التعليق على تفسير القرطبي - سورة الفتح (01)
سُورَةُ الْفَتْحِ مَدَنِيَّةٌ بِإِجْمَاعٍ، وَهِيَ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ آيَةً. وَنَزَلَتْ لَيْلًا بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةَ فِي شَأْنِ الْحُدَيْبِيَةِ.
رَوَى مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنِ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ وَمَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ، قَالَا: نَزَلَتْ سُورَةُ الْفَتْحِ بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ فِي شَأْنِ الْحُدَيْبِيَةِ مِنْ أَوَّلِهَا إِلَى آخِرِهَا. وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان يَسِيرُ فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ وَعُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يَسِيرُ مَعَهُ لَيْلًا، فَسَأَلَهُ عُمَرُ عَنْ شَيْءٍ فَلَمْ يُجِبْهُ رَسُول اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، ثُمَّ سَأَلَهُ فَلَمْ يُجِبْهُ، ثُمَّ سَأَلَهُ فَلَمْ يُجِبْهُ، فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: ثَكِلَتْ أُمُّ عُمَرَ، نزرتُ".
نزرتَ، يخاطب نفسه.
"نَزَرْتَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثَلَاثٌ مَرَّاتٍ كُلَّ ذَلِكَ لَمْ يُجِبْكَ، فَقَالَ عُمَرُ: فَحَرَّكْتُ بَعِيرِي ثُمَّ تَقَدَّمْتُ أَمَامَ النَّاسِ، وَخَشِيتُ أَنْ يَنْزِلَ فِيَّ قُرْآنٌ، فَمَا نَشِبْتُ أَنْ سَمِعْتُ صَارِخًا يَصْرُخُ بِي، فَقُلْتُ: لَقَدْ خَشِيتُ أَنْ يَكُونَ نَزَلَ فِيَّ قُرْآنٌ، فَجِئْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَقَالَ: «لَقَدْ أُنْزِلَتْ عَلَيَّ اللَّيْلَةَ سُورَةٌ لَهِيَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ- ثُمَّ قَرَأَ {إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً}» لَفْظُ الْبُخَارِيِّ. وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ صَحِيحٌ. وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ، عَنْ قَتَادَةَ، أَنَّ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ حَدَّثَهُمْ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ {إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً. لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِراطاً مُسْتَقِيمًا} إِلَى قَوْلِهِ: {فَوْزاً عَظِيماً} مَرْجِعَهُ مِنَ الْحُدَيْبِيَةِ وَهُمْ يُخَالِطُهُمُ الْحُزْنُ وَالْكَآبَةُ، وَقَدْ نَحَرَ الْهَدْيَ بِالْحُدَيْبِيَةِ."
نعم؛ لأنهم صدوا عن البيت، وجاءوا لمقصد صدهم الكفار عنه، وفي قصة الحديبية ما حصل من المحاورة والمراجعة في شأن الصلح بين النبي-عليه الصلاة والسلام- وبين الصحابة الكرام من حرصهم على الخير لم يبادروا بالامتثال؛ حرصًا منهم على أداء النسك الذي جاءوا من أجله، وظنًّا منهم أن هذا الصلح فيه شيء من الهضم والدنية لهم، لكن الخيرة فيما يختاره الله –جل وعلا-، وما كان الله ليختار لنبيه إلا أفضل الأحوال وأكمل الأحوال، فصار فتحًا هذا الصد، وهذا الصلح صار فتحًا عظيمًا مبينًا انتفع به الإسلام والمسلمون، وانتشر فيه الإسلام، وتمكن النبي –عليه الصلاة والسلام- من دعوة القبائل والآفاق والأقطار، ولولا هذا الصلح لانشغل بقريش عن غيرهم، فلم يحصل منه خير ما حصل، ثم بعد ذلك لما كثروا المسلمون، انتقض العهد، نقضوا العهد عهد النبي–عليه الصلاة والسلام-، ثم جاءهم غازيًا فاتحًا فخرج منتصرًا ظافرًا.
هم يقولون: كيف يسمى هذا الصد وهذا الصلح مع ما فيه مما يظن أن فيه هضمًا للرسول وصحابته– عليه الصلاة والسلام- قالوا: إن مقدمات الفتح فتح، فصار هذا الصلح مقدمة لفتوح ليس لفتح واحد، لكن من أعظم ما حصل من آثار هذا الصلح فتح مكة.
"فَقَالَ «لَقَدْ أُنْزِلَتْ عَلَيَّ آيَةٌ هِيَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنَ الدُّنْيَا جَمِيعًا» وَقَالَ عَطَاءٌ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: إِنَّ الْيَهُودَ شَتَمُوا النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَالْمُسْلِمِينَ لَمَّا نَزَلَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَما أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ} [الأحقاف: 9] فرح المشركون والمنافقون وَقَالُوا: كَيْفَ نَتَّبِعُ رَجُلًا لَا يَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِهِ! فَاشْتَدَّ ذَلِكَ عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-".
يعني كما جاء في قوله –جل وعلا –: {وإنا أو إياكم لعلى هدىً أو في ضلال} هذا على سبيل التنزل مع الخصم، ولما نزل قوله: {وما أدري ما يفعل بي ولا بكم} كما تقدم هذا اشتد على النبي–عليه الصلاة والسلام- وعلى الصحابة؛ لأن الكفار استغلوا مثل هذه الآية التي تدل على أن الرسول لا يدري ما مصيره، يعني ظاهرها يدل على أن الرسول لا يعلم ما مصيره، لكن مع ذلك أنزل الله –جل وعلا- مطلع هذه السورة.
"فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً. لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ} وَنَحْوَهُ قال مقاتل بن سُلَيْمَانَ: لَمَّا نَزَلَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَما أَدْرِي ما يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ} [الأحقاف: 9] فَرِحَ الْمُشْرِكُونَ وَالْمُنَافِقُونَ وَقَالُوا: كَيْفَ نَتَّبِعُ رَجُلًا لَا يَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِهِ وَلَا بِأَصْحَابِهِ، فنزلت بعد ما رَجَعَ مِنَ الْحُدَيْبِيَةِ {إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً} أَيْ قَضَيْنَا لَكَ قَضَاءً. فَنَسَخَتْ هَذِهِ الْآيَةُ تِلْكَ. فَقَالَ النَّبِيُّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لَقَدْ أُنْزِلَتْ عَلَيَّ سُورَةٌ مَا يَسُرُّنِي بِهَا حُمُرُ النَّعَمِ»".
لا حمْر، حمْر بإسكان الميم.
طالب: حمْرُ بإسكان الميم؟
بإسكان الميم جمع أحمر، أما حُمُر فجمع حمار.
" وَقَالَ الْمَسْعُودِيُّ: بَلَغَنِي أَنَّهُ مَنْ قَرَأَ سُورَةَ الْفَتْحِ فِي أَوَّلِ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ فِي صَلَاةِ التَّطَوُّعِ حَفِظَهُ اللَّهُ ذلك العام."
لا أصل له، ماذا يقول؟
ما خرجه؟
طالب: ما خرجه، المسعودي ... بلغني..
نعم له حكم الرفع، هذا له حكم الرفع، لا بد أن يخرج، لكنه لا أصل له.
"بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
قوله تعالى: {إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً}".
طالب: خبر ضعيف.
من الذي يقوله؟
طالب: ذكره السيوطي في الدر المنثور، وعزاه السِّلفي في .......بإسناد عن ..... والخبر ضعيف.
بلا شك، لا أصل له..
" قوله تعالى: {إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً} اخْتُلِفَ فِي هَذَا الْفَتْحِ مَا هُوَ؟ فَفِي الْبُخَارِيِّ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ قَالَ: حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ: سَمِعْتُ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ " إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً" قَالَ: الْحُدَيْبِيَةُ. وَقَالَ جَابِرٌ: مَا كُنَّا نَعُدُّ فَتْحَ مَكَّةَ إِلَّا يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ. وَقَالَ الْفَرَّاءُ: تَعُدُّونَ أَنْتُمُ الْفَتْحَ فَتْحَ مَكَّةَ، وَقَدْ كَانَ فَتْحُ مَكَّةَ فَتْحًا، وَنَحْنُ نَعُدُّ الْفَتْحَ بَيْعَةَ الرِّضْوَانِ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ، كُنَّا نُعَدُّ مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَرْبَعَ عَشْرَةَ مِائَةٍ، وَالْحُدَيْبِيَةُ بِئْرٌ."
الزمخشري رجح أن الفتح فتح مكة {إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً}، والسورة نزلت مرجعه من الحديبية قبل الفتح قال: إنه يعبر عن المستقبل بالماضي؛ لتحقق الوقوع، كما في قوله –جل وعلا-: {أتى أمر الله} فتحنا يعني نفتح، الفتح لم يأت بعد، وعبر عنه بالماضي فتحنا؛ لتحقق الوقوع.
" وَقَالَ الضَّحَّاكُ: {إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً} بِغَيْرِ قِتَالٍ. وَكَانَ الصُّلْحُ مِنَ الْفَتْحِ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: هُوَ مَنْحَرُهُ بِالْحُدَيْبِيَةِ وَحَلْقِهِ رَأْسَهُ. وَقَالَ: كَانَ فَتْحُ الْحُدَيْبِيَةِ آيَةً عَظِيمَةً، نُزِحَ مَاؤُهَا فَمَجَّ فِيهَا، فَدَرَّتْ بِالْمَاءِ حَتَّى شَرِبَ جَمِيعُ مَنْ كَانَ مَعَهُ."
يعني غار ماؤها وانتهي، فمج فيها النبي-عليه الصلاة والسلام- مجة من فمه ففار الماء، وشربوا وتوضؤوا واستقوا، وبقي فيها ما بقي، وقيل لمسيلمة هذا الخبر، فمج في بئر تفور، فغار ماؤها –نسأل الله العافية-.
"وَقَالَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ".
صاحب المغازي المشهور.
" وَقَالَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ: قَالَ رَجُلٌ عِنْدَ مُنْصَرَفِهِمْ مِنَ الْحُدَيْبِيَةِ: مَا هَذَا بِفَتْحٍ، لَقَدْ صَدُّونَا عَنِ الْبَيْتِ. فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «بَلْ هُوَ أَعْظَمُ الْفُتُوحِ، قَدْ رَضِيَ الْمُشْرِكُونَ أَنْ يَدْفَعُوكُمْ عن بلادهم بالراح، ويسألوكم الْقَضِيَّةَ، وَيَرْغَبُوا إِلَيْكُمْ فِي الْأَمَانِ، وَقَدْ رَأَوْا مِنْكُمْ مَا كَرِهُوا».
يعني يكفي أن يراك الخصم ندًّا له، ويصالحك، ويرضى بأن ترجع هذه السنة، وترجع من قابل، يعني فيه شيء من ظهور القوة للنبي –عليه الصلاة والسلام- وأصحابه بعد أن كانوا في أول الأمر لا يحسب لهم حساب، صاروا الآن يحسب لهم حساب، فهذا انتصار، ولا يعني الانتصار رجحان الكفة من كل وجه، لا، يعني تحصيل بعض الشيء أحسن من لا شيء، هذا على سبيل التنزل، وإلا فحصل خير كثير غاب عن أذهان من عارضوا النبي –عليه الصلاة والسلام- في أول الأمر، وتمنعوا من التحلل حتى حلق النبي –عليه الصلاة والسلام- رأسه، فكادوا أن يقتتلوا.
طالب:....وأبو بكر ..
والله ما هذا بفتح.
طالب:.....
ما أدري، ما سماه؟
طالب: ..............
ما أدري.
"وقَالَ الشَّعْبِيُّ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً} قَالَ: هُوَ فَتْحُ الْحُدَيْبِيَةِ، لَقَدْ أَصَابَ بِهَا مَا لَمْ يُصِبْ فِي غَزْوَةٍ، غَفَرَ اللَّهُ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ، وَبُويِعَ بيعة الرضوان، وَأُطْعِمُوا نَخْلَ خَيْبَرَ، وَبَلَغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ، وَظَهَرَتِ الرُّومُ عَلَى فَارِسَ، فَفَرِحَ الْمُؤْمِنُونَ بِظُهُورِ أَهْلِ الْكِتَابِ عَلَى الْمَجُوسِ.
وَقَالَ الزُّهْرِيُّ: لَقَدْ كَانَ الْحُدَيْبِيَةُ أَعْظَمَ الْفُتُوحِ؛ وَذَلِكَ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جَاءَ إِلَيْهَا فِي أَلْفٍ وَأَرْبَعِمِائَةٍ، فَلَمَّا وَقَعَ الصُّلْحُ مَشَى النَّاسُ بَعْضُهُمْ فِي بَعْضٍ وَعَلِمُوا وَسَمِعُوا عَنِ اللَّهِ، فَمَا أَرَادَ أَحَدٌ الْإِسْلَامَ إِلَّا تَمَكَّنَ مِنْهُ، فَمَا مَضَتْ تِلْكَ السَّنَتَانِ إِلَّا وَالْمُسْلِمُونَ قَدْ جَاءُوا إِلَى مَكَّةَ فِي عَشْرَةِ آلَافٍ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ أيضا والعوفي: هو فتح خيبر. وَالْأَوَّلُ أَكْثَرُ، وَخَيْبَرُ إِنَّمَا كَانَتْ وَعْدًا وُعِدُوهُ، عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانُهُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {سَيَقُولُ الْمُخَلَّفُونَ إِذَا انْطَلَقْتُمْ} [الفتح: 10]، وَقَوْلُهُ: {وَعَدَكُمُ اللَّهُ مَغانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَها فَعَجَّلَ لَكُمْ هذِهِ} [الفتح: 20]. وَقَالَ مُجَمِّعُ بْنُ جَارِيَةَ -وَكَانَ أَحَدَ الْقُرَّاءِ الَّذِينَ قَرَءُوا الْقُرْآنَ-: شَهِدْنَا الْحُدَيْبِيَةَ مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَلَمَّا انْصَرَفْنَا عَنْهَا إِذَا النَّاسُ يَهُزُّونَ الْأَبَاعِرَ، فَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ لِبَعْضٍ: مَا بَالُ النَّاسِ؟ قَالُوا: أَوْحَى اللَّهِ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
قَالَ: فَخَرَجْنَا نُوجِفُ فَوَجَدْنَا نَبِيَّ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عِنْدَ كُرَاعِ الْغَمِيمِ، فَلَمَّا اجْتَمَعَ النَّاسُ قَرَأَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: {إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً} فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: أَوَ فَتْحٌ هُوَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «نَعَمْ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّهُ لَفَتْحٌ»، فَقُسِّمَتْ خَيْبَرُ عَلَى أَهْلِ الْحُدَيْبِيَةِ، لَمْ يَدْخُلْ أَحَدٌ إِلَّا مَنْ شَهِدَ الْحُدَيْبِيَةَ.
وَقِيلَ: إِنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى: " فَتْحاً" يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَكَّةَ فُتِحَتْ عَنْوَةً؛ لِأَنَّ اسْمَ الْفَتْحِ لَا يَقَعُ مُطْلَقًا إِلَّا عَلَى مَا فُتِحَ عَنْوَةً. هَذَا هُوَ حَقِيقَةُ الِاسْمِ. وَقَدْ يُقَالُ: فُتِحَ الْبَلَدُ صُلْحًا، فَلَا يُفْهَمُ الصُّلْحُ إِلَّا بِأَنْ يُقْرَنَ بِالْفَتْحِ، فَصَارَ الْفَتْحُ فِي الصُّلْحِ مَجَازًا. وَالْأَخْبَارُ دَالَّةٌ عَلَى أَنَّهَا فُتِحَتْ عَنْوَةً، وَقَدْ مَضَى القول فيها ويأتي".
الخلاف بين أهل العلم في مكة هل فتحت صلحًا أو فتحت عنوة معروف، الذين يقولون: إنها فتحت عنوة يستدلون بمثل هذا، وأن النبي –عليه الصلاة والسلام- أحلت له ساعة من نهار، فدخلها وعليه المغفر، ودخلها من جهة، وخالد بن الوليد من جهة، هذا كله يدل على أنها فتحت عنوة، وأنهم استسلموا بعد ذلك.
ومنهم من يقول: إنها فتحت صلحًا؛ لأنه لو كانت فتحت عنوة لقسمت بين الغانمين كغيرها مما يفتح عنوة، النبي –عليه الصلاة والسلام- منَّ على أهلها؛ لمنزلتهم ومكانتهم ومكانة هذا البلد الطيب الطاهر أفضل البقاع، وأقدس الأماكن، منَّ عليهم بأنفسهم قال: «اذهبوا فأنتم الطلقاء»، كما منَّ عليهم بأموالهم وهي في أيديهم من بيوت وغيرها، ومنه أيضًا منّه على أهل حنين، غزوة حنين منّ على الطائف وهوازن وغيرهما، منَّ عليهم بأموالهم، وأعادها إليهم بعد أن استأذن الغانمين، وهم الصحابة –رضي الله عنهم-.
طالب: السبي....الأطفال أم الأموال؟
ماذا؟
طالب:...
من عليه بالجميع.
طالب:.....
أو يعوضون، أو يعوضون.
طالب:.....
يمكن طابت بها أنفسهم.
"قوله تعالى: {لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِراطاً مُسْتَقِيماً (2) وَيَنْصُرَكَ اللَّهُ نَصْراً عَزِيزاً}.
قَالَ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ: فَتْحاً مُبِيناً غَيْرَ تَامٍّ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ: " لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ" مُتَعَلِّقٌ بِالْفَتْحِ. كَأَنَّهُ قَالَ: إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا؛ لِكَيْ يَجْمَعَ اللَّهُ لَكَ مَعَ الْفَتْحِ الْمَغْفِرَة، فَيَجْمَعُ اللَّهُ لَكَ بِهِ مَا تَقَرُّ بِهِ عَيْنُكَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ."
يعني الجار والمجرور ليغفر لك الله متعلق بفتحنا، بالفعل فتحنا، وعلى هذا لا يتم الكلام إلا إذا قُرئ بعده ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك.
" وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ السِّجِسْتَانِيُّ: هِيَ لَامُ الْقَسَمِ. وَهَذَا خَطَأٌ؛ لِأَنَّ لَامَ الْقَسَمِ لَا تُكْسَرُ، وَلَا يُنْصَبُ بِهَا، وَلَوْ جَازَ هَذَا لَجَازَ: لِيَقُومَ زَيْدٌ، بِتَأْوِيلِ لَيَقُومَنَّ زَيْدٌ. قال الزَّمَخْشَرِيُّ: فَإِنْ قُلْتَ كَيْفَ جُعِلَ فَتْحُ مَكَّةَ عِلَّةً لِلْمَغْفِرَةِ؟ قُلْتُ: لَمْ يُجْعَلْ عِلَّةً لِلْمَغْفِرَةِ، وَلَكِنْ لِاجْتِمَاعِ مَا عُدِّدَ مِنَ الْأُمُورِ الْأَرْبَعَةِ، وَهِيَ: الْمَغْفِرَةُ، وَإِتْمَامُ النِّعْمَةِ."
فَإِنْ قُلْتَ: كَيْفَ جُعِلَ فَتْحُ مَكَّةَ عِلَّةً لِلْمَغْفِرَةِ هذا بناءً على ما يرجحه الزمخشري على أن المراد بالفتح، فتح مكة، والتعليل عند غيره كيف جعل الصلح صلح الحديبية علة للمغفرة.
"وَلَكِنْ لِاجْتِمَاعِ مَا عُدِّدَ مِنَ الْأُمُورِ الْأَرْبَعَةِ، وَهِيَ: الْمَغْفِرَةُ، وَإِتْمَامُ النِّعْمَةِ، وَهِدَايَةُ الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ، وَالنَّصْرُ الْعَزِيزُ. كَأَنَّهُ قَالَ: يَسَّرْنَا لَكَ فَتْحَ مَكَّةَ، وَنَصَرْنَاكَ عَلَى عَدُوِّكَ؛ لِيُجْمَعَ لَكَ عِزُّ الدَّارَيْنِ وَأَعْرَاضُ الْعَاجِلِ وَالْآجِلِ.
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فَتْحُ مَكَّةَ مِنْ حَيْثُ إِنَّهُ جِهَادٌ لِلْعَدُوِّ سَبَبًا لِلْغُفْرَانِ وَالثَّوَابِ. وَفِي التِّرْمِذِيِّ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: أُنْزِلَتْ عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-" لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ" مَرْجِعَهُ مِنَ الْحُدَيْبِيَةِ، فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لَقَدْ أُنْزِلَتْ عَلَيَّ آيَةٌ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ»، ثُمَّ قَرَأَهَا النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَيْهِمْ، فَقَالُوا: هنيئًا مريئًا يا رسول اللَّهِ، لَقَدْ بَيَّنَ اللَّهُ لَكَ مَاذَا يَفْعَلُ بِكَ، فَمَاذَا يَفْعَلُ بِنَا؟ فَنَزَلَتْ عَلَيْهِ: {لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ} -حَتَّى بَلَغَ- {فَوْزاً عَظِيماً} قَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صحيح. وفية عن مجمع بن جَارِيَةَ. وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي مَعْنَى".
فيه يعني في الترمذي، ماذا قال عن هذا الحديث.
طالب: قال تقدم قبل...قال: أخرجه الحاكم من حديث مجمع بن جارية، وصححه على شرط مسلم وتعقبه ..... فقال: لم يروِ مسلم لمجمع شيئًا ولا أبيه، وهو ما تقدم.
" وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي مَعْنَى: {لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ} فَقِيلَ: " مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ" قَبْلَ الرِّسَالَةِ، " وَما تَأَخَّرَ" بَعْدَهَا، قَالَهُ مُجَاهِدٌ. وَنَحْوَهُ قَالَ الطَّبَرِيُّ وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، قَالَ الطَّبَرِيُّ: هُوَ رَاجِعٌ إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: {إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ} -إلى قوله: - {تَوَّاباً} [النصر: 3 -1]." لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ" قَبْلَ الرِّسَالَةِ" وَما تَأَخَّرَ" إِلَى وَقْتِ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ".
لو قيل: ما تقدم قبل نزول الآية، وما تأخر ما بعد نزول الآية، وهذا السبب في قولهم: قبل الرسالة؛ لأنه بعد الرسالة معصوم من الذنوب، لكن إذا أمكن توجيه ما قبل فكيف يمكن توجيه ما بعد؟ يعني ما بعد الرسالة، والذنب المضاف إليه -صلى الله عليه وسلم- بعد عصمته في قول عامة أهل العلم في اختياره خلاف الأولى، كما وقع في قصة الأسرى، كما وقع بنا في قصة أسرى بدر، وأنه لا تقع منه الذنوب الكبائر، هذا محل إجماع، وأما الصغائر فمحل كلام لأهل العلم، وهو معصوم على كل حال من كل ذنب.
طالب: هل هذا خاص بالرسول –صلى الله عليه وسلم- دون سائر الرسل؟
يعني بعد الرسالة العصمة للرسول نعم، لكن قد يقع منهم ما يقع قبل الرسالة مثل قتل موسى القبطي وغيره يقع منه قبل الرسالة ما يقع؛ لأنهم لا يعصمون إلا بعدها.
طالب: مغفرة ما يتأخر خاص بالنبي –صلى الله عليه وسلم-..
دون أمته؟
طالب: نعم.
لا، جاء في بعض الخصال جاء فيها مغفرة بعض الذنوب المتقدمة والمتأخرة، جاء في بعض طرق حديث «من صام رمضان..»، «من قام رمضان..»، «من قام ليلة القدر غفر له ما تقدم من ذنبه» وعند النسائي: «وما تأخر»، هناك عدة أحاديث فيها: وما تأخر، جمعها في كتاب أسماه: الخصال المكفرة للذنوب المتقدمة والمتأخرة، وإذا كانت رواية النسائي متكلمًا فيها، لكن يبقى أنه جاء في بعض النصوص ما يدل على غفران الذنوب مقدمها ومتأخرها، يكفر السنة الماضية، والباقية، هذا متأخر، نعم.
طالب: بعض المحدثين قال: إنه إذا ورد في الحديث: ما تقدم وما تأخر يحكم بضعفه، يقولون...
ماذا عن حديث صيام يوم عرفة: «أحتسب على الله أن يغفر السنة الماضية والباقية» يعني اللاحقة؟ هذا صحيح لا يمكن الطعن فيه.
" وَنَحْوَهُ قَالَ الطَّبَرِيُّ وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، قَالَ الطَّبَرِيُّ: هُوَ رَاجِعٌ إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: {إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ} -إلى قوله:- {تَوَّاباً}، {لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ} قَبْلَ الرِّسَالَةِ، " وَما تَأَخَّرَ" إِلَى وَقْتِ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ، "وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ: {لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ} مَا عَمِلْتَهُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُوحَى إِلَيْكَ. " وَما تَأَخَّرَ" كُلُّ شَيْءٍ لَمْ تَعْمَلْهُ، وَقَالَهُ الْوَاحِدِيُّ. وَقَدْ مَضَى الْكَلَامُ فِي جَرَيَانِ الصَّغَائِرِ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ فِي سُورَةِ " الْبَقَرَةِ"، فَهَذَا قَوْلٌ.
وقيل:" مَا تَقَدَّمَ" قَبْلَ الْفَتْحِ. " وَما تَأَخَّرَ" بَعْدَ الْفَتْحِ. وَقِيلَ:" مَا تَقَدَّمَ" قَبْلَ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ." وَما تَأَخَّرَ" بَعْدَهَا."
يعني من الأقوال يقول: قال سفيان: ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك ما عملته في الجاهلية، هذا المتصور من قبل أن يوحي إليك، وما تأخر كل شيء لم تعمله، الشيء الذي لم يعمله يحتاج إلى مغفرة؟ ما يحتاج إلى مغفرة، اللهم إلا إذا قلنا: إن قصر دون العمل، واكتفى بالهم مثلاً، أو العزم، ممكن، وإلا فشيء لم يعمل، ولم يهم به، ولم يعزم عليه، هذا من الأصل مرفوع، ما يحتاج إلى مغفرة.
"وَقَالَ عَطَاءٌ الْخُرَاسَانِيُّ:" مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ" يَعْنِي مِنْ ذَنْبِ أَبَوَيْكَ آدَمَ وَحَوَّاءَ. " وَما تَأَخَّرَ" مِنْ ذُنُوبِ أُمَّتِكَ. وَقِيلَ: مِنْ ذَنْبِ أَبِيكَ إِبْرَاهِيمَ. " وَما تَأَخَّرَ" مِنْ ذُنُوبِ النَّبِيِّينَ".
هذا كلام كله ضعيف لا يلتفت إليه، ذنب أبويك آدم وحواء، ذنب إبراهيم، ذنوب أمتك هذه كلها لا تتعلق به.
" وَقِيلَ:" مَا تَقَدَّمَ" مِنْ ذَنْبِ يَوْمِ بَدْرٍ." وَما تَأَخَّرَ" مِنْ ذَنْبِ يَوْمِ حُنَيْنٍ. وَذَلِكَ أَنَّ الذَّنْبَ الْمُتَقَدِّمَ يَوْمَ بَدْرٍ، أَنَّهُ جَعَلَ يَدْعُو وَيَقُولُ: «اللَّهُمَّ إِنْ تُهْلِكْ هَذِهِ الْعِصَابَةَ لَا تُعْبَدُ فِي الْأَرْضِ»، وَجَعَلَ يُرَدِّدُ هَذَا الْقَوْلَ دَفَعَاتٍ، فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ مِنْ أَيْنَ تَعْلَمُ أَنِّي لَوْ أَهْلَكْتُ هَذِهِ الْعِصَابَةَ لَا أُعْبَدُ أَبَدًا، فَكَانَ هَذَا الذَّنْبُ الْمُتَقَدِّمُ. وَأَمَّا الذَّنْبُ الْمُتَأَخِّرُ فَيَوْمَ حُنَيْنٍ، لَمَّا انْهَزَمَ النَّاسُ قَالَ لِعَمِّهِ الْعَبَّاسِ وَلِابْنِ عَمِّهِ أَبِي سُفْيَانِ: «نَاوِلَانِي كَفًّا مِنْ حَصْبَاءِ الْوَادِي»، فَنَاوَلَاهُ فَأَخَذَهُ بِيَدِهِ وَرَمَى بِهِ فِي وُجُوهِ الْمُشْرِكِينَ وَقَالَ: «شَاهَتِ الْوُجُوهُ. حم. لَا يُنْصَرُونَ» فَانْهَزَمَ الْقَوْمُ عَنْ آخِرِهِمْ، فَلَمْ يَبْقَ أَحَدٌ إِلَّا امْتَلَأَتْ عَيْنَاهُ رَمْلًا وَحَصْبَاءَ. ثُمَّ نَادَى فِي أَصْحَابِهِ فَرَجَعُوا فَقَالَ لَهُمْ عِنْدَ رُجُوعِهِمْ: «لَوْ لَمْ أَرْمِهِمْ لَمْ يَنْهَزِمُوا»، فَأَنْزَلَ اللَّهُ -عَزَّ وَجَل-: {وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللَّهَ رَمى} [الأنفال: 17]، فَكَانَ هَذَا هُوَ الذَّنْبُ الْمُتَأَخِّرُ."
خرج؟
طالب: .... الأول لا تعبد في الأرض قال: تقدم تخريجه في سورة آل عمران، الحديث عند الترمذي وقال: حسن صحيح غريب، صححه الألباني، والثاني قال: تقدم تخريجه في الأنفال، وفي قصة حنين، وكون ذلك ذنبًا للنبي –صلى الله عليه وسلم- باطل .... القصة..
بلا شك.
طالب: الأول صحيح حتى بالزيادة.
نعم.
طالب: وجعل يردد هذا القول: من أين تعلم أني لو أهلكت هذه العصابة..
يقول: هذا هو الذنب، لكن إن تهلك هذه العصابة صحيح بلا إشكال.
طالب: يعني ....
أوله صحيح بلا إشكال، مصححه بالكامل.
طالب: الحديث خرج اللهم إن تهلك هذه العصابة فلن تعبد في الأرض أبدًا.
نعم، هذ المعروف الباقي ما أعرفه.
طالب: زيادة....
ما نعرف، ما نعرف، ما أعرف والله.
طالب: الآية {ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم أو يعذبهم}.
نعم، {ليس لك من الأمر شيء} نزلت لما قال: اللهم أهلك فلانًا وفلانًا.
طالب: في أحد؟
نعم.
طالب: حديث الشفاعة..
نعم، فيه.
طالب: الأنبياء كل يرجعها إلى النبي –صلى الله عليه وسلم-؛ لأنه لم يذنب، هل هناك من ذنوب بعض الأنبياء ما هو بسيط جدًّا؟
على كل حال العصمة مجزوم بها، ومقطوع بها، والآية لا بد لها من جواب، فالذنب بالنسبة له وإن كان إذا نظر إليه بالنسبة لغيره ليس بذنب، يعني مسألة خطأ في اجتهاد، أو ارتكاب خلاف الأولى من باب ما يقوله ويكرره أهل العلم: حسنات الأبرار سيئات المقربين، فإذا كان هذا سيئة بالنسبة للمقربين، فكيف بالنسبة لأقربهم، وهو النبي-عليه الصلاة والسلام-؟
" وَقَالَ أَبُو عَلِيٍّ الرُّوذبَارِيُّ: يَقُولُ لَوْ كَانَ لَكَ ذَنْبٌ قَدِيمٌ أَوْ حَدِيثٌ لَغَفَرْنَاهُ لَكَ. قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ} قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فِي الْجَنَّةِ. وَقِيلَ: بِالنُّبُوَّةِ وَالْحِكْمَةِ. وَقِيلَ: بِفَتْحِ مَكَّةَ وَالطَّائِفِ وَخَيْبَرَ. وَقِيلَ: بِخُضُوعِ مَنِ اسْتَكْبَرَ وَطَاعَةِ مَنْ تَجَبَّرَ، {وَيَهْدِيَكَ صِراطاً مُسْتَقِيماً} أَيْ يُثَبِّتُكَ عَلَى الْهُدَى إِلَى أَنْ يَقْبِضَكَ إِلَيْهِ، {وَيَنْصُرَكَ اللَّهُ نَصْراً عَزِيزاً} أَيْ غَالِبًا مَنِيعًا لَا يتبعه ذل."
نعم يهديك صراطًا مستقيمًا هو على الصراط المستقيم قد هداه الله إلى الصرط المستقيم، ويكون هذا من باب التثبيت، يثبتك عليه كما يؤمر المؤمن بالإيمان، {يأيها الذين آمنوا آمِنوا}، يعني تثبتوا على إيمانكم.
قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدادُوا إِيماناً مَعَ إِيمانِهِمْ وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَكانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً}" السَّكِينَةُ": السُّكُونُ وَالطُّمَأْنِينَةُ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: كُلُّ سَكِينَةٍ فِي الْقُرْآنِ هِيَ الطُّمَأْنِينَةُ إِلَّا الَّتِي فِي " الْبَقَرَةِ". وَتَقَدَّمَ مَعْنَى زِيَادَةِ الْإِيمَانِ فِي " آل عمران". وقال ابْنُ عَبَّاسٍ: بُعِثَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِشَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، فَلَمَّا صَدَّقُوهُ فِيهَا زَادَهُمُ الصَّلَاةَ، فَلَمَّا صَدَّقُوهُ زَادَهُمُ الزَّكَاةَ، فَلَمَّا صَدَّقُوهُ زَادَهُمُ الصِّيَامَ، فَلَمَّا صَدَّقُوهُ زَادَهُمُ الْحَجَّ، ثُمَّ أَكْمَلَ لَهُمْ دِينَهُمْ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ: {لِيَزْدادُوا إِيماناً مَعَ إِيمانِهِمْ} أَيْ تَصْدِيقًا".
يعني مثل حديث لما بعث النبي –عليه الصلاة والسلام- معاذًا إلى اليمن قال: «إنك تأتي قومًا أهل كتاب، فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله، فإن هم أطاعوك لذلك فأعلمهم أن الله قد افترض عليهم خمس صلوات.. إلى آخر الحديث، فالأوامر بالتدريج بعضها مرتب على بعض، الذي لا يشهد أن لا إله إلا الله ما له داعٍ أن يصلي؛ لأنه لم يدخل في الإسلام بعد، وإن قال أهل العلم: إن من صلي فهو مسلمٌ حكمًا، لكن حديث «أُمرت أن أقاتل الناس حتي يشهدوا أن لا إله إلا الله» يدل على أن الغاية لحقن دماؤهم أن يقولوا: لا إله إلا الله، ثم إذا أجابوا إليها طلبتم منهم الشرائع التي من أعظمها الصلاة، بل هي أعظمها على الإطلاق بعد الشهادتين ثم قال: إن الإنسان الذي لا يصلي يدفع الزكاة، والذي لا يصوم ولا يصلي ولا يزكي هذا ما يقال له: تحج البيت، وهكذا الأمور مرتبة بعضها على بعض لاسيما عند من يقول: إن هذه الأركان العملية يكفر بواحد منها إذا تركه، وأما ما قاله الجمهور: الكفر خاص على القول المرجح المحقق الخاص بترك الصلاة من الأعمال البدنية فعلى القول الثاني أنه يزكي ولا يصلي أن زكاته محل نظر إلى الله –جل وعلا- يمكن أن تقبل، وإذا صام ولا يزكي فكذلك.
" فَذَلِكَ قَوْلُهُ: {لِيَزْدادُوا إِيماناً مَعَ إِيمانِهِمْ} أَيْ تَصْدِيقًا بِشَرَائِعِ الْإِيمَانِ مَعَ تَصْدِيقِهِمْ بِالْإِيمَانِ. وَقَالَ الرَّبِيعُ بْنُ أَنَسٍ: خَشْيَةً مَعَ خَشْيَتِهِمْ. وَقَالَ الضَّحَّاكُ: يَقِينًا مَعَ يَقِينِهِمْ." وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ" قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: يُرِيدُ الْمَلَائِكَةَ وَالْجِنَّ وَالشَّيَاطِينَ وَالْإِنْسَ" وَكانَ اللَّهُ عَلِيماً" بِأَحْوَالِ خَلْقِهِ" حَكِيماً" فيما يريده."
ولله جنود السماوات والأرض، التخصيص بالملائكة والجن والشياطين والإنس هذا ليس بتخصيص بقدر ما هو تمثيل، أمثلة للجنود وإلا فما يعلم جنود ربك إلا هو.
"قوله تعالى: {لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَيُكَفِّرَ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ وَكانَ ذلِكَ عِنْدَ اللَّهِ فَوْزاً عَظِيماً} أَيْ أَنْزَلَ السَّكِينَةَ؛ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا. ثُمَّ تِلْكَ الزِّيَادَةُ بِسَبَبِ إِدْخَالِهِمُ الْجَنَّةَ. وَقِيلَ: اللَّامُ فِي " لِيُدْخِلَ" يَتَعَلَّقُ بِمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ اللَّامُ فِي قَوْلِهِ: {لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ}. وَكانَ ذلِكَ.."
يتعلق بما يتعلق به اللام في قوله كلها علل لما تقدم ليغفر لك الله، ليدخل المؤمنين وهكذا.
" وَكانَ ذلِكَ أي ذلك الوعد من دخول مكة وغفران الذنوب {عِنْدَ اللَّهِ فَوْزاً عَظِيماً} أي نجاة من كل غم، وظفرًا بكل مطلوب. وَقِيلَ: لَمَّا قَرَأَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- علَى أَصْحَابِهِ {لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّر} قَالُوا: هَنِيئًا لَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَمَاذَا لَنَا؟ فَنَزَلَ {لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ جَنَّاتٍ}، وَلَمَّا قَرَأَ: " وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ" قَالُوا: هَنِيئًا لَكَ، فَنَزَلَتْ {وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي} [المائدة: 3]، فَلَمَّا قَرَأَ: {وَيَهْدِيَكَ صِراطاً مُسْتَقِيماً} نَزَلَ فِي حق الأمة: {وَيَهْدِيَكُمْ صِراطاً مُسْتَقِيماً} [الفتح: 2]. ولما قال: " وَيَنْصُرَكَ اللَّهُ نَصْراً عَزِيزاً" [الفتح: 3] نزل: {كانَ حَقًّا عَلَيْنا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ} [الروم: 47]. وَهُوَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} الأحزاب: 56]. ثم قال: {هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ} [الأحزاب: 43]، ذكره القشيري."
هذه النظائر وما حصل له –عليه الصلاة والسلام- وحصل نظيره لأمته ذكر منها هنا أمثلة، والشاطبي في الموافقات أطال وأسهب في ذكر الأمثلة من هذا النوع، وفي بعضها ما ينازع فيه على ما قرر في مكانه.
"قَوْلُهُ تَعَالَى: { وَيُعَذِّبَ الْمُنافِقِينَ وَالْمُنافِقاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكاتِ} أَيْ بِإِيصَالِ الْهُمُومِ إِلَيْهِمْ بِسَبَبِ عُلُوِّ كَلِمَةِ الْمُسْلِمِينَ، وَبِأَنْ يُسَلِّطَ النَّبِيَّ -عَلَيْهِ السَّلَامُ- قَتْلًا وَأَسْرًا وَاسْتِرْقَاقًا.
{الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ} يَعْنِي ظَنَّهُمْ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَا يَرْجِعُ إِلَى الْمَدِينَةِ، وَلَا أَحَدَ مِنْ أَصْحَابِهِ حِينَ خَرَجَ إِلَى الْحُدَيْبِيَةِ، وَأَنَّ الْمُشْرِكِينَ يَسْتَأْصِلُونَهُمْ. كَمَا قَالَ: {بَلْ ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَنْقَلِبَ الرَّسُولُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلى أَهْلِيهِمْ أَبَداً} [الفتح: 12].
وَقَالَ الْخَلِيلُ وَسِيبَوَيْهِ: " السَّوْءِ" هُنَا الْفَسَادُ، {عَلَيْهِمْ دائِرَةُ السَّوْءِ} فِي الدُّنْيَا بِالْقَتْلِ وَالسَّبْيِ وَالْأَسْرِ، وَفِي الْآخِرَةِ جَهَنَّمُ.
وَقَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ وَأَبُو عَمْرٍو: " دائِرَةُ السُّوْءِ" بِالضَّمِّ. وَفَتَحَ الْبَاقُونَ. قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: سَاءَهُ يَسُوءُهُ سَوْءًا (بِالْفَتْحِ) وَمَسَاءَةً وَمَسَايَةً، نقيض سره، والاسم السوء (بالضم). وقرئ: {عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السُّوءِ} يَعْنِي الْهَزِيمَةَ وَالشَّرَّ. وَمَنْ فَتَحَ فَهُوَ مِنَ الْمَسَاءَةِ."
لحظة لحظة..
طالب :......وجود....
أين؟
طالب:......
أين؟
هنا؟
طالب:.....الخليل وسيبويه السوء هنا الفساد.
نعم، ماذا فيه؟
طالب: أين نجد......؟
كتبهم فيها أشياء كثيرة من هذا النوع، في الكتاب كثير مما يتعلق بالقرآن مما فيه موافقة ومخالفة للقواعد.
طالب: للمعاني؟
للمعاني نعم.
" {وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَساءَتْ مَصِيراً وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَكانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً}.
تَقَدَّمَ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ جَمِيعُهُ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ. وَقِيلَ: لَمَّا جَرَى صُلْحُ الْحُدَيْبِيَةِ قَالَ ابْنُ أُبَيٍّ: أَيَظُنُّ مُحَمَّدٌ أَنَّهُ إِذَا صَالَحَ أَهْلَ مَكَّةَ أَوْ فَتَحَهَا لَا يَبْقَى لَهُ عَدُوٌّ، فَأَيْنَ فَارِس وَالرُّومُ! فَبَيَّنَ اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ- أن جنود السماوات وَالْأَرْضِ أَكْثَرُ مِنْ فَارِسَ وَالرُّومِ. وَقِيلَ: يَدْخُلُ فيه جَمِيعُ الْمَخْلُوقَاتِ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: " وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّماواتِ" الْمَلَائِكَةُ. وَجُنُودُ الْأَرْضِ: الْمُؤْمِنُونَ. وَأَعَادَ؛ لِأَنَّ الَّذِي سَبَقَ عُقَيْبَ ذِكْرِ الْمُشْرِكِينَ مِنْ قُرَيْشٍ، وَهَذَا عُقَيْبُ ذِكْرِ الْمُنَافِقِينَ وَسَائِرِ الْمُشْرِكِينَ. وَالْمُرَادُ فِي الْمَوْضِعَيْنِ التَّخْوِيفُ وَالتَّهْدِيدُ."
الموضع الأول: ولله جنود السماوات والأرض تهديد للكفار، والموضع الثاني: ولله جنود السماوات والأرض تهديد للمنافقين، فاحتيج للتكرير.
" فَلَوْ أَرَادَ إِهْلَاكَ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُشْرِكِينَ لَمْ يُعْجِزْهُ ذَلِكَ، وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إلى أجل مسمى."
يكفي، يكفي، بارك الله فيك.
اللهم صلِّ وسلم وبارك على محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
"