صحيح مسلم بن الحجاج هو ثاني كتب السنة بعد صحيح البخاري عند جمهور أهل العلم، ومن أهل العلم من فضله على البخاري حتى قال أبو علي النيسابوري: "ما تحت أديم السماء كتاب علم أصح من كتاب مسلم"، يقول الحافظ العراقي:
أول من صنف في الصحيحِ *** محمد وخص بالترجيحِ
ومسلم بعدُ وبعضُ الغرب مع *** أبي علي فضلوا ذا لو نفع
ووجه التفضيل: أنه ليس فيه بعد الخطبة إلا الحديث السرد، فليس فيه من المعلقات إلا أربعة عشر حديثاً، وهذه المعلقات كلها موصولة في الصحيح نفسه إلا واحداً موصول في صحيح البخاري، وليس فيه تراجم واستباط كالبخاري. أيضاً الآثار والأخبار الموقوفة والمقطوعة عن الصحابة والتابعين نادرة جداً. فإذا كان هذا هو وجه التفضيل فلا بأس.
طريقة الإمام مسلم -رحمه الله- أنه يذكر في صدر الباب السند والمتن، ثم يذكر بعد ذلك طرق أخرى لهذا الحديث، منها ما يوافق في اللفظ، ومنها ما هو بالمعنى ويسوق المتون، وقد لا يسوق المتن فيحيل على المتن السابق، فإما أن يقول: " بمثله" وهذا معناه أنه بحروفه، أو يقول: " بنحوه" وهذا معناه أنه بمعناه.
ومما يمتاز به صحيح مسلم على غيره، العناية الفائقة بذكر الفروق بين الرواة سواء كانت في المتون أو في الأسانيد، أو في صيغ الأداء. كما أنه مرتب ترتيباً بيناً، والأحاديث مجموعة في مكان واضح لا لبس فيها ولا غموض.
ولأهمية صحيح مسلم عني به العلماء قديماً وحديثاً، وكتبوا عليه الشروح الكثيرة من ذلك (المعلم) للمازري، بفتح الزاي وكسرها، و(إكمال المعلم) للقاضي عياض، و(إكمال إكمال المعلم) للأُبي، و(مكمل إكمال الإكمال) للسنوسي، ومن شروحه التي لم تصل إلينا لكنها من خلال النقل عنها فيها شيء من النفاسة والجودة (التحرير في شرح صحيح مسلم) لأبي عبد الله محمد بن إسماعيل الأصبهاني، ينقل عنه النووي كثيراً، وهو من خلال نقل النووي عنه كتاب نفيس وجيد، ومن شروحه المهمة أيضاً (المنهاج في شرح صحيح مسلم ابن الحجاج) للنووي، ومن شروحه المختصرة (الديباج على صحيح مسلم بن الحجاج) للسيوطي.
من المعاصرين من شرح الصحيح شرحاً وافياً وهو شبير أحمد العثماني؛ لكنه لم يكمله، سمى شرحه (فتح الملهم في شرح صحيح مسلم) وقام بتكملته -وإن كان لم يتم بعد - محمد تقي العثماني، هذا الشرح جيد في الجملة وإن كان صاحبه معاصراً. ومن أهم مختصرات صحيح مسلم:
(تلخيص صحيح مسلم( للقرطبي، وشرحه المسمى (المفهم لما أشكل من تلخيص مسلم).
وممن اختصره أيضاً زكي الدين المنذري، ومختصره مشهور متداول (مختصر صحيح مسلم)، وشرحه صديق حسن خان في كتابٍ اسمه: (السراج الوهاج على مختصر صحيح مسلم ابن الحجاج).
أفضل الطبعات لصحيح مسلم الطبعة العامرة التركية سنة (1325هـ أو 26) في ثمانية أجزاء، وطبعة فؤاد محمد عبد الباقي جيدة مخدومة ومرقمة وصحيحة في الجملة، وهي مأخوذة من العامرة.
تصنيف الكتاب
كشاف الكتاب