمرة قبل دخول رمضان بدقيقة، وأدى العمرة كاملة في رمضان، عمرته رمضانية أم شعبانية؟
شعبانية؛ لأن العبرة بالحال وقل عكس ذلك فيما لو أحرم قبل رؤية هلال شوال بدقيقة وأدى العمرة في يوم العيد أو ليلة العيد بعد خروج الشهر فعمرته رمضانية، كما يقرر أهل العلم؛ لأن العبرة بالحال لا بالمآل.
"وروى النسائي من رواية الأعمش عن سلمة بن كهيل عن عطاء، عن جابر -رضي الله عنه- قال: أعتق رجل من الأنصار" اسمه مذكور هو نفسه قصة واحدة، "غلامًا له" اسمه يعقوب، "عن دبر، وكان محتاجًا، وكان عليه دَين، فباعه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بثمانمائة درهم وأعطاه وقال: «اقض دينك»".
وهذا يدلك على أن هذا العتق لا يثبت إلا بالموت، لا يثبت إلا بالموت، يعني لو أعتقه إذا جاء رمضان وقال: إذا جاء رمضان فأنت حر، هل يجوز له أن يبيعه في شعبان أو لا؟ هل هذا له حكم الوصية معلق بالموت؟ لا؛ لأنه علق على وصف متحقق الوقوع، ومثل هذا لو قال لزوجته: إذا دخل رمضان فأنت طالق، فلما صار في رجب قال: رجعت، رجع عن الطلاق، عُلِّق الطلاق على وصف متحقق الوقوع، فالأكثر على أنه لا يملك الرجوع، ونقل ابن مفلح عن شيخ الإسلام ابن تيمية أنه يملك مادام ما جاء المعلَّق عليه.
نعم.
"قال -رحمه الله-: باب المكاتَب وأم الولد:
عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «أيما عبد كاتب على مائة أوقية فأداها إلا عشرة أواقٍ فهو عبد، وأيما عبد كاتب على مائة دينار فأداها إلا عشرة دنانير فهو عبد»، رواه أحمد وأبو داود والنسائي والترمذي والحاكم وصححه، ورواه ابن حبان مختصرًا.
وعنه -رضي الله عنه-، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «المكاتب عبد ما بقي عليه من مكاتبته درهم»، رواه أبو داود، وهو من رواية إسماعيل بن عياش، عن شيخ شامي ثقة. وعن أم سلمة -رضي الله عنها- قالت: قال لنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «إذا كان إذا كان لإحداكن مكاتب، فكان عنده ما يؤدي فلتحتجب منه»، رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه والنسائي والترمذي وصححه، وتكلم فيه غير واحد من الأئمة.
وعن عكرمة، عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «يؤدي المكاتب..»."
يؤدى يودى..
أحسن الله إليك.
"«يودى المكاتب بقدر ما عتق منه دية الحر وبقدر ما رق منه دية العبد»، قال: وكان علي -رضي الله عنه- ومروان يقولان ذلك، رواه أبو داود الطيالسي، وهذا لفظه، وأحمد وأبو داود والنسائي، وقد أعل.
وعن عمرو بن الحارث: ختن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أخي جويرية بنت الحارث قال: ما ترك رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عند موته درهمًا ولا دينارًا ولا عبدًا ولا أمة ولا شيئًا إلا بغلته البيضاء وسلاحه وأرضًا جعلها صدقة، رواه البخاري.
وروى أبو القاسم البغوي عن علي بن الجعد عن سفيان عن أبيه عن عكرمة عن عمر قال: أم الولد أعتقها ولدها وإن كان سقطًا، فيه إرسال.
وقد روي عن عكرمة عن ابن عباس عن عمر، وروي عنه عن ابن عباس مرفوعًا، والله سبحانه وتعالى أعلم."
قال -رحمه الله تعالى-: "باب المكاتَب وأم الولد، باب المكاتَب وأم الولد" المكاتَب هو العبد يشتري نفسه من سيده، هو العبد يشتري نفسه من سيده بأقساط منجمة بحيث يتفق مع السيد على ألف مثلاً في كل شهر عشرة، بحيث يكتتب هذا العبد ويؤدي نجوم الكتابة، والكتابة سنة مرغب فيها، {فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراً} [سورة النــور:33]، أما إذا كانت المكاتَبة سببًا لضياعه فيما يغلب على الظن فالأمر كاتبوهم علق على العلم، ومعرفة وعلم أنه يكتسب ما يضيع، وأنه ينفع ولا يضر هل للإنسان أن يكاتب عبدًا يدشره في الشوارع يسطو ويسرق ويضرب؟ لا.
هذا ما علمنا فيه خيرًا إنما يكاتَب ليعان على أن ينتفع وينفع، ولذا قال -جل وعلا-: {فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراً} [سورة النــور:33]، فالذي يعلم فيه الخير تشرع مكاتبته، وأوجبها بعضهم قال: تجب مكاتبته؛ لأن الأصل في الأمر الوجوب، والأكثر على أنه أمر استحباب؛ لأنه ملكه، ولا يلزم بإخراج ملكه من يده، المكاتَب وأم الولد، أم الولد الأمة تكون عند سيد يطأ فتحبل منه وتلد، فتسمى أم ولد، كما هو الشأن في مارية القبطية، ولدت للنبي -عليه الصلاة والسلام- إبراهيم الذي مات صغيرًا فأعتقها ولدها.
قال: "وعن عمرو بن شعيب" بعض طلاب العلم ينطقون عمرو بالواو والضم وما أدري إيش؟! هذا الكلام ليس بصحيح هنا وعن عمرو ابنِ، والواو يؤتى بها؛ للتفريق بين عَمْرو وعُمَر، وإلا تأتي عليها الحركات كلها، يتحدث عن شخص عَمْرُوْ ليس بصحيح، ما هو عَمْرُوْ، هو عَمْرْو، رأيت عَمْرًا، مررت بعَمْر،ٍ فالواو لا تنطق، إنما يؤتى بها؛ للتفريق بينه وبين عُمَر.
"وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال" مر بنا مرارًا الكلام على هذه السلسلة، والخلاف فيها، ومنشأ الخلاف بين العلماء والقول الوسط فيها أن ما يروى بواسطتها إذا صح السند إلى عمرو لا ينزل عن درجة الحسن.
"عن أبيه عن جده عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «أيما عبد كاتب على مائة أوقية فأداها إلا عشر أواق، فأداها إلا عشر أواق فهو عبد، وأيما عبد كاتب على مائة دينار فأداها إلا عشرة دنانير فهو عبد»، «والمكاتب عبد ما بقي عليه درهم»" على ما سيأتي.
هذا الحديث "رواه أحمد وأبو داود والترمذي والنسائي والحاكم وصححه، ورواه ابن ماجه مختصرًا".
والحديث الثاني "عنه" عن عمرو بن شعيب "عن أبيه عن جده قال: «المكاتب عبد ما بقي عليه من مكاتبته درهم»"، ومعناهما واحد، وذهب الجمهور إلى مفاد هذا الحديث، وأن العبد إذا عجز عن تكميل نجوم المكاتَبة، عجز عن أداء بعضها رجع رقيقًا؛ لأنه كوتب على مبلغ، ما سدد المبلغ، ويكون ما سدده من الأقساط من النجوم من نجوم الكتابة يكون كأنه عمل لسيده، وهو في الأصل يعمل له، ويؤديه ما يكتسب، والشرط الذي علق عليه عتقه وهو تسديد المبلغ كاملًا ما حصل، ذهب الجمهور إلى أن المكاتَب إذا لم يفِ بما كوتب عليه فهو عبد، له أحكام الرقيق.
وذهب بعضهم إلى أنه يعتق منه بقدر ما وفى، قال بعض أهل العلم: إنه يعتق بقدر ما وفى، والحديث دليل على أنه يعود رقيقًا رقًّا تامًّا.
"قال: «المكاتَب عبد ما بقي عليه من مكاتبته درهم»، رواه أبو داود، وهو من رواية إسماعيل بن عياش"، ومعروف أنه إذا روى عن الشاميين فهو ثقة مقبول حديثه، وإذا روى عن غيرهم فهو ضعيف، والحديث "عن شيخ شامي ثقة"، وأصله عند أحمد والثلاثة، وقال ابن حجر: إسناده حسن، وتحسين ابن حجر له من أجل ما قيل في عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، وما ذكره فيه من خلاف.
"وعن أم سلمة -رضي الله عنها- قالت: قال لنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «إذا كان لإحداكن مكاتَب وكان عنده ما يؤدي فلتحتجب منه، إذا كان لإحداكن مكاتَب فكان عنده ما يؤدي فلتحتجب منه»"؛ لأنه صار حرًّا حكمًا، صار حرًّا حكمًا، كاتَب والمبلغ موجود إذا كان عنده ما يؤدي فلتحتجب منه، الأول يعود رقيقًا؛ لأن ما عنده ما يؤدي، أدى بعضًا وعجز عن بعض، لكن هذا المبلغ موجود مع أن الحديث فيه كلام.
قال: "رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه والنسائي والترمذي وصححه، وتكلم فيه غير واحد من الأئمة"؛ لأنه من رواية نبهان مولى أم سلمة عنها، وهو ضعيف، وقال في التقريب: مقبول، قال في التقريب: مقبول، طيب مقبول متى يكون الراوي مقبولاً؟ متى يحكم عليه ابن حجر بأنه مقبول؟ على حسب ما قعده في مقدمة التقريب القاعدة في المقبول إذا كان الراوي ليس له من الحديث إلا القليل، ليس له من الحديث إلا القليل، ولم يثبت فيه ما يُترَك حديثه من أجله فإن توبع فمقبول وإلا فليِّن، فإن توبع فمقبول وإلا فليِّن؛ لأنه دائر بين لين يعني ضعيف، وبين مقبول قابل للتحسين، فينظر في المتابعات.
وعلى كل حال ضعفه جمع من أهل العلم، وإن قال فيه ابن حجر: مقبول؛ لأن هذا الحكم عند ابن حجر ليس بثابت، بل متردد بين التضعيف والقبول؛ لأنه تابع للمتابعات، وما يشهد لحديثه فإن توبع فمقبول وإلا فلين، وذكره ابن حبان في الثقات، وبعضهم يرى أن الحديث قابل للتحسين وإلا فالأصل أنه ضعيف مادام فيه هذا الراوي الضعيف، وهو معارَض بحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مادام ما سدد ولو كان عنده المال ما سدد حر أم رقيق؟ رقيق ما بقي عليه درهم، فإذا دفع المال كاملاً خلاص صار حرًّا، وهنا يقال: إذا كان لإحداكن مكاتب، وكان عنده ما يؤديه هو ما أدى، لكن عنده ما يؤديه فلتحتجب منه، ولا شك أن حديث عمرو بن شعيب أقوى من هذا، الإمام الشافعي -رحمه الله- يرى أن هذا الحكم خاص بأمهات المؤمنين خاص بأمهات المؤمنين تنظر في الرقيق، فإذا كان عنده مال تحتجب منه، أما غيرهن فلا يحتجب حتى يؤدي؛ لأنه مازال رقيقًا، ومفهوم الحديث يدل على أن المرأة لا تحتجب عن مملوكها، مفهوم الحديث يدل على أن المرأة لا تحتجب عن مملوكها، وقال أبو حنيفة: المملوك كالأجنبي يدل لما ذهب إليه الجمهور قوله -جل وعلا-: {أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [سورة النساء:3] هذا قول الجمهور أن المرأة لا تحتجب عن رقيقها، وأبو حنيفة يقول: المملوك كالأجنبي، بدليل أنه يجوز له أن يتزوجها إذا عتق.
"وعن عكرمة عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «يؤدَى المكاتب»"، يؤدى يعني تدفع ديته بقدر ما فيه من الحرية، وتقدر قيمته بقدر ما فيه من الرق، ولذا قال يؤدى المكاتب: «بقدر ما عتق منه دية حر، وبقدر ما رق منه دية العبد»، هذا إذا مات ولم يكمل المكاتبة هذه ديته وإلا فهو في حكم الرقيق ما بقي عليه درهم، ومن أعتق بعضه، من أعتق بعضه، وتقدم الكلام فيه إما أن يقوم على المعتق فيعتق الباقي إذا كان بين شركاء، أو يستسعى العبد أو يبقى مبعّضًا، فالمعبض يودى بقدر ما فيه من الحرية دية حر وما فيه من رق قيمة رقيق.
"قال: وكان علي -رضي الله عنه- ومروان يقولان ذلك، رواه أبو داود الطيالسي، وهذا لفظه وأحمد وأبو داود والنسائي، وقد أعل" يقول: هذا حكم المبعَّض؛ لأنه فيه رقيق رقًّا كاملًا، وفيه مبعض، من أعتق أو من عتق بعضه فهذا المبعض يعامَل على حسب ما فيه من حرية ورق، فيرث ويورَث ويودى بقدر ما فيه من الحرية، بقدر ما فيه من الحرية، وذهب بعضهم إلى عدم التبعيض، وأنه رق ما بقي عليه درهم، كما تقدم، لكن هذا الحديث يدل على التبعيض، ويشهد له أحاديث أخرى، وعمل به علي بن أبي طالب.
قال: "وعن عمرو بن الحارث: ختن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أخي جويرية بنت الحارث" يعني أخي زوجته عمرو بن الحارث، ختن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الأختان أقارب الزوجة، وهذا أخو أم المؤمنين جويرية بنت الحارث، "قال: ما ترك رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عند موته درهمًا ولا دينارًا ولا عبدًا ولا أمة ولا شيئًا إلا بغلته البيضاء وسلاحه وأرضًا جعلها صدقة"، ومات -عليه الصلاة والسلام- ودرعه مرهون عند يهودي بصاع شعير -عليه الصلاة والسلام-، ويمر ويُرَى الهلال ثم الهلال ثم الهلال، ثلاثة أهلة في شهرين ما أوقدت النار في بيته -عليه الصلاة والسلام-.
"ما ترك رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عند موته درهمًا" في الحديث الصحيح يقول: ما يسرني أن لي مثل أحد ذهبًا، ما يسرني أن لي مثل أحد ذهبًا تأتي عليَّ ثالثة، ثالثة يعني ليلة ثالثة وعندي منه دينار إلا دينار أرصده لدَين -عليه الصلاة والسلام- هذا عيشه، وهذه سيرته، وهذا ديدنه، وهذه عادته، ولو أراد لسيِّرت الدنيا الجبال معه ذهبًا، لكنه اختار الآخرة، اختار الآخرة، ومن قرأ في الشمائل عرف قدر الدنيا عنده -عليه الصلاة والسلام-، وهي عند ربه -جل وعلا- لا تزن عند الله جناح بعوضة وإلا فهو أكرم الخلق، وأشرف الخلق، وأعلم الخلق وأتقاهم وأولاهم بكل وصف كريم، ومع ذلك ينام على حصير يؤثر في جنبه، وترى ثلاثة الأهلة ما يوقد في بيته نار، ويوجد بيننا من يقدَّم له الطعام، فإذا كان بدون لحم أكفأ الإناء قال: هذا ما هو غداء، ما هو عشاء هذا.
ووجد في موائد بعض الكبار على المائدة من ست قارات، يجبى من كل قارة، وذُكِرَ عن السلف عند قوله -جل وعلا-: {كَلاَّ إِنَّ الإِنسَانَ لَيَطْغَى} [سورة العلق:6]{فَأَمَّا مَن طَغَى = 37 وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا = 38 }[سورة النازعات:37-38]، ذكروا عند تفسيرها أن من وضع على مائدته ثلاثة ألوان من الطعام فقد طغى، ثلاثة ألوان من الطعام فقد طغى، والله المستعان، توسع الناس توسعًا غير مرضي، وابتلوا بتبعات ذلك، ابتلوا بالأمراض، وأخلدوا إلى الدنيا، وثقلوا عن أعمال الآخرة، كله بسبب هذا التوسع، والرسول -عليه الصلاة والسلام- وصحابته الكرام يخرج، يخرجه الجوع من بيته، فيجد أبا بكر وعمر أخرجهما الجوع، وأبو هريرة -رضي الله عنه وأرضاه- يوجَد ملقى على الأرض مغمى عليه من الجوع، ثم بعد ذلك إذا تيسر له -عليه الصلاة والسلام- أكلة يتداولها الناس اليوم كل يوم لحم، فيأكل هو وأبو بكر وعمر ثم قال: «والله لتسألن عن هذا النعيم»، فالتوسع في أمور الدنيا لا شك أنه مثبِّط عن الآخرة، إذا رضيتم بالزرع وتبعتم أذناب البقر وتركتم الجهاد في سبيل الله سلط الله عليكم ذلاًّ لا يرفعه إلا بمراجعة دينكم.
هذا هو الذي فعلناه، هذا الذي وقعنا فيه، ولذلك ضُرِب علينا الذل والمسكنة، بل سُلِّط علينا خير أمة أخرجت للناس، سلط عليهم أرذال الناس من ضربت عليهم الذلة والمسكنة سلطت على خير أمة أخرجت للناس، كله بسبب الركون إلى الدنيا، والرسول -عليه الصلاة والسلام- "ما ترك عند موته درهمًا ولا دينارًا ولا عبدًا"، مع أنه ذكر عنه -عليه الصلاة والسلام- في المستدرك وغيره أنه أعتق ثلاثة وستين بقدر سني عمره -عليه الصلاة والسلام-.
"ولا عبدًا ولا أمة ولا أمة" طيب مات وعنده مارية القبطية، مات وهي عنده، مما يدل على أن أم الولد تعتق بموت السيد، فما مات عنها، لما مات صارت حرة.
"ولا أمة ولا شيئًا إلا بغلته البيضاء وسلاحه وأرضًا جعلها صدقة"، فالحديث دليل على ما كان- عليه الصلاة والسلام- من الزهد في الدنيا والتنزه عنها وأدناسها وأعراضها وأغراضها وخلو قلبه منها وعن الاشتغال بها؛ لأنه مشتغل بتحقيق ما كلف به من تحقيق العبودية، وحمل أعباء الرسالة بخلاف ما عليه أرباب الدنيا وأهل الترف، وإن انتسبوا إلى العلم وإلى طلب العلم وانتسبوا إلى التعليم، لكن عندهم توسُّع.
واحد يُسأل في برنامج إذاعي عن، شخص يسأله شخص يقول: إن أبي بنى بيتًا، وأنفق فيه الأموال، وزخرفه وتوسع فيه، توسع وأخذ يتكلم في عيش النبي -عليه الصلاة والسلام-، وأن هذا غير لائق بالمسلم فضلاً عن طالب العلم، تكلَّم بكلام يكتب بالذهب، المذيع الذي مع هذا الشيخ يسأله يقول: أنا أنظر في بيت الشيخ، هل هو صحيح أم حلم أم خيال وإلا أشد مما سئل عنه بيت الشيخ، وهذا الذي يجعل الأثر في قلوب العامة من بعض أهل العلم ضعيفًا، يتكلم بكلام قوي على هذا السائل، وبيته أشد؟! {كَبُرَ مَقْتاً عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ} [سورة الصف:3]، هذه مشكلة إذا كان الكلام والعلم شيئًا والعمل شيئًا آخر.
"وروى أبو القاسم البغوي عن علي بن الجعد عن سفيان عن أبيه عن عكرمة عن عمر -رضي الله عنه- قال: أم الولد أعتقها ولدها" ،عن عكرمة عن عمر، عكرمة ما أدرك عمر، عكرمة لم يدرك عمر، فالخبر منقطع.
عن عمر -رضي الله عنه- قال: "أم الولد أعتقها ولدها وإن كان سقطًا، وإن كان سقطًا" يعني نزل من بطن أمه قبل أن يحين وقت ولادته، والسقط إما أن يصوَّر ويظهر فيه خلق الإنسان أو تنفخ فيه الروح أو لا، يعني لا هذا ولا هذا إذا لم يكن يظهر فيه خلق الإنسان فهذا ليس له أحكام، لا أحكام له ولا لأمه، إن تبين فيه خلق الإنسان ترتبت عليه أحكام الأم، ترتبت عليه أحكام الأم، وإن نفخت فيه الروح ترتبت عليه أحكامه هو، غسل وكفن وصلي عليه ويدفن في المقبرة.
قال: "فيه إرسال"، والمقصود بالإرسال الانقطاع بين عكرمة وعمر، فإن عكرمة لم يدرك عمر، "وقد روي عن عكرمة عن ابن عباس، وقد روي عن عكرمة عن ابن عباس، عن عمر"، وحينئذ صار متصلًا، "وروي عنه عن ابن عباس مرفوعًا" يعني من دون ذكر عمر، ومرفوع إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-.
وعلى كل حال فالخبر لا يثبت لا مرفوعًا ولا موقوفًا، "والله أعلم"، وروى ابن ماجه والحاكم بإسناد ضعيف، ورجَّح جماعة وقفه عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «أيما أمة ولدت من سيدها فهي حرة بعد موته، أيما أمة ولدت من سيدها فهي حرة بعد موته»، تكون بعد أم ولد، والحكم يكاد أن يكون متفقًا عليه، أن يكون متفقًا عليه، وقد تقدم الكلام في بيع أمهات الأولاد في كتاب البيوع.
وعلى كل حال الحديث دال على حرية أم الولد بعد وفاة سيدها، ويدل عليه مفهوم الحديث السابق في قوله: ولا أمة، في قوله: "ما ترك رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عند موته درهمًا ولا دينارًا ولا عبدًا ولا أمة"، وهو ترك مارية القبطية، لكن ارتفع عنها الوصف باعتبار أن ولدها أعتقها، فالحكم صحيح، وإن كان الخبر ليس بصحيح لمفهوم الحديث السابق، ويدل عليه الحديث السابق في قوله: "ولا أمة"، وأنه توفي -صلى الله عليه وسلم- وخلف مارية القبطية أم إبراهيم، فدل على أنها عتقت بعد وفاته -عليه الصلاة والسلام-؛ لأنها صارت أم ولد بولادتها إبراهيم ابن النبي -عليه الصلاة والسلام-.
والله أعلم.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.