شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح (174)

المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين، وصلى اللهم وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد وآله وصحبه أجمعين.

أيها الإخوة والأخوات، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأهلاً بكم إلى حلقة جديدة في برنامجكم شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح.  

المقدم: مع بداية هذه الحلقة يسرنا أن نرحب بصاحب الفضيلة الشيخ الدكتور عبد الكريم بن عبد الله الخضير، ومرحبًا بكم فضيلة الدكتور.

حياكم الله، وبارك فيكم وفي الإخوة المستمعين.

قال المصنف -رحمه الله-: عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- خرج ومعه بلال، فظن أنه لم يُسمِع النساء، فوعظهن، وأمرهن بالصدقة، فجعلت المرأة تُلقي القرط والخاتمَ، وبلال يأخذُ في طرف ثوبه.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد،

فراوي الحديث عبد الله بنُ عباس بن عبد المطلب ابن عم النبي -صلى الله عليه وسلم- حبر الأمة، وترجمان القرآن، مر ذكره مرارًا.

 والحديث ترجم عليه الإمام البخاري بقوله: باب عظة الإمام النساء وتعليمهن، قال الحافظ ابن حجر: نبّه بهذه الترجمة على أن ما سبق من الندب إلى تعليم الأهل، نبّه بهذه الترجمة إلى أن ما سبق من الندب إلى تعليم الأهل ليس مختصًّا بأهلهن، الترجمة السابقة باب تعليم الرجل أمته وأهله فنبه بهذه الترجمة على أن ما سبق ليس مختصًا بالأهل بل ذلك مندوبٌ للإمام الأعظم أو من ينوب عنه، مندوبٌ للإمام الأعظم أو من ينوب عنه، ولذا قال: باب عظة الإمام، الوعظ بالتصريح من قوله في الحديث: فوعظهن، وكانت الموعظة بقوله: «إني رأيتكن أكثر أهل النار»، يعني كما جاء في بعض الروايات المبسوطة التامة: «إني رأيتكن أكثر أهل النار»، ثم ذكر العلة «لأنكن تُكثرن اللعن وتكفرن العشير».

 واستُفيد التعليم من قوله: وأمرهن بالصدقة، واستُفيد التعليم، في الأصل باب عظة الإمام النساء، المطابقة للعظة من قوله فوعظهن، لكن أين المطابقة للتعليم؟ التعليم من قوله: وأمرهن بالصدقة، كأنه أعلمهن أن في الصدقة تكفيرًا للخطايا. الأمر بالصدقة..

المقدم: هو تعليم.

تعليم بلا شك؛ لأن مقتضى الأمر إما الوجوب أو الاستحباب، وهذا باب وضرب من ضروب التعليم، تعليم الحكم الشرعي.

يقول الكرماني: فإن قلت: الحديث يدل على الوعظ، فما وجه دلالته على التعليم؟ الحديث يدل على الوعظ، فما وجه دلالته على التعليم حتى يدل على تمام الترجمة؟

أجاب كعادته: قلت: من جهة أن الأمر بالصدقة يستلزم التعليم، والله أعلم. وقال العيني: وجه المناسبة بين البابين، هذا الباب باب عظة الإمام النساء وتعليمهن، والذي قبله باب تعليم الرجل أمته وأهله، من حيث إن المذكور في الباب السابق تعليم الرجل أهله، وهو خاص، والمذكور في هذا الباب تعليم الإمام النساء وهو عام، فتناسقا من هذه الحيثية بجامع التعليم.. الترجمة الأولى تعليم خاص، والثانية تعليم..

المقدم: عام.

عام، والمراد من الإمام هو الإمام الأعظم أو من ينوب عنه، وذكر وجه المطابقة بين الحديث والترجمة بما حاصلهُ عند ابن حجر المتقدم.

والعِظة بكسر العين بمعنى الوعظ؛ لأنه مصدر من وعظ يعظُ وعظًا، فلما حُذفت الواو تبعًا لفعله عوضت عنها الهاء، فلما حُذفت الواو تبعًا لفعله عوضت عنها الهاء، مثل: وعظ يعظُ عظةً، وعدَ يعدُ..

المقدم: وعدًا.

وعد، عدة، وزنَ يزنُ زنةً، والوعظ هو التذكير بالعواقب، في المصباح المنير: وعظه يعظه وعظًا وعظةً، أمره بالطاعة ووصاه بها، وعليه قوله تعالى: {قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ} [سبأ:46] أي أوصيكم وآمركم، وعظه يعظه وعظًا وعظةً فاتَّعظ أي ائتمر وكف نفسه، والاسم الموعظة، وهو واعظ، والجمع وعّاظ، والموعظة الوعظ، وفي معناه الإرشاد والدلالة والتوجيه، كلها تذكير بالعواقب من أجل أخذ الحيطة لما يُستقبل.

 وفي الأصل قال الإمام البخاري-رحمه الله تعالى- بعد سياق الحديث: وقال: إسماعيل عن أيوب، أقول في الأصل في أصل الحديث، في صلبه، في أصل الحديث المشروح عن أيوب قال: سمعت عطاءً قال: سمعت ابن عباس قال: أشهدُ على النبي-صلى الله عليه وسلم- أو قال عطاءٌ: أشهدُ على ابن عباس، يعني هذا في الأصل حذفه المختصر؛ لأنه يُقتصر على الصحابي فقط، وفيه على ابن عباس أن النبي-صلى الله عليه وسلم-، فقال: عن ابن عباس، وهو في الأصل ذكر في مقدمة الكتاب أنه يلتزم حتى الصيغ، صيغ الأداء عن الصحابي، فالأصل أن يقول: على ابن عباس، وقد التزم أن يورد ما في الأصل، والذي في الأصل أشهدُ على ابن عباس، وهو هنا قال: عن ابن عباس، ولعله اعتمد الرواية التي أشار إليها البخاري على ما سيأتي ذكره بعد هذه بنفس الصلب، صلب الكتاب، قال: عن أيوب قال: سمعت عطاءً قال: سمعت ابن عباس قال: أشهدُ على النبي-صلى الله عليه وسلم- أو قال عطاءٌ: أشهدُ على ابن عباس أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.

 قال ابن حجر: معناه أن الراوي تردد هل لفظ أشهد من قول ابن عباس أم قول عطاء؟ لأنه قال: سمعت ابن عباس قال: أشهدُ على النبي -صلى الله عليه وسلم-، مقتضاه أن قوله أشهد من كلام ابن عباس أو قال عطاءٌ، هذا إيش؟ شك، أو قال عطاءٌ: أشهدُ على ابن عباس أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- خرج، فمعناه أن الراوي تردد هل لفظ أشهد من قول ابن عباس أم قول عطاء؟ وقد رواه بالشك أيضًا حماد بن زيد عن أيوب، أخرجه أبو نعيم في المستخرج، وأخرجه أحمد بن حنبل عن غُندر عن شعبة جازمًا بلفظ: أشهد عن كل منهما، أشهد عن كل منهما، وإنما عبر بلفظ الشهادة؛ تأكيدًا لتحققه ووثوقًا بوقوعه، عبر بلفظ الشهادة تأكيدًا لتحققه ووثوقًا بوقوعه، وإلا فالأصل أنه خبر، إن كان عن ابن عباس فقد شهد، يحتمل أن يكون شهد ما حصل، فكونه يشهد على ما رأى فهذا لا إشكال فيه؛ لأنه يشهد عن رؤية، وإن كان عن عطاء أشهد على ابن عباس ...

المقدم: أشهد ما سمعت.

نعم يشهد على السماع، والتعبير بلفظ الشهادة في الموضعين كله من أجل التأكيد، وقال الكرماني: فإن قلت: لمَ استعمل لفظ الشهادة بـعلى، لا باللام، أشهد لابن عباس، أو أشهد يقول ابن عباس: لرسول الله؟ لمَ استعمل الشهادة بـ على لا باللام؟ نقول: شهدت له أم شهدت عليه؟ الآن ابن عباس يشهد للرسول أو يشهد على الرسول؟

المقدم: على الرسول.

يشهد له أنه فعل وبلغ، وعطاء يشهد لابن عباس أنه شهد وبلغ، أو يشهد عليه، لماذا عبر بـعلى لا باللام؟ هذا كلام الكرماني، ومر بنا مرارًا أن الكرماني يورد أسئلة ثم يُجيب عنها.

المقدم: كأن الكرماني يقول: إن الأصل أن يقول: (أشهد لـ وليس على) مادام أورد هذا الإشكال.

نعم، الأصل الآن هو يشهد لابن عباس أو على ابن عباس؟

المقدم: لابن عباس.

أنه بلغ ما سمع وما رأى، فهي شهادة له، وابن عباس يشهد للنبي-عليه الصلاة والسلام- أنه فعل هذا.

قلت: ذلك أيضًا لزيادة التأكيد في وثاقته؛ لأنه يدل على الاستعلاء بالعلم على خروجه -صلى الله عليه وسلم- لأن الذي ينظر إلى الشيء من جهة العلو يدل على أنه متمكن من الإحاطة به، بينما الذي ينظر إليه لا من جهة العلو قد يخفى عليه بعض أموره وأحواله، فالتعبير بـ على هنا؛ لزيادة التأكيد في وثاقته، قال: لأنه يدل على الاستعلاء بالعلم على خروجه -صلى الله عليه وسلم-، يقول الجوهري: الشهادة خبر قاطع، يقال منه: شهد الرجل على كذا، شهد الرجل على كذا، فدل على أن الاستعمال هنا بـ على لغوي، يقول الجوهري في صحاحه، الشهادة خبر قاطع، يقول منه: شهد الرجل على كذا، لكن هل هذا على إطلاقه؟ الشهادة التي تؤدى إما أن تكون لفلان أو على فلان، وقد تكون الشهادة لفلان على فلان، يشهد زيد بأن لعمرو دينًا على بكر، فهي شهادة لشخص على شخص، فكلام الجوهري وإن شهد لما رجحه الكرماني، لكنها ليست مطردة، فالشهادة لصاحب الحق على خصمه، فهناك شاهد ومشهود له ومشهود عليه، فلا يطرد كلام الجوهري، وإلا نقول: إن كلام الجوهري لغوي، ويقال منه: شهد الرجل على كذا.

 لكن ما علاقة المشهود عليه هنا بالحديث؟ هل هو أولى من المشهود له؟ لكن ما أورده الكرماني وجيه، لزيادة التأكيد في وثاقته؛ لأنه يدل على الاستعلاء، وذكرنا أن من ينظر إلى المشهود عليه من فوق لا شك أنه يحيط به، بخلاف من ينظر إليه من إحدى الجهات فإنه قد يخفى عليه من أمره ما يخفى.

وبعد سياق الحديث قال الإمام البخاري: وقال إسماعيل عن أيوب عن عطاءٍ: وقال عن ابن عباس: أشهدُ على النبي -صلى الله عليه وسلم- إسماعيل هو ابن عُلية الذي يقال له: ابن عُلية، وأراد البخاري بهذا التعليق أنه جزم عن أيوب بأن لفظ: أشهدُ من كلام ابن عباس فقط؛ لأنه في التعليق الذي يليه بعد أن أورد البخاري الحديث الأصل، أردفه بهذا المعلق، وليس فيه عن عطاء أشهد على ابن عباس، إنما فيه وقال: عن ابن عباس أشهد أن النبي-عليه الصلاة والسلام-، فجزم أن الشهادة من قول ابن عباس، بأن جزم عن أيوب بأن لفظ أشهد من كلام ابن عباس فقط، وكذا جزم به أبو داود الطيالسي في مُسنده عن شعبة، وكذا قاله وهيب عن أيوب، ذكره الإسماعيلي، وذكر ذلك كله الحافظ ابن حجر.

 وهو مُعلق؛ لأن البخاري لم يدرك إسماعيل بن علية؛ لأن إسماعيل مات في السنة التي ولد فيها البخاري سنة مائة وأربع وتسعين، سنة أربعٍ وتسعين ومائة، مات ابن علية، وفيها ولادة البخاري، فالبخاري لم يُدركه، فهذا مُعلق، هذا قاله الكرماني والعيني، وقال الكرماني: ويحتمل، ماذا جاء بالاحتمال؟ ويحتمل أن يكون عطفًا على قال، يعني في الحديث الأصلي، في الحديث الأصل حدثنا سليمان بن حرب قال: حدثنا شعبة عن أيوب، الاحتمال الذي أورده الكرماني يقول: ويحتمل أن يكون عطفًا على قال شُعبة، فيكون المراد منه حدثنا سليمان قال: حدثنا إسماعيل عن أيوب، فيخرج من التعليق، فعلى هذا يكون على هذا الاحتمال معلقًا أم موصولًا؟

المقدم: على هذا الاحتمال يكون موصولًا؟

موصولًا بالإسناد السابق، فيكون الواسطة بين البخاري وبين إسماعيل هو سليمان بن حرب الموجود في الأصل، هذا الاحتمال أورده الكرماني، لكن هل مثل هذه العلوم تثبت بالاحتمالات؟ يقول ابن حجر: وهو مردود، هذا الكلام مردود؛ فإن سليمان بن حرب لا رواية له عن إسماعيل أصلًا لا لهذا الحديث ولا لغيره، فكيف يقول الكرماني: يحتمل أن يكون الواسطة سليمان بن حرب؟! لا رواية له عن إسماعيل لا لهذا الحديث ولا لغيره.

 المقدم: حتى هذا الاحتمال أبطله.

ابن حجر، نعم، إذا كان هذا الاحتمال قائمًا، ألا يُقال: إن لسليمان بن حرب رواية عن إسماعيل بهذا؟

المقدم: إذا كان هذا الاحتمال قائمًا.

الآن هو أورد الاحتمال، أورد الاحتمال والمعروف الذي قرره ابن حجر أن سليمان بن حرب لا رواية له عن إسماعيل أصلًا، ألا يمكن أن يقال: إن رواية سليمان بن حرب عن إسماعيل ثبتت بهذا؟

المقدم: بهذا الاحتمال؟

بهذا الاحتمال، سيأتي كلام ابن حجر بقوة، يقول: لا رواية له عن إسماعيل لا لهذا الحديث ولا لغيره، والمعول في هذا على الأئمة، إن أثبتوا سماع سليمان بن حرب عن إسماعيل أثبتنا وإلا نفينا تبعًا لهم، وقد أخرجه المصنف في كتاب الزكاة موصولاً عن مؤمل بن هشام، عن إسماعيل كما سيأتي، ثم ذكر ابن حجر قاعدة يستفيد منها طلاب هذا الفن، يقول: وقد قلنا غير مرة إن الاحتمالات العقلية يعني المجردة، الاحتمالات العقلية- كما نص على ذلك في موضع آخر- الاحتمالات المجردة، يقول: وقد قلنا غير مرة إن الاحتمالات العقلية لا مدخل لها في الأمور النقلية، يعني كونه يحتمل، يحتمل لكن هل له حقيقة؟ هل قال بهذا أحد من الأئمة المتقدمين؟ ما قال به، قال: إن الاحتمالات العقلية لا مدخل لها في الأمور النقلية، ولو استرسل مسترسل لقال: يَحتملُ أن يكون إسماعيل هذا آخر غير ابن عُلية. وممكن أن تقولوا: سليمان بن حرب لم يسمع من إسماعيل ابن علية، نفترض أن إسماعيل مادام ما نُسب أنه غير إسماعيل ابن علية، يُمكن أن يورد هذا الاحتمال.

 يَحتملُ أن يكون إسماعيل آخر غير ابن علية، وأن أيوب أيضًا آخر غير السختياني، يعني لو أردنا أن نسترسل وراء الاحتمالات ألا يمكن أن يقال مثل هذا، وأن أيوب أيضًا آخر غير السختياني، وهكذا في أكثر الروايات، فيُخرج بذلك إلى ما ليس بمرْضي، وابن حجر ردَّ على الكرماني في هذه المسألة في موضعين قبل هذا الموضع، فهي ثلاثة مواضع، وابن حجر قرر قاعدة في مثل هذا التصرف من الإمام البخاري قاعدة فقال: البخاري حيث يريد التعليق يأتي بحرف العطف، وقال إسماعيل عن أيوب، حيث يريد التعليق يأتي بحرف العطف، وإن كان بالإسناد قبله بغير حرف العطف، وقد أتى هنا بحرف العطف، فهو هنا مُعلق.

 لكن يرد على هذه القاعدة قوله في البخاري بعد الحديث رقم اثنين وعشرين قال وهيب: حدثنا عمرو: الحياة، بدل الحياء فيلقون في نهر الحياة، علقه البخاري يقول: علقه البخاري، فحكم عليه بالتعليق مع أنه مجرد عن الواو كما قال: حيث يريد التعليق يأتي بحرف العطف، وقال هنا في الموضع الذي معنا، وقال إسماعيل: فيه الواو، مشى على القاعدة لكن هناك في قول البخاري قال وهيب: حدثنا عمرو الحياة يقول ابن حجر: علقه البخاري، وهو مجرد عن الواو، مع أنه مجرد عن الواو، فهذا يرد على قاعدته التي ذكرها فتكون القاعدة كلية أم أغلبية؟

المقدم: أغلبية.

أغلبية وليست كلية، وكثير من القواعد التي قررها ابن حجر وُجد ما، لكنه إنما يقرر عن استقراء، أما الاحتمالات التي يوردها الكرماني وغيره من الشراح الذين لا إحاطة لهم بالكتاب المشروح كإحاطة ابن حجر فيعتريها ما يعتريها من مثل هذه الانتقادات.

"أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- خرج" أي بين الصفوف صفوف الرجال إلى صف النساء وهي جملة من أن واسمها وخبرها خرج، ومعه بلال.

المقدم: ولا ذُكر متى خرج.

كيف؟

المقدم: في الحديث متى خرج؟

في العيد.

المقدم: عيد الفطر، عيد الأضحى؟

يأتي في طرق الحديث وأطرافه ما يبين هذا بجلاء.

 ومعه بلال كذا للكشميهني، وسقطت الواو للباقين، يعني معه بلال، خرج معه بلال، قال العيني وقبله الكرماني: جملة اسمية وقعت حالًا، وحذف الواو جائز بلا ضعف، نحو قوله تعالى: {اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ} [البقرة:36]، فاستُغني بالضمير عن الواو، استغني بالضمير معه بلال، فاستغني بالضمير عن الواو واو الحال.

 وبلال هو ابن رباح الحبشي يُكنى أبا عبد الله أو أبا عمرو أو أبا عبد الرحمن أو أبا عبد الكريم، يعني اُختلف في كنيته اختلافًا كبيرًا، وهذه هي العادة فيمن اشتهر..

المقدم: باسمه.

باسمه، من اشتهر باسمه لا شك أن الكنية تضيع، بخلاف من اشتغل بالكنية الاسم..

المقدم: يضيع.

يضيع فأبو هريرة يختلف في اسمه واسم أبيه على أكثر من ثلاثين قولًا؛ لأنه اشتهر بكنيته، وقتادة يندر من طلاب العلم من يعرف كنيته؛ لأنه اشتهر باسمه، وشهرته باسم أمه حمامة، كان قديم الإسلام، وكان أول من أظهر الإسلام وعُذب على إسلامه، مات سنة عشرين بالشام.

 فظن أي رسول الله-صلى الله عليه وسلم أنه لم يُسمع النساء - حين أسمع الرجال، وفي بعض النسخ: فظن أنه لم يُسمع بدون لفظة النساء، وأنَّ مع اسمها وخبرها سدت مسد مفعولي ظن، وفي هذا ما يدل على بُعد النساء عن مكان الرجال، وإلا لو كُن قريبات من مكان الرجال لسمعن الخطبة، ما الذي دعاه أن يخص النساء بهذه الموعظة؟ إلا أنه ظن أنه لم يُسمع، ظن أنه ما أسمع النساء دليل على أن النساء بعيدات عن مكان الرجال، ولو كن قريبات..

المقدم: لاكتفى.

لظن أنهن سمعن، واكتفى بموعظته للرجال، ويدخل النساء معهم؛ لأن النساء شقائق الرجال.

المقدم: ولهذا يرد سؤال كثير يا شيخ- أحسن الله إليك- في مثل خطبة العيد بعض الخطباء يخصص الجزء الأخير من الخطبة الثانية للنساء، يخصهن بالموعظة، هل لهذا أصل، وهل هذا الحديث يعتبر دلالة على ذلك؟

أستأذن فضيلتكم أن يكون هذا هو بداية الحلقة القادمة بإذن الله تعالى، لنستكمل ألفاظ الحديث، وأيضًا الكلام عن هذا الموضوع بإذن الله.

 أيها الإخوة والأخوات، بهذا نصل وإياكم إلى ختام هذه الحلقة من برنامج شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح، نستكمل ما تبقى بإذن الله في الحلقة القادمة، وأنتم على خير.

 والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.