الجلالان هما:
الأول: جلال الدين المحلي: هو محمد بن أحمد بن محمد بن إبراهيم المحلي الشافعي، ولد بمصر سنة إحدى وتسعين وسبعمائة، واشتغل وبرع في الفنون، وكان -رحمه الله- آيةً في الذكاء والفهم، حتى قال بعض أهل عصره: إن ذهنه يثقب الماس، لكنه مع قوة هذا الفهم والذكاء قال عن نفسه: إنه لم يك يقدر على الحفظ، تعب أراد أن يحفظ كراسة من كتاب تعِب تعَباً شديداً، وأصيب بحرارة فترك الحفظ، وكان -رحمه الله- على درجةٍ من الصلاح والورع، آمراً بالمعروف، ناهياً عن المنكر، لا تأخذه في الحق لومةُ لائم، وقد ألّف كتباً كثيرة غاية في التحرير والاختصار والتنقيح، وسلامة العبارة، وحسن المزج منها: شرح جمع الجوامع، شرح الورقات، شرح المنهاج للنووي، القسم الثاني من هذا التفسير، توفي في أول يوم من سنة أربعٍ وستين وثمانمائة، مترجم في كتب الشافعية المتأخرة، وأيضاً مترجم في طبقات المفسرين للداودي، وشذرات الذهب لابن العماد".
الثاني: جلال الدين السيوطي: وهو عبد الرحمن بن أبي بكر محمد خضيري السيوطي الشافعي، ولد سنة تسع وأربعين وثمانمائة، ونشأ يتيماً، قد مات والده وعمره خمس سنوات، وأخذ عن جمعٍ غفير من أهل العلم، كان آية في سرعة الفهم والتأليف، وأخبر عن نفسه أنه كان يحفظ مائتي ألف حديث، حتى قال: لو وجدت أكثر من هذا لحفظته، هذا عنده فهم وحفظ، وادعى لنفسه أشياء، منها أنه مجدد المائة التاسعة، وبينه وبين السخاوي ردود ومناقشات واتهامات، والله المستعان، كل منهما برز في شيء، فالسيوطي برز في كثرة المصنفات في جميع العلوم، فيما يخطر على بال، وما لا يخطر، ألف في كل شيء، زادت مصنفاته على الستمائة، منها ما هو في مجلدات، ومنها ما هو في ورقة.
لما بلغ الأربعين سنة أخذ في التجرد للعبادة والانقطاع إلى الله، والاشتغال به، والإعراض عن الدنيا وأهلها، حتى كأنه لم يكن يعرف أحداً، وشرع في تحرير مؤلفاته، وترك الإفتاء والتدريس، واعتذر عن ذلك في مؤلفٍ سماه: التنفيس، اعتذر صار ما يفتي ولا يدرس، ولا يجلس إلى الناس، انقطع إلى العبادة والتأليف، خلف مصنفاتٍ كثيرة، ذوات فنون متعددة، فمن أشهرها: الدر المنثور، تفسير بالمأثور، له تفسير يُذكر أنه مطول جداً، لكن ليس عنه خبر، له أيضاً الإتقان في علوم القرآن، وأيضاً له نصيب من هذا التفسير، ومقداره النصف، وله الجامع الكبير والصغير في الحديث، حسن المحاضرة في أخبار مصر والقاهرة، مات ليلة الجمعة التاسع عشر جمادى الأولى سنة إحدى عشرة وتسعمائة، مترجم في حسن المحاضرة له، وفي شذرات الذهب وغيرها.
وتفسير الجلالين متن متين متقن محرر، يمكن أن يربى عليه طالب علم في التفسير، إلا أنه في مسائل الاعتقاد له مخالفات في التأويل في الصفات وغيرها ينبه عليها الطالب ويقرأه على حذر.
وهو تفسير مختصر جداً تقارب حروفه عدد حروف القرآن الكريم، فقد ذكر صاحب كشف الظنون عن بعض علماء اليمن أنه قال: عددت حروف القرآن وحروف تفسير الجلالين فوجدتهما متساويين إلى سورة المزمل، ومن سورة المدثر إلى آخر القرآن زاد التفسير على حروف القرآن شيئاً يسيراً. ومع أنه مختصر إلا أن فيه شيء من الوعورة والصعوبة، فإن كان المبتدئ يريد أن يقرأه على شيخ يحل له هذه الإشكالات لا بأس، وإلا فيقرأ قبله تفسير الشيخ ابن سعدي، أو تفسير الشيخ فيصل بن مبارك. في تأليف هذا الكتاب رغم اختصاره ابتدأ الجلال المحلي في النصف الأخير من أول سورة الكهف إلى آخر سورة الناس، ثم ابتدأ بتفسير الفاتحة، وبعد أن أتمها اخترمته المنية فلم يفسر ما بعدها، ثم جاء السيوطي فأكمل التفسير من أول تفسير سورة البقرة إلى آخر سورة الإسراء. أما لماذا بدأ المحلي بالكهف ولم يبدأ من الفاتحة، هذا أمر لم يبين، لكن في الغالب أنه يكون عنده تفسير لطلابه، أو لشبههم، يبدأ به في الأول ولا يكتب ثم يكتب في الأخير، ثم يعود على بقيته بالكتابة في الغالب.
طُبع تفسير الجلالين منذ خمسين عاماً تقريباً في مطبعة المعارف بمصر في مجلدين بتحقيق الشيخ أحمد شاكر، هذه أفضل الطبعات عندي لمن وجدها، لكنها ليست موجودة، ولم تصوّر أيضاً، ومن ظفر بها فليستمسك بها، وإلا فالغالب أنها لا توجد، مع أنه طُبع أيضاً في طبعات كثيرة جداً ولعل من أفضل الطبعات الجديدة طبعة الصفي المباركفوري. وأفضل الحواشي عليه حاشية الجمل.
تصنيف الكتاب
كشاف الكتاب