كتاب الجامع من سبل السلام (23)
نعم.
أحسن الله إليك.
"الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبيه محمد وعلى آله وأصحابه وأتباعه بإحسان.
اللهم اغفر لشيخنا وللمستمعين والحاضرين.
أما بعد،
فقال في البلوغ وشرحه، في باب الترهيب من مساوئ الأخلاق من كتاب الجامع:
وعن خولة الأنصارية، وعن خولة الأنصارية -رضي الله عنها- أنها قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «إن رجالاً يتخوضون في مال الله بغير حق فلهم النار يوم القيامة». أخرجه البخاري.
الحديث دليل على أنه يحرم على من لم يستحق شيئًا من مال الله بأن لا يكون من المصارف التي عينها الله تعالى أن يأخذه ويتملكه، وأن ذلك من المعاصي الموجبة للنار، وفي قوله: «يتخوضون» دلالة على أنه يقبح توسعهم منه زيادة على ما يحتاجون، وإن كانوا من ولاة الأموال أبيح لهم قدر ما يحتاجونه لأنفسهم من غير زيادة، وقد تقدم الكلام في ذلك."
ويدخل في الحديث من آتاه الله الأموال، من آتاه الله الأموال وصرفها في غير مصارفها الشرعية، بذرها وأنفقها في وجوه ليست شرعية، وقد تكون محرَّمة، أو ولاها السفهاء أو.. المقصود أنه يصرفها في غير مصارفها، هذا يتخوض في مال الله؛ لأن المال مال الله، {وَآتُوهُم مِّن مَّالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ} [سورة النــور:33]. كثير -نسأل الله العافية- ممن أوتي بسطة في المال تجده ينفقه فيما لا يرضي الله.
طالب: .........
الذين يلون أموال المحجور عليهم من السفهاء واليتامى وغيرهم.
أحسن الله إليك.
"وعن أبي ذر- رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- فيما يرويه عن ربه تعالى من الأحاديث القدسية، أنه قال الرب تبارك وتعالى: «يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي»، وأخبر بأنه لا يفعله في كتابه كقوله: {وما ربك بظلام للعبيد}، «وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا»."
الله -جل وعلا- لا يجب عليه شيء، ولا يحرم عليه شيء، خلافًا للمعتزلة، وقد يوجب على نفسه فضلاً منه وكرمًا، وقد يمنع نفسه من شيء تفضلاً منه وكرمًا وإلا لا يجب عليه شيء، ولا يُمنَع من شيء، لا يُسأل عما يفعل، لكنه حرم من باب تمام العدل والرحمة بخلقه.
أحسن الله إليك.
"«وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا». أخرجه مسلم.
التحريم لغة المنع عن الشيء، وشرعًا ما يستحق فاعله العقاب، وهذا غير صحيح إرادته في حقه تعالى، بل المراد به أنه تعالى منزَّه متقدس عن الظلم، وأطلق عليه لفظ التحريم؛ لمشابهته الممنوع بجامع عدم الشيء، والظلم مستحيل في حقه تعالى؛ لأن الظلم في عرف اللغة: التصرف في غير الملك، أو مجاوزة الحد، وكلاهما محال في حق الله تعالى؛ لأنه المالك للعالم كله، المتصرف بسلطانه في دقه وجُله."
جِلّه.
جِلَّه..
أحسن الله إليك.
"وقوله: «فلا تظالموا» تأكيد لقوله: «وجعلته بينكم محرمًا»، والظلم قبيح عقلاً أقره الشارع وزاده قبحًا، وتوعد عليه بالعذاب، وقال: {وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْماً} [سورة طـه:111]، وغيرها.
وعن أبي هريرة -رضي الله عنه-.."
وجاء لعن الظالمين، نسأل الله العافية، «من اغتصب شبرًا من أرض طُوِّقه في سبع أراضين يوم القيامة».
أحسن الله إليك.
"وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «أتدرن ما الغيبة؟» بكسر الغين المعجمة، قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: «ذكرك أخاك بما يكره»، قال: أفرأيت إن كان في أخي ما أقول؟ قال: «إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته، وإن لم يكن فقد بهته»، بفتح الموحدة وفتح الهاء من البهتان. أخرجه مسلم."
وهذا البهتان أشد من الغيبة.
أحسن الله إليك.
"الحديث كأنه سيق لتفسير الغيبة المذكورة في قوله تعالى: {وَلا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضاً} [سورة الحجرات:12]. ودل الحديث على حقيقة الغيبة، قال في النهاية: هي أن تذكر الإنسان في غيبته بسوء، وإن كان فيه، وقال النووي في الأذكار تبعًا للغزالي: ذكر المرء بما يكره سواء كان في بدن الشخص أو دينه أو دنياه أو نفسه أو خلُقه أو خلْقه أو ماله أو والده أو ولده أو زوجه أو خادمه أو حركته أو طلاقته أو عبوسته، أو غير ذلك مما يتعلق به ذكر سوء سواء ذكر باللفظ أو بالرمز أو بالإشارة."
لكنه قد يكره ذكر صفاته المحمودة، يكره أن يقال له: كريم، يكره أن يقال له: حليم، وهو في غيبته، قيل: فلان كريم يدخل في حد الغيبة أم ما يدخل؟ «ذكرك أخاك بما يكره» هذا يكره.
طالب: .........
نعم، لكن إذا قيل: فلان كريم.
طالب: .........
يعني مثل مدح الشخص في وجهه، مثل مدح الشخص في وجهه وهو يكره إذا كان في وجهه الإخبار عنه بذلك يكرهه، وإذا غاب من باب ذكر الوصف المطابِق الذي لا يسوؤه ولا يسيء إليه ما يظهر فيه شيء.
طالب: .........
يكره أن يقال: حليم؟! من يكره هذا؟!
طالب: .........
ما المانع؟
طالب: الله يقول: {أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً} [سورة الحجرات:12]، هذا ما أكل لحم أخيه.
لكن الضابط الوارد في الحديث «ذكرك أخاك بما يكره»، ننظر إلى سبب الكراهة، سبب الكراهة لماذا يكره هذا؟
طالب: .........
لا، قل هناك قد يكون كراهيته لما يُمدَح به له سبب يكره أن يقال: عالِم وحليم وكريم عند ولي الأمر؛ لئلا يوليه مثلاً.
طالب: .........
أو خشية العين مثلاً إذا كان يكره هذا، ومصلحته ظاهرة في كتمانه.
طالب: .........
والله ما يظهر.. ما يظهر..
أحسن الله إليك.
"قال النووي: ومن ذلك التعريض في كلام المصنفين كقولهم: قال من يدعي العلم أو بعض من يُنسَب إلى الصلاح أو نحو ذلك.."
أو زعم فلان.
أحسن الله إليك.
"أو نحو ذلك مما يُفهِم السامع المراد به، مما يَفهم السامعُ المراد به، ومنه قولهم عند ذكره: الله يعافينا، الله يتوب علينا، نسأل الله السلامة، ونحو ذلك، فكل ذلك من الغيبة، وفي قوله: ذكرك أخاك بما يكره."
قد يسأل عن شخص وبدلاً من أن يغتابه ويقع فيه، هو فيه شيء يقول: سل غيري عنه، فالسائل يفهم أن هذا تنقص، وأن فيه شيئًا، فيه عيب، لكن لم يصرح به، لكن هل من سبيل للمسؤول أن يسلك غير هذا المسلك؟
طالب: .........
ما يصلح.
طالب: .........
لأنه إن ما أجاب فُهِم المقصود، لكن إذا كان مما يجوز التصريح به من باب النصيحة سواء كانت لعامة أو خاصة فمثل هذا كلام لا بأس به؛ لأنه حتى لو صرَّح.
طالب: .........
إذا كانت المصلحة في بيان عيبه فلا مانع من ذلك، ويمكن المؤلف يذكر.
أحسن الله إليك.
"وقوله: «ذكرك أخاك بما يكره» شامل لذكره في غيبته وحضرته، وإلى هذا ذهب طائفة."
لكن تسميتها غيبة مأخوذة من الغيبة.
أحسن الله إليك.
"ويكون الحديث بيانًا لمعناها الشرعي، وأما معناها لغة فاشتقاقها من الغيب يدل على أنها لا تكون إلا في الغيبة، ورجح جماعة أن معناها الشرعي موافق لمعناها اللغوي، ورووا في ذلك حديثًا مسندًا إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: «ما كرهتَ أن تواجه به أخاك فهو غيبة»."
وما فيه شك أنه قد يكون مواجهته بما يسوؤه أشد عليه من غيبته، وحينئذ يكون إثمه أشد، وقد يكون ذكره في حضرته بما يسوؤه أسهل عنده من الغيبة؛ لأنه يستطيع الرد بخلاف الغيبة في غيبته.
أحسن الله إليك.
"فيكون هذا إن ثبت مخصصًا لحديث أبي هريرة، وتفاسير العلماء دالة على هذا، ففسرها بعضهم بقوله: ذكر العيب بظهر الغيب، وآخر بقوله: هي أن تذكر الإنسان من خلفه بسوء وإن كان فيه. نعم ذكر العيب في الوجه حرام؛ لما فيه من الأذى، وإن لم يكن غيبة، وفي قوله: أخاك، أي أخو الدين دليل على أن غير المؤمن تجوز غيبته، وتقدم الكلام في ذلك، قال ابن المنفر: دليل على أن من ليس بأخ كاليهودي والنصراني وسائر أهل الملل، ومن قد أخرجته بدعته عن الإسلام لا غيبة له، وبالتعبير عنه بالأخذ جذب للمغتاب عن غيبته، جذب للمغتاب عن غيبته لمن يغتاب.."
نعم؛ لأنه إذا كان الأخ فحق على الأخ أن يرعى حق أخيه في غيبته وفي حضرته، يعني استثارة لحمية الأخ على أخيه.
أحسن الله إليك.
"وفي التعبير عنه جذب للمغتاب عن غيبته لمن يغتاب؛ لأنه إذا كان أخاه فالأولى الحنو عليه وطي مساويه، والتأوُّل لمعايبه، لا نشرها بذكرها، وفي قوله: «بما يكره» ما يشعر بأنه إذا كان لا يكره ما يعاب به كأهل الخلاعة والمجون فإنه لا يكون غيبة."
بل بعضهم يتندَّر بالمنكر وبالمعصية، وقد يفعلها في خلوته فيجاهر بها في المجالس فمثل هذا لا حرمة له.
طالب: .........
هو جاء، لكن بعض الناس ما يكره أن تذكر، بل يتمدح بذلك، فلا يدخل في الحديث.
طالب: .........
تعصم المال والدم.
أحسن الله إليك.
"وتحريم الغيبة معلوم من الشرع ومتفق عليه، وإنما اختلف العلماء هل هو من الصغائر أو من الكبائر؟ فنقل القرطبي الإجماع على أنها من الكبائر، وقد استدل لكبرها، وقد استُدل لكبرها بالحديث الثابت: «إن دماءكم وأعراضكم وأموالكم عليكم حرام»، وذهب الغزالي وصاحب العمدة من الشافعية إلى أنها من الصغائر، قال الأوزاعي: لم أرَ من صرح أنه.."
الأوزاعي أم الأذرعي.
يقول: وفي الفتح كذا في (أ) و(ب)، وفي الفتح الأذرعي.
نعم، هذا هو الصواب.
أحسن الله إليك.
"قال الأذرعي: لم أر من صرح أنها من الصغائر غيرهما، وذهب المهدي إلى أنها محتملة، بناءً على أن ما لم يقطع بكبره فهو محتمل كما تقوله المعتزلة، قال الزركشي: والعجب ممن يعد أكل الميتة كبيرة، ولا يعد الغيبة كذلك، والله أنزلهما منزلة أكل لحم الآدمي، والله أنزلها.."
أنزلها نعم، يعني الغيبة أنزلها مثل.
أنا عندي أنزلهما، لكن..
أنزلها يعني الغيبة منزلة أكل لحم الآدمي.
"والله أنزلها منزلة أكل لحم الآدمي أي ميتًا، والأحاديث في التحذير من الغيبة واسعة جدًّا دالة على شدة تحريمها.
واعلم أنه قد استثنى العلماء من الغيبة أمورًا ستة الأول التظلم، فيجوز أن يقول المظلوم: فلان ظلمني، وأخذ مالي أو أنه ظالم."
يعني كما جاء في الحديث المتفق عليه: «لي الواجد ظلم يبيح عرضه وعقوبته».
أحسن الله إليك.
"ولكن إذا كان ذكره لذلك شكاية لمن له قدرة على إزالتها أو تخفيفها، ولكن إذا كان ذكره لذلك شكاية لمن له قدرة على إزالتها أو تخفيفها، ودليله قول هند عند شكايتها عليه -صلى الله عليه وسلم- من أبي سفيان: إنه رجل شحيح.
الثاني: الاستعانة على تغيير المنكر بذكره لمن يَظن، لمن يُظَن، لمن يَظن قدرته على إزالته، فيقول: فلان فعل كذا في حق من لم يكن مجاهرًا بالمعصية.
الثالث: الاستفتاء بأن يقول للمفتي: فلان ظلمني بكذا، فما طريقي إلى الخلاص عنه؟ ودليله أنه لا يعرف الخلاص عما يحرم عليه إلا بذكر ما وقع منه."
يعني ليس المقصود من ذلك التشهي بعرض أخيه.
أحسن الله إليك.
"الرابع: التحذير للمسلمين من الاغترار به كجرح الرواة، والشهود، ومن يتصدر للتدريس والإفتاء مع عدم الأهلية.."
وذكر أهل العلم أيضًا في جرح الرواة جرح من عرف منه التساهل بالإفتاء أو بالفتوى يتحدث عنه في المجالس؛ لئلا يغتر بفتاويه، ذكروا هذا.
أحسن الله إليك.
"ودليله قوله -صلى الله عليه وسلم-: «بئس أخو العشيرة»، وقوله -صلى الله عليه وسلم-: «أما معاوية فصعلوك»، وذلك أنها جاءت فاطمة بنت قيس تستأذنه -صلى الله عليه وسلم- وتستشيره، فتذكر أنه خطبها معاوية بن أبي سفيان، وخطبها أبو جهم، فقال: «أما معاوية فصعلوك لا مال له، وأما أبو جهم فلا يضع عصاه عن عاتقه»، ثم قال: «انكحي فلانًا» الحديث."
أسامة، هذا من باب النصيحة من باب النصيحة لعامة المسلمين.
أحسن الله إليك.
"الخامس: ذكر من جاهر بالفسق أو بالبدعة كالمكاسين وذوي الولايات الباطلة، فيجوز ذكرهم بما يجاهرون به دون غيره، فيجوز.."
يعني بقدر الحاجة {لاَّ يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوَءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلاَّ مَن ظُلِمَ} [سورة النساء:148]، هذا القيد بقدر مظلمته.
أحسن الله إليك.
"فيجوز ذكرهم بما يجاهرون به دون غيره، وتقدم ذكرهم في حديث: «اذكروا الفاجر»."
مخرج عندك الحديث؟
ولا حتى أحال..
نعم، السادس..
أحسن الله إليك.
"السادس: التعريف للشخص بما فيه من العيب كالأعور والأعرج والأعمش، ولا يراد به نقص وغيبة، وجمعها ابن أبي شريف الذم ليس بغيبة.."
في قوله.
أحسن الله إليك.
"وجمعها ابن أبي شريف في قوله:
الذم ليس بغيبة في ستة
|
|
متظلم ومعرِّف ومحذِّر
|
ولمظهر فسقًا ومستفتٍ ومن
|
|
طلب الإعانة في إزالة منكر
|
اللهم صل على محمد وعلى آله وصحبه...