الحافظ بن رجب -رحمه الله - يعنى بعلم السلف، وبأقوال السلف، من طالع هذا الكتاب، وطالع أيضاً شرح الأربعين له، عرف قدر هذا الرجل. وله عناية بتعليل الأحاديث، والترجيح بين اختلاف الرواة بالقرائن على طريقة المتقدمين، وهو أهل لذلك، بل هو من أئمة هذا الشأن، ومن مقعديه ومنظريه، فإذا وجِدَ لهذا الإمام كلام في أي مسألة علمية على طالب العلم أن يعض عليه بالنواجذ؛ لأن ابن رجب يكتب العلم بنفس السلف -رحمه الله-.
كتاب ابن رجب رحمه الله من الشروح المهمة لصحيح البخاري، وهو كتاب نفيس من أنفس الشروح وأمتعها وأنفعها لطالب العلم، وفيه نفس السلف الصالح، ويشعر الإنسان بالراحة والاطمئنان وراحة النفس وكأنه يخاطب السلف إذا قرأ هذا الكتاب. وهو أولى ما يبدأ به طالب العلم بالنسبة لصحيح البخاري, إلا أنه لم يُكمل, وقد وصل فيه مؤلفه إلى كتاب الجنائز، وهذا القدر الذي أتمه الحافظ -رحمه الله- من عجائب الدهر, ، ولو قُدّر تمامُه لاستغنى به طالب العلم عن غيره لا سيما ما يتعلق بنقل أقوال السلف وفهمهم للنصوص, وهذه ميزة للحافظ ابن رجب -رحمه الله تعالى, الكتاب مملوء –مشحون- بالفوائد الحديثية والفقهية واللغوية, ويعتني أيضاً بفروق الروايات بين رواة الجامع الصحيح، وينبه عليها، لا سيما ما يترتب على ذكره فائدة، وقد وقفت على ألفاظٍ نبه عليها الحافظ ابن رجب اختلفت فيها الرواة مما فات اليونيني رغم عنايته بالصحيح ورغم إتقانه لرواياته، ومما فات القسطلاني أيضاً، وبهذا يمتاز شرح ابن رجب -رحمه الله -، وقد عُني فيه بتخريج الأحاديث من المصادر الحديثية المختلفة، الصحاح والمسانيد والأجزاء والمستخرجات والمشيخات والفوائد وغيرها. كما عُني أيضاً بذكر مذاهب أهل العلم من الصحابة والتابعين فمن بعدهم من فقهاء الأمصار مع الاستدلال والترجيح من غير تعصبٍ لمذهب، مع أنه حنبلي المذهب، كذلك عُني بالمسائل الأصولية كثيراً، وحرر المسائل الشائكة في هذا الباب. فوصيتي ونصيحتي لطالب العلم، أن يبدأ بشرح ابن رجب يدون فوائده وينهيه بسرعة، فما يحتاج إلى وقت كثير، يمكن يقرأه الطالب في شهر أو شهرين، وكتاب ابن رجب هذا من مصادر ابن حجر، فقد اطلع عليه الحافظ ابن حجر، ونقل منه مصرحاً باسم مؤلفه في موضعين، في الجزء الأول صفحة (176) وفي الجزء الحادي عشر صفحة (340).
والكتاب على كل حال ليس بكامل، بل فيه خروم كثيرة، فهو إلى كتاب الجنائز في الجملة، وفي ما وجد منه خروم كبيرة جداً، يعني بين حديث النعمان بن بشير رضي الله عنه في كتاب الإيمان في الشبهات إلى الحديث الذي يليه في الطهارة، أكثر من مائتي حديث مخروم، وكم في شرح هذه الأحاديث من علم عظيم من علم السلف!
وقد طُبع مرتين إحداهما: بتحقيق ثمانية أصدرتها دار الغرباء، طبعة جيدة في الجملة، فيها مقابلة نسخ، وفيها تعليقات، وفيها ترقيم، وهي طبعة جيدة، أنا قرأتها كلها، والملاحظات عليها يسيرة. والطبعة الثانية وهي للشيخ طارق عوض الله، هذا من خيار طلاب العلم؛ من المجوّدين؛ لكن لا يوجد له أثر في هذا الكتاب إلا النشر، يعني لو أتحفنا بشيء من علمه في تعليقاته على هذا الكتاب لأفاد طالب العلم؛ لأن له عناية بالرواية، وله عناية بعلل الحديث، وسبق أن نشر جامع العلوم والحكم، ومثله نشره أيضاً لسبل السلام، يعني بتصحيح الكتاب؛ لكن لمساته والتعليقات التي تفيد طالب العلم ليست على مستوى علمه الذي نعرفه عنه، أنا قابلته شخصياً، وعرفته من قرب، وهو من خيار من يتصدى لنشر الكتب في العصر الحديث. على كل حال أنا عنايتي بتحقيق الثمانية لأنها خرجت أولاً، فوقعت موقعها وقرأتها، وراجعت طبعة الشيخ طارق وهي جيدة في الجملة.
تصنيف الكتاب
كشاف الكتاب