ثبت في النصوص عن أهل العلم من الصحابة ومن دونهم أنهم يسهرون، لكن على أيش؟ على الخير، فمنهم من يقسم الليل إلى أجزاء ينام ثلثه، ثم يتعلم ويطلب العلم ويقرأ ويبحث ثلث، ثم يصلي ثلث، يصلي ثلث الليل، بهذه الطريقة لا شك أن الإنسان يصل إلى مراده، نعم هذه صعبة على النفوس لكنها بالجهاد تسهل، بالمجاهدة تذل، ثم بعد ذلك تكون سجية للإنسان، وتكون أيضاً لذة ومتعة، فالسلف منهم من قال: "كابدنا قيام الليل عشرين سنة، ثم تلذذنا به عشرين سنة"؛ فالمسألة لا بد من المرور بمرحلة المجاهدة، طلب العلم شاق يحتاج إلى مجاهدة في أول الأمر، ثم يكون لذة، يتلذذ به طالب العلم.
والمعلم في أول الأمر يجاهد، كثير من مشايخ وقضاة وطلاب العلم ودعاة في بعض المناطق تسأل هل في هذا البلد دروس؟ يقول لك: ما فيه دروس، تسأل القاضي، لماذا؟ يقول: والله جلسنا، جلسنا في رجب مثلاً، جلس عندنا عشرة طلاب، ثم جاء رمضان انقطع الدرس ثم استأنفاه بعد العيد ما حضر إلا خمسة، ثم جاء الحج وانقطع الدرس بعد الحج حضر اثنين، من يبي يجلس للاثنين؟ قلت: يا أخي تجلس لواحد، أنت إذا أردت أن يقرأ عليك الكتاب وجئت بشخص يقرأ عليك الكتاب لا تدفع له أجرة؟ قال: أدفع له أجرة، قلت: إذن جرب أنت أثبت واصبر، وتجاوز هذه المرحلة، مرحلة امتحان، كل الناس مروا بهذا، أنا أعرف شخص يحضر دروسه في الفجر -فضلاً عن المغرب- ما يقرب من ألف، الآن، دروس المغرب جموع غفيرة، أنا أدركته قبل ثلاثين سنة، ما عنده إلا طالب واحد، وليس بسعودي بعد، ثم صبر إلى أن أقبل الناس عليه، فلا بد من تجاوز هذه المرحلة، مرحلة الامتحان، ثم بعد ذلك تتلذذ، والله المستعان.
فطالب العلم عليه أن يجتاز هذه المرحلة، والمعلم عليه أن يجتاز هذه المرحلة، والعابد الذي يريد العبادة النوافل شاقة على النفس، وبعض الناس يفتح له أبواب ويغلق عليه أبواب، عنده استعداد يجلس خمس ساعات يقرأ القرآن، لكن تشق عليه سجدة التلاوة، فضلاً عن صلاة ركعتين، نقول: عليك أن تجاهد نفسك لترويضها من أجل الصلاة؛ لأن الصلاة من أفضل الأعمال، بعض الناس عنده استعداد يبذل الألوف المؤلفة ولا يصوم يوم، يقال: عليك أن تجاهد نفسك في الصيام، في هذه الباب، ليفتح لك، فإذا جاهدت نفسك وتجاوزت هذه المرحلة أبشر تجد من اللذة والمتعة والأنس ما يجعلك تتمنى أن لو كان اليوم أطول، وأحياناً منهم من يتمنى وقرأنا في سير بعض العباد، أنهم يتمنون أن الحر أشد، والوقت أطول، لأنهم لا يحسون بتعب ما دام القلب مرتاح فالبقية كلها مرتاحة، والذي يتعامل مع الله -جل وعلا- القلب، البدن شبه المعدوم في هذا الباب، كيف ذلك؟ شخص جاوز المائة ويصلي خلف شخص في صلاة التهجد ويقرأ في التسليمة جزء كامل من القرآن، ففي صلاة التهجد يقرأ خمسة أجزاء في التسليمة الأخيرة في يوم من الأيام، وهذا الشخص جاوز المائة ويصلي قائم واقف خلف هذا الإمام، في التسليمة الأخيرة الخامسة خفف الإمام؛ لأنه سمع مؤذن يؤذن الأذان الأول والعادة جرت أنه إذا أُذن الأذان الأول معناه أن المسجد هؤلاء انتهوا من الصلاة، فظن أنه تأخر على المصلين فخفف فلما سلم اتجه إليه هذا الشيخ الكبير الذي جاوز المائة، وأخذ يوبخه ويقرره ويقول: ليال قليلة وجاء وقت اللزوم يعني آخر الوقت كيف تخفف؟.
وشباب يتذمرون نجد مسجد يصلي صلاة العشاء مع التراويح بأقل من نصف ساعة؟ وهذا يمتلأ من الشباب ليش؟ لأنه يخفف، لكن الذي يطول عليهم لو يزيد خمس دقائق تذمروا وضاقوا ذرعاً بهذا التطويل، وبعضهم عنده استعداد يخرج من المسجد، والتسليمة في أقل من خمس دقائق ويخرج من هذا المسجد ساعة يتحدث من أحد، وبلغنا عن شخص كبير في السن من عشر سنوات أو أكثر يصلي جالس، في يوم العيد صارت عارضة، تعرفون العارضة؟ نعم، فأخذ يعرض مع الناس قائم بيده السيف وقتاً طويلاً، فلما نوقش يا ابن الحلال تصلي جالس من سنين والآن... قال: والله لو كنتم تعلمون ما الذي حملني على رجلي فأنا أعلم، ما أدري ما الذي شالني؟ فالتعامل في مثل هذه المواقف القلب الذي يتعامل تجد شخص تقول: كيف هذا يستطيع أن يعيش؟ وبعد ذلك إذا وقف في الصلاة كأنه سارية، لا يتحرك، وبعض الناس يراوح بين رجليه قبل أن تتم الفاتحة، ملل وقلق، وسببه عدم ترويض النفس على العبادة.
النبي -عليه الصلاة والسلام- غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ومع ذلك قام حتى تفطرت قدماه، هذا شكر النعمة، ولهذا لما قيل له قال: ((أفلا أكون عبداً شكوراً؟!)) فعلى الإنسان أن يشكر الله -جل وعلا- على ما أعطاه وأولاه من نعم، وأسدى إليه من دفع للنقم.