شرح ألفية الحديث للحافظ العراقي (20)

- بسم الله الرحمن الرحيم -

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

نعم.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

اللهم اغفر لنا، ولشيخنا، والسامعين برحمتك يا أرحم الراحمين.

قال الحافظ العراقي -رحمه الله تعالى-:

الموضوع

شر الضعيف الخبر الموضوع
وكيف كان لم يجيزوا ذكره
وأكثر الجامع فيه إذ خرج
والواضعون للحديث أضرب
قد وضعوها حسبة فقبلت
فقيض الله لها نقادها
نحو أبي عصمة إذ رأى الورى
لهم حديثا في فضائل السور
كذا الحديث عن أبيٍّ اعترف
وكل من أودعه كتابه
وجوز الوضع على الترغيب
والواضعون بعضهم قد صنعا
كلام بعض الحكما في المسند
نحو حديث ثابت من كثرت
ويعرف الوضع بالإقرار وما
يعرف بالركة قلت: استشكلا
ما اعترف الواضع إذ قد يكذب

 

الكذب المختلق المصنوع
لمن علم ما لم يبين أمره
لمطلق الضعف عنى أبا الفرج
أضرهم قوم لزهد نسبوا
منهم ركونا لهم ونقلت
فبينوا بنقدهم فسادها
زعمًا نأوا عن القران فافترى
عن ابن عباس فبئسما ابتكر
راويه بالوضع وبئسما اقترف
كالواحدي مخطئ صوابه
قوم ابن كرام وفي الترهيب
من عند نفسه وبعض وضعا
ومنه نوع وضعه لم يقصد
صلاته الحديث وهلة سرت
نزل منزلته وربما
الثبجي القطع بالوضع على
بلى نرده وعنه نضرب

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد: فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "الموضوع" الموضوع اسم مفعول من الوضع، وهو الحط، وضع الشيء، وضع الدين حطه، وسمي الخبر الموضوع المكذوب بهذا الاسم؛ لأنه منحط الرتبة عن مستوى من نسب إليه، وهو الرسول -عليه الصلاة والسلام-، وذكر الموضوع في أنواع علوم الحديث مع أنه ليس بحديث؛ نظرًا إلى كونه مما يتحدث به، وتنزلًا على حد زعم واضعه، واضعه سماه حديثًا، والعلماء إنما ذكروه لتفنيده وبيانه "شر الضعيف" يعني شر أنواع الضعيف "الخبر الموضوع" يعني المحطوط المنحط "الخبر الموضوع الكذب" يعني المكذوب "المختلق المصنوع" من قبل واضعه، وأتى بهذه الألفاظ: الموضوع، الكذب، المختلق، المصنوع؛ لكي يخاطب جميع الجهات من جهات المسلمين، فبعض الناس يعرف الموضوع لكن ما يعرف معنى الموضوع، لعل الكل يعرفون الكذب، لكن منهم من لا يعرف معنى الموضوع، ومنهم من لا يعرف معنى المختلق، ومنهم من لا يعرف معنى المصنوع.

الموضوع: من الوضع وهو الحط والانحطاط، كما قالوا في حط الدين، والكذب الذي هو المكذوب، والكذب مصدر كذب يكذب كَذِبًا، وكِذْبًا، وكِذَابًا، وكِذَّابًا، نقيض الصدق، الكذب: الإخبار عن الشيء بخلاف ما هو عليه في الواقع، والصدق الإخبار عن الشيء بما يطابق الواقع، ولا واسطة بينهما، كما تقول المعتزلة، لا واسطة بين الصدق والكذب، فالكلام إما صدق وإما كذب، الخبر عمومًا إما صدق وإما كذب، ذكرنا بالأمس في درس مسلم أن المعتزلة احتجوا على قولهم بأن هناك واسطة بين الصدق والكذب بقول الله -جل وعلا-: {أَفْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَم بِهِ جِنَّةٌ} [(8) سورة سبأ]، وهذا من قول المشركين، ذكره الله -جل وعلا- عنهم، فقابل الكذب بالجنة، وما قابله بالصدق، فدل على أن للكذب مقابلًا غير الصدق، فليس بنقيض للصدق بل هو ضد له؛ لأنهما قد يرتفعان، ويحل محلهما ما لم يقصد، الكلام الذي لم يقصد، ككلام المجنون، لا يطابق الواقع، مع عدم قصده، ومع ذلك قوبل بالكذب في الآية، عرفنا أن هذا لا مستمسك به، ولا دليل فيه، الكلام الذي لم يقصد؛ هل يصح أن يطلق عليه كلامًا، أو لا؟ الكلام الذي لم يقصده صاحبه، يقال: هو كلام، وإلا لا؟ نعم، يعني في تعريفهم للكلام: هو اللفظ المركب المفيد بالوضع، المركب المفيد هذا معروف، يعني مركب من أكثر من كلمة، ومفيد فائدة يحسن السكوت عليها بالوضع، من الشراح قال: بالقصد، فعلى هذا الكلام غير المقصود لا يسمى كلامًا، ككلام النائم، والساهي، والغافل، وكلام الطيور، وما أشبه ذلك، وذلكم حينما يقول الفقهاء: تبطل الصلاة بالكلام، وفي حال الركوع أو السجود يعتدي شخص على آخر، فيضربه على ظهره، ثم يتكلم بكلمة من غير قصد، يعني لو ضرب وهو ساجد أو راكع وقال: أح، هذا كلام، وإلا ليس بكلام؟ تبطل به الصلاة، أو لا تبطل؟ قالوا: لا تبطل به الصلاة؛ لأنه غير مقصود، فلا يدخل في الكلام الذي يبطل الصلاة، فعلى هذا الكلام غير المقصود لا يدخل في الكلام، وكلام المجنون الذي لا يعي ما يقول لا يدخل؛ ولذا تصرفات المجانين، ومن خلال كلامهم لا يرتب عليها شيئًا، قل: مثل هذا فيما يقرب من الجنون، كالغضبان، إذا تكلم لا يؤاخذ، يقع طلاقه، أو لا يقع؟ والسكران كذلك؛ لأنه لا يقصد، وهذه مسألة معروفة عند أهل العلم.

ومنهم من يقول: إن مراد النحاة في قولهم بالوضع يعني بالوضع العربي، فيدخل في الحد الكلام غير المقصود، لكن يخرج منه كلام الأعاجم، كلام الأعاجم يدخل في الكلام على الأول، لكن لا يدخل في الكلام على القول الثاني، ما دام قلنا بالوضع العربي، فكلام الأعاجم ليس بكلام، وعلى هذا لو تكلم الأعجمي في الصلاة ما تبطل صلاته، على كل حال هذا الكلام عند النحويين وعند الفقهاء له تعريف، وعند المتكلمين له تعاريف، الذي يهمنا منه قولهم بالوضع، وأن من أهل العلم من قال: إن المراد بالوضع القصد، فلا بد أن يكون مقصودًا، فكلام المجنون لا يدخل في الكلام؛ ولذا قوبل بالكذب به، لا يدخل في الكلام أصلًا، فليس بكلام.

الكذب حكمه، والوضع على النبي -عليه الصلاة والسلام- حرام إجماعًا، وهفوة وزلة عظيمة، وموبقة من الموبقات، بدليل ما تواتر عنه -عليه الصلاة والسلام- من قوله: ((من كذب علي متعمدًا؛ فليتبوأ مقعده من النار))، وإذا كان الكذب على غيره محرم إجماعًا، فالكذب عليه -عليه الصلاة والسلام- أشد: ((إن كذبًا علي ليس ككذب على غيري))، ولكنه لا يصل إلى حد الكفر، مع عدم الاستحلال، كما قال الجويني، والد إمام الحرمين، وما نقل الذهبي عن ابن الجوزي أنه قال: "لا شك أن من كذب على الله، وعلى رسوله بتحليل حرام، أو تحريم حلال؛ فإنه يكفر"، أو "من فعل ذلك؛ فإن ذلك كفر محض"، على ما ذكرناه بالأمس، والمرجح هو قول الجمهور، ويختلفون في الكاذب الذي يكذب على النبي -عليه الصلاة والسلام-؛ هل تقبل توبته، ويقبل حديثه بعد ذلك؟ المسألة أشرنا إليها بالأمس، فأظن إعادتها لا داعي لها، نعم؟

طالب:......

لا، لا ما نقول: تخيير، هل هي للتقسيم والتنويع؟ يعني تكون الجِنة مقابلة، أو تكون بمعنى: "بل" للإضراب؟ للإضراب: "أفترى على الله كذبًا بل به جنة" ممكن هذا؛ لأن "أو" تأتي بمعنى "بل"، مائة ألف أو يزيدون، يعني بل يزيدون.

طالب:......

نعم إذا قلنا: إنها بمعنى بل؛ انتفى الإشكال.

...................................

 

الكذب المختلق المصنوع

من قبل واضعه "وكيف كان" الموضوع، وفي أي معنًى كان، سواءٌ كان في الأحكام، أو في الفضائل، أو الترغيب، أو في القصص، أو في غيرها "كيف كان لم يجيزوا" يعني العلماء "ذكره" يعني روايته:

...................................

 

لمن علم ما لم يبين أمره

"لمن علم" مفهوم هذا الكلام أنه يجوز ذكره لمن لم يعلم، والجاهل معذور على هذا، فالمؤاخذ الذي يعلم، وهذا مبني على ضبط من حدث عني بحديث يرى أنه يُرى أنه كذب، فإذا قلنا: إن الضبط يَرى أنه كذب لا يجوز، إذا كان يعلم، وإذا قلنا: يُرى، لا يجوز، ولو كان لا يعلم، ولو رآه غيره، وهو لم يره، وعلى هذا يلزم المسلم أن يتثبت، فيكون الأصل العدم، لا الأصل الوجود، لا، الأصل العدم، لا تحدث إلا إذا تأكدت، وعلى الرواية الأولى يَرى أنه كذب، أنك تحدث ما لم تنتقد، أو تطلع على أن هذا الحديث ليس بصحيح.

ولا شك أن الأحفظ، والأحوط للسنة أن يكون الأصل عدم التحديث إلا بعد التأكد، والصحابة -رضوان الله عليهم- كانوا يهابون الحديث عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، والقصص في ذلك والمروي عنهم في هذا كثير.

وكيف كان لم يجيزوا ذكره

 

لمن علم ما لم يبين أمره

لا بد أن يبين أمره، فيوضح للناس أنه مكذوب على النبي -عليه الصلاة والسلام-، ويكون بيانه لا للإفادة منه، بل للتحذير، والبيان إنما يكون بما يتم به هذا البيان بخلاف الألفاظ المجملة، أو التي يعرفها البعض دون البعض، بل لا بد أن يبين بأسلوب يستوي الجميع في معرفته، والقصة التي ذكرناها بالأمس تدل على أنه لا يبرأ، ولا يخرج من عهدة البيان إلا بأمر يتفق الجميع على فهمه؛ المتعلم، والعامي، وكل أحد يعرف أنه مكذوب، ومختلق، ومصنوع.

ذكرنا أن الحافظ العراقي سئل عن حديث، فقال: لا أصل له، مكذوب على النبي -عليه الصلاة والسلام-، فاعترض عليه شيخ من الأعاجم ينتسب إلى طلب العلم، وقال له: كيف تقول الحديث مكذوب، وهو موجود في كتب السنة بالإسناد؟ فأحضره من موضوعات ابن الجوزي، قال: فتعجبوا من كونه لا يعرف موضوع الموضوع، ويوجد من طلاب العلم لا سيما الذين لا يد لهم في الحديث، وهو في غير هذه البلاد كثير، يأتينا تعليقات على بعض الكتب من طلاب العلم يحضرون دروسًا على مشايخ، فيملون عليهم المشايخ أحاديث موضوعة، ويتداول الناس من العامة، والخاصة أحاديث في المناسبات لا أصل لها، فعلى الإنسان أن يحتاط لدينه، والكذب على النبي -عليه الصلاة والسلام- هفوة وزلة عظيمة، وليست كالكذب على غيره، وإذا كان الأصمعي يرى أن من يلحن يدخل في الحديث؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- لا يلحن، فمهما لحنت قولته ما لم يقل، لكن إذا جيء بالحديث باللهجة الدارجة مثلًا عند الناس، عامي يتكلم بحديث يريد أن يعظ الناس، أو يعظ زوجته، أو ولده، ثم جاء بالحديث بلهجته، وبعض الناس يتنزل مع العامة، ويحدثهم بأحاديث بلهجاتهم، ويرتاد مسجده كثير من الناس، ويطيل الكلام بين الأذان والإقامة في صلاة العشاء إلى ما يقرب من ساعة، وهو يحدث على الناس بأحاديث بعضها مرفوع إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، وبعضها قصص حصل لبعض الصحابة، ويلقيها عليهم بما يفهمون بأساليبهم، نقول: نعم، أنت قلت عن النبي -عليه الصلاة والسلام- ما لم يقل، فعليك أن تحتاط لهذا الأمر أنت وغيرك؛ لأن أهل العلم إذا منعوا اللحن، فلأن يمنعوا تغيير الألفاظ بالكلية من باب أولى.

أحيانًا يكون بعض من ينتسب إلى العلم، أو الدعوة لديه شيء من المرح، ويريد أن يجذب الناس بأسلوبه، فيقع في شيء من هذا، ويقص على الناس، ويدخل حديثًا في حديث؛ ليضحك الناس، هذا لا شك أنه لا يجوز، فيدخل حديثًا لأدنى مناسبة، ولو كانت المناسبة ضد هذا الحديث، ولا داعي لذكر الأمثلة؛ لئلا يعرف الشخص، والأمثلة موجودة، ومضبوطة، والله المستعان.

وبعض الناس يقوم ليعظ الناس، ويتحدث بأحاديث، ويتكلم بآيات، ويؤثر في الناس، حتى إذا أقبل الناس على البكاء أردف ذلك بنكتة، فضحكوا، هذا أسلوب لبعض من ينتسب إلى الدعوة، فلا شك أن في كلامه مؤثر، ولديه قدرة على التأثير، لكن مع ذلك يخلط الجد بالهزل، ثم بعد ذلك تضيع الفائدة، وهذا الأسلوب، وإن كان فيه جذب لبعض الناس، لكنه إدخال مثل هذا بين النصوص -نصوص الكتاب والسنة- لا شك أنه ليس بجيد، بل أمر سيئ.

"وأكثر الجامع" أكثر من ذكر الأحاديث، الجامع الذي جمع مصنفًا في الموضوعات "إذ خرج" عن موضوع كتابه.

لأن موضوع الكتاب في الموضوعات التي لا تصح نسبتها إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-.

"وأكثر الجامع" فصنف مصنفًا، يقول الشراح: نحو مجلدين، وهو مطبوع في ثلاثة، وفي أربعة بعض الطبعات "إذ خرج" عن موضوع كتابه.

"لمطلق الضعف" فذكر أحاديث ضعيفة، بل تعدى ذلك، فذكر أحاديث حسنة، بل تجاوز ذلك إلى بعض الأحاديث الصحيحة، فذكر منها، أو ذكر في كتابه ما هو في صحيح مسلم، وبعض كتب الحديث تشير إلى أنه أورد حديثًا في صحيح البخاري من رواية حماد بن شاكر، لا في الروايات المشهورة، وإنما الحديث الذي أورده في صحيح مسلم موجود فيه.

"لمطلق الضعف عنا" يعني ابن الصلاح "أبا الفرج" ابن الجوزي.

"عنى أبا الفرج" يعني ابن الجوزي، الحنبلي، المتوفى سنة سبع وتسعين وخمسمائة.

الواعظ المشهور، صاحب المصنفات الكثيرة، والسبب في ذلك مجيء هذا الحديث الذي لا يبلغ إلى درجة الوضع، إنما هو ضعيف، أو حسن، أو صحيح هذا الحديث أدخله في الموضوعات؛ لأنه جاء من طريق من رمي بالوضع، من طريق فيه من رمي بالوضع كذاب، لكن المؤلف غفل عن وروده من طرق يصح بها، غافلًا عن مجيئه بسند صحيح، أو حسن، أو ضعيف آخر، يعني يمكن يأتي يكون لا يصل إلى درجة الوضع، ثم يأتي حديث يرقيه؛ فيكون حسنًا لغيره، وأورد فيه من الأحاديث الحسنة لذاتها، وأورد فيه –أيضًا- أحاديث صحيحة، وقلنا: إن عمله نقيض عمل الحاكم في مستدركه، والضرر واقع بالعملين معًا، فعمل ابن الجوزي يحرِم الناس من أحاديث، من العمل بأحاديث ثابتة عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، وعمل الحاكم الذي صحح بعض الأحاديث الضعيفة، بل بعض الأحاديث الموضوعة يجعلهم يعملون ويتدينون بشيء لا يثبت، لا تثبت نسبته إلى الشرع، وفي كلا العملين خطر عظيم "عنى أبا الفرج"، "والواضعون للحديث" كثيرون:

والواضعون للحديث أضرب

 

...................................

عددهم كثير لا كثرهم الله، ذكر الحافظ ابن كثير -رحمه الله تعالى- عن شخص من المتكلمين أنه أنكر الوضع في الحديث، وقال: كل ما ينسب إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- فهو صحيح؛ لأن الوضع في الحديث والكذب، التمكين من الكذب على النبي -عليه الصلاة والسلام- ينافي حفظ الدين، والله -جل وعلا- يقول: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [(9) سورة الحجر]، والسنة بيان للقرآن، فكيف يبين المحفوظ بغير محفوظ، فأنكر أن يوجد الوضع في الحديث، فانبرى له شخص، وذكروا أنه كان صغير السن هذا الشخص، فقال له: ما رأيك في حديث: "سيكذب علي"؟ فالرد حاصل بالنفي والإثبات، إن قال: صحيح، طبعًا أنت قلت: ما يكذب على النبي -عليه الصلاة والسلام-، وصححت أنه سيكذب عليه؛ تناقضت، وإن قال: ليس بصحيح، أنت قلت: ما يكذب عليه، والآن كذب عليه هذا الحديث، وبعضهم ينكر مثل هذا الكلام، وأنه لا يصح، ولا يثبت عن أحد، لكن إنكاره وعدم إنكاره هو لا يترتب عليه حكم، فالحديث ليس بصحيح، لكن إلزام المتحدث من عدم التزام المحدث الذي حدث بهذا الحديث لا يلتزم به، إنما جاء به ليلزم به المتحدث، ومثل هذا في باب المناظرة يقبل؛ لأن قلب الأحاديث، القلب في الأسانيد، والمتون يجيزه أهل العلم للامتحان، لامتحان الطالب ما لم يثبت عليه، بل ينفى في المجلس، في المكان، امتحان الطالب، كما امتحن الطالب من قبل أهل العلم ببعض الأحاديث المقلوبة التي لا يجوز قلبها لغير الامتحان، وهذا من باب الرد والإلزام جوازه من باب أولى، ولا شك أن مثل هذا الكلام رد واضح عملي على هذا الذي لا علم له بعلم الحديث، فمثل هذا لا بد أن يرد عليه، ومن تعاطى غير فنه أتى بالعجائب، والواقع يشهد بخلاف ما قال، فالواضعون للحديث كثر، لا كثرهم الله، بعض الناس يورد الأحاديث ولا بضاعة له من الحديث، لا من قريب ولا من بعيد، فالغزالي في مؤلفاته يورد أحاديث، ويرتب عليها أحكامًا، ويستنبط منها، ومع ذلك يقول: بضاعته في الحديث مزجاة، وواقع كتبه يشهد بذلك، والإحياء على رأسها فيه أحاديث موضوعة كثيرة، والرازي يبني بدعه الموجودة في تفسيره على أحاديث، وهو لا حظ له ولا نصيب من الرواية، وأورد في تفسير سورة العصر حديثًا عن امرأة تجوب شوارع المدينة، وتقول: أين رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فتدل عليه، فتذكر له أنها شربت الخمر، وزنت وولدت ولدًا من زنى فقتلته، هذا أورده الرازي في تفسير سورة العصر، فقال لها النبي -عليه الصلاة والسلام-: "أما الشرب فالجلد، وأما قتل الولد فالحد، وأما كونك زنيت، فلكونك لم تصلّ العصر"، أورد هذا الخبر، ولا أصل له، ولا وجود له في دواوين الإسلام، ونقله عنه الألوسي، وقال: أورده الإمام، الفقهاء والأصوليون والمفسرون يسمونه الإمام، وإذا أطلق أريد به، انصرف إليه، قال: أورد الإمام، ولعمري أنه إمام في نقل ما لا يعرفه أهل الحديث، هذا مدح، وإلا ذم؟ ذم، ذم بليغ، فإيراد هذه الموضوعات في كتب التفسير، كما يشير إليه المؤلف فيما سيأتي لا شك أنه هفوة عظيمة، فلا يجوز للإنسان أن يعتمد على ما لا يعتمد عليه من الثابت.

والواضعون للحديث أضرب

 

...................................

فمنهم الزنادقة الذين يريدون إفساد الدين على أهله، ومنهم مرتزقة يتكسبون، قصاص، يتكسبون بوضع الأحاديث، ومنهم سمار، ومهرجون متحدثون يزينون كلامهم لتتسع مجالس الناس لهم، لا سيما الخلفاء، ومنهم متعصبة تبع لأئمة إما في العقائد والأصول، أو في الفروع -نسأل الله العافية-، يتعصب لإمامه إذا قال قولًا، وقوبل به هذا الشخص، وقيل: إنه لا دليل له، أثبت له دليلاً، وضع له دليلاً، وهذا شنيع، وذكر القرطبي في "المفهم": أن من الحنفية من أهل الرأي من يجيز أن يوضع للحكم الذي يثبت بالقياس الجلي أن يركب له إسنادًا، ويرفع إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، نسأل الله السلامة والعافية، فالزنادقة وضعوا أحاديث، واعترف واحد منهم بأنه وضع أربعة آلاف حديث، والمرتزقة من القصاص، وغيرهم –أيضًا- ساهموا، والمتعصبة من المذاهب الأصلية والفرعية –أيضًا- ساهموا، ووضعوا أحاديث في مناقب أئمتهم، وفي مثالب مخالفيهم، وأما طوائف البدع فحدث ولا حرج، فجل أقوالهم مبني على هذا.

...................................

 

أضرهم قوم لزهد نسبوا

أضر هذه الأضرب، والأضرب جمع ضرب، والضرب والقسم والنوع ألفاظ متقاربة، وأورد أبو هلال العسكري في فروقه اللغوية بعض الفروق الدقيقة بين هذه الألفاظ.

...................................

 

أضرهم قوم لزهد نسبوا

ينتسبون إلى زهد وصلاح، لكنهم يغفلون عن معرفة الحديث، والناس يثقون بمثل هذا النوع، أهل العبادة، وأهل الزهد، والفضل، والصلاح، الناس يثقون بهم، ويركنون إلى أقوالهم، ومروياتهم، فمشت موضوعاتهم على كثير من الناس "قد وضعوها" هؤلاء القوم الزهاد، وضعوا أحاديث في الفضائل، والرغائب "قد وضعوها حسبة" يبتغون بذلك الأجر والثواب من الله -جل وعلا- "فقبلت" موضوعاتهم؛ إحسانًا للظن بهم "فقبلت منهم ركونًا" وميلًا ووثوقًا بهم، "ركونًا لهم، ونقلت" عنهم، ونقلت عنهم من قبل من لا علم عنده، من قبل من لا علم عنده "فقيض الله" يعني هيأ الله -جل وعلا- "لها" أي لهذه الموضوعات "نقادها" جمع ناقد، ممن خصه الله -جل وعلا- بقوة البصيرة في علم الحديث:

فقيض الله لها نقادها

 

فبينوا بنقدهم فسادها

وقاموا بأعباء ما تحملوه على الوجه الأكمل، قيل لابن المبارك: هذه الموضوعات، يعني يشتكي بعضهم لابن المبارك، ويقول: هذه الموضوعات، الأحاديث الموضوعة المكذوبة على النبي -عليه الصلاة والسلام-، فقال ابن المبارك: تعيش لها الجهابذة، فتصدى له أهل العلم، وفندوها، وردوها، وبينوا وضعها، وكشفوا عوارها، وأقوال أهل العلم في هذا، ومصنفاتهم كثيرة، والله -جل وعلا- قيضهم لهذا الأمر، حتى قال قائلهم: لو أن شخصًا هم بالليل أن يضع حديثًا؛ لأصبح الناس يتحدثون بأن فلانًا كذاب، قبل أن يكذب، وهذا كله لحفظ هذا الدين الذي وعد الله -جل وعلا- ببقائه إلى قيام الساعة، لكن على أهل العلم أن يقوموا بما كلفوا به، وإلا إذا تخاذلوا لا شك أن الشر ينتشر، إذا تراخوا وتخاذلوا، واتكل كل واحد، وتوكل كل واحد على غيره، فإنه لا شك أن التبعة على أهل العلم عظيمة، وسواءٌ كان في مثل هذا الباب من تفنيد الشبه، وما يلصق بالدين مما لا يصح، أو كان –أيضًا- بإنكار الشهوات، والمعاصي، والمنكرات، كل هذا لا بد من التصدي له، وإلا فالنتيجة أن يكثر الخبث، وتحل العقوبة، كما قالوا للنبي -عليه الصلاة والسلام-: أنهلك، وفينا الصالحون؟ قال: ((نعم إذا كثر الخبث))، مع وجود الصالحين، ولا يكثر الخبث إلا إذا تواطأ الناس على إنكاره، أما إذا وجدت سنة المدافعة، وقام كل إنسان بما أوجب الله عليه، فإن هذا الخبث ضعيف لن يصمد أمام قوة الحق.

...................................

 

فبينوا بنقدهم فسادها

"نحو" يعني مثل "أبي عصمة" نوح بن أبي مريم الجامع، يعني جمع بين علوم كثيرة، فهو جامع، هذا لقبه، وابن حبان وغيره يقولون: جمع كل شيء إلا الخير -نسأل الله السلامة والعافية-،

نحو أبي عصمة إذ رأى الورى

 

...................................

"إذ رأى الورى" يعني الخلق "زعمًا" يعني على حد زعمه "نأوا" يعني أعرضوا "عن القرآن" أعرضوا عن القرآن، واشتغلوا بفقه أبي حنيفة، ومغازي ابن إسحاق، مع أنه من تلاميذ أبي حنيفة، وابن إسحاق، هو من طلابهم، فرآهم اشتغلوا عن القرآن بغيره، بالفقه، وبالمغازي، فأراد أن يردهم إلى القرآن؛ لأن القرآن أعظم ما يعتنى به.

وفي عصرنا نأوا عن القرآن بأي شيء؟ بالجرائد، والمجلات، والقنوات، ليتهم اشتغلوا بفقه ومغازٍ، لكن هل مثل هذا مبرر لأن نروج الدين، ونرد الناس إلى حظيرة الدين بالكذب، والزور، وإلصاق ما لم يثبت عن النبي -عليه الصلاة والسلام- بدينه؟ أبدًا، بل هذه الزلة أعظم من انصراف بعض الناس عن القرآن، وإلا فالانصراف واضح وموجود، حتى بعض طلاب العلم انصرفوا عن القرآن، حتى من طلاب العلم من لا يفتح المصحف إلا في رمضان، وهو على حد زعمه يشتغل بالسنة، أو يشتغل بالفقه، أو يتخصص بأي علم من العلوم الشرعية، لكن القرآن رأس المال، وهو أصل الأصول، فينبغي أن يعتنى به قبل غيره.

...................................

 

زعمًا نأوا عن القرآن فافترى

أي: اختلق أحاديث، أو "حديثًا في فضائل السور"، "فافترى لهم" يعني من عند نفسه "حديثًا في فضائل السور" يعني في قراءة السور، عن عكرمة "عن ابن عباس" -رضي الله عنهما- "فبئس ما ابتكر" فبئس ما ابتكر، يعني من وضعه لهذا الخبر الذي فيه فضائل السور مرتبة، بدءًا من الفاتحة إلى الناس، من قرأ كذا؛ فله كذا، يرغب الناس في القرآن، وممن صرح بوضعه الحاكم، وابن حبان، ولا شك أنه موضوع، وعلامات الوضع عليه تلوح للعامة فضلًا عن من ينتسب إلى العلم.

"كذا الحديث" الطويل "عن أبيٍّ"

كذا الحديث عن أبيٍّ اعترف

 

...................................

يعني الحديث الطويل، المروي عن أبي بن كعب في فضائل السور "اعترف راويه بالوضع" له، "اعترف راويه بالوضع" فتصدى له من نذر نفسه للدفاع عن السنة، فذهب، فسأل عنه من ألقاه، فدله، فقال: حدثني به شيخ بالبصرة، فذهب إليه، فقال: حدثني به شيخ ببغداد؛ فذهب إليه، ثم قال: حدثني شيخ بواسط؛ فذهب إليه، ثم قال: حدثني به شيخ بعبادان؛ فذهب إليه، فدله على قوم في خلوة من الخلوات من المتصوفة، فدلوه على شيخ كبير، فقيل له: من أين لك: فلان عن فلان عن فلان في فضائل السور؟ قال: إنه هو الذي وضعه -نسأل الله السلامة والعافية-، فالعبادة مع الجهل تضر صاحبها أكثر مما تنفعه، فهؤلاء المساكين الذين انقطعوا للعبادة؛ هل انتفعوا بهذه العبادة، وهذا واقعهم؟ لو اشتغلوا بأمور المعاش، بأمور الدنيا في أسواق المسلمين عن هذه العبادة التي تضرهم ولا تنفعهم كان أفضل لهم، يعني أدى بهم الجهل إلى هذا الحد أن يوضع الحديث -نسأل الله السلامة والعافية-:

كذا الحديث عن أبي اعترف

 

راويه بالوضع له وبئسما اقترف

يعني اكتسب من وضعه:

وكل من أودعه كتابه

 

...................................

يعني من المفسرين "وكل من أودعه كتابه" في التفسير، أو في غيره "كالواحدي" أبي الحسن، والثعلبي، والزمخشري، والبيضاوي، وإسماعيل حقي، وأبو السعود، وكثير من المفسرين الذين لا علم لهم بالحديث، هؤلاء أوردوا هذا الحديث في أواخر السور، الواحدي والثعلبي يوردونه بالإسناد؛ بإسناده المركب، ومن ذكر كالزمخشري، والبيضاوي، وأبو السعود، وإسماعيل حقي هؤلاء أوردوه مجردًا عن الإسناد، وجزموا به؛ فلا شك أن هذا أشد، وإسماعيل حقي ذكرنا بالأمس أنه يبرر ذكر هذه الأحاديث في هذه السور، ويقول: إن ثبتت عن النبي -عليه الصلاة والسلام- فبها ونعمت، وإن لم تثبت، فقد قال القائل: إنا نكذب له، ولا نكذب عليه، ولا شك أن هذا ضلال.

وكل من أودعه كتابه

 

كالواحدي مخطئ صوابه

مخطئ في ذلك الصواب، إذ الصواب تجنب هذا الحديث؛ لأنه موضوع مكذوب مختلق على النبي -عليه الصلاة والسلام-، لكن من ذكره للتحذير منه فهو مأجور، على أن يتم البيان، والتحذير بأسلوب لا يختلف فيه.

وجوز الوضع على الترغيب

 

...................................

جوز الوضع في الحديث على الترغيب للناس في الفضائل "قوم ابن كَرَّام" محمد بن كرام السجستاني؛ صاحب المذهب الذي ينتسب إليه الكرامية "قوم ابن كرَّام" بالتشديد، ويذكر بالتخفيف "كرَام" بالفتح، ويذكر –أيضًا- على لفظ جمع كريم "كِرَام"، ويقول محمد بن الهيصم من أتباعه:

.....إن الذين لم يقتدوا

 

بمحمد بن كِرَام غير كرام

 

 البيت لمن؟ معكم الشرح؟ نعم؟

طالب:......

لأبي الفتح البستي، لكن الذي ضبطه بالتخفيف ابن الهيصم، والبيت لأبي الفتح البستي، يمدح فيه محمد بن كرَّام، ويقول: إنه بن كِرَام، وعلى كل حال لا يعنينا تشديده، أو تخفيفه إنما مذهبه مذهب مبتدع، وفيهم صلاح، وفيهم زهد، لكن هذا الزهد ضرهم، وهذه الغفلة عن تعلم العلم الشرعي ضرتهم، وفيهم شوب ابتداع في مسائل من مسائل العقيدة؛ الكلام فيهم يطول.

"قوم ابن كرام وفي الترهيب" جوزه أيضًا في الترهيب؛ لأنه "جوز الوضع على الترغيب" يعني للناس في الفضائل "قوم ابن كرام" وجوزوه –أيضًا- "في الترهيب" زجرًا عن المعصية؛ محتجين في ذلك بأن هذا كذب له لا عليه؛ تقوية للشريعة وترويجًا لها، وأما الكذب عليه الوارد في الحديث في قوله: ساحر مثلًا، أو شاعر، أو كذاب؛ هذا الكذب على النبي -عليه الصلاة والسلام-، أما أن يُكذب، ويُختلق أحاديث تروج الخير، وتكف الناس على الشر؛ فلا -على حد زعمهم-، وهذا الكلام في غاية السخف والبطلان، تمسكوا أيضًا برواية: ((من كذب علي متعمدًا ليضل الناس))، فالذي هدفه الإضلال هو الذي يدخل في المنع، وأما من كان هدفه الإصلاح فلا يدخل في الحديث، هذه الرواية ضعيفة، "ليضل الناس" هذه ضعيفة، والدين كامل؛ كمل قبل وفاة النبي -عليه الصلاة والسلام-: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} [(3) سورة المائدة]، فليس بحاجة إلى ترويج، واقتصار الناس على ما ثبت عن الله، وعن رسوله كافٍ، والتذكير بالقرآن وحده يكفي: {فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَن يَخَافُ وَعِيدِ} [(45) سورة ق]، ومع الأسف أن الناس انصرفوا عن التذكير بالقرآن إلى التذكير بالقصص، هذه الرواية: ((ليضل الناس)) ضعيفة، ولو قدر ثبوتها اللام فيها ليس لام التعليل، وإنما هي لام الصيرورة والعاقبة؛ معنى ذلك لتكون عاقبة الناس الضلال؛ كما في قوله -جل وعلا-: {فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا} [(8) سورة القصص]، عدوًّا وحزنًا؛ هل هم التقطوه ليكون لهم عدوًّا وحزنًا؟ أو التقطوا ليستفيدوا منه؛ ليكون ولدًا لهم؟ ليستفيدوا منه، لكن العاقبة صارت؛ صار عدوًا لهم وحزنًا، فهذه لام العاقبة، وليست لام التعليل.

"والواضعون" أيضًا "بعضهم قد صنعا" كلامًا؛ يعني وضعه على النبي -عليه الصلاة والسلام- "من عند نفسه" من تلقاء نفسه؛ هو الذي اختلق الكلام، "وبعضٌ" منهم قد "وضعا"

كلام بعض الحكما في المسند

 

...................................

كلام بعض الحكماء، أو كلام بعض الزهاد، أو كلام بعض الصحابة، ركب له إسناد ورفعه إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، أو الإسرائيليات "كلام بعض الحكماء في المسند" المرفوع يجعلوه مرفوعًا إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-؛ ترويجًا له، كما ركب إسناد على حديث على خبر: "حب الدنيا رأس كل خطيئة"، ركب له إسناد، ولا يصح عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، فإنه من كلام مالك بن دينار، أو من كلام عيسى بن مريم، ولا يروى مرفوعًا إلا من مراسيل الحسن البصري، ومراسيل الحسن عند أهل العلم في غاية الضعف، شبه الريح، المقصود أنه ركب له إسناد، ورفع إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-.

"ومنه" يعني الموضوع "نوع وضعه لم يقصد"، "ومنه" يعني الموضوع "نوع وضعه لم يقصد"، "نحو حديث ثابت" بن موسى الزاهد الذي حدث به شريكًا: ("من كثرت" صلاته بالليل حسن وجهه بالنهار)،

نحو حديث ثابت من كثرت

 

صلاته الحديث وهلة سرت

"من كثرت صلاته بالليل حسن وجهه بالنهار"، وذكرناه بالأمس في المدرج؛ لأن شريكًا يحدث بالخبر يحدث أصحابه، وأورد إسنادًا لحديث صحيح: ((يعقد الشيطان على قافية أحدكم إذا هو نام ثلاث عقد))، لما أتم الإسناد، وقال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؛ دخل ثابت بن موسى الزاهد، فأراد شريك أن يلفت إليه الأنظار؛ لأنه صاحب زهد، وعبادة، وصلاة بالليل، وقيام، وظهر أثر ذلك على وجهه، فقال -مريدًا بذلك ثابت-: "من كثرت صلاته بالليل حسن وجهه بالنهار" ثابت صاحب زهد وعبادة، لكنه يغفل عن تعاني هذا العلم، فظن أن هذا الإسناد لهذا المتن، فصار يرويه بهذه الطريقة، بالإسناد الذي ذكره شريك، ويريد به حديث: ((يعقد الشيطان على قافية أحدكم))، فصار يرويه به: "من كثرت صلاته بالليل حسن وجهه بالنهار".

"وهلةٌ" يعني غفلة "سرت" منه إلى غيره، وهنا جعلوه من الموضوع، ولا شك أنه ليس من كلام النبي -عليه الصلاة والسلام-، فهو من هذه الحيثية موضوع، وأما إدخاله في المدرج -كما نبهنا عليه بالأمس- فإنه إلصاق شيء لم يقله النبي -عليه الصلاة والسلام-، إلصاق كلام لم يقله النبي -عليه الصلاة والسلام- بكلامه، لا سيما إذا كان يروى بعد رواية الحديث الصحيح، إذا كان يروى: ((يعقد الشيطان على قافية أحدكم إذا هو نام ثلاث عقد)) إلى آخره، "ومن كثرت صلاته بالليل حسن وجهه بالنهار" كما ساقه بعضهم هذا لا شك أنه إدراج وليس بوضع، أما إذا كان يورد كاملًا من غير عطف على غيره، فإن هذا وضع، وإن كان غير مقصود، وبعضهم يقول: إنه شبه الوضع، بمَ يعرف الوضع؟

ويعرف الوضع بالإقرار وما

 

نزل منزلته وربما

"ويعرف الوضع" يعني للحديث "بالإقرار" من واضعه؛ بأن يعترف الواضع بأنه هو الذي وضعه، واعترف بعض الزنادقة بأنه وضع أحاديث، واعترف بعض المبتدعة أنهم إذا هووا شيئًا صيروه حديثًا، فهذا الاعتراف وهذا الإقرار يكفي للحكم على الخبر بأنه موضوع "ويعرف الوضع" يعني للحديث "بالإقرار" من واضعه "وما نزل منزلته" كأن يحدث بحديث يرويه عن شيخ يعرف أن هذا الشيخ مات قبل ولادة المحدث عنه، ومن الأحاديث ما لا يحتاج إلى إقرار ولا اعتراف: اختلف بعض الناس في الحسن؛ هل سمع من أبي هريرة، أو لم يسمعه؟ فورًا قال بعضهم: حدثنا فلان عن فلان عن فلان عن فلان قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "سمع الحسن من أبي هريرة" هذا ما يحتاج إلى إقرار، مثل هذا لا يحتاج إلى إقرار، هذا ينزل منزلة الإقرار "وربما"، "يعرف" وضعه "بالرِّكَّة" للفظة بأن يكون لفظه ركيكًا، لا سيما إذا ادعى المحدث أنه يرويه باللفظ؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- في غاية الفصاحة، أو بركة معناه؛ بأن يشتمل على اجتماع نقيضين، أو يكون فيه كلام لا يليق بمقام النبوة، فإن هذا يعرف به أن الخبر موضوع، ولا شك أن للأخبار الصحيحة نورًا؛ كما قال الربيع بن خثيم وغيره: "إن للحديث ضوءًا كضوء الشمس يعرف به، ولغيره ظلمة كظلمة الليل يعرف بها"، وللموضوعات ظلمة يقشعر منها سامعها -والله المستعان-.

قلت -يقول الحافظ العراقي-: "قلت: استشكلا" يعني قد استشكلا، والألف للإطلاق، ابن دقيق العيد "الثبجي" الثبجي نسبة إلى ثبج البحر؛ لأنه ولد على ثبج البحر قرب ساحل ينبع، ابن دقيق العيد ولد هناك؛ قرب ساحل ينبع على ثبج البحر، وأخطأ محقق "الطالع السعيد في معرفة علماء الصعيد" فإنه..، "الثبجي" هذه ابن دقيق العيد كان يكتبها، فقال الأدفوي صاحب "الطالع السعيد" قال: الثبجي، وكان يكتب بخطه الثبجي، وكان -يعني ابن دقيق العيد- يكتب بخطه الثبجي؛ يعني هذه النسبة كان يكتبها بخطه؛ لأنه ولد على ثبج البحر، فالمعلق قال: الخط الثبجي هو الذي تختلط حروفه بعضها ببعض، وهو نوع يعرف بالتعليق إلى آخر الكلام الذي علق به، فجعل الخط هو الثبجي، والمراد أن ابن دقيق العيد ينتسب إلى ثبج البحر، ويكبت هذه النسبة بخطه.

"قلت: استشكلا" يعني ابن دقيق العيد "الثبجي" عرفنا نسبة إلى ثبج البحر،

...................................
ج

 

الثبجي القطع بالوضع على

"ما اعترف الواضع" يقول: ما يكفينا أن يعترف الواضع؛ لأن الواضع كذاب، فكيف نصدقه بوضع الخبر، يعني هذا يلزم عليه أننا نصدق شخصًا كذابًا، استشكل ابن دقيق العيد الحكم بالوضع بمجرد الاعتراف بالوضع "على"

ما اعترف الواضع إذ قد يكذب

 

...................................

 قد يكذب في اعترافه؛ ومتى يكذب في اعترافه؟ يكذب في اعترافه إذا أراد تنفير الناس عن الحديث؛ يعني حديث يستدل به إمام، فيأتي من أتباع الإمام الثاني؛ ممن يعترف أنه وضع هذا الحديث؛ ليرده الناس، فيبطل استدلال من يتبع الإمام على هذا الحديث، ظاهر وإلا ما هو بظاهر؟ يعني بعض الناس يعترف أنه قاتل؛ هو الذي قتل فلان، وهو كذاب في اعترافه، هو من الأصل يريد أن ينتحر، فيقول: بدلًا من أن أنتحر بدون مقابل؛ نعتق لنا شخصًا من القتل، فيعترف بأنه قتل؛ يقتل بهذا الاعتراف، والحديث يرد بهذا الاعتراف؛ يعني هذا الذي اعترف، وكذب في اعترافه، إذا لم يردنا الحديث إلا من طريقه؛ نرده، وإلا ما نرده؟ هل يستحق مثل هذا أن يقبل حديثه؟ أبدًا، ولو كذب في اعترافه.

يقول -رحمه الله تعالى-: "بلى نرده" بلى نرده أي المروي لاعتراف راويه بأقل الأحوال بما يقتضي الفسق،

...................................

 

بلى نرده وعنه نضرب

أي نعرض؛ فلا نحتج به مؤاخذة له باعترافه، لكنه ليس بقاطع بالفعل، لكن إذا وجد من طريق آخر يثبت به، فلا عبرة بهذا الحديث وبهذا الاعتراف، وإن دار الحديث على هذا الذي اعترف، فإنه لا تجوز روايته على أي حال.

والله أعلم.

 

وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله، وصحبه أجمعين.

"
هذا يسأل عن المختصرات، فإن كان سؤاله عن المختصرات الموجودة، وهل يقرأ في الأصل أو في المختصر؟

يعني لو نظرنا إلى التجريد مختصر البخاري مع أصله يكاد أن يكون التجريد لا قيمة له بالنسبة للأصل، يعني في كتاب الرقاق أورد الإمام البخاري مائتي حديث فيما يقرب من مائة وخمسين ترجمة بآثار الصحابة والتابعين، مع التكرار مع الأسانيد، مع الدرر التي أوردها الإمام في هذا الكتاب، وبرع فيه براعة فائقة، المختصر اقتصر منها على عشرة أحاديث، بدون أسانيد، وبدون تراجم، وبدون شيء، ما فائدة هذا؛ أي فائدة في هذا الكتاب بالنسبة لأصله؟ نعم أنا أحث الطلاب على أن يختصروا بأنفسهم، يختصروا الكتب، وهذه وسيلة نافعة ناجعة ناجحة من وسائل تحصيل العلم، طالب العلم يعمد إلى كتاب مطول يختصره بنفسه، ويديم النظر فيه، ويكرر النظر فيه ليرى ويستقر رأيه على ما يثبت وما يحذف، وإذا انتهى من الكتاب صار علمه بما حذف كعلمه بما أثبت، يكون لديه إحاطة بالكتاب، وهذه من أنفع وسائل التحصيل، فهناك كتب تصعب قراءتها أكثر من مرة، فإذا قرأها مرة واحدة..، فتح الباري مثلًا لو طبع مثل الطبعات الحديثة هذه جاء في خمسين مجلدًا، أو ما يكفيه، بإمكان طالب علم أن يختصره بقدر ربع، لكن بعناية يختصر بعناية ما هو يقرأ قراءة عابرة، ويقوس وهو ماش، لا، يفهم ما الذي يثبت، ويفهم أيضًا ما يحذف، لكن لو تولاه غيرك، ما الذي يدريك بما حذف، لعلك تكون في أمس الحاجة إليه، قد تكون حاجتك إلى ما حذف المختصر أكثر من حاجتك إلى ما أثبت، لكن أنت أدرى بنفسك، نعم هذه الطريقة لا يطيقها، أو لا يقدر عليها كثير من طلاب العلم، لكنها مقدورة بالنسبة لجمع غفير من طلاب العلم، ولا يعني هذا أن الإنسان إذا اختصر كتابًا في سنة، خلال شهر مطلعه في المكتبات يباع، لا، لا هو يختصر لنفسه، الاختصار طريقة، وسيلة من وسائل التحصيل، النشر –أيضًا-، والبسط وسيلة، والشرح وسيلة، تأتي إلى كتاب مختصر جدًّا، فتعلق عليه بتعليقات من شروحه، وما سجل عليه، وبمراجعة الكتب، المسائل اللغوية تراجع عليها كتب اللغة، المفردات تراجع عليها، الفوائد، الأحكام تراجع عليها كتب الفقه، يعني على سبيل المثال عندنا في أحكام القرآن المذاهب الثلاثة كلها ألف فيها، أحكام القرآن على مذهب أبي حنيفة، الجصاص مثلًا، أحكام القرآن على مذهب الإمام مالك ابن العربي، والقرطبي، أحكام القرآن على مذهب الإمام الشافعي، أحكام القرآن لإلكيا الطبري الهراسي، يبقى مذهب الحنابلة يستمر الحال على هذا الوضع؟ طالب العلم بحاجة إلى أن يقارن؛ لأنه لا بد أن يربط أحكامه الفقهية بالقرآن، أولى ما يستنبط منه الأحكام القرآن، فإذا أتيت إلى كتاب أحكام القرآن للجصاص أثبت الحكم باختصار، تقول: هذا رأي الحنفية كما قال الجصاص، ثم تأتي إلى أحكام القرآن لابن العربي فإذا كان ابن العربي ذكر الآية، وذكر الحكم اقتصرت عليه، وقلت: هذا الحكم عند المالكية كما في أحكام القرآن لابن العربي، إذا لم يذكر هذه الآية ابن العربي –وهو مظنة- ترجع إلى القرطبي، ويذكر فيه رأي الإمام مالك، ثم ترجع إلى كتاب إلكيا الطبري الهراسي تذكر الحكم، تقول: هذا مذهب الشافعية من خلال أحكام القرآن لإليكا الهراسي، ثم يبقى الخانة الرابعة مذهب الحنابلة ترجع إلى كتب الحنابلة الفقهية، هذه مسألة فقهية ترجع فيها إلى كتب الفقه تقول: رأي الحنابلة كذا كما في المغني مثلًا، تتم لديك الصورة في المذاهب الأربعة، وتتفقه على هذه الطريقة، إن أضفت قلت: رأي شيخ الإسلام كذا كما في الفتاوى، نور على نور، إن زدت فقلت: رأي الظاهرية كذا كما في المحلى، إذا انتهيت على هذه الطريقة، الآن الثلاثة المذاهب الثلاثة مخدومة ما تتعبك شيء، الذي يتعبك المذهب الرابع مذهب الحنابلة، وهو ليس بمتعب، كتبه مرتبة، ومنظمة، ومتداولة، وموجودة، المسألة مسألة مراجعة، أنا أعتقد أن مثل هذا العمل لا يحتاج إلى بضعة أشهر، وإذا انتهى طالب العلم بهذه الطريقة، وأنتم الآن في وقت التحصيل، كنا نقرأ، وندون الساعات في اليوم الواحد، لكن الآن، والله إني لا أتمكن ولا تحضير الدروس، فضلًا عن أن أقرأ شيئًا آخر، فالذي يفرط في مثل هذه الأيام سوف يندم، ولات ساعة مندم، يندم بالفعل، كما ندمنا، يعني الواحد يمكن يأتي له فترة سنة، سنتين، يقرأ، ويستفيد، ويحصل، ثم بعد ذلك يفتر، ويضيع باقي الأيام، وباقي السنين، لكن على طالب العلم الذي ذاق طعم وحلاوة العلم أن يستمر، وأن يجد في طلب العلم، فهذه من أنفع الوسائل، يعني أحيانًا تطرح آراء يستغربها طالب العلم، وهي من أنفع الوسائل أيضًا، فيأتي طالب العلم إلى تحفة الأشراف يعني شرحنا الطريقة التي تجمع فيها كتب السنة مرارًا عن طريق جعل البخاري محورًا للبحث، يأتي طالب العلم إلى تحفة الأشراف، فيمسك الأحاديث حديثًا حديثًا، ويذكر الأحاديث كاملة التي أشار إليها المزي، فإذا ذكر الأحاديث كاملة من مصادرها، رجع إليها من مصادرها؛ فما ينتهي من الكتاب إلا عنده ألوف مؤلفة من الأحاديث، ومن الرجال، ومن حفظ سلاسل الأسانيد التي يروى بها أحاديث كثيرة، لكن هذا يحتاج إلى زمن طويل، ويحتاج إلى معاناة وصبر، وتخفيف من الارتباطات، والاقتصار على الضروريات، ويستفيد طالب العلم؛ لأن بعض الناس يضيع عمره في التردد، ما يدري ماذا يصنع، ويوم يجلس عند هذا العالم، يقول: والله ما استفدت؛ ندور غيره، ويروح لثان، ثم يقول: والله ما استفدت، وسمعنا كلمة ما استفدت من الكبار، وسمعنا من جلس عند الشيخ ابن باز لمدة شهر قال: والله ما استفدت شيئًا، ما هو بصحيح ما استفدت شيئًا، وسمعنا من قرأ كتابًا كاملًا، ولما انتهى قال: والله ما بذهني شيء، هذا الكلام ما هو بصحيح، نعم لو أراد أن يستذكر ما في الكتاب قد لا تسعفه الذاكرة، لكن لو بحث أي مسألة في مجلس من المجالس شارك فيها؛ لأن عنده مخزون من العلم، وهو لا يشعر، فبعض الناس يصاب باليأس، يقول: قرأت مثلًا شرح النووي، أو شرح كذا، أو ابن رجب، ثم انتهيت لا شيء، طبقت الكتاب مثل ما فتحته، نقول: هذا الكلام ليس بصحيح، نعم قد تستذكر، قد تعتصر الذهن ما يسعفك، لكن إذا بحث مسألة تستذكر -والله المستعان-.

يقول: أنا عمري عشرين سنة، وأريد الزواج من امرأة عمرها ثماني عشرة سنة

يقول: أنا عمري عشرين سنة، وأريد الزواج من امرأة عمرها ثماني عشرة سنة، تعرفت عليها، وهي ليست من قبيلتي، بل من قبيلة أخرى، ولكن الوالد والوالدة رافضين هذا الشيء قطعيًّا، يقولون: أنت تعرف واحدة حيوانة، وسافلة، وكلام مشين، مع احترامي الشديد، لكن مع أن أبا البنت يشرب دخانًا وشيشة، وكذلك يتعاطى القات، يا شيخ، هل أوافق على هذه البنت، أم أتركها؟
لو أطعت والديك، وبحثت عن بنت نشأت في بيئة صالحة، وربيت تربية تعينك على أمر دينك، ودنياك كان أفضل، علمًا بأنه إذا كانت البنت متدينة، فالمسألة تعلقها بها لا بأبويها، ولا شك أن للبيئة تأثيرًا على البنت، وكذلك على الولد، لكن النظر إليها بالدرجة الأولى، فإن كانت غير متدينة، فابحث عن غيرها، وغيرها كثير، يعني بر الوالدين في مثل هذا، وطاعتهما أمر لا بد منه، مع أن التعرف بين الشاب والشابة، البنت التي يمكن التعرف عليها من قبل الشباب هذه قد يرغب عنها.

يقول: أخت متزوجة، وفي شهرها الخامس تسأل: هل يجوز لها أن تعمل التحاليل لترى هل الجنين طبيعي، أم مشوه؟

يقول: أخت متزوجة، وفي شهرها الخامس تسأل: هل يجوز لها أن تعمل التحاليل لترى هل الجنين طبيعي، أم مشوه؟ هل تقول: إنها لا تريد أن تعمل هذه التحاليل؛ لأنها قد تتسبب هي نفسها في تشويه الجنين؛ لأنها تأخذ من الرحم، وقد يصاب الجنين بالأذى، لكن هي سمعت شيخًا يقول: إن علم الأبوين بأن الجنين فيه تشويه، ولم يزيلاه، فقد يكونان سبب في تعذيبه، وقتله، وهذا الأمر حيرها. هي عندها بنت، وولد، الولد خلق سليم، والبنت خلقت منغولية، لهذا تسأل ماذا تفعل هل تترك الأمر لله وما تعمل لا تحاليل، ولا شيئًا، أم تعمل التحاليل، وتشوف ما في بطنها؛ هل هو سليم أم لا؟ وفي حالة أخبرت أن الجنين مشوه؛ هل يجب عليها أن تجهض، وجزاكم الله خيرًا؟
لو تركت الأمر لله، وتركت التحاليل لكان أفضل وأولى، وهو الأصل، لكن إن حللت، وظهر الحمل الجنين مشوهًا؛ فلا يجوز لها أن تجهضه بحال، والإنسان لا شك أنه يحرص ويتمنى أن يكون الولد كامل الخلقة، سليمًا، لكن وما الذي يدريه في أن العاقبة قد تكون في الولد المشوه، وقد تكون في الولد -كما ذكرت- غير السليم؛ لأن هذا السليم قد يكون سببًا، سبب عذاب، ومحنة، وفتنة لهما في الدنيا والآخرة، وهذا المشوه قد يكون منحة من الله -جل وعلا-، تصب عليهم الأجور بسبب رعايته صبًّا، مع الصبر والاحتساب قد يكون أفضل، نعم، الإنسان لا يتمنى أن يكون الولد مشوهًا، لكن إذا حصل، أو معوقًا، إذا حصل فالصبر والاحتساب، وأما الإجهاض فلا يجوز بحال.
أهل العلم يقولون: إذا كان هناك حاجة داعية؛ فيجوز قبل الأربعين بدواء مباح، أما بعد الأربعين فلا.

يقول: ما هي الطريقة في حفظ القرآن؟

الطريقة في حفظ القرآن كما ذكر أهل العلم، كما جُرب، يعني يحدد الوقت المناسب لقوة الحافظة وضعفها، ثلاث آيات، خمس آيات، عشر آيات، أكثر، أقل، ثم يردد حتى يحفظ، فإذا حفظ يكرر، ويصلى به نوافل؛ ليثبت، ثم بعد ذلك إذا كان من الغد كرر هذا المحفوظ خمس مرات، ثم ذكر جزءًا، قرر جزءًا مناسبًا، فإن كان سَهُل عليه حفظ خمس الآيات يزيد إلى سبع حتى يحفظها، ويكررها كما فعل بالأمس، ثم بعد ذلك في اليوم الثالث يكرر نصيب اليوم الأول أربع مرات، ونصيب الأمس خمس مرات، ويبدأ بحفظ القدر المحدد لليوم الثالث، وهكذا.

هذا يقول: أريد أن أسأل عن حكم أخذ مال الزكاة لكي تعينني في رحلة طلب العلم، وإنني ليست لدي الإمكانية المالية التي تساعدني للذهاب؟

شيخ الإسلام -رحمه الله- تعالى يرى أن طالب العلم، أو طلب العلم في سبيل الله، فهو مصرف من مصارف الزكاة، وطالب العلم يأخذ من الزكاة ليشتري ما يحتاج حتى الكتب والمراجع، وجمهور أهل العلم على أن مصرف في سبيل الله خاص بالجهاد، وعلى هذا يأخذ من الصدقات، وإن طلب العلم واقترض إن وجد من يقرضه، وصار غارمًا؛ جاز له أن يأخذ من الزكاة.
طالب:......
كيف؟ يعني هذا شخص عنده مال، يريد أن يتصدق به، أو يشتري به كتبًا؟ هذا على حسب حاجته، إن كان يريد أن يشتري الكتب، ويصفها في الرفوف، ورجوعه إليها نادر؛ فالصدقة بقيمتها أفضل، وإلا الاستفادة، والعلم أفضل من الصدقة.

هذا يقول: أنا مسافر، ودخل وقت الظهر، وأنا موجود على الحدود السعودية القطرية؛ فهل أصلي الظهر والعصر قصرًا وجمعًا؟ علمًا بأنني سوف أصل إلى بيتي قبل صلاة العصر؟

لا، لك أن تصلي صلاة الظهر قصرًا في وقتها، وإذا وصلت؛ لأن بعضهم يشترط استمرار العذر إلى دخول وقت الثانية، فعلى هذا إذا غلب على ظنك أنك تصل إلى بلدك قبل دخول وقت الثانية؛ فإنه ليس لك أن تجمع.

ما مزية جامع الأصول، وقد جمع بعض كتب السنة؟

جامع الأصول جمع الكتب الخمسة التي هي دواوين الإسلام، والسادس بدلاً من ابن ماجه جعله الموطأ، موطأ الإمام مالك، وجمعه جيد، وترتيبه مناسب، لكن الإشكال في مثل جامع الأصول أنه لا يأخذ الأحاديث من الأصول، فقد تجد لفظًا ينسبه إلى البخاري، ولا تجد نفس اللفظ في البخاري، إنما يعتمد على المستخرجات، كالبيهقي، وغيره.

هذا يقول: عرضت إحدى الأخوات على أحد طلبة العلم، وطلب أن يراها عبر الإنترنت للزواج، فهل يجوز لي أن أعطيه الصورة كي يراها، وهذه الأخت تعيش في فرنسا، وهو في المملكة؟

لكن الوسيط هذا الذي يستأذن في إطلاع الخاطب على هذه الصورة ما موقعه من هذه الأخت؟ إن كانت أختًا، له يجوز له أن يراها، وإن كان أجنبيًّا عنها فالخاطب أولى منه.
يقول: عرضت إحدى الأخوات على أحد طلبة العلم، وطلب أن يراها عبر الإنترنت للزواج، فهل يجوز لي أن أعطيه الصورة لكي يراها؟
أنا أسأل عن علاقة الوسيط هذا الذي يستأذن في عرض الصورة على الخاطب؟ أولًا المسألة من أصلها أن التصوير محرم، لكن من يسكن في تلك البلاد لا بد أن يصور شاء أم أبى، والتصوير بالنسبة لما يزاول من الأعمال اليومية في تلك البلدان أظنه أمرًا لا يناقش فيه، موضوع التصوير في كثير من البلدان أظن أمرًا تعدى مسألة المناقشة، وهل يصور، أو لا يصور؟ أما بالنسبة للرجال فأمر ظاهر، وأما بالنسبة للنساء ففي بلاد الكفر –أيضًا- لا فرق.
أنا أسأل عن علاقة الوسيط الذي يستأذن في عرض الصورة على الخاطب؛ ما علاقته بهذه البنت المخطوبة؟ إن كان أخًا لها تجوز له رؤيتها، فحق له أن يستأذن، وحينئذٍ الجواب إذا كان خاطبًا، والصورة قد حصلت لا مانع من إطلاعه على الصورة؛ لأن له أن يراها مباشرة، فرؤية صورتها من باب أولى.
وإن كان الوسيط أجنبيًّا عن هذه المرأة، فالاستئذان ليس في محله؛ لأن الخاطب أولى منه بالرؤية، على كل حال إذا كان جادًّا في الخطبة فلا مانع من أن يرى الصورة؛ مادام أن الصورة حصلت، وإلا لو كانت الصورة لم تحصل لقلنا: إن التصوير حرام، والله المستعان.

يقول: شنع الإمام مسلم -رحمه الله تعالى- على الذين ينتسبون للحديث، ويوردون الأحاديث الضعيفة والموضوعة

يقول: شنع الإمام مسلم -رحمه الله تعالى- على الذين ينتسبون للحديث، ويوردون الأحاديث الضعيفة والموضوعة؛ مع أنه -رحمه الله تعالى- ذكر في مقدمته حديث عائشة -رضي الله عنه- بصيغة التمريض، فقال: ذُكر عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، وهذه الصيغة تدل على أن الحديث عنده ضعيف؛ فكيف الجواب عن ذلك؟
هو شنع على من يلقي بالأحاديث الضعيفة على الأغبياء والجهال وأهل الغفلة، أما الكتاب فقد ألفه لطلبة العلم، فينفصل من هذا الإشكال بهذا الجواب.
يقول: وهل إيراد الحديث في المقدمة يدل على أن الإمام مسلم يذهب إلى جواز العمل بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال؟
لا، لا يدل على ذلك فقد يورد الإنسان الحديث، ولا يرى العمل به، وكتب الفقه مملوءة بالأحاديث الضعيفة، وهم لا يعملون بالضعيف.

هل التزم الإمام مسلم بتقديم أصح الأحاديث على ما دونها على حد قوله في المقدمة بعد أن ذكر الطبقة الأولى من الرواة: فإذا تقصينا أخبار هذا الصنف من الناس أتبعناها أخبارًا أخرى

هل التزم الإمام مسلم بتقديم أصح الأحاديث على ما دونها على حد قوله في المقدمة بعد أن ذكر الطبقة الأولى من الرواة: فإذا تقصينا أخبار هذا الصنف من الناس أتبعناها أخبارًا أخرى، أخبارًا يقع في أسانيدها بعض من ليس بالموصوف بالحفظ والإتقان يعني من أحاديث الطبقة الثانية؟
لا، ليست له قاعدة مطردة في كون ما يقدم هو الأصل، وما يعطف عليه هو الشاهد أو المتابع، إنما هذا هو الكثير الغالب، وقد يكون الحديث، آخر الأحاديث في الباب وهو أقواها.

هل في مختصرات الكتب من فائدة؟

أما المختصرات التي اختصرها العلماء الموجودة الآن في أسواق المسلمين، المختصرات جردوها من الأسانيد، وانتقوها من الكتب لتحفظ فهذه فائدتها عظيمة، وعمل الناس عليها، وأما أن يوجد كتاب متداول مبذول، ويوجد له مختصر، يأتي من يختصره من أهل العلم، ويكون بين أيدي الناس الكتاب ومختصره؛ فالأصل هو الأصل، والمختصر إن اشتمل على فائدة زائدة فذاك، وإلا فالأصل يغني عنه.
يوجد كثير من المختصرات ألغت وهمشت الأصول، فكم بين طبع تهذيب التهذيب، وبين طبع تهذيب الكمال من سنة، فضلا ًعن أصله الكمال للحافظ عبد الغني؟ تهذيب التهذيب طبع قبل أصله بما يقرب من ثمانين سنة، طبع الفرع قبل الأصل، واستفاد الناس من الفرع فائدة عظيمة، والفرع –أعني تهذيب التهذيب- فيه فوائد كثيرة لا توجد في الأصل، فلا يستغنى بتهذيب الكمال عن تهذيب التهذيب، كما أنه لا يستغنى بهما عن التقريب، فهذه الفروع وإن كانت فروعًا لا يمكن الاستغناء عنها.
الكاشف للحافظ الذهبي مختصر من التهذيب، والخلاصة مختصرة من التذهيب، والتذهيب مختصر من التهذيب، وكل كتاب له قيمته وله مزيته، فلا يستغنى ببعضها عن بعض.
ابن حجر أيضًا اختصر البدر المنير لابن الملقن في كتاب أسماه: التلخيص الحبير، وطبع قبل أصله بمائة سنة، واستفاد الناس من الفرع فائدة عظيمة، وإن كاد أن يكون لا شيء بالنسبة للأصل، الأصل كتاب عظيم مستوفى فيه التخاريج والطرق، أما المختصر فهو على اسمه، وهناك كتب صارت المختصرات أفضل من أصولها، فدوران مطالع الأنظار مطالع الأنوار لابن قرقول؛ دورانه في كتب أهل العلم أكثر من دوران أصله مشارق الأنوار للقاضي عياض، فلا يعني أن الاختصار ما فيه فائدة، إذا تولى الاختصار بارع صار فيه فائدة، فيحذف من الكتاب ما فائدته أقل، ويضيف إليه ما كانت فائدته أعظم، نعم بعض الناس لا دور له في الاختصار، إنما يأتي بقلم ملون، أو يقوس على بعض المقاطع التي يريد حذفها، هذا لا فائدة فيه؛ يعني عمدة التفسير عن الحافظ ابن كثير للشيخ أحمد شاكر، الخمسة الأجزاء الصغيرة التي تزيد على ربع الكتاب التي تولى تحريرها الشيخ بنفسه، وصاغها بقلمه، وطبعت في وقته؛ هذه من نفائس المختصرات، طبع الكتاب كاملاً، طبع في ثلاثة مجلدات كاملاً، عمدة التفسير عن الحافظ ابن كثير، لكن هل مستوى الثلثين المجلد الثاني والثالث مثل مستوى المجلد الأول؟ كلا؛ أبدًا؛ لأن طريقة الشيخ في الثلث الذي طبع في وقته اختصر بنفسه، وعانى الكتاب بنفسه، وصاغه بأسلوبه، وطبعه، واطمأن عليه، البقية له قراءات في تفسير ابن كثير، تفسير ابن كثير من طبعة الاستقامة، وصوروا أنموذجًا منها، له قراءة في هذا التفسير، وعمله في المختصر مجرد تقويس على ما يريد نقله فقط؛ يعني ما غير في الأسلوب شيء، ولا حرر، ولا نقح، ولا شيء، هو مجرد تقويس على ما يريد، هذا فائدته أقل بكثير من الثلث الأول الذي صاغه بقلمه -رحمه الله-.