شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح (191)

بسم الله الرحمن الرحيم.

 الحمد لله حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه، وصلاة ربي وسلامه على أشرف أنبيائه ورسله محمد وآله وصحبه أجمعين، أيها الإخوة والأخوات، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أهلًا ومرحبًا بكم إلى حلقة جديدة في برنامجكم شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح.

هذا الكتاب يتولى شرح أحاديثه صاحب الفضيلة الشيخ الدكتور: عبد الكريم بن عبد الله الخضير، والذي نسعد بالترحاب به في أول هذه الحلقة، فأهلًا ومرحبًا بكم فضيلة الدكتور.

حياكم الله، وبارك فيكم وفي الإخوة المستمعين.

المقدم: لازلنا في حديث أبي شريح -رضي الله عنه-، توقفنا عند قوله: «وإنما أذن لي ساعة من نهار» وعدنا الإخوة أن نستكمل ما تبقى من الألفاظ يا شيخ.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبيه محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد.

ففي قوله: «وإنما أذن لي فيها ساعة من نهار» عرفنا أن فيها لا توجد في رواية أبي ذر، كما في الفرع وأصله فيما نقله القسطلاني، وتكلمنا على هذا. «ساعة» أي في ساعة، والساعة مقدار من الزمان، والمراد من يوم الفتح، وفي مسند الإمام أحمد من طريق عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، أن ذلك من طلوع الشمس إلى العصر، من طلوع الشمس إلى العصر، يعني يعادل في الساعات الفلكية في حدود عشر ساعات أحيانًا، وقد يزيد قليلًا وقد ينقص.

المقدم: صحيح، كيف يقول: ساعة؟

فهذه المدة ساعة، يطلقون الساعة ويريدون بها مقدارًا من الزمان، ولذا جاء في ساعات التبكير إلى الجمعة بعض الأحاديث خمس ساعات وبعضها ست، وهو مقدار ما بين ارتفاع الشمس إلى زوالها إلى دخول الإمام، وهذا المقدار يزيد وينقص حتى قال المالكية: إن المراد بالساعات الخمس ساعات لطيفة بعد الزوال.

المقدم: ثوانٍ يعني أحيانًا.

ثوانٍ أو دقائق على حسب...

المقدم: دخول الإمام.

دخول الإمام، فدل على أن الساعة ليس المراد بها الساعة الفلكية المصطلح عليها التي هي عبارة عن ستين دقيقة، هنا من طلوع الشمس إلى العصر ساعة. يعنى ما قلنا سابقًا إن اليوم يطلق ويراد به الغزوة بكاملها، ولو حصلت في أيام، ما قلنا هذا في حلقة مضت؟

المقدم: بلى يا شيخ.

قلنا هذا، والساعة كذلك.

المقدم: والكلام كان من الغد يا شيخ.

من الغد، الغد من يوم الفتح.

المقدم: يعنى مقصوده -عليه الصلاة والسلام- أذن لي ساعة من نهار الأمس.

نعم. «ساعة» أي في ساعة أي مقدار من الزمان، والمراد به يوم الفتح، وفي مسند الإمام أحمد من طريق عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، أن ذلك من طلوع الشمس إلى العصر، وهذه السلسلة عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مما يختلف فيه أهل العلم، وسبب الخلاف هو الخلاف في عود الضمير في جده؛ لأنه عمرو بن شعيب بن محمد بن عبد الله بن عمرو بن العاص، فإن كان جده الحقيقي محمد فهو مرسل تابعي، وإن كان جده عبد الله بن عمرو وقد وقع التصريح به في روايات عن أبيه عن جده عبد الله عمرو فهو متصل، من هذه الحيثية والنظر في سماع شعيب من جده عبد الله بن عمرو، والمسألة مختلف فيها والقول المحرر المحقق أن هذه السلسلة إذا صح السند إلى عمرو فهي تكون من قبيل الحسن.

المقدم: صرح شعيب بالسماع أحيانًا من عبد الله بن عمرو -رضي الله عنه-.

نعم، عن أبيه عن جده عبد الله بن عمرو.

المقدم: صرح؟

صرح، نعم. وقال الكرماني: فإن قلت مقتضى الظاهر أن يقال له: لا لي فهل فيه التفات؟ مقتضى الظاهر أن يقال له يعنى في قوله: «وإنما أذن له» كما قال أذن لرسوله مقتضى الظاهر أن يقال له: لا لي فهل فيه التفات، وهذا غير الكلام السابق..

المقدم: الأول.

غيره، قلت: لا؛ لأن السياق في قوله لقتال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حكاية قول المترخص، وهذا أشرنا إليه، وسياق هذا هو تضمنه جواب المترخص وقضية الالتفات، تقتضي اتحاد السياق يعنى في الجملتين، تقتضي اتحاد سياق الجملة الأولى والثانية، يتحدث عن شيء ينسبه لنفسه ثم يتكلم عن غائب وهو المقصود، أو يتحدث عن غائب ثم ينسب شيئًا إلى نفسه مثل «لرسوله أذن لي» إذا اتحد السياق.

المقدم: ما صار فيه.

لا، إذا اتحد السياق والالتفات، لكن الآن ما اتحد السياق، الكلام الأول على لسان المترخص حكاية قول المترخص، والثاني على لسانه -عليه الصلاة والسلام-، فليس فيه التفات من هذه الحيثية، وقضية الالتفات تقتضي اتحاد السياق، ويجوز أن يكون التفاتًا، إذا قدر فإن ترخص أحدٌ لقتالي فوضع رسول الله موضعه، فإن ترخص أحد لقتالي كأن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال هذا تقديرًا. فوضع رسول الله موضعه، يعنى صرح بالاسم في موضع الضمير؛ لأنه قد يحتاج إليه أحيانًا.

«من نهار» في المصباح: النهار في اللغة من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، وهو مرادف لليوم. وفي حديث «إنما هو بياض النهار وسواد الليل» يعنى مقابلة النهار بالليل يدل على أن النهار الأبيض والأسود هو الليل، ولا واسطة بين الليل والنهار، يعنى لا عند اللغويين ولا في العرف الشرعي،  على هذا صلاة الفجر نهارية أم ليلية؟

المقدم: بين بين.

لا إذا قلنا في واسطة كما هو معروف عند علماء الهيئة، عندهم الليل ينتهي بطلوع الشمس يعني النهار له الشمس، والليل بغروب الشمس إلى طلوعها، ويشهد له {وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ } [الإسراء:12]، آية النهار التي هي الشمس، يشهد لهذا يعنى عند الفلكيين هذا، الليل من غروب الشمس إلى طلوعها، والنهار من طلوعها إلى غروبها.

المقدم: فالفجر في الليل.

فعندهم الفجر الليل، منهم من يقول: لا، هناك برزخ واسطة بين الليل والنهار لا ليل ولا نهار، يعنى من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس لا ليل ولا نهار. المقصود أن المسألة تطول، لكن النهار في اللغة من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، وهو مرادف لليوم، في حديث «إنما هو بياض النهار وسواد الليل» ولا واسطة بين الليل والنهار، وربما توسعت العرب.

المقدم: لكن ما يشهد لها حديث يا شيخ في قوله -عليه الصلاة والسلام-: «من صلى العشاء في جماعة كأنما قام نصف الليل، ومن صلى الفجر في جماعة كمن قام الليل كله».

كأنما، ما قال: فقد قام.

المقدم: لكن كأنه يفهم منه أن الفجر هي في آخر الليل، مما يدل على..

لا، يطلق الشيء على ما يقاربه كما جاء في حديث: «والمغرب وتر النهار» هي بالنهار؟

المقدم: هي في الليل.

لكن الالتصاق به أضيفت إليه للقرب. شهرا عيد لا ينقصان، عيد الفطر هو في رمضان؟ لا إنما لقربه منه أضيف إليه. وربما توسعت العرب فأطلقت النهار من وقت الإسفار إلى الغروب، وهو في عرف الناس هو في طلوع الشمس إلى غروبها، وبهذا يقول علماء الهيئة، وإذا أطلق النهار في الفروع انصرف إلى اليوم، نحو صم نهارًا أو اعمل نهارًا، لكن، وهذا كله في المصباح، لكن قالوا: إذا استأجر أجيرًا على أن يعمل له نهار يوم الأحد مثلًا فهل يحمل على الحقيقة اللغوية؟ استأجر أجيرًا فقال: أريد أن تعمل عندي نهار الأحد.

المقدم: نهار الأحد.

هل نقول: من طلوع الفجر أو نقول من طلوع الشمس؟ يحصل هذا كثير.

المقدم: صحيح.

لكن قالوا: استأجره على أن يعمل  له نهار يوم الأحد مثلًا، فهل يحمل على الحقيقة اللغوية حتى يكون أوله من طلوع الفجر، أو يحمل على العرف حتى يكون أوله من طلوع الشمس لإشعال الإضافة به؛ لأن الشيء لا يضاف إلى مرادفه؟ نقل فيه وجهان، وقياس هذا اطراد في كل صورة يضاف فيها النهار إلى اليوم، يعنى نهار الأحد. الأصل أن النهار مرادف لليوم كما تقدم.

المقدم: نعم.

كأنه قال: نهار يوم الأحد، ويوم الأحد يبدأ من؟

المقدم: من الفجر.

أو من غروب الشمس؟

المقدم: اليوم من الفجر يا شيخ.

إذا قلنا إنه مرادف للنهار قلنا من الفجر، لكن اليوم الشرعي يبدأ من..

المقدم: من غروب الشمس.

من غروب الشمس، طيب كما لو حلف أن لا يأكل أو لا يسافر نهار يوم كذا، حلف ألا يأكل يوم الجمعة مثلًا، أو لا يأكل نهارًا أو لا يسافر نهار يوم الجمعة، والأول هو الراجح دليلًا؛ لأن الشيء قد يضاف إلى نفسه عند اختلاف اللفظين نحو: {ولدار الآخرة}، {وحق اليقين} وما أشبه ذلك. لكن مثل هذه الأمور إذا كان العقد مع عامي لا يعرف حقيقة النهار، والعرف جارٍ على أن النهار إنما يبدأ من طلوع الشمس، هل نلزمه بأن يعمل من طلوع الفجر؟ ونقول: هو الذي فرط بحقه إذا لم يستثبت؟ أو نقول: كل جرى على عرفه وانتهى. وأما بالنسبة للحلف إذا حلف أو نذر ألا يسافر نهار يوم الجمعة، فالجمهور على أن الأيمان والنذور مردها إلى العرف، إذا تعارف الناس على أن النهار من طلوع الشمس انتهى، مرده إلى ذلك، ومالك يرجعه إلى نيته. ولا يثنى ولا يجمع يعنى النهار، وربما جمع على نُهُر بضمتين، وينسب إلى النهار بياء النسب على الجادة فقال: نهاري، إذا كان عمله بالنهار يقال: فلان نهاري، وإذا كان عمله بالليل..

المقدم: ليلي.

على الجادة، وقد يقال: فلان نَهِرٌ أي نهاري عمله بالنهار، نهر. قال ابن عقيل في شرح ألفية ابن مالك:

وقد يستغنى عن ياء النسب أيضًا بـ(فَعِل)، بمعنى صاحب كذا نحو رجل طعم ولبس أي صاحب طعام ولباس، وأنشد سيبويه رحمه الله تعالى:

لست بليلي ولكني نَهِـر

 

لا أدرج الليل ولكن أبتكر

يعنى يعمل بالنهار، صاحب عمل بالنهار، ولست صاحب عمل بالليل. ولذا الفقهاء حينما يتحدثون عن القسم يقولون: القسم عماده الليل بين الزوجات؛ لأن هذا هو الأصل، وقت السكن عماده الليل لمن عمله بالنهار والعكس، عماده النهار لمن عمله بالليل، بعض الناس عمله يقتضي أن يكون بالليل.

المقدم: قال: ولكني نهر في قول سيبويه.

لست بليلي ولكني نَهِـر

لا أدرج الليل ولكني أبتكر

المقدم: نهر بالكسرة.

يعنى نهاري.

المقدم: نهر فعل هكذا.

مثل فلان طعم وفلان لبس، أي صاحب طعام وصاحب لباس. ثم عادت حرمتها أي الحكم الذي في مقابل الإباحة المستفادة من لفظ الإذن اليوم، ويطلق ويراد به يومك الذي أنت فيه أي من وقت طلوع الشمس إلى غروبها. وإذا قلنا إنه مرادف للنهار قلنا إنه من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، ويُطلق ويُراد به الزمان الحاضر المعهود، وقد يكون أكثر من يوم أو أقل، وكذا حكم الأمس قاله الكرماني. يعنى يُطلق على أيام مثل ما قلنا في يوم الخندق وهو أيام ويوم الفتح، ويوم تبوك تسعة عشر يومًا المراد به غزوة كذا. وقال: فإن قلت: ما المراد به ها هنا؟ قلت: الظاهر أنه الحاضر، ويحتمل أيضًا المعنى الآخر أي ما بين الطلوع إلى الغروب، وتكون حينئذ اللام للعهد أي يوم يعنى في هذا اليوم، في هذا اليوم عادت حرمتها من يوم الفتح إذ عود حرمتها كان في يوم الفتح لا في غيره الذي هو يوم صدور هذا القول. وكذا اللام في الأمس يكون معهودًا من أمس، من أمس يوم الفتح. بالأمس في القاموس أمس مثلثة الآخر مبنية، بالأمس.

المقدم: بالأمس الذي حصل فيه الفتح يعنى؟

يعنى قبل الإذن، الذي قبل الإذن.

المقدم: لكن الإذن جاءه من الفجر ما يكون أمس، يكون ليلة.

المقصود أنه بالأمس الذي هو قبل الإذن، اليوم ما قلنا إن القتال.

المقدم: من الفجر.

من أول النهار إلى العصر؟

المقدم: نعم.

العصر أو الغد من يوم الفتح، لما خطب النبي-عليه الصلاة والسلام-، وقال: «أذن لي ساعة من نهار» في هذه المدة، وعادت حرمتها اليوم الذي هو يوم الخطبة، اليوم المعهود أو اليوم الذي هو الفتح كل بما فيه أمس بعد انتهاء مدة الإذن إلى ما كانت عليه بالأمس قبل الإذن. أمسِ أو أمسُ أو أمسَ مثلثة الآخر كما في القاموس مبنية، كيف مبنية وتحرك بثلاث حركات؟ يعنى مبنية على الكسر، مبنية على الضم، مبنية على الفتح. اليوم الذي قبل يومك، قبل يومك بليلة، يبنى معرفة ويعرب معرفة، يعنى أن فيه خلافًا، في حال تعريفها يبنى أو يعرب، لكن إذا كان نكرة؟

المقدم: مبني.

مبني أم معرب؟

المقدم: أم معرب.

كيف؟ يعرب وينون؛ لأن هناك تنوينًا يسمى تنوين التنكير، إذا أردت سيبويه المعروف، قلت: قال سيبويهِ مبني على الكسر. وإذا أردت عالمًا من علماء اللغة أي عالم وتريد أن تضفي عليه هذا الاسم.

المقدم: أنت سيبويه اللغة مثلًا.

تنون أيضًا يسمى تنوين تنكير هذا، ومثله إيهِ للاستزادة من حديث معين، وإذا أردت أن تستزيد صاحبك من أي حديث كان قلت: إيهٍ، فإذا دخلها (الـ) فمعرب، وسُمع رأيته أمسٍ منونًا وهي شاذة. جيم كيف جيم بالقاموس؟

المقدم: جمع.

جمع الكلمة، آمسُ، وأموس، وآماس، جمع الكلمة. وليبلغ الشاهد الغائب، اللام لام الأمر أمر من التبليغ، وجاء الأمر به في مواضع، الأمر بالتبليغ في مواضع ومناسبات كما هنا، وفي قوله -عليه الصلاة والسلام-: «بلغوا عني ولو آية» الشاهد الحاضر، الغائبَ بالنصب مفعول، قال القسطلاني: يجوز كسر لام ليبلغ وتسكينها، فالتبليغ عن الرسول-صلى الله عليه وسلم- فرض كفاية، هذا كلامه. اللام لام الأمر، عندنا لام الأمر ولام التعليل، إذا وقعت بعد الواو أو الفاء مثلًا أو ثم.

المقدم: إذا كانت مكسورة فهي للتعليل.

وإذا كانت مجزومة؟ ساكنة.

المقدم: تسكن نعم.

تسكن لماذا؟ لأنها لام أمر.

المقدم: لام أمر.

طيب مطرد؟ هنا يقول: وهي بعد اللام يقول: يجوز كسر لام ليبلغ وتسكينها، (ليبلغ) ويجوز أيضًا (ولْيبلغ) الأصل (وليبلغ) لأن لام الأمر تعقبت الواو ويجوز كسرها، (ولِيبلغ) وهي في ذلك كله لام أمر، لكن كيف نفرق بين لام الأمر ولام التعليل؟ (ولِتصغي) هذه لام أمر أم لام التعليل؟

المقدم: لام تعليل.

بدليل أنها مكسورة ولثبوت حرف العلة؛ لأنه لو كانت لام أمر قال: (ولْتصغى). هذا كلامه وإلا فالأصل فإن لام الأمر إذا وقعت بعد الواو تسكن.

المقدم: طيب في قوله -عليه الصلاة والسلام-: «ليلني منكم»، كيف؟

فيه واو؟ قبلها واو؟ وليلني؟ هو الذي يفرق لنا الإعراب الظاهر، الآن ليبلغ لو كانت لام التعليل قلنا (وليبلغ) وإلا فهي وليبلغْ نقول: مثل هذا قد يغفل؛ لأن الكلمة قد لا تضبط لكن ليلِنِي؟

أولا ما قبلها واو. الأمر الثاني أن الإعراب ظاهر.

المقدم: ليليني الأصل.

هذا الأصل ولو كانت لام تعليل ليلَني، ما كانت ليلِني، المقصود أن مثل هذا مثل ما ذكر القسطلاني، وإلا فالمعروف أنها إذا وقعت بعد الواو تسكن. قال ابن بطال: لما أخذ الله على أنبياءه الميثاق في تبليغ دينه وتبيينه لأمتهم وجعل العلماء ورثة الأنبياء وجب عليهم تبليغ الدين ونشره حتى يظهر على جميع الأديان، وقد بينا قبل هذا أن كل من خاطبه -عليه الصلاة والسلام- بتبليغ العلم في من كان في عصره فقد تعين عليه فرض التبليغ، وأما اليوم فهو من فروض الكفاية لانتشار الدين وعمومه. يعنى من خاطبهم النبي-عليه الصلاة والسلام- بهذا الكلام بالتبليغ إذا كان واحدًا مثلًا يتعين عليه، وإذا كان أكثر من واحد يتعين على الجميع أو فرض الكفاية؟

المقدم: فرض كفاية.

فرض كفاية، وابن بطال يفرق يقول: من خاطبه -عليه الصلاة والسلام- بتبليغ العلم فيمن كان في عصره فقد تعين عليه فرض التبليغ، وأما اليوم فهو من فروض الكفاية لانتشار الدين وعمومه. كلامه يلزم عليه أنه فرض عين بالنسبة للصحابة؛ لأنهم سمعوه من النبي-عليه الصلاة والسلام-، حديث الأعمال بالنيات على المنبر حُدث به ولم ينقله إلى عمر، يعنى البقية أثموا؟

المقدم: لا.

أو نقول إنه فرض كفاية؟

المقدم: فرض كفاية.

إذا بلغه من يكفي سقط عن الباقيين، ويستوي في هذا الصحابة وغيرهم. وقال ابن حبان في صحيحه في شرح حديث: «بلغوا عني ولو آية»، قوله: بلغوا عني ولو آية أمر قصد به الصحابة، ويدخل في جملة هذا الخطاب من كان بوصفهم إلى يوم القيامة في تبليغ مَن بعدهم عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، وهو فرض على الكفاية، إذا قام البعض بتبليغه سقط عن الآخرين فرضه، وإنما يلزم فرضيته من كان عنده ما يعلم أنه ليس عند غيره، يعنى إذا عرفت أن هذا الخبر عندك لا يوجد عند غيرك تعين عليك أن تبلغه. وأنه متى امتنع عن بثه خان المسلمين، فحينئذ يلزمه فرضه.

 وفي حديث الباب وفاء الراوي أبي شريح -رضي الله عنه- بما أخذه الله على العلماء من الميثاق في تبليغ دينه ونشره حتى يظهر، وقد روى ابن إسحاق في آخره، أنه قال له عمرو بن سعيد: نحن أعلم بحرمتها منك. فقال له أبو شريح: إني كنت شاهدًا وكنت غائبًا، أبو شريح يخاطب عمرو بن سعيد. فقال له أبو شريح: إني كنت شاهدًا وكنتَ غائبًا، وقد أمرنا رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: أن يبلغ شاهدنا غائبنا، وقد أبلغتك فأنت وشأنك. وخطر لي الآن عمرو، والكرماني يقول: لا يوجد لها نظير امرؤ وأن العين تابعة للام.

المقدم: صحيح، عمروٌ، وعمروٍ، وعمروً.

مثلها.

المقدم: لكن يمكن في الراء يا شيخ.

كيف؟

المقدم: حتى في الراء أيضًا  نظيرة لها.

نظيره فتتأمل هذه. وقال العيني نقلًا عن ابن العربي: وقد كان النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا نزل عليه الوحي والحكم لا يبوح به في الناس، يعنى ما يلزم أن يخبر به جميع الناس، لكن يخبر به من حضره ثمة، على لسان أولئك إلى من ورائهم قومًا بعد قوم، قال: فالتبليغ فرض كفاية، والإصغاء فرض عين. الإصغاء للنبي-عليه الصلاة والسلام- فرض عين، والتبليغ عنه فرض كفاية، والوعي والحفظ يترتبان على معنى ما يسمع، ما يستمع به، فإن كان مما يخصه تعيَّن عليه، يعنى إذا كان هذا الأمر يخصك تعيَّن عليك أن تحفظ وأن تعمل، لكن إذا كان لا يخصك فعليك التبليغ. وإن كان يتعلق به وبغيره كان العمل فرض عين، والتبليغ فرض كفاية، وذلك عند الحاجة إليه، ولا يلزمه أن يقوله ابتداءً، يعنى حتى يحتاج إليه بناءً على جواز تأخير البيان إلى وقت الحاجة، أما عن وقت الحاجة فلا.

وقال الكرماني: احتج بالحديث من يقول: فتحت مكة عَنوة أي قهرًا، والجواب عنه أنه لا يدل على أنه قاتل فيها وأخذها قهرًا،  وحِل الشيء لا يستلزم وقوعه، أو أن الفتح عنوة يقتضي نصب الحرب عليهم والطعن بالرمح والرمي بالسهم، والضرب بالسيف، ولم يقع ذلك. وتأويله عند من يقول: فتحت صلحًا، أن معناه ترخّص لجواز القتال لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- فإنه دخلها متأهّبًا للقتال لو احتاج إليه. الآن الكرماني شافعي المذهب، والشافعي يقول: إن مكة فُتحت صلحًا، ولم تُفتح عنوة، والكرماني يوجه الحديث على ما يتفق مع مذهبه، إن رأيت أن نقف على هذه؟

المقدم: بقي عندنا غير التراجم شيء يا شيخ؟

بقيت هذه المسألة، وهي مهمة هذه المسألة.

المقدم: مسألة فتح مكة؟

نعم.

المقدم: جيد، إذًا نجعل هذه المسألة بإذن الله هي مطلع حلقتنا القادمة ونستكمل أيضًا أطراف الحديث بإذن الله تعالى.

 أيها الإخوة والأخوات، بهذا نصل وإياكم إلى ختام هذه الحلقة. بقي لنا بإذن الله في الحلقة القادمة ما تفضل به فضيلة الدكتور من هذا الموضوع، أو هذه المسألة، ثم أيضًا أطراف الحديث وأنتم على خير.

شكرًا لطيب متابعتكم، سلام الله عليكم ورحمته وبركاته.