شرح الموطأ - كتاب صلاة الليل (1)
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
اللهم اغفر لشيخنا واجزه عنا خير الجزاء.
كتاب صلاة الليل: باب: ما جاء في صلاة الليل:
قال الإمام يحيى -رحمه الله تعالى-:
كتاب صلاة الليل:
باب: ما جاء في صلاة الليل:
عن مالك عن محمد بن المنكدر عن سعيد بن جبير عن رجل عنده رضًا، أنه أخبره أن عائشة -رضي الله تعالى عنها- زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- أخبرته أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((ما من امرئ تكون له صلاة بليل يغلبه عليها نوم إلا كتب الله له أجر صلاته، وكان نومه عليه صدقة)).
عن مالك عن أبي النضر مولى عمر بن عبيد الله عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن عائشة -رضي الله تعالى عنها- زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- أنها قالت: كنت أنام بين يدي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ورجلاي في قبلته، فإذا سجد غمزني فقبضت رجلي، فإذا قام بسطتهما قالت: والبيوت يومئذ ليس فيها مصابيح".
عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة -رضي الله تعالى عنها- زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إذا نعس أحدكم في صلاته فليرقد حتى يذهب عنه النوم، فإن أحدكم إذا صلى وهو ناعس لا يدري لعله يذهب يستغفر فيسب نفسه)).
عن مالك عن إسماعيل بن أبي حكيم أنه بلغه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سمع امرأة من الليل تصلي فقال: ((من هذه؟)) فقيل له: هذه الحولاء بنت تويت، لا تنام الليل، فكره ذلك رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حتى عُرفت الكراهية في وجهه، ثم قال: ((إن الله -تبارك وتعالى- لا يمل حتى تملوا، اكلفوا من العمل ما لكم به طاقة)).
عن مالك عن زيد بن أسلم عن أبيه أن عمر بن الخطاب -رضي الله تعالى عنه- كان يصلي من الليل ما شاء الله، حتى إذا كان من آخر الليل أيقظ أهله للصلاة يقول لهم: ((الصلاة الصلاة)) ثم يتلو هذه الآية: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَّحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى} [(132) سورة طـه].
عن مالك أنه بلغه أن سعيد بن المسيب كان يقول: يكره النوم قبل العشاء، والحديث بعدها.
عن مالك أنه بلغه أن عبد الله بن عمر -رضي الله تعالى عنهما- كان يقول: "صلاة الليل والنهار مثنى مثنى، يسلم من كل ركعتين"، قال مالك -رحمه الله-: "وهو الأمر عندنا".
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: كتاب صلاة الليل:
يعني: كتاب الصلاة التي ظرفها الليل، وصلاة الليل من أفضل الأعمال، وهي دأب الصالحين، يقول الله -جل وعلا-: {وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ} [(79) سورة الإسراء] ويقول -جل وعلا-: {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ} [(16) سورة السجدة]، ويقول -جل وعلا-: {أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاء اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ} [(9) سورة الزمر]، المقابلة تقتضي أن يكون أهل القيام هم الذين يعلمون، وأهل الغفلة والنوم هم الذين لا يعلمون، فدل على أن العلم هذا الوصف الشريف إنما يستحقه من يعمل به، والذي لا يعمل به يستحق ضده، وهو عدم العلم {أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاء اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ} [(9) سورة الزمر] هذا هو الباعث للمسلم على قيام الليل، ثم ذيل الآية بقوله: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ} [(9) سورة الزمر] وهم أهل القيام والعمل {وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ} [(9) سورة الزمر] وهم أهل الغفلة والنوم، وإن حصلوا ما حصلوا من العلوم؛ لأن العلم الحقيقي هو ما نفع، أما العلم الذي لا ينفع فليس بعلم في الحقيقة، وإن حصل منه صاحبه ما حصل، وإن أدرك به من أمور الدنيا ما أدرك، ((يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله))، فالذين يحملون العلم ويستحقون هذا الوصف الشريف هم العدول، هم الذين يعملون بالعلم، أما الذي لا يعمل بعلمه ما الفائدة من علمه؟ لا فائدة، وجوده مثل عدمه، بل هو وبال على صاحبه، قد يقول قائل: إن هذه نافلة، فكيف يسلب الوصف مَن ترك النافلة؟ {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ} [(9) سورة الزمر] هذه نافلة، كما قال النبي -عليه الصلاة والسلام- عن عبد الله بن عمر: ((نعم الرجل عبد الله لو كان يقوم من الليل)) فالمدح إنما عُلق على القيام، فكان عبد الله -رضي الله عنه- لا ينام من الليل إلا قليلًا، فهذا وصف أهل العلم، وهذا شأن أهل العلم، شأنهم العمل بما علموا، وما تعلموا، أما الذي لا يعمل فليس من أهل العلم بهذه الآية، والله المستعان.
{كَانُوا قَلِيلًا مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ} [(17) سورة الذاريات] و(ما) هذه ماذا تكون؟ الهجوع ما هو؟ الهجوع: النوم، {كَانُوا قَلِيلًا مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ}[(17) سورة الذاريات] هذا هو المراد أنهم يقومون قليلًا؟ لا ينامون قليلًا؟ أو أن هجوعهم قليل؟ قليلًا من الليل الذي يهجعونه، {كَانُوا قَلِيلًا مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ} [(17) سورة الذاريات] أي الذي يهجعونه، يعني الذي ينامونه؟ احتمال.
الامتثال من قبل عبد الله بن عمر الصحابي المؤتسي الممتثل ((نعم الرجل عبد الله لو كان يقوم من الليل)) فكان عبد الله بعد ذلك لا ينام من الليل إلا قليلًا، وقد عُرف بهذا، عُرف بسرعة الامتثال، ((يا عبد الله كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل)) ماذا قال عبد الله؟ فكان عبد الله يقول: "إذا أصبحت فلا تنتظر المساء، وإذا أمسيت فلا تنتظر الصباح".
باب: ما جاء في صلاة الليل:
صلاة الليل سنة مؤكدة عند عامة أهل العلم، وأوجب بعضهم ما يطلق عليه اسم القيام، ولو كان شيئًا يسيرًا، لكنه قول مهجور شاذ، واختلف في حقه -عليه الصلاة والسلام- هل كانت صلاة الليل عليه واجبة أو ليست بواجبة؟ يقول -رحمه الله-: "حدثني يحيى عن مالك عن محمد بن المنكدر -المدني- عن سعيد بن جبير -الأسدي مولاهم الكوفي- عن رجل عنده رضًا" رضا: مصدر، رضي يرضى رضىً، مصدر، والمقصود به اسم المفعول، كما يقال: حمل يعني محمول، التعبير بالمصدر عن اسم الفاعل أو اسم المفعول يراد به المبالغة في الوصف؛ لأنه صار كأنه هو المادة نفسها، هو الرضا كله.
يقول ابن عبد البر: "هو الأسود بن يزيد النخعي، وهو رجلًا رضًا عند سعيد بن جبير، وعند غيره من أهل العلم، وهو مصرح به في رواية النسائي، وفي إسناده أبو جعفر الرازي وليس بالقوي"، أبو جعفر الرازي اسمه: عيسى بن ماهان، "أنه أخبره أن عائشة زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- أخبرته أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((ما من امرئٍ))" امرئ للمذكر، يعني: ما من رجل، وراؤه تتبع إعرابه، تقول: جاء امرؤٌ، ورأيت امرءًا، وما من امرئ، كما هنا، و(ما) نافية، و(من) زائدة لتأكيد النفي، و(امرئ) مجرور بمن لفظًا، وإن كان مرفوع محلًا على ماذا؟ اسم (ما) هذا إذا قلنا: إنها حجازية، وإذا قلنا: (ما) تميمية فيكون رفعه على الابتداء، ((ما من امرئ تكون له صلاة بليل يغلبه عليها نوم)) يغلبه عليها نوم هذا عند الباجي يحتمل أمرين: إما أن يغلبه النوم عن القيام إليها بالكلية فلا يستيقظ إلا مع طلوع الصبح، والاحتمال الثاني: أنه يقوم ليصلي فيغلبه النوم على الإتيان بها أو ببعضها، واللفظ محتمل، ((ما من امرئ تكون له صلاة بليلٍ يغلبه عليها نوم إلا كتب الله له أجر صلاته)) التي اعتادها، أما الذي ما اعتاد الصلاة يكتب له شيء؟ ومثل هذا قل في المسافر والمريض، الذين ما اعتادوا من العبادات شيئًا، يكتب له شيء إذا مرض أو سافر؟ ما يكتب له شيء، إنما يكتب له ما كان يعمله مقيمًا صحيحًا، وهنا يكتب له ما كان يعمله قبل ذلك، وما نواه..
طالب:.......
نعم، الذي يغلبه النوم، لكن شريطة ألا يكون غلبة النوم بسبب تفريطه، بعض الناس يسهر ويمني نفسه أن يقوم الليل، حتى إذا بقي على الفجر ساعة أو ساعتين قال: ننام قليلًا، ثم نقوم للتهجد، ما يتيسر، هذا تفريط، وقد ينام الإنسان من أول الليل فيحتاط لصلاة الليل بالنوم المبكر، لكنه يعرف من نفسه أن نومه ثقيل، لا يقوم إلا بمنبه، وحينئذ يحتاج إلى أن يجعل له من يرصده لتنبيهه، أما إذا فرط ما كتب له شيء، إذا فرط ولم يقم لم يكتب له شيء، ((تكون له صلاة بليلٍ يغلبه عليها نوم إلا كتب الله له أجر صلاته)) التي اعتادها مكافئة لها على نيته، وعلى ما اعتاده من عمل الخير، ((إلا كتب الله له أجر صلاته)) يعني كاملًا موفورًا، وهنا أمران: الأول: هل يكتب الأجر كاملاً مثل من قام؟ بمضاعفاته؟ وهل مثل هذا اللفظ وهذا الأسلوب ((إلا كتب الله له أجر صلاته)) يعفيه من قضاء ما فاته، أو أن صلاة الليل تقضى؟ صلاة الليل تقضى بين ارتفاع الشمس وزوالها، إذًا قوله: ((إلا كتب له أجر صلاته)) بمضاعفاته، وإن كانت صلاة الليل أفضل من صلاة النهار، الأصل أن صلاة الليل أفضل من صلاة النهار، فهل إذا صلاها ضحى يكون له من الأجر مثل من صلاها بالليل؟ نعم، كتب له أجر صلاته، هذا من غير تفريط، نام عن صلاته، اللفظ يحتمل أنه ما يقضي، يكتب له الأجر ولو لم يقضِ، اللفظ محتمل لهذا، أو نقول: إن هذا النص يكتب له الأجر كاملًا كما لو صلاها من الليل إذا قضاها بالنهار لتجتمع النصوص؟ وحينئذ يكمل له الأجر الفارق بين أجر الليل والنهار، كل هذا مشروط بما إذا لم يفرط، واضح أم لا؟ الآن ظاهر اللفظ: ((إلا كتب له أجر صلاته)) من غير تعرض للقضاء، فللقائل أن يقول: ما دام يكتب له أجر صلاته لماذا يقضي والأجر مكتوب؟ نعم، أو نقول: أجر صلاته إذا قضى كمل له الأجر مثلما كان يعمله ويقومه بالليل؟ وبهذا تجتمع النصوص، ((وكان نومه عليه صدقة)) لأن عندنا هذه المسألة نظير مسألة من كان يعمل المعاصي ومسرف على نفسه ثم تاب توبة نصوحًا، هل يستوي مثل هذا -مع أنه بالنص القطعي- تبدل سيئاته حسنات؟ هل يستوي هذا مع من عمله كله صالحات؟ يعني لو افترضنا أن شخصين بلغا من العمر سبعين عامًا، هذا مسرف منذ أن كلف إلى أن بلغ السبعين وهو في عمل المعاصي، وهذا في عمل الطاعات، فهل إذا تاب هذا وعمل عملًا صالحًا تبدل سيئاته حسنات بالمضاعفات التي حصلت للآخر؟ أو نقول: إن له أصل بدلت سيئات بـ..، البدل له حكم المبدل من غير مضاعفات، وهنا نقول: لا يستوي من قام من الليل مع من نام عن قيام الليل، فإذا قضى وفر له الأجر، وكمل أجره، كي تلتئم النصوص؛ لأن هذا احتمال يقول: ما أقضي خلاص ما دام وفر لي الأجر بهذا الحديث ((إلا كتب له أجر صلاته)) لماذا أقضي؟ وهذا نظير من قصد الجماعة، من قصد الجماعة فوجدهم قد صلوا فله مثل أجورهم، هل هذا له مثل أجورهم إذا صلى أم تقول: خلاص ما ثبت له أجر، لماذا يصلي؟ ما هو بنظيره هذا؟ إذًا لا بد أن يقضي، ولا بد أن يصلي ولو فاتته الجماعة، ((وكان نومه عليه صدقة)) وفيه: أن المرء يجازى على ما نوى من الخير وإن لم يعمله، كما لو عمله فضلًا من الله -جل وعلا-، إذا لم يكن المانع من قبله.
الحديث الذي يليه: "عن مالك عن -سالم- أبي النضر" سالم بن أبي أمية، أبي النضر "مولى عمر بن عبيد الله -التيمي- عن أبي سلمة بن عبد الرحمن -بن عوف- عن عائشة زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- أنها قالت: "كنت أنام بين يدي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ورجلاي في قبلته"، "كنت أنام بين يدي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ورجلاي –يعني والحال أن رجليها- في قبلته"، أي: في مكان سجوده لضيق المكان وإلا لم يحتج إلى غمزها، لو كان المكان يتسع يعني في قبلته أي في مكان سجوده "فإذا سجد غمزني" يعني طعن بأصبعه لأقبض رجلي عن قبلته، يعني غمزها بإصبعه تنبيهًا لها لكي تكف رجليها عن قبلته ليتمكن من السجود، "فقبضت رجلي" بالتثنية "فإذا قام بسطتهما" بالتثنية كذلك في رواية الأكثر، وفي رواية المستملي والحموي لصحيح البخاري: "رجلي"، "فقبضت رجلي فإذا قام بسطتها"، وتطلق الرجل ويراد بها الجنس، فتتفق الروايات، "قالت: والبيوت يومئذ ليس فيها مصابيح" ليس فيها أنوار، تصور العيش الذي يعيشه أفضل الخلق وأشرف الخلق -عليه الصلاة والسلام-، في مكان ضيق لا يستوعب أن تبسط رجليها ومكان يصلي فيه! وليس فيها مصابيح، ليس فيه النور، مكان مظلم، ليوفر لهم الأجور، يعني كون الدنيا تبسط ليست علامة خير مطلقًا، وليست أيضًا علامة شر على الإطلاق؛ لأن الدنيا يعطيها الله -جل وعلا- من يحب ومن لا يحب، والغالب أن بسط الدنيا يصاحبه الإعراض عن الدين؛ ولذا يقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((والله لا الفقر أخشى عليكم، ولكن أخشى أن تبسط عليكم الدنيا فتنافسوها كما تنافسوها، فتهلككم كما أهلكتهم)) هذا واقع كثير من الناس، يعني بعض الناس إذا ابتلي بالضراء نجح، وإن كان البعض الآخر قد لا يصبر، لكن الصبر على السراء، والشكر المناسب للنعم التي لا تعد ولا تحصى هذا الذي لا يتجاوزه كثير من الناس، أو أكثر الناس.
"ليس فيها مصابيح" قالت ذلك اعتذارًا؛ لأنه لو كان فيها مصابيح لما احتاجت إلى غمز، استدل بعضهم بقولها: "غمزني" على أن لمس المرأة لا ينقض الوضوء، لكن ابن حجر قال: تعقب باحتمال الحائل أو بالخصوصية، والمسألة تقدمت.
استدل به على أن المرأة لا تقطع صلاة الرجل، وبه استدلت عائشة على من ذكر حديث: ((يقطع صلاة الرجل: المرأة، والحمار، والكلب)) وغضبت وقالت: "سويتمونا بالكلاب، لقد كنت أصلي بين يدي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" لكن من قال بمقتضى الحديث قال: إن المار يختلف حكمه عن حكم القار، هي قارة وليست بمارة، القار يختلف حكمه عن حكم المار، أما بالنسبة للحمار فمن استثناه استدل بحديث ابن عباس أنه جاء على أتان ومر بين يدي الصف، لكنه لم يمر بين يدي منفرد ولا إمام، وسترة الإمام سترة لمن خلفه.
"وحدثني عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إذا نعس -بفتح العين، وغلطوا من ضمها- أحدكم في صلاته فليرقد)) وللنسائي: ((فلينصرف)) والمعنى واحد، لا يمكن أن يرقد حتى ينصرف، لكن هل ينصرف بعد أن يسلم أو ينصرف وهو في صلاته؟ يعني يتمها خفيفة ليجمع بين النصوص كلها {وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} [(33) سورة محمد] وأيضًا يمتثل مثل هذا الأمر، هو إذا أتمها خفيفة لن يسب نفسه؛ لأن ذهنه حاضر، حاضر معلق بالفراغ منها، فهو حاضر، لكن لو أتمها على هيئتها من الطول، وجدت العلة، مسألة مغالبة الآن، فإذا أراد أن يتمها خفيفة من مقتضى ذلك أن يكون قلبه حاضرًا؛ لأنه معلق بإتمامها، هذا نعاس وليس بنوم؛ لأنه لو قال: نوم ما قال: فليرقد، هو نائم من الأصل ما يحتاج أن يقال له: "فليرقد"، فليرقد، في النسائي: "فلينصرف"، المراد به عند الأكثر..، المراد به التسليم من الصلاة، وإذا قالوا: التسليم من الصلاة هل معناه أنه يسلم وهو واقف أم لا بد أن يتمها؟ لا معنى للسلام في غير موضعه؛ لأن بعض الناس من عامة الناس إذا أقيمت الصلاة وهو في الركعة الأولى أو في الركعة الثانية قال: السلام عليكم وهو واقف، لا معنى لهذا السلام في غير موضعه، لكن هذا ما هي مسألة....، ما حلت إلى الآن، هذه الصلاة أبطلت خلاص، يسلم وهو واقف؟ ما يحلها التسليم في هذه الصورة، هو مطالب بمتابعة الإمام ((إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة)) يعني انتفت الصلاة، ما تحتاج إلى تحليل ما دام انتفت، أقول: صلاة منفية لا تحتاج إلى تحليل، وتأتي -إن شاء الله تعالى-، إذا كان الإمام مثلًا في صلاة الصبح، وطول الإمام وخشي على نفسه، وبدأ النعاس، ما المانع؟ نعم، عذر، عذر أن ينصرف.
والمراد به التسليم من الصلاة، وصححه المهلب على ظاهره أنه ينصرف، ولو لم تكمل صلاته، فقال: إنما أمره بقطع الصلاة لغلبة النوم عليه، فدل على أنه إذا كان النعاس أقل من ذلك عفي عنه، يعني إذا كان النعاس أقل مما اشتمل عليه الحديث بحيث يدري كيف يستغفر، ولو وجد هذا النعاس مثل هذا النعاس يعفى عنه، ولا يؤثر على الطهارة، يعفى عنه؛ ولهذا ترجم الإمام البخاري على هذا الحديث باب: "الوضوء من النوم، ومن لم يرَ من النعسة والنعستين أو الخفقة وضوءًا" نعم؛ لأنه الحكم مربوط بعلة ((لا يدري لعله يذهب يستغفر فيسب نفسه)) إذا كان يدري ولو وجد النعاس الخفيف، ولذا ترجم عليه البخاري باب: "الوضوء من النوم ومن لم يرَ من النعسة أو النعستين أو الخفقة وضوءًا".
((فإن أحدكم لا يدري)) إذا كان الشخص ديدنه النعاس -بعض الناس ديدنه النعاس- لو ينام عشر ساعات ويقوم يصلي نعس، يقال له: انصرف نم؟ إذا جلس يقرأ نعس، هذا ماذا يقال له؟ يعني إذا كان النعاس بسبب طارئ، لكن لو نام بعد صلاة العشاء مثلًا من الساعة سبع ونصف ولا استيقظ إلا خمس ونصف مع إقامة الصلاة، نام كم؟ عشر ساعات، وجاء للمسجد ينعس، نقول له: اذهب ارقد؟ نعم، يقال: يا أخي تعالج، هذه المسألة..، هذا ما هو بسببه قلة النوم ليعالج بالنوم، أو شخص مبتلى بالنوم والنعاس وكلما جلس بمجلس غفا نعس مثل هذا ما يعالج بالنوم؛ لأن هذا المظنون أن النوم يزيده مثل هذا، بل قد يكون في بعض الحالات النوم إذا كثر وزاد عن حده يجلب النوم، هذا شيء مجرب، فمثل هذا ما يعالج بالنوم، ما يقال: إذا نعست ارقد، لا، ابحث لك عن حل آخر، شخص والإمام يخطب مثلًا يوم الجمعة نعس يقال له: خلاص أنت نعست، اذهب نم، صحيح، هذا وارد، مثل هذا يقال له: انتقل من مكانك، تصرف، المهم اطرد النوم عنك، ((فليرقد حتى يذهب عنه النوم، فإن أحدكم إذا صلى وهو ناعس)) يقول المهلب –يعني في شرحه على البخاري-: "فيه إشارة إلى العلة الموجبة لقطع الصلاة، فمن صار في مثل هذه الحال فقد انتقض وضوؤه بالإجماع" كذا قال؛ لأنه تصور أن العلة انتقاض الوضوء، مع أن العلة منصوصة في الحديث، نعم العلة منصوصة ((لا يدري لعله يذهب يستغفر فيسب نفسه)) هي مظنة للحكم، يعني ما يلزم منه أن يكون كل من نعس يسب نفسه، وسيأتي، قال المهلب: "فيه إشارة إلى العلة الموجبة لقطع الصلاة، فمن صار في مثل هذه الحال فقد انتقض وضوؤه بالإجماع" يقول كذا، وفيه نظر، وما ذكره من الإجماع منتقض فقد صح عن أبي موسى وابن عمر وابن المسيب أن النوم لا ينقض مطلقًا، كذا في فتح الباري.
((فإن أحدكم إذا صلى وهو ناعس لا يدري لعله يذهب يستغفر)) ما معنى يذهب؟ لعله يذهب، هل معنى الذهاب أنه يمشي أم ينصرف أم..؟ يشرع أو يريد أو شيء من هذا، المقصود أنه يستغفر، يريد أن يستغفر لنفسه فحينئذ يسب نفسه، فيسبَ: بالنصب ويجوز الرفع، فيسبَّ منصوب بأن المضمرة بعد فاء السببية الواقعة بعد الترجي، ويجوز الرفع، ومعنى يسب: يدعو على نفسه، يسب يدعو على نفسه، وصرح به النسائي في روايته، ويحتمل أن يكون علة النهي خشية أن يوافق ساعة الإجابة، قاله ابن أبي جمرة.
وفيه: الأخذ بالاحتياط؛ لأنه علل بأمر محتمل، وجواز الدعاء في الصلاة من غير تقييد بشيء معين، يدعو أو يستغفر، يدعو لنفسه، فيدعو لها ثم بسبب النعاس يدعو على نفسه، يقول ابن حجر: هذا الحديث ورد على سبب، وهو ما رواه محمد بن نصر المروزي من طريق ابن إسحاق عن هشام في قصة الحولاء بنت تويت" يعني الحديث اللاحق الذي بعد هذا، أورده بعد حديث الحولاء؛ ولذا عقب الإمام مالك -رحمه الله تعالى- هذا الحديث بسببه، عقبه بسببه.
فقال: "وحدثني عن مالك عن إسماعيل بن أبي حكيم -القرشي مولاهم المدني- أنه بلغه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سمع امرأة من الليل تصلي" سمع امرأة، هل سمع المرأة أو سمع خبر عن المرأة؟ نعم، رواية البخاري تدل على أنه سمع خبر عنها، سمع عائشة تذكر عن هذه المرأة من صلاتها، فهو سمع خبر هذه المرأة، وعند البخاري: "تذكر من صلاتها" وفي رواية: "يذكر من صلاتها" فقال: ((من هذه؟)) يعني التي تتحدثون عنها؟ أو من هذه المرأة التي عندك يا عائشة؟ لأنها جاءت إلى عائشة فذكرت قصتها للنبي -عليه الصلاة والسلام-، "فقيل -القائل عائشة- له" أي للنبي -عليه الصلاة والسلام-: "هذه الحولاء بنت تويت -بن حبيب بن أسد بن عبد العزى، من رهط خديجة أم المؤمنين- لا تنام الليل" لا تنام الليل، تصلي، "فكره ذلك رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حتى عرفت الكراهية -بالتخفيف- في وجهه" وعلامة الكراهية تكون بتقطيب الوجه، وفي وراية البخاري قال: ((مه، عليكم بما تطيقون، فوالله لا يمل الله حتى تملوا)) وكان أحب الدين إليه ما دام عليه صاحبه، "ثم قال: ((إن الله -تبارك وتعالى- لا يمل حتى تملوا، اكلفوا من العمل ما لكم به طاقة)).
قوله: ((مه)) أمر، أو اسم فعل بمعنى الكف، يعني كفوا عن هذا العمل الذي لا تطيقونه، وعليكم من العمل بما تطيقون، ولذا منطوق الحديث فيه الأمر بالاقتصار على ما يطاق من العبادات، ومفهومه النهي عن التكلف لما لا يطاق، والطاقة القدرة ((إن الله -تبارك وتعالى- لا يمل حتى تملوا)) وقد أكثر الشراح توجيه هذا الكلام، ووجه الإشكال فيه، ((إن الله لا يمل حتى تملوا)) الملل صفة مدح أم صفة ذم؟ نعم هي بالنسبة للمخلوق ذم، الملل بالنسبة للمخلوق مذموم، قد يقول قائل هنا: إن الله تعالى لا يمل، فهو منفي عن الله -جل وعلا-، فهل يرتفع الإشكال بكونه منفي عنه -جل وعلا-؟ نعم، مغيا بغاية لا بد من وقوعها، إذًا هو لا بد من وقوعه على هذا، الغاية: "حتى تملوا" ملل المخلوق محقق، فما علق عليه محقق أيضًا، ظاهر أم ليس بظاهر؟ يعني إذا علقت على أمر، لا بد من وقوعه، فالمعلق عليه لا بد من وقوعه، يعني لو قال لزوجته: إن قمت فأنت طالق، هل نقول: إن الحل في ألا تقوم أبدًا؟ نعم؟ أو إن قعدت، القعود ممكن، الجلوس يطال الجلوس، لكن القيام، قال: إن قعدت فأنت طالق، أنا لا أريد تقرير الحكم أنا أريد التنظير، أنا أريد التنظير لكي تتضح المسألة، يعني إذا قال لزوجته: إن قعدت أو إن جلست فأنت طالق، وهي قائمة، لا بد من وقوع الطلاق، لماذا؟ لأنه لا بد من وقوع ما علق به، أو إن طلعت الشمس فأنت طالق، لا بد من وقوع ما علق؛ لأنه لا بد من وقوع ما علق عليه، وهنا يقول: ((لا يمل حتى تملوا)) وملل المخلوق محقق، إذًا ما علق عليه محقق، فيه إثبات الملل لله -جل وعلا-، إما أن تقول: على ما يليق بجلاله وعظمته، ولا نعلم كيفيته، أو تقول: إنه كما قال بعض أهل العلم: هذا من باب -مثلما أشرنا البارحة- من باب المشاكلة، وهذا قيل به، من باب المشاكلة، مجانسة في التعبير، وهذا قيل به، الله -جل وعلا- لا ينسى، {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا} [(64) سورة مريم] إذًا ماذا عن قول الله -جل وعلا-: {نَسُواْ اللّهَ فَنَسِيَهُمْ} [(67) سورة التوبة]؟ هذا من باب المشاكلة والمقابلة، تركوا العمل بالتكاليف فتركوا في العذاب، تركوا فتُركوا، {نَسُواْ اللّهَ فَنَسِيَهُمْ} [(67) سورة التوبة] فالنسيان يراد به هنا الترك، كثير هذا، كثير أمثاله، {وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللّهُ} [(30) سورة الأنفال] لكن الفارق بين هذا وذاك أن هذا مثبت، {اللّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ} [(15) سورة البقرة] {وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللّهُ} [(30) سورة الأنفال] هذه مثبتة، لكن عندنا أن النص منفي؛ لأن بعضهم يقولون -يخرجون هذا- على أن الله -سبحانه وتعالى- لا يمل وإن مللتم، لا يمل وإن مللتم، وينظرون هذا بقولهم: فلان خطيب أو مجادل مثلًا، ومخاصم، ويذكرون من جدله ما يذكرون، فيقولون: لا ينقطع..، لا تنقطع حجته حتى ينقطع خصمه؛ لأنه إذا انقطع خصمه يصير فيه مدح؟ مرادهم وإن انقطع خصمه، وهنا يكون المراد إن الله -سبحانه وتعالى- لا يمل وإن مللتم، وهذا قول لبعض أهل العلم، وله شواهد.
طالب:......
نعم، يعني لا يمل مطلقًا وإن وجد الملل منكم، يعني إذا حملت الغاية على بابها، إذا حملت (حتى) على انتهاء الغاية واضح من إثبات الملل لله -جل وعلا-، فإما أن يكون إثباته من باب المقابلة، أو يكون إثباتًا حقيقيًا يليق بجلاله وعظمته كغيره من الصفات التي هي بالنسبة للمخلوق نقص، وبالنسبة للخالق كمال، ومذهب أهل السنة في هذا إثبات جميع ما أثبته الله لنفسه في كتابه، أو على لسان نبيه -عليه الصلاة والسلام- ولا نتعرض لما وراء ذلك.
على كل حال المسائل التي اختلف فيها السلف للخلف فيها مندوحة، أما ما اتفقوا عليه فليس للخلف فيها مندوحة، ما أثبتوه لا بد من إثباته ولو لم تستوعبه عقولنا.
طالب:......
نعم، لعل هذه رواية تفسيرية، يعني إدراج للتفسير، مجانسة، مقابلة، مشاكلة، بمعنى واحد.
ظاهر هذا الحديث يدل على كراهية إحياء الليل كله، هذا الذي يدل عليه ظاهر الحديث، قال جماعة من أهل العلم: يكره قيام جميع الليل، وبه قال مالك مرة، ومرة رجع عنه، فقال: لا بأس به ما لم يضر بصلاة الصبح، وقال الشافعي: لا أكرهه إلا لمن خشي أن يضر بصلاة الصبح، وما حفظ عن النبي -عليه الصلاة والسلام- أنه أحيا ليلة إلى الصبح، نعم هو في العشر الأخيرة من رمضان يشد المئزر، وجاء في بعض الألفاظ أنه لا ينام في ليالي العشر، لكن هذه حالة خاصة لاستغلال هذا الوقت رجاء إصابة ليلة القدر، وهو ظرف مؤقت بوقت فيقتصر فيه على ذلك الوقت، على كل حال من وجد من نفسه الهمة في أن يقوم نصف الليل أو ثلث الليل أو أكثر أو أقل، أو يقوم جُل الليل وهذا لا يؤثر عليه، فالمطلوب الازدياد من الخير، نعم، المطلوب الازدياد من الخير، ((أعني على نفسك بكثرة السجود))، النبي -عليه الصلاة والسلام- كيف نتصور أنه -عليه الصلاة والسلام- قرأ في ركعة البقرة ثم النساء ثم آل عمران في ركعة واحدة، ماذا عن الركعات الأخرى؟ وماذا عن الركوع والسجود؟ وكان ركوعه قريبًا من قيامه، وسجوده قريبًا من ركوعه -عليه الصلاة والسلام-، لا شك أنه يحيي أكثر الليل، وحث -عليه الصلاة والسلام- على قيام داود، ولا شك أن هذا فيه رفق بالنفس، ينام نصف الليل ثم يقوم ثلثه، ثم ينام السدس، وأثر عن جمع من السلف من الصحابة والتابعين فمن دونهم إحياء الليل بأنواع العبادات، ومنهم من يقسم الليل أثلاث؛ ثلث ينام، وثلث يكتب، وثلث يصلي، المقصود أن حالنا مع حالهم إلا كما قيل:
لا تعرضن لذكرنا مع ذكرهم |
| ليس الصحيح إذا مشى كالمقعدِ |
ما فيه نسبة، لكن نسأل الله -جل وعلا- أن يتداركنا بعفوه ومَنّه وكرمه، إنه جواد كريم، نعم.
طالب......
ما يبعد أن يقوموا الليل كاملاً، لأنه أثر عن عثمان أنه يقرأ القرآن في ركعة، هذا محفوظ عن عثمان -رضي الله عنه-، والشافعي -رضي الله عنه ورحمه- يقوم، وكلهم يقومون، وحفظ عن الإمام أحمد ثلاثمائة ركعة في اليوم والليلة، نعم.
طالب:......
الذي على مقتضى التوجيه لقيام داود نوم سدس الليل الأخير ووقت السحر، ووقت السحر الذي هو وقت الاستغفار، لكن ما يمنع أنه ينام إلى الصبح دائمًا، يراوح أحيانًا يؤخر القيام، وأحيانًا يقدمه، على حسب الحاجة، الله المستعان.
يقول: "وحدثني عن مالك عن زيد بن أسلم عن أبيه أن عمر بن الخطاب كان يصلي من الليل ما شاء الله، حتى إذا كان من آخر الليل أيقظ أهله للصلاة" عمر -رضي الله عنه- كان يصلي من الليل ما شاء الله، حتى إذا كان من آخر الليل أيقظ أهله للصلاة؛ لإدراك شيء من صلاة الليل، والاستغفار في هذا الوقت الذي هو السحر، وفيه دليل على أن عمر -رضي الله عنه- لم تشغله الولاية والخلافة عن أمر دينه، أمير المؤمنين، خليفة المسلمين يقوم من الليل، ويدل على أنه يقوم وقتًا ليس بالقليل أنه إذا انتهى من قيامه وكان من آخر الليل أيقظ أهله، ففيه دليل على أن عمر -رضي الله عنه وأرضاه- لم تشغله الخلافة عن العبادة، وفيه أيضًا أن الإنسان لا يحمل غيره على ما يستطيعه من عزيمة؛ لأن بعض الناس متجه إلى عمل الخير، ومعان عليه، فيريد أن يرى كل الناس يعملون مثله، "أيقظ أهله للصلاة يقول لهم: الصلاةَ الصلاةَ" بالنصب على الإغراء، "ثم يتلو هذه الآية: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا} [(132) سورة طـه]" اصبر، العبادة ليس لها وقت محدد، بل غايتها حتى يأتيك اليقين، واصطبر عليها {لَا نَسْأَلُكَ} [(132) سورة طـه] لا نكلفك، {رِزْقًا} [(132) سورة طـه] لنفسك ولا لغيرك، بل {نَّحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ} [(132) سورة طـه] الثواب والجزاء بالجنة، والنعيم المقيم {لِلتَّقْوَى} [(132) سورة طـه] أي لأهلها، للمتقنين، كما جاء في الآية الأخرى والعاقبة هنا في هذه الآية للتقوى هنا، لكن الآية الأخرى {وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ} [(128) سورة الأعراف] والمراد للتقوى هنا لأهلها.
"وحدثني عن مالك أنه بلغه أن سعيد بن المسيب كان يقول: يكره النوم قبل العشاء -لما فيه من تعريضها للفوات- والحديث بعدها" الحديث بعد صلاة العشاء والسهر، كل هذا مكروه؛ لمنعه من قيام الليل، وقد رخص في ذلك أو رخص في ذلك للتحدث مع الضيف أو مع الأهل، أو للمسافر مثلًا، أو تعلم علم وتعليمه، كل هذا مرخص فيه، وقد ترجم الإمام البخاري -رحمه الله تعالى- في كتاب العلم باب: السمر في العلم، فإذا ترتب على ذلك مصلحة راجحة أو حاجة فالكراهة عند أهل العلم تزول بماذا؟ يقولون: بأدنى حاجة، الكراهة تزول بأدنى حاجة.
هذا البلاغ يقول: إنه بلغه حديث وإن كان بلاغًا وموقوفًا على سيعد إلا أنه في الصحيحين مرفوع، رواه الشيخان من حديث أبي برزة، يقول الإمام البخاري -رحمه الله تعالى-: حدثنا محمد بن سلام قال: أخبرنا عبد الوهاب الثقفي قال: حدثنا خالد الحذاء عن أبي المنهال عن أبي برزة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يكره النوم قبل العشاء، والحديث بعدها.
ثم قال: "وحدثني عن مالك أنه بلغه أن عبد الله بن عمر كان يقول: "صلاة الليل والنهار مثنى مثنى، يسلم من كل ركعتين" مثنى مثنى معدول عن اثنتين اثنتين، نعم معدول عن اثنتين اثنتين، وفسر ذلك بقوله: "يسلم من كل ركعتين"، والحديث وصله الترمذي قال: حدثنا محمد بن بشار قال: حدثنا عبد الرحمن بن مهدي قال: حدثنا شعبة عن يعلى بن عطاء عن علي الأزدي عن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: "صلاة الليل والنهار مثنى مثنى" وقال الترمذي: الصحيح ما روي عن ابن عمر أن النبي -عليه الصلاة والسلام- قال: ((صلاة الليل مثنى مثنى)) يعني كما في الصحيحين، صلاة الليل، قوله: "الصحيح" يريد بذلك أن يعل لفظة: "النهار" يعل بذلك لفظة: "النهار" ولا شك أن لفظ: "النهار" ليست في الصحيحين ولا في أحدهما، بينما الذي فيهما: "صلاة الليل مثنى مثنى" نقول: هل هذه زيادة، والزيادة مقبولة ما لم تخالف أو أنها مخالفة ولو لم تكن المخالفة في اللفظ إنما هي مخالفة راوي من الرواة لجمع من الرواة؟ يعني إذا وجدت زيادة الثقة قد تدل القرائن على قبولها، وقد تدل القرائن على ردها، فليست الزيادة مقبولة بالإطلاق، لا، نعم يمرن الطالب في بداية الطلب على التخريج والدراسة للأسانيد والمتون بأن يقبل الزيادة، وعلى هذا عمل المتأخرين، هم يقولون: إن الزيادة..، (واقبل زيادات الثقات مطلقًا منهم أو من سواهم...) المقصود أن الزيادة لا يحكم لها بحكم عام مطرد، بل إذا دلت القرائن على قبولها قبلت، وإذا دلت القرائن على ردها ردت؛ ولذا يختلفون في قبول مثل قوله: {إِنَّكَ لاَ تُخْلِفُ الْمِيعَادَ} [(194) سورة آل عمران] وهي ليست مخالفة، في مثل قوله: {إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ} [(222) سورة البقرة] وليس فيه منافاة ولا مخالفة، هي مجرد زيادة لا تتضمن مخالفة، لكن أكثر الرواة على عدم ذكرها، فكونه يذكرها واحد من الرواة أو اثنان وغيرهم من الرواة لا يذكرونها يدل على أن فيها شيء في الجملة، لكن إذا دلت القرائن على قبولها، وقد يعرض البخاري -رحمه الله تعالى- عن ذكر لفظة في خبر تعليلًا له، هنا يقول الإمام مالك -رحمه الله-: "وهو الأمر عندنا" يعني أن صلاة الليل والنهار كلها مثنى مثنى، وأنها لا تصلى أكثر من ركعتين.
يقول الترمذي في جامعه: "وقد اختلف أهل العلم في ذلك، فرأى بعضهم أن صلاة الليل والنهار مثنى مثنى، وهو قول الشافعي وأحمد" يعني لا يتطوع في النهار بأربع ركعات بسلام واحد، وهو مقتضى هذا الحديث وهو قول الشافعي وأحمد، وقال بعضهم: صلاة الليل مثنى مثنى، ورأوا صلاة التطوع بالنهار أربعًا، يعني لا مانع من ذلك، لكن لو تطوع بالنهار مثنى مثنى أصحاب القول الثاني يلومونه؟ لا يلومونه، لكن الكلام في إذا قلنا: صلاة الليل والنهار مثنى مثنى لا يجوز أن نزيد على ركعتين، فإذا قلنا: صلاة الليل مثنى مثنى مفهومه أن صلاة النهار تجوز فيها الزيادة على اثنتين، وقال بعضهم: صلاة الليل مثنى مثنى، ورأوا صلاة التطوع بالنهار أربعًا، مثل الأربع قبل الظهر وغيرها –يعني والأربع قبل العصر- وغيرها من صلاة التطوع، وهو قول سفيان الثوري وابن المبارك وإسحاق".
وعلى كل حال من يرجح قبول: "والنهار" يلتزم بألا يزيد على ركعتين لا في ليل ولا في نهار، ومن يرى أن هذه اللفظة غير محفوظة؛ لأن الأكثر على عدم ذكرها، وأعرض عنها صاحبا الصحيح، وهما هما في النقد والتحري والاختيار، قال: تجوز الزيادة على ركعتين في النهار دون الليل، ليس معنى القول الثاني أنهم يلزمون أن يصلي الإنسان أربعًا، لا، معناه أنهم يجيزون.
باب: صلاة النبي -صلى الله عليه وسلم- في الوتر:
أحسن الله إليك.
باب: صلاة النبي -صلى الله عليه وسلم- في الوتر:
عن مالك عن ابن شهاب عن عروة بن الزبير عن عائشة -رضي الله عنها- زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يصلي من الليل إحدى عشرة ركعة، يوتر منها بواحدة فإذا فرغ اضطجع على شقه الأيمن.
عن مالك عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف أنه سأل عائشة -رضي الله تعالى عنها- زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- كيف كانت صلاة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في رمضان؟ فقالت: "ما كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يزيد في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة، يصلي أربعًا فلا تسأل عن حسنهن وطولهن، ثم يصلي أربعًا فلا تسأل عن حسنهن وطولهن، ثم يصلي ثلاثًا فقالت عائشة: فقلت: يا رسول الله أتنام قبل أن توتر؟ فقال: ((يا عائشة إن عيني تنامان ولا ينام قلبي)).
عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أم المؤمنين -رضي الله تعالى عنها- قالت: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصلي بالليل ثلاث عشرة ركعة، ثم يصلي إذا سمع النداء بالصبح ركعتين خفيفتين".
عن مالك عن مخرمة بن سليمان عن كريب مولى ابن عباس -رضي الله تعالى عنهما- أن عبد الله بن عباس -رضي الله تعالى عنهما- أخبره أنه بات ليلة عند ميمونة -رضي الله عنها- زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- وهي خالته قال: فاضطجعت في عرض الوسادة، واضطجع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأهله في طولها، فنام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حتى إذا انتصف الليل أو قبله بقليل أو بعده بقليل استيقظ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فجلس يمسح النوم عن وجهه بيده، ثم قرأ العشر الآيات الخواتم من سورة آل عمران، ثم قام إلى شن معلق فتوضأ منه، فأحسن وضوءه، ثم قام يصلي، قال ابن عباس -رضي الله تعالى عنهما- فقمت فصنعت مثل ما صنع، ثم ذهبت فقمت إلى جنبه فوضع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يده اليمنى على رأسي، وأخذ بأذني اليمنى يفتلها، فصلى ركعتين، ثم ركعتين، ثم ركعتين، ثم ركعتين، ثم ركعتين، ثم ركعتين، ثم أوتر، ثم اضطجع حتى أتاه المؤذن فصلى ركعتين خفيفتين، ثم خرج فصلى الصبح".
عن مالك عن عبد الله بن أبي بكر عن أبيه أن عبد الله بن قيس بن مخرمة أخبره عن زيد بن خالد الجهني -رضي الله تعالى عنه- أنه قال "لأرمقن الليلة صلاة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: فتوسدت عتبته أو فسطاطه، فقام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فصلى ركعتين طويلتين طويلتين طويلتين، ثم صلى ركعتين، وهما دون اللتين قبلهما، ثم صلى ركعتين، وهما دون اللتين قبلهما، ثم صلى ركعتين، وهما دون اللتين قبلهما، ثم صلى ركعتين، وهما دون اللتين قبلهما، ثم صلى ركعتين، وهما دون اللتين قبلهما، ثم أوتر فتلك ثلاث عشرة ركعة".
يقول -رحمه الله تعالى-: باب: صلاة النبي -صلى الله عليه وسلم- في الوتر:
وهو بكسر الواو، وهو والفرد بمعنىً، وبفتح الواو الوَتر: الثأر، ومنه ما تقدم كأنما وتر أهلَه ومالَه، أو أهلُه ومالُه وهذا تقدم، والمراد بيان كيفية صلاة النبي -عليه الصلاة والسلام- في الليل التي منها الوتر.
يقول: "حدثني يحيى عن مالك عن ابن شهاب عن عروة بن الزبير عن عائشة زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يصلي من الليل إحدى عشرة ركعة" وفي رواية مسلم: "يسلم من كل ركعتين"، يسلم من كل ركعتين، وهذه الرواية نستفيد منها تفسير قولها: "يصلي أربعًا" وأنها الأربع بسلامين، "يوتر منها بواحدة، فإذا فرغ -من وتره- اضطجع على شقه الأيمن" للاستراحة من طول القيام، يرتاح قليلًا من طول القيام، لكن من صلى إحدى عشرة ركعة ثلث ساعة مثلًا، يحتاج إلى أن يرتاح؟ نعم، بمعنى أنه هل هذه الاستراحة وهذا الاضطجاع يسن لكل قائم، أو لمن قام على صفة قيامه -عليه الصلاة والسلام-؟ نعم، شخص يقول: أنا أريد أن أصلي إحدى عشر ركعة، لكن ما يلزم أني أصلي إحدى عشر ركعة بثلاث ساعات، أربع ساعات، أنا أصليها بثلث ساعة، صلاة مجزئة، الركعة بدقيقتين مجزئة، وبعد ذلك انسدح+، يحقق السنة؟ هل نقول: إن هذه الاضطجاعة على شقه الأيمن مقصودة لذاتها، أو للراحة بعد التعب في هذه الصلاة؟
الظاهرية يبطلون صلاة الصبح إذا لم يضطجع، يبطلون صلاة الصبح إذا لم يضطجع بعد ركعتي الصبح، هذه المسألة ثانية، الله المستعان، أظن المقصود واضح يعني، اضطجع على شقه الأيمن، أولًا: هل هذا الاضطجاع يحتاجه كل مصلٍّ؟ أو يشرع في حق كل مصلٍّ؟ أو لا يشرع إلا لمن صلى كصلاته -عليه الصلاة والسلام- واحتاج إليه؟ هذا أمر، الأمر الثاني: هل الاضطجاع بعد الوتر أو بعد ركعتي الصبح؟ نعم، الآن عندنا الحديث ظاهر، "فإذا فرغ اضطجع على شقه الأيمن" أنه من الوتر، وهكذا اتفق عليه رواة الموطأ، وأما أصحاب ابن شهاب فرووا هذا الحديث عنه بإسناده، وجعلوا الاضطجاع بعد ركعتي الفجر لا بعد الوتر، لكن ما الذي يمنع من الاضطجاع بعد الوتر وبعد ركعتي الصبح؟ ما فيه ما يمنع، والنبي -عليه الصلاة والسلام- إذا صلى ركعتي الصبح اضطجع على شقه الأيمن ونصب يده اليمنى، ونام عليها، لئلا يستغرق، والمسألة هل يكون بعد الوتر كما في هذا أو بعد ركعتي الصبح كما هو ثابت عن عامة أصحاب ابن شهاب؟
على كل حال من أراد أن يقتدي بالنبي -عليه الصلاة والسلام- بهذا فلن يحرم الأجر، لكن ليس معنى هذا أنه يقول: أضطجع ثم ينام ويترك الصلاة، لا؛ لأن بعض الناس يقول: أريد أن أحافظ على هذه السنة، والنبي -عليه الصلاة والسلام- يضطجع وينعس ويسمع له خطيط، إلا أنه -عليه الصلاة والسلام- كان تنام عيناه، ولا ينام قلبه، نعم.
طالب........
فيه هذا وهذا، هذا ثابت بالأسانيد الصحيحة، كونه اضطجع بعد الوتر ثابت كما هنا عندنا، ما يمنع أبدًا، أو نقول: مثل هذا الاضطجاع المذكور في هذا الحديث للحاجة، والاضطجاع بعد ركعتي الصبح هو القاعدة المستمرة؟ هو القاعدة، إذا أمكن التوفيق لماذا نوهم إمامًا حافظًا، نجم السنن، نعم، لا يمنع أن يكون الكل محفوظ.
"فليضطجع" من حديث عبد الواحد بن زياد، شيخ الإسلام يقول: وهم، نعم، يقول: وهم، عبد الواحد بن زياد وهو ثقة، وإنما المحفوظ من فعله -عليه الصلاة والسلام- لا من أمره، هذا كلام شيخ الإسلام، ونقول: لا داعي لتوهيم الحافظ، ونقول: لا مانع من أن يتوافر الفعل مع القول أنه يضطجع ويأمر به، وما المانع أن يكون أمر توجيه؟
طالب.......
المحدثون ليست لهم قاعدة في هذا، ليست هناك قاعدة مطردة، إذا دلت القرائن على أن عبد الواحد بن زياد وهو من الثقات حفظ هذا اللفظ ما المانع أن يقبل؟ نعم، ما فيه ما يمنع وهو ثقة، يعني لو الشخص ليس بثقة غلب على الظن عدم الحفظ، لكن ثقة، الذي يغلب على الظن أنه حفظ، فليست هناك قاعدة مطردة في مثل هذا إنما الحكم للقرائن.
"وحدثني عن مالك عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف أنه سأل عائشة زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- كيف كانت صلاة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في رمضان؟ فقالت: "ما كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يزيد في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة، يصلي أربعًا" ونستحضر ما قيل في الرواية السابقة: "يسلم من كل ركعتين"، "فلا تسأل عن حسنهن وطولهن -أي أنهن في نهاية الحسن والطول- ثم يصلي أربعًا فلا تسأل عن حسنهن وطولهن" يعني كذلك، "ثم يصلي ثلاثًا" فيكون المجموع إحدى عشرة، لماذا لم تقل: يصلي ثمانيًا فلا تسأل عن حسنهن وطولهن؟ لأنهم يستريحون بعد كل تسليمتين، هذا أصل في الفصل بين التسليمة الثانية والثالثة، "ثم يصلي ثلاثًا، فقلت: يا رسول الله أتنام قبل أن توتر؟ فقال: ((يا عائشة إن عيني تنامان ولا ينام قلبي))" أحيانًا ينام -عليه الصلاة والسلام- بعد القيام، وقبل الوتر، أحيانًا يصلي الوتر، ثم يصلي ركعتين ثم يرجع ينام، ثم يقوم فيصلي ركعتين وهكذا، المقصود أنه يحافظ على صلاة الليل، ويكون ديدنه ذلك، وعلى أي وجه أداها في أول الليل، في آخره، في أثنائه، جمعها، فرقها، الأمر فيه سعة، لا يزيد في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة، الثلاثة عشرة فيها إشكال؟ سيأتي في حديث ابن عباس أنه صلى ثلاثة عشرة، يعني ركعتين، ركعتين، ست مرات ثم أوتر، أقل الأحوال أن تكون ثلاثة عشرة، والوتر يحتمل أن يكون أكثر من واحدة، فقولها: "لا يزيد"، "ما كان يزيد في رمضان ولا في غيره" هذا على حسب علمها، وقد علم غيرها الزيادة، فلا تنكر الزيادة، نعم، الغالب من أحواله -عليه الصلاة والسلام- الإحدى عشرة؛ لأنها أعرف الناس به، لكن لا تنكر الزيادة لثبوتها من طريق غيرها، يعني مثل نفيها صيام العشر -عشر ذي الحجة- مع أن غيرها أثبت الصيام، لا يلزم أن يرجح قولها على كل حال، نعم تخريج مسلم له دليل على أنه من حيث الصناعة أرجح مما روي في غيره، لكن يبقى أنه للنظر فيه مجال، والصحابة -رضوان الله عليهم- رد بعضهم على بعض، وهذا لا يمنع؛ لأنه ليس أحد معصومًا، نعم، فلا مانع من الزيادة على إحدى عشرة لثبوت الثلاثة عشرة، وأيضًا الخمسة عشرة جاء فيها ما جاء، وجاء الإطلاق، جاء الإطلاق: ((صلاة الليل مثنى مثنى)) فالإنسان يفعل الأرفق به، إن اقتصر على الإحدى عشرة فامتثل الكمية فعليه أن يعمل بالكيفية، وإن رأى أن التزامه للكيفية شاق عليه، ورأى العمل بالأحاديث الأخرى المطلقة غير المقيدة فالأمر فيه سعة، وأما حديث ابن عباس: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصلي في رمضان عشرين ركعة والوتر"، هذا رواه ابن أبي شيبة، لكن إسناده ضعيف.
"وحدثني عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أم المؤمنين قالت: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصلي بالليل ثلاث عشرة ركعة" يصلي بالليل ثلاث عشرة ركعة، "ثم يصلي إذا سمع النداء بالصبح ركعتين خفيفتين"، وهذا نص في أن الركعتين الزائدتين غير ركعتي الصبح، منهم من يقول: إنه يفتتح صلاة الليل بركعتين خفيفتين، فيكون مراد عائشة صلاة الليل التي هي الموصوفة بهذه الصفات، وما قبلها ركعتان خفيفتان، ومنهم من يقول: إن الركعتين الزائدتين في حديث عائشة وحديث ابن عباس وفي الأحاديث الأخرى راتبة العشاء، على كل حال الأمر ليس فيه تحجير، من صلى إحدى عشر وأطالها ولا تسأل عن حسنهن فذلك المطلوب، لكن إن زاد وخفف وعمل بالأحاديث المطلقة ((صلاة الليل مثنى مثنى)) فلا مانع من ذلك -إن شاء الله تعالى-.
يقول: "وحدثني عن مالك عن مخرمة بن سليمان عن كريب"، "عن مخرمة بن سليمان -الأسدي الوالبي- عن كريب -بن أبي مسلم الهاشمي مولاهم- مولى ابن عباس أن عبد الله بن عباس أخبره أنه بات ليلة عند ميمونة زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- وهي خالته" ميمونة بنت الحارث الهلالية، وأمه أم الفضل بنت الحارث، أخت ميمونة، "وهي خالته"، وهنا فيه: مبيت الصغير عند محرمه، وإن كانت متزوجة وعند زوجها، "قال: فاضطجعت في عرض الوسادة" العرض: ضد الطول، "في عرض الوسادة" وهي ما يوضع عليها الرأس للنوم، "واضطجع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأهله في طولها، فنام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حتى إذا انتصف الليل أو قبله بقليل، أو بعده بقليل"، هذا دليل على التحري، تحري الدقة، ما قال: نصف الليل، وقبله بقليل أو بعده بقليل، ما يحتاج أن يشار إليه، فتحرى الدقة في التعبير، "استيقظ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فجلس يمسح النوم عن وجهه بيده ثم قرأ العشر الآيات الخواتم من سورة آل عمران" {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ} [(190) سورة آل عمران] إلى آخره، "ثم قام إلى شن" الشن القربة الخلقة القديمة، "إلى شن معلق فتوضأ منه -من الشن- فأحسن وضوءه، ثم قام يصلي، قال ابن عباس: فقمت فصنعت مثل ما صنع" مقتضى ذلك أنه مثل ما صنع أنه مسح النوم من عينيه بيده، وأنه قام إلى الشن وتوضأ، وقرأ الآيات، وفعل كل ما فعله النبي -عليه الصلاة والسلام-، هذا مقتضى المماثلة، فهذا يقتضي أنه فعل كل ما فعل النبي -عليه الصلاة والسلام-، "ثم ذهبت فقمت إلى جنبه" الأيسر، وظاهره المساواة، "إلى جنبه" ظاهره المساواة، وهو أنه لم يتأخر عنه قليلًا كما قال بعض أهل العلم: إن الإمام يتقدم على المأموم وإن كان بجانبه، "فوضع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يده اليمنى على رأسي، وأخذ بأذني اليمنى يفتلها" هو على جنبه الأيسر فكيف وضع النبي -عليه الصلاة والسلام- يده اليمنى على رأسه؟ أو بعد التحويل؟ بعد التحويل، "وأخذ بأذني اليمنى"، التي بجانبه أذنه اليسرى بعد التحويل، هكذا من الخلف، لا مانع، لا مانع، يدلكها للتأنيس والمداعبة، وهذا عمل يسير وهو الصلاة، عمل يسير جدًّا، "فصلى ركعتين، ثم ركعتين" ذكر ذلك ست مرات، اثنتا عشرة ركعة، يفصل بين كل ركعتين، يعني ثم ركعتين، ثم ركعتين، ثم ركعتين، ثم ركعتين، يعني ست مرات، "ثم أوتر" يعني بواحدة على الأقل، بواحدة فيكون المجموعة ثلاثة عشر، أوتر بثلاث يكون المجموع خمسة عشرة، إن أوتر بأكثر..، لكنه أوتر، ما قيل: بواحدة ولا أكثر، ولا..، "ثم اضطجع حتى أتاه المؤذن" بلال، "ثم أوتر -بواحدة على الأقل- ثم اضطجع حتى أتاه المؤذن -وهو بلال- فصلى ركعتين خفيفتين" يعني هما ركعتا الفجر، وهذا وصف لركعتي الصبح وأنهما خفيفتان، وجاء من حديث عائشة تقول: "لا أدري أقرأ بفاتحة الكتاب أم لا؟" فدل على أن من صفة ركعتي الصبح أنهما خفيفتان، نعم، "ثم خرج -من الحجرة- فصلى الصبح" في الجماعة، -عليه الصلاة والسلام-.
يقول: "وحدثني عن مالك عن عبد الله بن أبي بكر -بن محمد بن عمرو بن حزم الأنصاري- أن عبد الله بن قيس بن مخرمة –المطلبي- أخبره عن زيد بن خالد الجهني –المدني- أنه قال: لأرمقن الليلة صلاة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: فتوسدت عتبته" لأرمقن الليلة صلاة رسول الله، الرمق: النظر إلى الشيء بشزر، يعني من جانب، من أحد الجانبين إما اليمين وإما الشمال، نعم، كأنه ينظر إليه شزرًا، "لأرمقن صلاة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: فتوسدت عتبته" أي عتبة الباب، جعلها له كالوسادة، "فوضع رأسه عليها أو فسطاطه" البيت من الشعر، وهذا شك، والرمق هنا وتوسد العتبة هذا ليس من التجسس المذموم، وإنما هو ليعرف كيف يفعل النبي -عليه الصلاة والسلام- للاقتداء، ليقتدي به، ليس معنى هذا أن الإنسان يضع رأسه على عتبة جاره يستمع ويقول: لنا سلف في هذا، لا، هذا يريد أن يقتدي بالنبي -عليه الصلاة والسلام-، "فقام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فصلى ركعتين طويلتين طويلتين طويلتين، ثم صلى ركعتين" مقتضى ذلك أن يقول: طويلتين، طويلتين، وهما دون اللتين قبلهما، ثم صلى ركعتين، مقتضى ذلك أن يقول: طويلتين، مرة واحدة، "وهما دون اللتين قبلهما، ثم صلى ركعتين" يعني بدون وصف بالطول، "هما دون الركعتين اللتين قبلهما"؛ لأنه وصف الركعتين الأوليين بالطول ثلاث مرات، واللتين بعدهما دون اللتين قبلهما مقتضاه أن يكرر الطول، ومقتضى الثالثة أن يأتي بالوصف مرة واحدة، ومقتضى الرابعة أن يأتي بهما بغير وصف، "ثم صلى ركعتين وهما دون اللتين قبلهما، ثم صلى ركعتين وهما دون اللتين قبلهما" كم؟ "ثم أوتر فتلك ثلاث عشرة ركعة"، وعرفنا أن العدد غير مقيد، فإن عمل بالقيد مقتديًا مؤتسيًا وجاء بالكمية والكيفية على ما أثر عنه -عليه الصلاة والسلام- فقد أحسن، وإن عجز عن الكيفية وأراد أن يزيد في العدد فلا مانع من ذلك عملًا بالأحاديث المطلقة.
"نعم؟ حيي كريم، نعم، المقصود أنه ثابت، ورد نفيه، وورد إثباته، والمنفي المقرون بما ذكر، لا يستحيي من ضرب المثل، نعم، لكنه يستحيي أن يرد من رفع يديه إليه صفرًا.
لا، من صلى إحدى عشرة لموافقته الكيفية والكمية أفضل، لكن المفاضلة بين من يصلي إحدى عشرة في نصف ساعة أو عشرين في ساعة نقول: لا، العشرين أفضل في ساعة.
بعد ارتفاع الشمس، وزوال وقت النهي إلى زوال الشمس يقضيه، فإذا كان ممن يوتر بثلاث يأتي بأربع ركعات، وإذا كان يوتر بخمس يأتي بست، وإذا جرت عادته الوتر بسبع يصلي ثمان، إلى آخره.
طالب:......
تعمد ترك القيام، تعمد والأمر مستو عنده أو لأنه محتاج إلى النوم أو شيئًا من هذا؟ محتاج للنوم ينام ويقضي الحمد لله...
انصرافه هذا بعد أن أتم صلاته، فتم لنفسه، وهذه بإحدى الروايات في مسلم، هي محمولة على الروايات الأخرى أنه نوى الإنفراد فأتم لنفسه، ثم سلم.
أولًا: عليك أن تصدق اللجأ إلى الله -جل وعلا-، وأن تستمر في المجاهدة، فقيام الليل من أشق الأمور على النفس، من أشق الأمور على النفس القيام بعد النوم، {إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْءًا} [(6) سورة المزمل] هذا ثقيل جدًّا، يعني سهل على الإنسان أن يسهر الليل، فإذا بقي من الليل جاء الثلث قام يصلي سهل، لكن أشد من ذلك أن ينام ثم يقوم لصلاة الليل، هذا أشد بلا شك، والمسألة تحتاج إلى جهاد، وما من مسلم يعمل عملًا إلا ولا بد أن يمر بمرحلة الجهاد التي هي مرحلة الاختبار، والسلف كثير منهم أثر عنه أنه جاهد نفسه لقيام الليل سنين، ثم تلذذ به بعد ذلك، تلذذ بقيام الليل بعد ذلك، فعليك أن تجاهد وتصدق اللجأ إلى لله -جل وعلا-، ثم يعنيك -جل وعلا-.
استدلوا بالأحاديث المطلقة: ((صلاة الليل مثنى مثنى، فإذا خشي أحدكم الصبح فليصلي ركعة توتر له ما قد صلى)) فبهذا الإطلاق عملوا، ونظرًا لعدم إطاقة الناس، الكيفية التي جاءت في وصف صلاته -عليه الصلاة والسلام- "فلا تسأل عن حسنهن وطولهن" لجأوا إلى الإطلاق مع كثرة الركعات؛ عملًا بالأحاديث المطلقة كما ذكرنا، وبقوله -عليه الصلاة والسلام-: ((أعني على نفسك بكثرة السجود)) ، نعم عمر أيضًا أمر أبيًّا أن يصلي بهم في إحدى عشرة ثم بالعشرين.
هو الكلام على أنه كله عمل، يعني المسألة مفترضة في شخص يريد أن يصلي ساعتين، هل يصلي في هاتين الساعتين إحدى عشرة أو يصلي عشرين؟ نقول: صلِّ إحدى عشرة في الساعتين أفضل؛ لتوافق الكمية والكيفية، لكن إن قال: لا، أنا أصلي إحدى عشرة ركعة في نصف ساعة، أو أصلي عشرين في ساعة؟ نقول: لا، العشرين أفضل.