أنا أضرب مثال لمن يستعمل هذه الآلات ومن يعاني العلم من أبوابه، شخص مر بطريق شارع تجاري فيه تنبيهات ولوحات ومحلات أشياء مكتوبة كثيرة ألوف مُؤلفة، تصوّر لو مَرّ هذا من هذا الشارع على سيارة تمشي مئة كيلو في السَّاعة ماذا سيحفظ من هذه اللوحات؟! والمثال تقريبي؟ الظَّاهر ما يحفظ ولا واحد بالمائه؛ لكن لو كان يمشي على رجليه ويتلفت ويناظر يحفظ الكثير، وهذا مثل من يقرأ ومثل من يطَّلِع على هذه الآلات! هذا مثال مَحْسُوس، ولا أستبعد أنْ يقول قائل الناس وصلوا ما وصلوا وأنتم تقولون انسخوا واقرؤوا إلى متى؟!؛ لكن ثِقُوا ثِقَة تامَّة أنَّ العِلم في الكُتُب، العِلم مَتِين ويَحْتَاج إلى مُعاناة، ويَحتاج أيضًا إلى تَرَدُّد على الشُّيُوخ أهل الخِبرة أهل الدِّرَاية أهل العِلم والعَمَل، مع المُراجعة بالانْفِراد، والمُذاكرة مع الغير أمّا شخص يحضر الدُّرُوس، وإذا رَجَع من الدَّرس هذا آخر عَهْدِهِ بالكتاب، فمثل هذا لا يُفلح غالبًا كما قَرَّر ذلك أهل العِلم، فعلينا أنْ نَعْتَني بالعِلم، وأَجْرُهُ عظيم، لا تَظُنّ أنَّ تَعَبك على العِلم سُدى أو هَدْر- لا - ((من سلك طريقا يلتمس فيه علمًا سهَّل الله لهُ بهِ طريقًا إلى الجنَّة)) الأمر ليس باليسير، قد يقول قائل: أنا الحافظة لا تسعف، الفهم ضعيف، أنا مُجرد تردد على أهل العلم ولا أفهم ولا أحفظ، نقول: تَرَدَّد يا أخي الأجر والثَّواب مُرَتَّب على مُجَرد سُلُوك الطَّريق ((من سلك طريقا يلتمس فيه علمًا سهَّل الله لهُ بهِ طريقًا إلى الجنَّة))، فعليك أنْ تَسْلُك الطَّريق، وتُحَضِّر الدرس قبل الحضور، قبل حضورك إلى الدرس تقرأ قبل أن تحضر، وتحفظ ما يحتاج إلى حفظهِ، وتُرَاجع الشُّرُوح شرح ما تُريد، شرح الدرس الذي تريده أن تحضره عند ذلك الشيخ، ثم بعد ذلك تحضر، وتَتَأَدَّب، وتحتسب أجرك عند الله -عزَّ وجل- مُخْلِصًا لله -عزَّ وجل- في جميع ذلك، فَالمَدَار على الإخلاص، فَتَنْصُت للشيخ، وتُناقش الشيخ بِأَدَب، ثُمّ بعد ذلك إذا رَجعت تُراجع ما سَمِعت، وتُدَوِّن الفَوائد، وبعض أهل العِلم يَمْنَع من تَدْوين الفَوائِد أثْنَاء الدَّرس، يقول: انْتَبِه في الدَّرس، عليك أنْ تُصْغِي للشيخ، ثُم بعد ذلك إذا انْصَرَفْت بعد هذا الإصْغَاء والانْتِبَاه دَوِّنْ ما تشاء، ومَنْ جَرَّبْ عَرَفَ صِدْق هذِهِ المَقَالَة؛ لأنَّ بعض النَّاس يَنْشَغِل بالتَّدوين، ويفوت عليه أمور كثيرة، وبعض النَّاس ينصت ويهتم ويُلِح على الله -سُبحانه وتعالى- بأن يُثَبِّتْ هذا العِلم فِي ذِهْنِهِ، وأنْ يَنْفَعُهُ بِهِ، ثم بعد ذلك إذا انصرف دون ما فهمه وما علق بذهنِهِ، وذَاكر إخوانه، لا بد من مُذَاكرة الإخوان في الدُّرُوس، وهذا الكلام ليس خاصًّا بالسُّنَّة، هذا لِجَميع العُلوم، إِذَا أَرَدْتَ أنْ تحضر درسًا في التَّفسير، وتعرف طريقة الشيخ أنَّهُ في اليوم يشرح آيتين ثلاث، عليكَ أنْ تَحْفَظ هاتين الآيتين أو الثلاث، ثم تقرأ في كلام أهل العلم المَوْثُوقِين ما يُعِينك على فهم هاتين الآيتين أو الثلاث، ثم بعد ذلك تذهب إلى الشيخ، وتستفيد ما يزيده الشيخ على ما قرأت، ثم بعد ذلك تُذاكر مع إخوانك وزُملائك في الدَّرس، وكُل واحد يزيد ممَّا أَعْطَاهُ الله من العِلم على صاحبه، وبهذا يَتَمَكَّن الطَّالب من التَّحصيل، والشيخ عبد القادر بن بدران في كتاب المَدْخَل قال: إنهم يحضرون عند شيخ درساً في الفقه، ويقول: إننا نجتمع خمسة ستة من الأقران قبل الدرس، فنقرأ الدرس جميعاً، ثم نحفظ القدر الذي قرأناه، والذي نتوقع أن الشيخ لا يزيد عليه، ثم بعد ذلك قبل الإطلاع على الشروح كل واحد منَّا يأخذ ورقة وقلم ويَشْرَح هذا المقرُوء المحفُوظ بفهمِهِ، يَشْرَح من تِلْقَاء نفسه، قبل الإطلاع على الشُّرُوح علشان إيش؟! علشان إذا أخطأ في شرحِهِ، ثم قرأ الشرح وتداوله الزُّملاء؛ فإنه حينئذ يثبت العلم بهذه الطريقة، يقول: نشرح القدر المُراد، ثم بعد ذلك نراجع الشروح، فما كان من خطأ نصوبه ونسدده، ثم بعد الشروح نُطالع ما كُتب عليها من حواشي، ثم بعد ذلكم نذهب إلى الشيخ؛ لنستفيد من علمه ما لا يوجد في الكتب، وعند الشيوخ ما لا يوجد في الكتب مما أعطاه الله من العلوم قدحها بزنده أو استفادها من كتب ليست مظنة لها بإطلاعه؛ ولذا لا يُتَصَوَّر أنْ يَسْتَغْنِي الطَّالِب عن المُعلِّم أبداً، في البُلدَان التي لا يُوجد فيها أحد من أهل العلم، يقال: استفد بقدر الإمكان، اسْتَفِد من الأشرطة، اسْتَفِد من الإنترنت، اسْتَفِد من الإذاعات التي تَبُثُّ العُلوم لا بأس؛ لأنها لحالة ضرورة؛ لكن البُلدَان التي فيها عُلماء! مثل هذه البلاد المُبَاركة وفيها من أهل العلم والعمل من فيها، نقول: هذه الآلات وهذه الأشرطة مهما بلغت من الصِّحَّة والضَّبْط والإتقان لا تُغْنِي عن مُزَاحَمَة الشيوخ، وهذا الكلام يصلح لجميع العلوم.