ابن العربي مالكي المذهب، في الغالب يرجح مذهب مالك، وقد يخرج عنه لقوة الدليل، أما في العقيدة، فمنهجه كغيره من كثيرٍ من الشراح، يسلك مسلك التأويل، فيؤول نصوص الصفات عن ظاهرها على ضوء ما هو معمول به عند الأشاعرة.
يقول ابن خلكان في ترجمة ابن العربي: "العارضة: القدرة على الكلام، يقال: فلان شديد العارضة إذا كان ذا قدرةٍ على الكلام، والأحوذي: الخفيف الشيء لحذقه، وقال الأصمعي: الأحوذي المشمر في الأمور، القاهر لها، الذي لا يشذ عليه منها شيء".
ابن العربي ألف هذا الكتاب إجابةً لطلب طائفةٍ من الطلبة، عرضوا عليه الرغبة الصادقة في صرف الهمة إلى شرح هذا الكتاب، يقول: "فصادفوا مني تباعداً عن أمثال هذا، وفي علم علام الغيوب أني أحرص الناس على أن تكون أوقاتي مستغرقةً في باب العلم"، ( صادفوا مني تباعداً )؛ لكثرة المشاغل، حيث كان يشتغل بالقضاء وغيره. إلى أن قال -بعد أن ألحّوا عليه فأجاب طلبهم-: "فخذوها عارضةً من أحوذي، علم كتاب الترمذي، وقد كانت همتي طمحت إلى استيفاء كلامه بالبيان، والإحصاء لجميع علومه بالشرح والبرهان؛ إلا أنني رأيت القواطع أعظم، والهمم أقصر عنها، والخطوب أقرب منها، فتوقفتُ مدةً إلى أن تيسرت مندة الطلبة واغتنمتها".
يقول أيضاً في المقدمة: "اعلموا -أنار الله أفئدتكم- أن كتاب الجعفي -يعني صحيح البخاري- هو الأصل الثاني في هذا الباب، والموطأ هو الأول واللباب – لأن ابن عربي مالكي المذهب -، وعليهما بناء الجميع كالقشيري -يعني مسلم- والترمذي فما دونهما" إلى أن قال: "وليس فيهم مثل كتاب أبي عيسى حلاوة مقطع، ونفاسة منزع، وعذوبة مشرع، وفيه أربعة عشر علماً" ثم ذكرها بكلامٍ مسخه الطابع مسخاً، ثم قال: "ونحن سنورد فيه -إن شاء الله تعالى- بحسب العارضة قولاً في الإسناد والرجال والغريب، وفناً من النحو والتوحيد والأحكام والآداب، ونكتاً من الحكم وإشارات إلى المصالح، فالمنصف يرى رياضه أنيقة، ومقاطع ذات حقيقة، فمن أي فنٍ كان من العلوم وجد مقصده ".
طريقة ابن العربي في الشرح: يذكر طرف الإسناد، ثم يذكر الحديث ثم يقول: " أصح شيء في هذا الباب" مثلاً، ثم يقول: "إسناده" ويتكلم على الإسناد بكلامٍ لا يستوعب فيه جميع الرواة، وإنما يتحدث عن بعضهم، وضمن الإسناد يخرج الحديث تخريجاً مختصراً، ثم يذكر غريب الحديث، ثم يذكر الأحكام تحت عنوان " أحكامه"، يقول: "فيه مسائل" ويذكر عددها، ثم يسردها: الأولى، الثانية، الثالثة... إلخ، ثم يقول: "التوحيد فيه كذا مسائل"، ومع ذلك هو لا يلتزم بجميع هذه العناصر التي ذكرها من الإسناد والأحكام والفقه والتوحيد واللغة، أحياناً يذكر اللغة، وأحياناً يذكر الإعراب عنواناً؛ لكنه لا يلتزم بذلك، فقد يقتصر على عنصر واحد، ومعروف أن ابن العربي مالكي المذهب، في الغالب يرجح مذهب مالك، وقد يخرج عنه لقوة الدليل، وفي العقيدة على مذهب الأشاعرة.
الكتاب مختصر، وهو عبارة عن شرح فقهي، وعنايته بالصناعة الحديثية قليلة، فهو مملوء بالفوائد الفقهية والنوادر والنكات واللطائف؛ لكن طبعته سيئة في غاية السوء حتى كأن الكتاب أعجمي، مما يجعل طالب العلم لا يستفيد منه، إلا من له خبرة، ودقة في النباهة، ومعاناة لأساليب المتقدمين وطرائقهم، ودربة على تصحيح الجمل عند أهل العلم، فيمكن أن يستفيد منه بعض الفوائد.
طبع الكتاب قديماً قبل ما يقارب سبعين سنة أو أكثر، في ثلاثة عشر جزءًا بمطبعة الصاوي والتازي طباعات سيئة للغاية، وعندنا في نسختنا التصويب أكثر من الكتاب، فالطبعة فيها إسقاط أحاديث وشروح، وفيها إدخال كلام ليس لابن العربي، وإقحام لكلام ليس للترمذي، ففيها من التصحيف والتحريف والتقديم والتأخير الشيء الكثير، بحيث صار وجودها مثل عدمها، لا يستفيد منها أحد، بل فيها بعض الجمل بغير العربية، فهي مشحونة بالأخطاء، ولا يكاد يستقيم منها صفحة؛ ولذلك تقرأ في مقدمة الكتاب أشياء أنا أصلحت كثيراً منها، ويكفي في بيان ما فيها من أخطاء أن الطابع طلب من الشيخ أحمد شاكر نسخته من الترمذي، والشيخ أحمد شاكر معلق على نسخته ومخرج بعض الأحاديث، فنقلوا بعض تعاليق الشيخ أحمد شاكر في صلب متن الترمذي، فمثلاً يقول: "وأبو هريرة اختلف في اسمه فقالوا: عبد شمس" الشيخ أحمد شاكر قال: "اختلف على نحو ثلاثين قولاً" أدخلوها في كلام الترمذي، " اختلف على نحو ثلاثين قولاً في اسمه .." إلخ، وكذلك من أوهامه أنهم أدخلوا سند ابن العربي في متن الترمذي، فهذا دليل على جهلهم، وضعف عنايتهم في الطباعة؛ ولذا وقع فيها من التحريف والأسقاط شيء يفوق الخيال. فلما أنهوا طبع المجد الأول عرضوه على الشيخ أحمد شاكر فبادر بسحب نسخته لئلا يكون طرفاً وسبباً في تحريف الكتاب. وهذه الطبعة من حيث الإخراج طبعة جميلة وفاخرة لكن يبقى أنها من حيث العناية والتصحيح في غاية الرداءة.
ثم طبع الكتاب من جديد، أحياناً يسقط من الجديدة حديث كامل، وأحياناً يسقط تعليق على حديث في سطرين أو ثلاثة، والنسخة هذه موجودة وفيها إصلاحات كثيرة، أما سقط الكلمة والكلمتين، وتحريف اللفظة واللفظتين فشيء يفوق الوصف.
فالكتاب بحاجة إلى تحقيق وإعادة طبع من جديد، وفيه أيضاً أحاديث كثيرة ساقطة تدرك من مقابلة نسخ الكتاب مع بعضها البعض، والتصحيحات والتصويبات يمكن تجعل الكتاب ضعف الحجم الموجود.
تصنيف الكتاب
كشاف الكتاب