كتاب الجهاد والسير من المحرر في الحديث - 08
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
"بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، اللهم اغفر لنا ولشيخنا ولوالدينا والحاضرين والمستمعين يا رب العالمين.
قال المؤلف -رحمه الله-:
وعن أبي هريرة -رضي الله عنه-، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «أيما قرية أتيتموها وأقمتم فيها فسهمكم فيها، وأيما قرية عصت الله ورسوله فإن خمسها لله ولرسوله، ثم هي لكم»، رواهما مسلم.
وعن عمر -رضي الله عنه-، وعن عمر -رضي الله عنه- قال: كانت أموال بني النضير مما أفاء الله على رسوله، مما لم يوجِف عليه المسلمون بخيل ولا ركاب، فكانت للنبي -صلى الله عليه وسلم- خاصة، فكان ينفق على أهله نفقة سنة، وما بقي يجعله في الكراع والسلاح عُدَّة في سبيل الله، متفق عليه.
وعنه -رضي الله عنه- أنه قال: أما والذي نفسي بيده، لولا أن أترك آخر الناس، لولا أن أترك آخر الناس بِبَّانًا ليس لهم شيء ما فُتحت عليَّ قرية إلا قَسَمْتها كما قسم النبي -صلى الله عليه وسلم- خيبر، لكني أتركها خزانة لهم يقتسمونها، رواه البخاري.
وعن معاذ -رضي الله عنه- قال: غزونا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- خيبر فأصبنا فيها غنمًا فقسم فينا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- طائفة، وجعل بقيتها في المَغْنَم، رواه أبو داود ورجاله ثقات، قاله ابن القطان.
وعن أبي رافع قال: بعثتني قريش إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: فلما رأيت النبي -صلى الله عليه وسلم- وقع في قلبي الإسلام، فقلت: يا رسول الله، لا أرجع إليهم؟ قال: «إني إني لا أخيس بالعهد، ولا أحبس البرد، ولا أحبس البرد، ارجع إليهم، فإن كان في قلبك الذي فيه الآن فارجع»، رواه أحمد وأبو داود والنسائي وأبو حاتم البستي.
وعن عبادة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- صلى بهم في غزوهم إلى بعير من المَقْسَم، فلما سلم قام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فتناول وبرة بين أنملتيه فقال: «إن هذه من غنائمكم وإنه ليس لي، وإنه ليس لي فيها إلا مصيبي معكم إلا الخمس، إلا الخمس، والخمس مردود عليكم»."
...
وإنه عندي يا شيخ؟.. نعم.. وإنه ليس فيها..
"«وإنه ليس لي فيها إلا نصيبي معكم»."
هكذا يا شيخ.
...
نعم يا شيخ هكذا.
...
لا.. إلا، استثناء يا شيخ..
نعم يا شيخ..
...
هذه أظهر، أظهر يا شيخ؟
...
"«إن هذه من غنائمكم، وإن هذه ليس لي فيها إلا نصيبي معكم، أي الخمس، والخمس مردود عليكم، فأدوا الخيط والمخيط وأكبر من ذلك وأصغر، ولا تغلُّوا، فإن الغلول نار وعار على أصحابه في الدنيا والآخرة»، رواه أحمد بهذا اللفظ من رواية أبي بكر بن أبي مريم، وفيه ضعف، وروى النسائي وابن حبان نحوه من غير طريقه.
والله سبحانه وتعالى أعلم."
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد،
فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى: "وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «أيما قرية أتيتموها وأقمتم فيها فسهمكم فيها، أيما قرية أتيتموها وأقمتم فيها فسهمكم فيها»".
ظاهر من السياق أنهم جاؤوا إلى هذه القرية ودخلوها وأقاموا فيها من غير قتال، فلم يوجَف عليها بخيل ولا ركاب، بل جلا عنها أهلها فأقام فيها المسلمون، أم أنهم صولحوا على الجلاء، «فسهمكم فيها، وأيما قرية عصت» يعني ما استسلم أهلها إلا بعد القتال، «وأيما قرية عصت الله ورسوله فإن خمسها لله والرسول، ثم هي لكم»، هذه مما أخذ وفتح عنوة، فتكون غنيمة يخرج منها الخمس، والباقي في الغانمين، فما استولى عليه المسلمون من غير قتال ومن غير إيجاف خيل ولا ركاب هذا له حكم، وما استولى عليه المسلمون بالقتال وبإيجاف الخيل والركاب هذا له حكم. الأول يسمى فَيْئًا، والثاني يسمى غنيمة.
مكة شرفها الله فُتِحَت صُلْحًا، فتكون من النوع الأول، أو عَنوَة فتكون من النوع الثاني؟ وماذا آل إليه أمرها؟ هل فُتِحَت صلحًا أو فُتِحَت عَنوة؟
إذا فتحت صلحًا وصولح أهلها على الاستسلام على أن يبقى كل إنسان على ملكه فهذا شيء، وبهذا قال جمع من أهل العلم، بدليل أن النبي -عليه الصلاة والسلام- لم يَقْسِم رِبَاع مكة، والذي يقول: إنها فتحت عَنوَة فتكون أموالها ورِبَاعها غنيمة للمقاتلين الذين فتحوها، وإذا نظرنا إلى حقيقة الأمر وجدنا أنه ينتابها أمران، كونها لم تقسم، لم تُقسَم، وكونها دُخِلَت بالسيف، والنبي -عليه الصلاة والسلام- دخل وعلى رأسه المغفر، وخالد بن الوليد دخلها من جهة أخرى وقتل ما قتل حتى استسلموا فيها شَوْب من الفتح عَنْوَة، ففيها شَوْب من جهة أنها صلح، وفيها أيضًا ما يدل على أنها فُتِحَت عنوة، فكونها لم تقسم، وأقر أهلها على أملاكهم يرجح على أنها فتحت صلحًا، وبهذا يستدل من يقول: إن مكة فتحت صلحًا.
ومن يقول: إنها فتحت عنوة، وأوقفت للمسلمين، ومنهم أهل مكة، وحينئذ لا تزال وقفًا على المسلمين، وأنها لا تُملَك، ولا يستحق المختَصّ بشيء منها البيع ولا الإجارة، وهذا قول معروف عند أهل العلم.
لكن ما الذي يمنع أن تكون مكة فتحت عنوة، ومنَّ الرسول -عليه الصلاة والسلام- على أهلها بأموالهم كما مَنَّ عليهم بأنفسهم، «اذهبوا فأنتم الطلقاء»؟ ويكون في هذا توفيق للقولين، توفيق بين القولين، وجمع بين هذه النصوص؟
«وأيما قرية عصت الله ورسوله فإن لله خمسها ولرسوله، ثم هي لكم» غنيمة تقسم بين الغانمين، وأما بالنسبة للأنفال فقد تولى الله قسمتها في سورة الأنفال.
"وعن عمر -رضي الله عنه- قال: كانت أموال بني النضير مما أفاء على رسوله مما لم يوجِف عليه المسلمون بخيل ولا ركاب".
كما جاء في سورة الحشر، كما جاء في سورة الحشر، وبنو النضير قبيلة كبيرة من قبائل اليهود، ثلاث قبائل: بنو النضير، وقريظة، وبنو قينقاع، هؤلاء بنو النضير غدروا ونقضوا العهد، فغزاهم النبي -عليه الصلاة والسلام- وصالحوا على أن يجلو منها مما لم يوجِف من الوجيف وهو السير السريع السير السريع يسمى وجيف عليه المسلمون بخيل ولا ركاب وهي الإبل.
"فكانت للنبي -صلى الله عليه وسلم- خاصة، فكانت للنبي -عليه الصلاة والسلام- خاصة"، ولو أوجف عليها المسلمون بالخيل والركاب وفتحوها عنوة لكانت للغانمين بعد نزع الخمس تكون للغانمين.
"فكانت للنبي -صلى الله عليه وسلم- خاصة" جميع أموال بني النضير استولى عليها النبي -عليه الصلاة والسلام- وصرفها في مصالحه الخاصة؟ لا.
"فكان ينفق على أهله نفقة سنة، ينفق على أهله نفقة سنة"، وكان -عليه الصلاة والسلام- يدَّخِر نفقة سنة لأهله، لكن هل يبقى سنة أو يتصدق به وينفقه في وجوه الخير قبل ذلك، بدليل أنه -عليه الصلاة والسلام- مات ودرعه مرهونة عند يهودي بشعير اشتراه منه؛ ليأكله، فرهن درعه -عليه الصلاة والسلام-، ولو كانت نفقة السنة باقية لما احتاج لمثل هذا، والنبي -عليه الصلاة والسلام- لا يقال: إنه ادخر سنة وأكل ما ادخره مع أهله قبل تمام السنة؛ لأن عيشه -عليه الصلاة والسلام- معروف، يُرى الهلال ثم الهلال ثم الهلال ثلاثة أهلة في شهرين ما أوقد في بيته نار -عليه الصلاة والسلام-، وإلا فكثير من الناس اليوم يضع ميزانية شهر، وكافية، نعم.
يعني لو افترضنا أسرة صغيرة قال: أنا أنفق في كل يوم مائة ريال، ميزانية الشهر ثلاثة آلاف، لكنه لا يحسن التصرف في هذه الأموال، وأنفقها في أسبوع، هل نقول: إن الرسول -عليه الصلاة والسلام- مثل هذا؟ لا، أبدًا ينفقها في وجوه الخير، ويؤثر على نفسه، وكذلك أزواجه -عليه الصلاة والسلام-، ففي الموطأ عن عائشة -رضي الله عنها- أنها كانت صائمة، وليس عندها إلا رغيف، وقبيل الغروب طرق سائل فأعطته الرغيف فقال لها من عندها: تعطينه الرغيف وبعد فأنتِ صائمة، ماذا تصنعين؟
لكنه التوكل على الله، {وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} [سورة الطلاق:3]، {وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ} [سورة الطلاق:3]، فطُرِق الباب فإذا برجل ليس من عادته أن يتصدق كما جاء في الموطأ، فإذا برجل ليس من عادته أن يتصدق، فإذا به ومعه كبش مُكَفَّن، كبش مُكَفَّن حنيذ مشوي ومُكَفَّن بإيش؟ برقائق الخبز، ومازال يعرف إلى الآن، وما أدري يسمونه مكفنًا أو ماذا يسمونه، لكن هذا اسمه في الموطأ.
فكان ينفقه في وجوه الخير -عليه الصلاة والسلام- قبل تمام السنة، ولذا توفي -عليه الصلاة والسلام- ودرعه مرهون عند يهودي؛ بسبب صاع شعير، أشرف الخلق، أكرم الخلق على الله هذا عيشه، يمر الهلال ثم الهلال ثم الهلال ما أوقد في بيته نار، واليوم لو يقدَّم الطعام بدون لحم قال لأهله: ارفعوه، ما لنا به حاجة، وهذا الواقع، يعني ما هو مسألة افتراضية، والله المستعان.
وفي هذا دليل على أن الادخار لمدة سنة جائز، لمدة سنة، وأنه لا ينافي التوكُّل، وليس معنى هذا أن تكون البيوت مستودعات للأطعمة، بعض الناس أبدًا بيته مثل المستودع يقول: يدخر سنة، يدخر ما يكفي عشر سنين، يقول: أدخر سنة، إذا أجيز بقدر الحاجة فليس معناه أن الادخار سنة مع الشره والتفنن والتنوع، يعني أين حالنا من حال سلف هذه الأمة؟ القرطبي -رحمه الله- في تفسير سورة النازعات {فَأَمَّا مَن طَغَى 37 وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا 38 فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى39 } [سورة النازعات:37-39] قال: من وضع على مائدته ثلاثة ألوان من الطعام فقد طغى، ينقله عن السلف، لكن المسألة تسديد ومقاربة، والإنسان ينبغي أن يكون ملائمًا لمكانه وزمانه، ما يصير نشازًا بين الناس ويحرم نفسه، ويحرم أهله، بحيث يحتاج أهله إلى غيره، مع أنه قادر، لكن الميزان الشرعي {كُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ} [سورة الأعراف:31]، {وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلاَ تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ} [سورة الإسراء:29]، التوسط هو المطلوب.
طالب: .............
والله ما أسمع.
طالب: .............
ليس العيب فيك، فيَّ أنا.
طالب: .............
كذا ما زال مازال..
طالب: .............
نعم.
طالب: ...........
ما أسمع، يعني فيه أصوات هنا وهنا، ما أسمع.
قال: فيه دليل على جواز الادخار، وأنه لا ينافي التوكل.
"وما بقي يجعله في الكراع"، بزنة غراب، وهو اسم لجميع الخيل أو لجماعة الخيل الذي يستعان به في الجهاد في الكراع.
"والسلاح عدة في سبيل الله" وامتثالاً لقوله -جل وعلا-: {وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ} [سورة الأنفال:60]، يعني ما يزيد على نفقة أهله يجعله عدة للجهاد في سبيل الله، الكُرَاع أصله.. فيه أحد يعرف كُرَاع النمل؟
طالب: .............
معروف الكراع، نعم، مشكلتنا حينما يقال في كتب اللغة كذا معروف، ثم كثير من القراء يتمنى أن لو كان غير معروف لِيُعَرَّف.
طالب: .............
تعرف الكوارع، واحدها كراع، لكن الخف بالنسبة للجمل، والحافر بالنسبة «لا سَبَق إلا في نصل أو خف أو حافر»، السباق على الحمير أم على الخيل؟
طالب: ...........
نعم، الخيل، إذًا الكراع اسم لجماعة الخيل، ومعلوم أن الخيل لها حافر، وليس لها كراع، يقال لبهيمة الأنعام يقال مثلاً للبقرة ظلف، وكذلك الغنم يقول له ظلف، وللإبل خُف، وللخيل والحمير حافر، على حد سواء، فالكراع أين موضعه من الدوابّ؟ لما هو أسفل الساق وفوق الحافر، ولذا صح تسمية جماعة الخيل كراعًا.
نعود إلى كراع النمل، معروف أم غير معروف؟ يا إخوان..
طالب: .............
نعم من أئمة اللغة يدور ذكره في المعاجم كثيرًا، تعرف اسمه؟
طالب: .............
"متفق عليه.
وعنه -رضي الله عنه- أنه قال: أما والذي نفسي بيده" أما للتنبيه، "والذي نفسي بيده" قسم، والمقسم به هو الله -جل وعلا-، وهو الذي نفوس وأرواح الخلق بيده، وفيه إثبات اليد لله -جل وعلا- على ما يليق بجلاله وعظمته، ومر بنا مرارًا أن أكثر الشراح يقولون: روحي في تصرفه، الذي نفسي بيده: روحي في تصرفه، وكثير منهم يقول ذلك؛ فرارًا من إثبات الصفة، وهو لازم من إثبات الصفة، واللازم ما فيه شك، حق، لكن من يلجأ إليه والتفسير باللازم واللجوء إلى اللازم فرارًا من إثبات ما أثبته الله لنفسه لا شك أنه إنكار لهذه الصفة، وابتداع ومخالفة لسلف الأمة وأئمتها الذين يثبتون ما أثبته الله -جل وعلا- لنفسه وأثبته له رسوله -عليه الصلاة والسلام- على ما يليق بجلاله وعظمته.
"والذي نفسي بيده، لولا أن أترك الناس، أو لولا أن أترك آخر الناس بَبَانا" بَبَانًا كذا ضُبطت عندكم؟
طالب: .............
مشددة؟
تكون بَبَّانًا، أنا رجعت إليها، والمقصود بها أن يكون الناس فقراء غاية في الفقر معدَمَين، خشي على أمته من هذا، وهذا من رأفته وشفقته عليهم جماعة وأفرادًا، فشفقته على أمته جماعة كما هنا، وأفرادًا كما في حديث سعد «إنك إن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس»، ليس لهم شيء، يعني فقراء معدَمين.
يقول: المنتخب من غريب كلام العرب لأبي الحسن الهُنائي المعروف بكراع النمل، المعروف بكراع النمل.
يقول: كيف يقال كراع النمل؟ يعني النمل على صغره يعني هل هذا من باب صغر جسمه أو من باب احتقاره أو.. قد يكون هذا، لكن إذا تربع في مكانه وعُرِف قدره فمشكِل، مثل الشاعر بِصُرَّ دُرّ كان يسمى صُرَّ بعر، فلما اشتهر بشعره قيل له: صُرَّ دُرّ بدال بعر دُرّ، على كل حال لو يراجَع إنباه الرواة للقفطي ذكر السبب.
"ليس لهم شيء مما فتحت علي قرية إلا قسمتها كما قسم النبي -صلى الله عليه وسلم"- وعنه -رضي الله عنه- يعني عن عمر، يعني هو القائل: "لولا أن أترك آخر الناس بَبَانًا أو ببّانًا ليس لهم شيء ما فتحت عليَّ قرية إلا قسمتها كما قسم النبي -صلى الله عليه وسلم- خيبر"، لكنه يترك ما يترك منها وقفًا يستفيد منه اللاحق كما استفاد منه السابق.
"ولكني أتركها خزانة لهم يقتسمونها" خزانة ينهلون منها، ويستفيدون من ريعها؛ لأنها صارت حبسًا ووقفًا عليهم.
"رواه البخاري.
وعن معاذ -رضي الله عنه- قال: غزونا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- خيبر فأصبنا فيها غنمًا، فقسم فينا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- طائفة، وجعل بقيتها في المغنم، غزنا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- خيبر، فأصبنا فيها غنمًا، فقسم فينا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- طائفة، وجعل بقيتها في المغنم".
يعني قسم عليهم، على هذه السرية من الجيش ما أصابوا من الغنم، ثم رد الباقي إلى الغنيمة؛ ليقسم مع سائر الغنيمة على الجيش، والإشارة في الحديث السابق إلا قسمتها كما قسم النبي -عليه الصلاة والسلام- خيبر، دليل على أن خيبر قسمت، وكانت لليهود بخلاف أموال بني النضير؛ لأن خيبر حصل فيها الإيجاف بالخيل والركاب، وفتحت عنوة، فهي من نصيب الغانمين، بخلاف أموال بني النضير التي حصلت من غير إيجاف، وفي الحديث دليل على مشروعية التنفيل؛ لأنه نفل هذه القطعة من الجيش ما أصابوا من الغنم، أو بعض ما أصابوه من الغنم، وترك الباقي مع الغنيمة.
"رواه أبو داود، ورجاله ثقات، قاله ابن القطان"، وهو صالح للاحتجاج يصل إلى درجة الحسن، وإن كان فيه من قيل: فيه كيحيى الأرْدُنِّي أنه مقبول، وإن كان أفضل من مقبول إذا قال أبو حاتم: ما بحديثه بأس، وقال ابن حجر: لا بأس به، أفضل من أن يقول فيه ابن حجر في التقريب: مقبول؛ لأن لا بأس به معناه أنه يحتج بحديثه، ويكون من قبيل الحديث الحسن، أما إن قال: مقبول فلا بد أن يتابَع، إن توبِع مقبول، وإلا فليِّن ينزل عن لا بأس به، وينزل عن صدوق، ينزل إلى درجة من لا يحتج به بمفرده.
"رواه أبو داود، ورجاله ثقات، قاله ابن القطان".
قال -رحمه الله-: "وعن أبي رافع قال: بعثتني قريش إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-، فلما رأيت النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- وقع في قلبي الإسلام، بعثتني قريش إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-، فلما رأيت النبي -صلى الله عليه وسلم- وقع في قلبي الإسلام، فقلت: يا رسول الله، لا أرجع إليهم، لا أرجع إليهم"؛ لأنه أسلم، وقع في قلبه إسلام، فكيف يرجع إلى قوم كفار يخشى على نفسه من فتنتهم ورده إلى الكفر.
"بعثتني قريش إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-، فلما رأيت النبي -صلى الله عليه وسلم- وقع في قلبي الإسلام" بمجرد رؤيته -عليه الصلاة والسلام-، وهذا حال أتباعه من القدوات في الأمة، فكثير من الناس يدعو بقوله، وكثير منهم يدعو بفعله، وبعضهم يدعو بسمته، وخير الناس من إذا رآه الناس ذكروا الله -جل وعلا-، وهذه حاله -عليه الصلاة والسلام- وحال أتباعه المقتدين به المؤتسين بسنته.
"فلما رأيت النبي -صلى الله عليه وسلم- وقع في قلبي الإسلام"، ومع الأسف أن بعض طلاب العلم يصد الناس عن دين الله إما بقوله أو بفعله، فيكون قدوة سوء، أو بشكله وهيئته، بحيث يرتكب مخالفات ظاهرة، حيث إن من يراه يقول: هذا الدين الذي تذكرون، هذا الدين الذي يدعو إليه فلان وفلان، يتمثل في هذا الشخص المنسوب إلى أهل العلم، وهو في الحقيقة ليس منهم؛ لأن ما يحمله الفساق هو في حقيقة الأمر ليس بعلم، ليس بعلم، «يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله»، فالذي يحمله الفساق من العلم وإن كان أحكامًا شرعية بأدلتها فإنه لا يستحق أن يسمى علمًا؛ لأن العلم ما نفع، والنصوص الواردة في العلم وفضله إنما تنصب على العلم النافع الذي يُعمَل به.
"وقع في قلبه الإسلام، فقلت: يا رسول الله، لا أرجع إليهم، قال: «إني لا أخيس بالعهد»"، يعني لا أنقض العهد، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ} [سورة المائدة:1]، وسأل هرقل أبا سفيان عن النبي -عليه الصلاة والسلام-: هل يغدر؟ قال: لا، قال: لا، وهو كافر، أبو سفيان في وقته قال: لا يغدر، ونحن منه في مدة، يعني في وقت صلح، صلح الحديبية، ما ندري ماذا يصنع؟ هو قال الحقيقة، ولا يستطيع أن يقول غيرها، لكنه دس، لم يوجد كلمة يمكن أن يدخل من خلالها إلا هذه، ونحن في مدة ما ندري ما هو صانع فيها.
«إني لا أخيس بالعهد، ولا أحبس البُرُد» الرسل التي تأتي من الدول والأقاليم، ولو كانوا كفارًا، هؤلاء الرسل لا يحبسون، ومن باب أولى لا يقتلون حتى يبلغوا ما أتوا من أجله ويرجعوا إلى أقوامهم؛ ليبلغوهم بالرد، إني لا أخيس بالعهد.
«ولا أحبس البرد، ارجع إليهم، فإن كان في قلبك الذي فيه الآن» من الإسلام والإيمان، «فارجع»، تعال، تكون انتهت مهمتك.
وفيه دليل على حفظ العهد والوفاء به ولو كان لكافر، وعلى أنه لا يحبس الرسول، بل يرد معه الجواب، فكأن وصوله أمان له لا يجوز معه حبسه ولا أذاه، ولا قتله من باب أولى.
"رواه أحمد وأبو داود وأبو حاتم البستي" ابن حبان.
قال -رحمه الله-: "وعن عبادة -رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- صلى بهم في غزوهم إلى بعير من المقسَم"، يعني كأنه جعله سترة، كأنه استتر به، "صلى بهم في غزوهم إلى بعير من المقسَم" يعني من الغنيمة، "فلما سلَّم قام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فتناول وَبْرَة بين أَنْمُلَتيه".
تناول وبرة، والوَبَر أضعف من الشعر، الوَبَر كما هو معلوم أضعف من الشعر، يمكن خمس أو ست وَبَرَات تعادل شعرة، لماذا ما عدل إلى الشعر بالنسبة للغنم، وعدل إلى ما هو أقل منها؟ ليتحقق «من استعملناه على شيء فليأتنا بصغيره وكبيره»، تناول هذه الوبرة، ما يتصور أقل منها؛ لأنه لو تركها للريح طارت.
"تناول وبرة بين أنملتيه فقال: «إن هذه من غنائمكم، إن هذه من غنائمكم»"، والإشارة إلى الوبرة أم إلى البعير؟
الوبرة، إلى الوبرة. قد يقول قائل: هذا شيء يسير يتساهل فيه الناس، ويتسامح فيه الناس، لكن هذه مبالغة في الإتيان بما يُحصَل عليه بسبب الجهاد من الغنائم؛ لئلا يدخل في الغلول، في الغلول.
"فتناول وبرة بين أنملتيه فقال: «إن هذه من غنائمكم»"، بعض الموظفين أو كثير منهم يتسامح فيما هو من محتويات المكتب من أقلام وأوراق وأشياء ثانية، لا شك أن مثل هذا يدخل لا بد من الإتيان بقليله وكثيره، «إن هذه من غنائمكم، وإنه ليس فيها إلا نصيبي معكم»، إلا نصيبي معكم، أي الخمس.
طيب على النسخة الثانية: «ليس لي فيها إلا نصيبي معكم إلا الخمس»، وقلنا: إن العبارة هذه فيها شيء من القلق، فتحتاج إلى تعديل. طيب لو جئنا بالاستثناء مرتين ليس لي فيها إلا نصيبي معكم إلا الخمس، كذا عندكم؟ ليس لي فيها إلا نصيبي إلا الخمس؟ الاستثناء المكرر الأول معروف أنه مما تقدمه، والثاني هل هو من أصل المستثنى منه أو من المستثنى؟
طالب: .............
توكيد للاستثناء الأول، طيب ماذا إلا امرأته توكيد للاستثناء الأول؟ اقرأ الآية وتأمَّل.
طالب: .............
نعم، لكن في قصة لوط.
طالب: .............
لكن ما صار تأكيدًا هذا.
طالب: .............
ما فيه استثناءان في قصة لوط؟
طالب: .............
في الموضع الثاني.
طالب: .............
نفس ما عندنا.
طالب: .............
طيب مطابق أم غير مطابق؟
طالب: .............
نتأمله إن شاء الله، لكن عندنا: وإنه ليس فيها إلا نصيبي معكم إلا الخمس، وفي النسخة الأخرى أي الخمس، ولا شك أن هذه أصرح إلا نصيبي معكم أي الخمس، فأي هذه تفسير لما تقدَّم، هذه تفسير لما تقدَّم، فليس له من الغنيمة إلا الخمس، وهو منصوص عليه في الكتاب والسنة. «والخمس مردود عليكم» يعني هل الخمس نصيبه -عليه الصلاة والسلام- له خاصة أو للمصالح العامة ينفقه فيها -عليه الصلاة والسلام-؟ لأنه يقول: والخمس مردود عليكم، لا شك أنه ينفق منه على نفسه وعلى أهله، أهل بيته، والباقي مردود كما تقدم.
«فأدوا الخيط والمخِيْط» أو المخْيَط؟ هو ضبطها المخِيْط، لكن ما تجيء المخْيَط؟ لأن المخِيْط الثوب المخِيْط، الثوب فعيل بمعنى مفعول، وهل هذا أبلغ أو المخْيَط؟ المخْيَط أبلغ، فيؤدى الخيْط والمخْيَط، ولذلك ضرب به المثل فيما ينقص مما في يد الله -جل وعلا- بعد إنفاق ما ينفقه ويعطيه لو أعطى كل واحد مسألته ما نقص فيما عندي إلا كما ينقص المخْيَط إذا أدخل البحر، فيضرب به المثل لقلته؛ لأنه صقيل لا يلزق به شيء من الماء، وهنا نقول: فأدوا الخيط والمخْيَط؛ ليكون غاية في قلة ما يجب أداؤه فضلاً عما هو أعلى منه.
«وأكبرَ من ذلك وأصغر، وأكبرَ من ذلك وأصغر، ولا تَغُلُّوا» بضم الغين وتشديد اللام: ولا تغُلُّوا، الغلول هو الخيانة والأخذ من الغنيمة قبل قسمتها.
«فإن الغلول نار وعار على أصحابه في الدنيا والآخرة» من كبائر الذنوب، {وَمَن يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} [سورة آل عمران:161]، فإن الغلول نار وعار، فضيحة على أصحابه في الدنيا، هذا ظاهر إذا اطلع عليه، وفي الآخرة فهو يأتي يوم القيامة بما غل. قد يأتي وعلى رقبته شاة لها ثغاء، أو ناقة لها رغاء، فيفتضح بذلك بين الخلائق، ومثله الغدر «ينصب لكل غادر لواء يوم القيامة ويقال: هذه غدرة فلان»، وهو من الكبائر بإجماع أهل العلم. وأجمعوا على أن الغالّ يعيد ما غل قبل القسمة، على أنه قبل القسمة يعيد ما غل، وأما بعدها ففيه خلاف.
"رواه أحمد بهذا اللفظ من رواية أبي بكر بن أبي مريم، وفيه ضعف، وروى النسائي وابن حبان نحوه في غير طريقه، والله أعلم".