يبقى أن قول الصحابي محل خلاف بين أهل العلم في مسألة الاحتجاج به وعدمه، ومِن أهل العلم مَن يرى أن قول الصحابي حجة، لكن يبقى أنه إذا لم يُخالَف، وإذا وافقه صحابيٌّ آخر فلا شك أنه يتقوَّى، وأما عند مَن يقول: ليس بحجة -وهذا قول جمع من أهل العلم، لاسيما إذا خولف من صحابي آخر- فإنه حينئذٍ يكون كسائر أقوال الرجال، وإن كانت أقوال الصحابة أقرب إلى الحق وأقرب إلى الصواب وأقرب إلى الدليل، وأهل العلم يُعنَون بها ويهتمون بنقلها ولا يخالفونها إلا بدليل قوي، وهذه طريقة الإمام أحمد -رحمه الله-، فأقوال الصحابة محل عناية من أهل العلم، لاسيما عند الإمام أحمد، فإنه يعتني بها ويَحشد أقوالهم في المسألة، والكلام في هذه المسألة كثير، ومع ذلك قول الاثنين أقوى من قول الواحد في الجملة.
والمراد بالموقوف: هو ما يروى عن الصحابي من قوله، أو من فعله، وأما التقرير فلا، فهو خاص بالمرفوع.
فكل كلام الصحابة يُعد موقوفًا، بينما ما يُروى عمَّن بعدهم من التابعين ومَن بعدهم يُسمى مقاطيع، فالمرفوع: ما يضاف إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، والموقوف: ما يضاف إلى الصحابي، والمقطوع: ما يضاف إلى التابعي فمن دونه.
والمقطوع غير المنقطع؛ لأن المقطوع يتعلق بالإضافة، والانقطاع يتعلق بعدم اتصال السند. فمن المرفوعات: الموصول، والمنقطع، ومن الموقوفات: الموصول، والمنقطع، ومن المقاطيع -ما يضاف إلى التابعي فمن دونه-: الموصول، والمنقطع من حيث الواقع، فإذا اتصل السند إلى الحسن، أو إلى ابن سيرين، أو إلى سعيد، أو غيرهم صار مقطوعًا متصلًا، وإذا لم يتصل صار مقطوعًا منقطعًا، مع أن بعض أهل العلم يُنازع في تسمية المقطوع متصلًا؛ للتنافر اللفظي بين اللفظتين، فكيف يصير مقطوعًا متصلًا في الوقت نفسه؟ مع أنه ممكن مع انفكاك الجهة، والجهةُ منفكةٌ هنا، فالوصل ينصرف إلى اتصال السند، والقطع الذي اسم المفعول منه (مقطوع) ينصرف إلى الإضافة إلى التابعي فمَن دونه، فجهته منفكة بالإضافة، لكن أهل العلم من باب درء التنافر اللفظي لم يروا أن يُدخَل المقطوع في مسمى الموصول، مع أن حقيقته قد يكون موصولًا، يعني سنده متصل، لكن هذا من باب التنافر اللفظي.