الاستذكار كتاب مبسوط من أجود ما كتب في فقه السنة، صبغته فقهية، شرح فيه الإمام ابن عبد البر – رحمه الله- الموطأ، وتفنن فيه وبرع، وجد واجتهد في استنباط المسائل الفقهية، وبسط فيه الدلائل من الكتاب والسنة وأقاويل السلف من الصحابة والتابعين وفقهاء الأمصار، حيث يعنى بذكر المذاهب وأدلتها بإفاضة وتوسع، فهو من كتب الفقه الذي يسمونه: المقارن.
يتلخص مذهب ابن عبد البر في الاستذكار بما يلي:
أولاً: يذكر الحديث من الموطأ برواية يحيى بن يحيى، ثم يذكر شواهده وما جاء في معناه من مرفوعٍ وموقوف.
ثانياً: يتكلم على إسناد الأحاديث أحياناً، ويحيل على التمهيد لمن أراد البسط.
ثالثاً: يذكر اختلاف ألفاظ الناقلين من رواة الحديث.
رابعاً: يشرح ألفاظ الأحاديث بالروايات الأخرى وشواهد العربية.
خامساً: يتكلم على فقه الحديث باستيفاء وما يستنبط منه من أحكامٍ وآداب.
سادساً: يذكر اختلاف الروايات عن الإمام مالك في المسائل الفقهية.
سابعاً: يستعرض أقوال فقهاء الأمصار في المسائل الفقهية، ويقارن بين أدلتهم، ويناقشها ويرجح القول الراجح بدليله، ولا يتعصب لمذهب.
وقد ذكرنا سابقاً أن الاستذكار جاء تكميلاً للتمهيد الذي هو لما في الموطأ من المعاني والأسانيد، ولو جمع بينهما على ترتيب الموطأ فمزج الكتابان بكتابٍ واحد لكان عملاً جيداً، ومن أهل العلم من مزج بين الاستذكار والمنتقى للباجي، ووجِد له نسخ خطية، لكن لو جمع بين كتابي ابن عبد البر لتكاملا؛ إذ يكونان شرحاً واحداً مبسوطاً واسعاً، بحيث لا يتشتت الطالب، إن أراد الفقه ذهب إلى الاستذكار، وإن أراد الأسانيد ذهب إلى التمهيد.
والكتاب مطبوع بطبعة القلعجي في ثلاثين جزءًا؛ لأن المحقق للاستذكار نقل بعض النقول مما يحتاج إليه من التمهيد، فطال الكتاب جداً، وإلا فهو أقصر من التمهيد، وقابل لأن يكون في عشرة أو ثمانية مجلدات؛ لأنه نفخ بالتعاليق والنقول، فأحياناً تنقل خمس صفحات جميعاً من التمهيد، والتمهيد موجود فلا داعي لمثل هذا التطويل. وطبعة القلعجي – مع ما أثقلها به من الحواشي- تبقى بالنسبة لي هي أفضل الطبعات، وهي الطبعة التي أعتمد عليها، وفيها عناية، وفيها تخريج لبعض النصوص.
تصنيف الكتاب
كشاف الكتاب