(الكواكب الدراري) لابن عروة المشرقي كتاب كبير جدًّا، وأصله في ترتيب أحاديث (مسند الإمام أحمد) على (صحيح البخاري)، ويقع في مائة وثلاثين أو أكثر من المجلدات، فهو كتاب كبير جدًّا، وأوَّل الكتاب أحاديث (المسند) مرتبة على (صحيح البخاري)، وهذا الكتاب لو وُجد كاملًا لا سيما ترتيب أحاديث المسند على (صحيح البخاري)، وأنا رأيتُ بعضًا منه، وطابقتُ هذا الترتيب على (صحيح البخاري)، ووجدتُه من أنفع ما يُقرأ مع (صحيح البخاري)؛ لأنه يورِد الروايات الأخرى للحديث، ويورِد الطرق والألفاظ بما فيها الزيادات على (صحيح البخاري)، وقد يوجَد في الأسانيد ما يحل بعض الإشكالات، ويوجَد في المتون ما يوضِّح بعض المبهَم والمستغلِق، فبدلًا من أن يكون في (صحيح البخاري) الحديث من طريق أو طريقين يورده الإمام أحمد من عشرة طرق؛ لسعته، فنستفيد من المتون والأسانيد ما يحل بعض الإشكالات الموجودة في الأسانيد والمتون التي في (الصحيح)، مع أن (الصحيح) لا إشكال فيه، فكله صحيح وحتى لو لم نستطع تعيين هذا المُبهَم أو تمييز هذا المُهمَل، فهو على كل حال أينما دار فهو دار على ثقة، لكن مع ذلك النفس ترتاح إذا عرفنا (سفيان) هل هو ابن عيينة أو الثوري، ففي رواية الإمام أحمد يأتي تمييزه في الغالب كالمستخرجات، كما ذُكر في فوائد المستخرجات، المقصود أني قرأتُ أكثر من باب في (صحيح البخاري) وقارنتُها مع (ترتيب ابن عروة لمسند الإمام أحمد على الصحيح) فوجدتُه من أنفع ما يُقرأ مع (صحيح البخاري) لطالب العلم.
فهذه هي أصل الفكرة في ترتيب (المسند) على أبواب (البخاري)، هذا هو أصل الكتاب، ثم شرحه ابن عروة، وفي أثناء شرحه ما يَمر بمسألة فيها تأليف لشيخ الإسلام أو ابن القيم إلا ويذكر الكتاب كاملًا من مقدمته إلى خاتمته ولو كان كبيرًا، وكذلك ابن رجب، فبعض كتب ابن رجب موجودة في هذا الكتاب.
وهذا تصنيف غريب، لكن إذا عُرف السبب بطل العجب، فابن عروة في القرن التاسع في وقت وظرف كانت تُحرق وتُتلف فيه كتب شيخ الإسلام وابن القيم وابن رجب، فأراد أن يحفظها بهذه الطريقة؛ لأنهم إذا رأوا هذا الكتاب باسم ابن عروة ما تعرضوا له، لكن لو أُفرد هذا الكتاب لشيخ الإسلام في هذا الظرف وفي هذا المكان لأُتلف؛ لأن لهم أعداءً ولهم خصومًا بسبب الخلاف العقدي مع الأسف الشديد، ومع ذلك حَفظ لنا كثيرًا من كتب شيخ الإسلام وابن القيم وابن رجب بهذه الطريقة، فجزاه الله عنا وعن المسلمين أحسن الجزاء، ومع ذلك الكتاب لا يزال فيه خروم، وتمنيتُ أن يطبع الترتيب كمرحلة أولى، وقد قابلنا بعض الموجود من (ترتيب المسند) مع (الصحيح) ووجدنا فيه خللًا وخرومًا في بعض الأجزاء، وإلا لو طُبع هذا الترتيب بحد ذاته لكان غنيمة لطلاب العلم ومن أنفس ما يقرأه طالب العلم مع (صحيح البخاري).
والآن وُجد منه ما يزيد على ثمانين مجلدًا من المائة وثلاثين، قرابة ثلاثة وثمانين مجلدًا أو تزيد، وعلى كل حال هو مشروع طيب، وشُرع فيه، ونُسخ، وقوبل، وحصل تعليقات طفيفة جدًّا، وهو بحاجة إلى مراجعة ومزيد تعليق، ويسر الله تمامه.