شرح مقدمة سنن ابن ماجه (02)
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد:
فيقول المؤلف: حدثنا هشام بن عمار" الدمشقي...
العنوان -عنوان الباب- هنا كتب عندنا: المقدمة، في بعض النسخ: كتاب السنة صح؟ ويش عندك؟
طالب:.......
كتاب السنة، كثير من النسخ عليها المقدمة، وعلى ضوء هذا جرى الإعلان عن هذه الدورة عن مقدمة سنن ابن ماجه، وبعض النسخ فيها: كتاب السنة، والحافظ ابن كثير -رحمه الله تعالى- ذكر في تفسيره حديثاً من هذه المقدمة في الجزء الثالث صفحة مائة واثنين وتسعين من تفسير ابن كثير ذكر حديث وقال: أخرجه ابن ماجه في كتاب السنة من سننه، فهذه المقدمة معنونة بكتاب السنة في النسخة التي بيد الحافظ ابن كثير وهو إمام في هذا الباب يرجع إليه من الحفاظ ابن كثير من الحفاظ، كتاب السنة، يعني هذا الحافظ ابن كثير يقول: أخرجه ابن ماجه في كتاب السنة من سننه، فالكتاب هناك يقال له: كتاب السنة، ولأبي داود أيضاً كتاب السنة في سننه، لكنه في آخر الكتاب، وكانت المفاضلة بين كتاب المقدمة هذه التي هي كتاب السنة، أو السنة من سنن أبي داود في آخر الكتاب، فآثرنا أن يكون في صدر كتاب ليكمل -إن شاء الله تعالى-.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "حدثنا هشام بن عمار الدمشقي قال: حدثنا محمد بن عيسى بن القاسم بن سميع قال: حدثنا إبراهيم بن سليمان الأفطس عن الوليد بن عبد الرحمن الجرشي عن جبير بن نفير عن أبي الدرداء قال: خرج علينا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ونحن نذكر الفقر ونتخوفه" ونحن نذكر الفقر، والنبي -عليه الصلاة والسلام- استعاذ بالله من الفقر، وقال أيضاً: ((كاد الفقر أن يكون كفراً)) والفقر لا شك أنه غير محمود، بل استعيذ منه، لكنه ابتلاء من الله -جل وعلا- للإنسان، ليرى هل يصبر أو لا يصبر، فإن صبر فله أجره وثوابه، وإن لم يصبر فعليه وزره وعقابه.
الفقر قد يدعو الإنسان إلى السرقة، قد يدعوه إلى البغي والظلم، قد يدعوه إلى أن يبيع ما لا يجوز بيعه، قد يدعوه إلى أن يتنازل عما لا يجوز التنازل عنه من عرض ونحوه، هذا الفقر، ولذا استعاذ منه النبي -عليه الصلاة والسلام-، لكن إن ابتلي به الإنسان فصبر واحتسب فأجره عظيم، حتى فضّله جمع من أهل العلم على الغني الشاكر، الفقير الصابر مفضل عند جمع من أهل العلم على الغني الشاكر، هذا إذا صبر واحتسب، آخرون فضلوا الغني الشاكر على الفقير الصابر، وحديث: ((ذهب أهل الدثور بالأجور)) حينما قال ذلك فقراء المسلمين، وأرشدهم النبي -عليه الصلاة والسلام- إلى ما يتصدقون به من غير الأموال، وأنها تقوم مقام الصدقة بالأموال بادر الأغنياء بفعل ما أرشد إليه الفقراء، فقالوا للنبي -عليه الصلاة والسلام-: "إن إخواننا من الأغنياء سمعوا فعملوا" قال -عليه الصلاة والسلام-: ((ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء)) فدل على أن الغني الشاكر أفضل من الفقير الصابر، هذا ما يستدل به من يرجح الغنى مع الشكر على الفقر مع الصبر، وإن كان جاء في الفقر والفقراء نصوص تخصهم وترجحهم من كون الفقراء يدخلون قبل الأغنياء بخمسمائة أو مائة وعشرين أو بأربعين عاماً كما جاء في الأحاديث يدل على أن الفقر أفضل من الغنى، يدخلون قبل الأغنياء بخمسمائة عامة أو بمائة وعشرين عام، أو بأربعين عاماً، وليس في هذه الروايات اضطراب ولا اختلاف؛ لأن هذه أمور نسبية الغنى والفقر أمور نسبية، فأفقر الناس يدخل قبل أغنى الناس كم؟ بخمسمائة، ثم الذي يليه أخف منه في الفقر يدخل قبل الذي يلي الأول في الغنى بمائة وعشرين مثلاً والفقير الذي يلي ذلك بالنسبة للغني الذي هو دون الاثنين يدخل قبله بأربعين عام، هذه أمور نسبية، فلا تخالف بينها.
وأشار ابن القيم -رحمه الله تعالى- إلى شيء من ذلك في عدة الصابرين، والمفاضلة بين الفقير الصابر والغني الشاكر مسألة أطال ابن القيم في بحثها، ورجح شيخ الإسلام ابن تيمية بين الأمرين بالتقوى، أفضلهما أتقاهما لله، لكن الغالب أن الله -جل وعلا- إذا ابتلى الشخص بالغنى أنه يصبر ويحتسب، لكنه إذا ابتلي بالفقر صبر واحتسب، هذا الغالب، وإذا ابتلي بالغنى طغى، والشواهد تدل على ذلك، والنبي -عليه الصلاة والسلام- إنما خاف على أمته من الغنى لا من الفقر، وقد ابتلي أهل هذه البلاد بالفقر الذي لا نظير له مدة من الزمان، وصبروا واحتسبوا، ولا تنازلوا عن شيء، لا عن دين، ولا عن عرض، ولا عن مروءة، صبروا وثبتوا، وأكلوا الجيف، وأكلوا أعلاف الدواب، وصبروا واحتسبوا، ما تنازلوا عن شيء، ثم لما فتحت عليهم الدنيا انظر ترى، كيف صار حال الناس بعد ذلك؟! ولذا جاء في هذا الحديث: "ونحن نذكر الفقر ونتخوفه" يعني نخاف منه، يخافون أن يصيبهم هذا الفقر فيحصل لهم ما حصل لغيرهم.
"فقال -عليه الصلاة والسلام-: ((آلفقر تخافون؟))" يسألهم يعني تخافون من الفقر؟ ((والذي نفسي بيده لتصبن عليكم الدنيا صباً حتى لا يزيغ قلب أحدكم إزاغة إلا هيه)).
((والذي نفسي بيده لتصبن عليكم الدنيا صباً)) يعني من نظر في واقع الناس اليوم جزم بأنه لم يمر على أحد في عصر من العصور مثل ما يمر الآن؛ لأنها فتحت خزائن الأرض، ومع ذلك يوجد فقراء، ولو قرأ من نظر إلى هذا النعيم الذي نعيشه في تاريخ المسلمين في العصور الذهبية سواءً كان في بغداد، أو في الأندلس وجد أن الأمر صبت عليهم الدنيا صباً {وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ} [(13) سورة سبأ] بنيت القصور من الذهب الخالص في الأندلس، ثم النتيجة أن استولى عليها النصارى، وطردوا المسلمين وقتلوهم واستخدموهم، وسبوا نساءهم وذراريهم؛ لأن النعم إذا لم تشكر هذه هي النتيجة {لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ} [(7) سورة إبراهيم] وليس معناه الكفر الخروج من الدين، إنما هو فيما يقابل الشكر، كفر النعم.
((والذي نفسي بيده)) كثيراً ما يقسم النبي -عليه الصلاة والسلام- بهذا، وفيه جواز الحلف من غير استحلاف على الأمور المهمة، وفي قوله: ((بيده)) إثبات اليد لله -جل وعلا- على ما يليق بجلاله وعظمته، وأما تأويلها من قبل الشراح، أو من قبل كثير من الشراح: "روحي في تصرفه" فالذي يظهر أنه هروب من إثبات الصفة، وإلا فهو لازم المعنى، لازم الكلمة، واللازم صحيح، ما في أحد روحه ليست في تصرف الله -جل وعلا-، المعنى صحيح، لكن إذا كان القصد منه الفرار من إثبات الصفة فهو قول باطل مردود.
((لتصبن)) اللام واقعة في جواب القسم ((لتصبن عليكم الدنيا صباً حتى لا يزيغ)) أي لا يميله عما هو عليه من استقامة ((لا يزيغ قلب أحدكم إزاغة إلا هيه)) يعني الدنيا، إلا الدنيا، والأصل: "إلا هي" والهاء هذه للسكت، هاء السكت {وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ} [(10) سورة القارعة] هاء السكت {هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيهْ} [(29) سورة الحاقة] مثل: {مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيهْ} [(28) سورة الحاقة] هذه كلها هاء السكت.
((حتى لا يزيغ قلب أحدكم إزاغة إلا هيه)) يعني إلا الدنيا ((وايم الله لقد تركتكم على مثل البيضاء ليلها ونهارها سواء)) وفي بعض الروايات وفيها كلام: ((لقد تركتم على المحجة البيضاء ليلها كنهارها)) يعني في الوضوح، فالإنسان يسير على الصراط المستقيم الواضح البين الذي لا يعتريه خفاء ولا غموض في الليل والنهار على حد سواء، وهذا بالنسبة لمن اتبع واقتفى ونور الله قلبه بالإيمان، أما من غشت على قلبه الشهوات والشبهات فقد يميل عن هذا الصراط يمنة أو يسرة ((ليلها ونهارها سواء)).
قال أبو الدرداء: "صدق والله رسول الله -صلى الله عليه وسلم- تركنا والله على مثل البيضاء ليلها ونهارها سواء".
هل كلام الرسول -عليه الصلاة والسلام- يحتاج إلى تصديق؟ لا يحتاج إلى تصديق، فهو الصادق المصدوق، لكن كلام أبي الدرداء قاله بعد وفاة النبي -عليه الصلاة والسلام- بأزمان، والإنسان أحياناً يجد مصداق خبر سمعه عن النبي -عليه الصلاة والسلام- كالشمس، يعني يمر بنا وقائع وأحداث لها دلالاتها من الكتاب والسنة تدل على أنها صدرت بالفعل من النبي -عليه الصلاة والسلام-، ووقعت كما أخبر النبي -عليه الصلاة والسلام-، وكل يوم وطالب العلم الذي يعاني الكتاب والسنة يزداد إيمانه ويقينه بأخبار النبي -عليه الصلاة والسلام-، وليس معنى هذا أن النبي -عليه الصلاة والسلام- بحاجة إلى من يشهد له ويصدقه، بل وجد ذلك في حياته العملية حقاً؛ لأن بعض الناس يقرأ مثل هذا الكلام ويصدق به، لكنه لا يحسه في حياته العملية، أنه تُرك على البيضاء ليلها كنهارها؛ لأنه تتنازعه شهوات وشبهات، تميل به يمين وشمال، فيقول: أين المحجة البيضاء؟ نحن نعيش في مهامه، مرة يمين ومرة شمال، أنت السبب؛ لأنك ما اعتصمت بالكتاب والسنة لترى هذه المحجة البيضاء، أنت تتلقف الأخبار من يمين ومن شمال، من كفار، ومن مبتدعة، ومن كذا، وتسمع شهوات وشبهات، وتعرض نفسك لهذه الشهوات، وتريد أن تكون على المحجة البيضاء! أنت على المحجة البيضاء، لكن يبقى أنك قد تخرج عنها يميناً وأحياناً يساراً، لكن أنت اعتصم بالكتاب والسنة والزم الصراط المستقيم وانظر هل أنت على البيضاء أم لا؟ هل يختلف عندك الليل والنهار أو لا؟ الأمر لا يختلف عند من لزم الصراط.
ثم قال بعد ذلك: "حدثنا محمد بن بشار قال: حدثنا محمد بن جعفر قال: حدثنا شعبة عن معاوية بن قرة عن أبيه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((لا تزال طائفة من أمتي منصورين لا يضرهم من خذلهم حتى تقوم الساعة))" والحديث له شواهد كثيرة، فيه عن ثوبان وسيأتي عن المغيرة بن شعبة في الصحيحين وغيرهما، وعن معاوية أيضاً في البخاري ومسلم وغيرهما، وعن جابر بن عبد الله وعقبة بن عامر عند مسلم، وعن غيرهم، فهذا الحديث متواتر، مروي عن جمع من الصحابة، وروى عنهم جموع غفيرة من التابعين إلى آخر الأسانيد.
((لا تزال طائفة من أمتي منصورين لا يضرهم من خذلهم حتى تقوم الساعة)) والذي يليه قال:
"حدثنا هشام بن عمار قال: حدثنا يحيى بن حمزة قال: حدثنا أبو علقمة نصر بن علقمة عن عمير بن الأسود وكثير بن مرة الحضرمي عن أبي هريرة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((لا تزال طائفة من أمتي قوامة على أمر الله لا يضرها من خالفها))" وفيه أيضاً حديث معاوية: "أين علماؤكم؟ أين علماؤكم؟ سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((لا تقوم الساعة إلا وطائفة من أمتي ظاهرين على الناس لا يبالون من خذلهم ولا من نصرهم)).
وفيه أيضاً حديث ثوبان أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((لا يزال طائفة من أمتي على الحق منصورين لا يضرهم من خالفهم حتى يأتي أمر الله -عز وجل-)).
وهذه الأحاديث صحيحة، وفي معناها بل في لفظها أحاديث أخرى كثيرة، فالحديث متواتر في إثبات الطائفة المنصورة التي تحمل هذا الدين وتبلغه الآفاق إلى قيام الساعة.
يقول: ((لا تزال طائفة من أمتي منصورين)) الطائفة تطلق على الواحد فأكثر، الأصل فيها الجماعة، لكن قد يطلق على الواحد طائفة، ولذا قالوا في حديث صلاة الخوف: وهو أن الإمام يصلي بطائفة وطائفة تحرس، ثم تذهب الطائفة التي صلت مع الإمام للحراسة، وتعود الطائفة التي كانت في الحراسة، قالوا: أقل من يتصور منهم صلاة الخوف ثلاثة إمام ومأموم وحارس {فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌ} [(122) سورة التوبة] يعني ولو واحد، فالطائفة ولو كانت قليلة ولو بلغت الواحد فالوعد ثابت، وهذه الطائفة وإن قلت موعودة بالنصر.
((لا تزال طائفة من أمتي)) والمراد بذلك أمة الإجابة ((منصورين لا يضرهم من خذلهم)) وتخلى عنهم، ولا من خالفهم وعارضهم وناوأهم لا يضرهم ذلك، بل يثبتهم الله -جل وعلا- ((حتى تقوم الساعة)) يعني حتى تأتي الريح التي تقبض أرواح المؤمنين قبل قيام الساعة، فالمراد بالساعة هنا ساعتهم، وساعة كل إنسان بحسبه، والمراد بها ما قبل قيام الساعة التي هي فيها القضاء على المخلوقات كلها؛ لأن الساعة الحقيقية لا تقوم إلا على شرار الخلق، وهؤلاء خيارهم، فالمراد بالساعة هنا الريح التي يرسلها الله -جل وعلا- بين يدي الساعة قبلها، فتقبض أرواح المؤمنين حتى لا يبقى إلا شرار الناس، حتى لا يقال في الأرض: الله الله.
قال بعد ذلك: "حدثنا هشام بن عمار قال: حدثنا يحيى بن حمزة قال: حدثنا أبو علقمة نصر بن علقمة" ونصر بن علقمة هذا قال عنه الحافظ ابن حجر في التقريب: "مقبول" ويش معنى مقبول؟ متى يقال للشخص: مقبول؟
طالب:.......
فيه إيش؟
طالب:.......
فيه ضعف يحتاج إلى متابع، نعم.
طالب:.......
نعم إذا روى عنه اثنين؟
طالب:.......
لا ما يلزم، نعم؟
إذا كان مقلاً في الرواية، ولم يثبت فيه ما يرد حديثه من أجله، فإن توبع فمقبول، وإلا فلين، وما أدري إذا كانت النفوس متهيئة لشرح هذه القاعدة وإلا غير متهيئة؟ أنتم ترغبونها؛ لأنها قاعدة مشكلة معضلة، يعني طبقة عند الحافظ ابن حجر من مراتب التعديل، لكنها مشكلة "من ليس له من الحديث إلا القليل، ولم يثبت فيه ما يترك حديثه من أجله، فإن توبع فمقبول، وإلا فلين" هذا الشخص الذي معنا الذي قال فيه ابن حجر: مقبول، نصر بن علقمة، نطبق عليه القاعدة، ليس له من الحديث إلا القليل، ولم يثبت فيه من أقوال أهل العلم ما يقتضي رد حديثه وتركه، لكنه مع ذلك يحتاج إلى متابع، هذا الشخص إن توبع فمقبول، وإن لم يتابع فلين، الحافظ ابن حجر سطر عليه في التقريب مقبول، في ترجمته قال: مقبول، فأنت إذا وجدت هذا الحديث بما تحكم على هذا الراوي؟ مقبول؟ من خلال كلام ابن حجر في ترجمته، لكن لو طبقت القاعدة تجزم بأنه مقبول؟ لأنه في القاعدة استثنى، إن توبع فمقبول وإلا فليِّن، أنت دعنا من هذا الحديث الذي تواتر، وله رواة كثر، لو جاء في حديث في سنن ابن ماجه ثاني، وليس له إلا هذا الطريق، ما توبع عليه، أنت تبي ترجع في ترجمته إلى التقريب، فتجد الحافظ ابن حجر قال في التقريب: مقبول، أنت لن تستحضر القاعدة التي ذكرها في أول الكتاب، فإذا استحضرت القاعدة التي ذكرها ابن حجر في أول الكتاب فأنت لن تحكم عليه بأنه مقبول من أول وهلة، فأمره متردد بين كونه مقبول وبين كونه لين، حتى تجد المتابع، إن وجدت متابع حكمت عليه بأنه مقبول وإلا فلين، كما قرر الحافظ في المقدمة، في المراتب، الإشكال ظاهر وإلا ما هو بظاهر؟ يعني أنت وجدت نصر بن علقمة في سند عند أبي داود، عند النسائي، أو عند ابن ماجه، أو عند الترمذي، ورجعت إلى ترجمته في التقريب قال: مقبول، فأنت فوراً تقول: مقبول، ليش؟ لأن الحافظ ابن حجر حكم عليه بأنه مقبول، لكن هل هو مقبول في جميع أحاديثه أو فيما توبع عليه من حديثه؟ فيما توبع، يقول: فإن توبع فمقبول وإلا فلين، يعني إن لم يتابع فأنت مطالب بما في المقدمة أو بما في تفاصيل الكتاب؟
نقول: الطلاب يتربون على التقريب، وكثير منهم مرجعه ومعوله على التقريب، والألباني -رحمه الله تعالى- التقريب نصب عينيه، الشيخ ابن باز التقريب نصب عينيه، مع أنهم يرجعون إلى الكتب الأخرى التي تذكر أقوال أهل العلم في الراوي، وقد يرجحون غير ما في التقريب، لكن هذا يجعل طالب العلم يعتني بالتقريب صح وإلا لا؟ يعتني بالتقريب؛ لأن التقريب كتاب محرر متقن، فأنت إذا رجعت إلى التقريب تبي ترجع إلى ترجمة هذا الراوي ما أنت براجع إلى مقدمة، فإذا قال ابن حجر: مقبول فوراً تبي تقول: نصر بن علقمة بن فلان بن فلان مقبول من السادسة مثلاً، ثم تحكم عليه بمجرد هذا اللفظ من غير استحضار لما قرره في المقدمة، ولذلك أحكامه -رحمه الله تعالى- بهذا اللفظ هل هي أحكام على الراوي أو على المروي؟ جملة التقريب أحكام على الرواة صح وإلا لا؟ أحكام على الرواة، لكن هذا اللفظ الملاحظ فيه الراوي أو المروي؟ الراوي يا الإخوان من خلال القاعدة ليس له حكم ثابت، بل الحكم يتبع المتابعة أو عدم المتابعة، فحكمه على المروي، فإن وجدت هذا المروي روي من طريق آخر فتوبع هذا الراوي حكمت عليه بأنه مقبول وإلا صار لين.
نأتي بأمثلة ثلاثة كلهم اسمهم الضحاك، الضحاك بن حمرة، الضحاك بن نبراس، الضحاك المعافري، ثلاثة كلهم عند ابن حجر، واحد مقبول، وواحد لين، وواحد ضعيف، أنا أريد الفرق بين الثلاثة؟ المقبول إن لم يتابع صار لين مثل الثاني ذا، اللين هذا إن توبع صار مثل الأول مقبول، الضعيف إن توبع وضعفه غير شديد ارتقى فصار حديثه مقبول، ويش الفرق بين الثلاثة؟ والأحكام في التقريب متفاوتة عليهم.
طالب:.......
كيف؟
طالب:.......
ما في فرق، ولذلك هذه القاعدة تحتاج إلى تحرير، والرواة الذين قال فيهم الحافظ ابن حجر: مقبول بلغوا يمكن ألف راوٍ أو زادوا على ذلك، وفيهم رسائل دكتوراه، من قال فيه الحافظ ابن حجر: مقبول، لكن هل استطاعوا أن يحرروا المراد، أو تحرر المراد لديهم؟ لأن هذا حكم على المروي لا على الراوي، فالإشكال باقٍ، والأصل أن الكتاب أحكام على الرواة، تحكم على الراوي بغض النظر عما يحتف به، الرواة الضعفاء من قُرر ضعفه، وحكم بعضه من قبل أهل العلم وضعفه ليس بشديد إذا توبع ارتقى حديثه، إذا توبع من قبل مثله، من في منزلته أو أقوى منه ارتقى حديثه، فابن حجر حكم على هذا الراوي بأنه مقبول لأنه توبع، لكن يلزم من ذلك قبل أن يحكم ابن حجر على الراوي بأنه مقبول أن يسبر أحاديثه، هو له أحاديث قليلة يمكن ثلاثة أو أربعة خمسة فيسبر أحاديثه ويجزم بأنه توبع في كل واحد من هذه الأحاديث؛ ليحكم عليه بحكم عام مطرد أنه مقبول، وقل مثل هذا فيمن قيل فيه: لين، أنه يسبر أحاديثه، ويجزم بأنه لم يتابع ولا على واحد منها؛ ليستحق الوصف بأنه لين، وإلا إن توبع فهو مقبول مثل الذي قبله، وعلى هذا في أحكام الحافظ -رحمه الله- لا سيما على هذا اللفظ، واللين لا بد أن يراجع لها أقوال أهل العلم المبسوطة في مثل المطولات تهذيب الكمال، أو تهذيب التهذيب، أو غيرهما من كتب الرجال.
طالب:.......
هو موثق، لكنه مع ذلك انطبقت هذه القاعدة عنده، ما ثبت فيه ما يترك حديثه من أجله، وهو مقل في الرواية، فهو محتاج عنده إلى متابع، علماً بأن الحافظ ابن حجر ليس بمعصوم، يعني قد يستدرك عليه.
"عن عمير بن الأسود وكثير بن مرة الحضرمي عن أبي هريرة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((لا تزال طائفة من أمتي قوامة على أمر الله لا يضرها من خالفها))" هذه الطائفة يقول الإمام أحمد: "إن لم يكونوا أهل الحديث لا أدري من هم؟" والبخاري في صحيحه يقول: "هم أهل العلم" والمراد بالعلم يعني العلم المعتمد على الوحيين على الكتاب والسنة، فكلام البخاري قريب من كلام الإمام أحمد، فإذا قلنا: إن مراد الإمام البخاري بأهل العلم هم أهل العلم الشرعي المعتمد على نصوص الكتاب والسنة، وفي كلام الإمام أحمد: "إن لم يكونوا أهل الحديث فلا أدري من هم؟" وأهل الحديث هم أهل الكتاب، إذ لا يتصور شخص يعتني بالسنة ولا يعتني بالقرآن، لا سيما من أئمة الإسلام، وإلا بعد عصر التخصص يمكن، يعني يكون أجهل الناس بالقرآن، وهو متخصص بالسنة، أو العكس في عصر التخصص.
"إن لم يكونوا أهل الحديث لا أدري من هم؟" قال القاضي عياض: "إنما أراد الإمام أحمد أهل السنة والجماعة، ومن يعتقدون مذهب أهل الحديث".
وقال النووي في شرح مسلم: "يجوز أن تكون الطائفة جماعة متعددة من أنواع المؤمنين، ما بين شجاع وبصير بالحرب، وفقيه ومحدث ومفسر، وقائم بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وزاهد وعابد" يعني من مجموع الناس، من جميع التخصصات، تكون هذه الطائفة، لكن إذا نظرنا في كلام الإمام أحمد...
قال القاضي عياض: "إنما أراد الإمام أحمد أهل السنة والجماعة، ومن يعتقدون مذهب أهل الحديث" يعتقد مذهب أهل الحديث وهو ليس من أهل الحديث إلا بالمتابعة لهم في الاعتقاد، والقاضي عياض يقول هذا الكلام وعنده شيء من التأويل، يعني نجد كلام أهل العلم في تعظيم مذهب أهل السنة والجماعة، ومع ذلك هم يخالفونه، كالقاضي عياض والنووي وغيرهما من الشراح، يعني حينما يقول القاضي عياض: "إنما أراد الإمام أحمد أهل السنة والجماعة، ومن يعتقدون مذهب أهل الحديث" هو يقول هذا الكلام ويخالفه، أو أنه يظن أنه يتبعه؟ جميع الطوائف وإن كانت مخالفة للسنة، ومشتملة على شيء من البدع، إلا أنهم يدعون أنهم أهل الحق، وأنهم هم أهل الحديث، وأنهم هم أهل السنة والجماعة، لكن العبرة بالواقع، اللهم إلا الرافضة هم الذين لا يزعمون أنهم أهل سنة، بل يتبرؤون من السنة وأهل السنة، وأما جميع الطوائف فكلهم يزعمون أنهم هم أهل السنة، فالدعاوى إذا لم تقم عليها البينات فأصحابها أدعياء.
نعود إلى قول الإمام البخاري: "هم أهل العلم" وقول الإمام أحمد وليس بينهما خلاف؛ لأن مراد الإمام البخاري بأهل العلم أنهم أهل الكتاب والسنة؛ لأن العلم الشرعي الذي جاء مدحه في النصوص لا يتناول غير العلم الشرعي، والعلم الشرعي لا يستحق أن يسمى علماً شرعياً إلا إذا اعتمد على نصوص الشرع من الكتاب والسنة، ولا يظن بأحمد أنه يقول أهل الحديث الذين لا يعرفون القرآن، ولا عناية لهم بالقرآن.
قد يقول قائل: إن الإمام أحمد يخرج المفسرين، يخرج الفقهاء، يخرج الأصوليين، يخرج من تخصص في الاعتقاد مثلاً، نقول: لا، لا يخرج أحداً من ذلك، فالمفسر الذي يستحق أن يسمى مفسر هو الذي يفسر القرآن بالقرآن ويفسره بالسنة؛ لأن وظيفة النبي -عليه الصلاة والسلام- البيان، بيان ما نزل إليه، فالسنة تفسر القرآن، فلا يمكن انفكاك السنة من القرآن، فالمفسر الذي على الجادة لا يخرج من قول أحمد؛ لأنه لا بد أن يفسر القرآن بالسنة، فيكون من أهل الحديث، أما من يفسر القرآن بالرأي فلا يدخل، لا يدخل من يفسر القرآن بالرأي؛ لأنه جاء التحذير من تفسير القرآن بالرأي، وإن زعم أنه مفسر.
القرآن لا بد من العناية به، وهو أصل الأصول، ولا بد من العناية بما يخدم القرآن، ويعين على فهم القرآن، وأولى ما يستعان به على فهم القرآن السنة؛ لأنها هي المبينة للقرآن، المفسرة له، وأيضاً لغة العرب تعين على فهم القرآن، وعلى فهم السنة، وأيضاً علوم الآلة كلها قواعد الحديث تعين على الثابت من غيره من السنة، وأصول الفقه تعين على كيفية التعامل مع نصوص الكتاب والسنة، فكلها داخلة في كلام الإمام أحمد، وقل مثل هذا في علوم القرآن وأصول الفقه وغيرها من العلوم التي تخدم الكتاب والسنة وعلوم البلاغة وعلوم العربية بجميع فروعها؛ لأنه ليس المقصود من معرفة النصوص حفظ حروفها فقط، الحفظ مطلوب ومطلوب معه الفهم والاستنباط والعمل؛ لأن النصوص إنما هي للعمل، وإذا جردت عن العمل والاستنباط والاستفادة منها صارت لمجرد البركة، وتلتئم الأقوال حينئذٍ.
قول النووي في شرح مسلم: "يجوز أن تكون الطائفة جماعة متعددة من أنواع المؤمنين، ما بين شجاع وبصير بالحرب" شجاع وبصير بالحرب، عامي لا يقرأ ولا يكتب، لا يحفظ من نصوص الكتاب والسنة شيئاً، هل يدخل في كلام البخاري؟ يدخل وإلا ما يدخل؟ ما يدخل، يدخل في كلام أحمد وإلا ما يدخل؟ ما يدخل، إلا إذا قلنا: إن مراد الإمام أحمد كما قال القاضي عياض هم من يعتقد مذهب أهل الحديث، فالعامي يعتقد مذهب أهل الحديث إجمالاً يتصور فيه ذلك.
"شجاع وبصير بالحرب، وفقيه" الفقيه متى يدخل في كلام أحمد ومتى يدخل في كلام البخاري؟ إذا كان مجتهداً، فقهه من نصوص الكتاب والسنة، أما المقلد فليس من أهل الفقه، وليس من أهل العلم، كما نقل ذلك ابن عبد البر وغيره، فلا يدخل في كلمة النووي: "فقيه" وإذا كان الفقيه المراد به المجتهد دخل في كلام البخاري، ودخل في كلام الإمام أحمد؛ لأن معوله على الكتاب والسنة، وهو العلم الأصيل الحقيقي، فيدخل في أهل العلم في كلام البخاري، ويدخل في أهل الحديث؛ لأن عمدته على الحديث في كلام الإمام أحمد.
"ومحدث" هذا واضح "ومفسر" قلنا: إن المفسر إذا كان تفسيره على الجادة إذا كان يفسر القرآن بالقرآن، ويفسر القرآن بالسنة دخل في كلام الأئمة.
"وقائم بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر" الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا بد أن يكون على قدر من العلم، يميز بين المعروف والمنكر؛ لئلا ينكر معروف، أو يأمر بمنكر، لا بد أن يكون على قدر من العلم، والعلم لا يثبت إلا إذا كان من الكتاب والسنة، فيدخل في كلام الأئمة.
"وزاهد وعابد" العبادة والزهد مع الجهل قد تضر، لكنها مع العلم من أنفع الأمور لقلب المسلم، ومن أعظم ما يعين على تحصيل العلوم، العبادة والزهد تعين طالب العلم على تحصيل ما يصبوا إليه من العلم.
طالب:.......
لا، بس لا بد أن يكونوا على قدر من العلم، وإلا يمكن يكون زاهد وعابد ما عنده علم ولا عنده حديث، ما يرجع، قد يكون شجاع وبصير بالحرب لكنه ما عنده علم فلا يرجع.
طالب: لو قلنا: من أهل العلم مهما كان من أي نوع من الأنواع دخل في كلام النووي...
هذا إذا قيدناه بالعلم، لكن نتصور شخص شجاع وبصير بالحرب وعامي ما يقرأ ولا يكتب، يتصور وإلا ما يتصور؟ يتصور، إذاً لا يدخل في كلام الأئمة، ويتصور عابد وزاهد وهذا موجود في العباد والزهاد مع الجهل، نعم، لكن العبادة إن لم تكن عن علم فليست بعبادة؛ لأن الذي يعبد الله على جهل قد يتضرر بعبادته أكثر مما ينتفع.
طالب:.......
لا تزال قوامة.
طالب:.......
إيه خبر لا زال، أو لا تزال.
قال بعد ذلك: "حدثنا هشام بن عمار قال: حدثنا الجراح بن مليح" الجراح بن مليح هو والد وكيع، الإمام العلم المشهور المحدث الثقة الثبت، قال: حدثنا الجراح هذا والده الجراح بن مليح، قال عنه الحافظ في التقريب: صدوق، ابن حجر إيش؟ نعم صدوق، والذي بعده بكر بن زرعة مقبول عند ابن حجر، ويقال فيه مثل ما قيل في نصر، وعرفنا ما قيل في المقبول، وبقي أن نعرف ما قيل في الصدوق.
الصدوق اعتمد المتأخرون على أنه مقبول الرواية، وحديثه من قبيل الحسن، الصدوق حديثه من قبيل الحسن، مع أن ابن أبي حاتم جعل الصدوق في المراتب التي لا يقبل حديثها إلا بمتابع، وسأل أباه عن شخص فقال: صدوق، فقال: أيحتج بحديثه؟ قال: لا، فمن أهل العلم من لا يحتج بحديث الصدوق، ومنهم من يجعله من قبيل الحسن يعني يتوسط في أمره ليس بثقة ولا بضعيف، فيعطى المرتبة المتوسطة من الأحكام، والذين ردوا حديث الصدوق حجتهم أنه وإن بولغ في وصفه بالصدق فاستحق فعول التي هي صيغة مبالغة إلا أنه لا يشعر بشريطة الضبط؛ لأن الصدق وحده ما يكفي، لكنه لا يشعر هذا اللفظ بشريطة الضبط، وهذه حجة من رد حديثه إلا إن توبع، ووجد ما يشهد له.
كلمة صدوق تشعر بشريطة الضبط أو لا تشعر؟ نعم؟ ما تشعر، نأتي بمثال: أنت جالس في بيتك يوم العيد، وعندك ولدك، ولد أنت افترض أنك في الخمسين من العمر عندك ولد عمره عشرين، طرق الباب بعد صلاة العيد، افتح يا ولد، يأتي من الطارق؟ فلان، قال له: اتفضل، وبالفعل يصير فلان، ثم مرة ثانية فلان ويكون الخبر مطابق للواقع، وفي ضحى يوم العيد يطرق الباب أكثر من مائة، وكلهم يخبر الولد بما يطابق الواقع، نقول: الولد صدوق وإلا كذوب؟ صدوق، لكن من الغد يسأله أبوه من الذي جاء بالأمس؟ يتذكر واحد اثنين وينسى خمسة وتسعين منهم، يتذكر خمسة ستة ولا يذكر البقية، هذا ضابط وإلا غير ضابط؟ غير ضابط، لكنه صدوق.
حجة من يقول: إن حديث الصدوق لا يقبل، لا يحتج به هذا، يقول: وإنه وإن وصف بصيغة المبالغة ملازم للصدق لا يكذب لكنه قد لا يضبط، فالذي أخبر عن مائة شخص بما يطابق الواقع صدوق، لكن يسأل من الغد من طرق الباب بالأمس؟ من حضر بالأمس؟ يذكر خمسة ستة وما يذكر الباقي، هذا لا ضبط عنده، ولذا رد جماعة من أهل العلم حديث الصدوق.
ابن حجر لما يحكم على راوٍ بأنه صدوق في التقريب مستحضر هو أن الصدوق محتج به، وأن حديثه بمرتبة الحسن؛ ليقول لطالب العلم: إذا قلت لك: إنه صدوق خلاص احكم على حديثه بأنه حسن، وليست كلمة صدوق عند الحافظ ابن حجر مثل صدوق عند أبي حاتم، فننتبه لهذا، أولاً: أبو حاتم -رحمه الله- متشدد، يعني ما جادت نفسه للبخاري إلا بصدوق، ومع ذلك لا يحتج بالصدوق؛ لأنه لا يشعر بشريطة الضبط، وإذا كان البخاري لا يضبط فمن يضبط؟!
على كل حال ليس هذا محل البحث، محل البحث هذه الصيغة، الذين احتجوا بالصدوق، وجعلوه في مرتبة الحسن قالوا: صدوق صيغة مبالغة، ويقابله الكذوب، فالملازم للصدق في جميع أحواله معناه أنه لا يقع الكذب في خبره لا عمداً ولا خطأ؛ لأنهم لا يشترطون في الكذب أن يكون عن عمد، فإذا كان كلامه مطابق للواقع باستمرار معناه أنه لا يقع الكذب في كلامه لا عن عمد ولا خطأ، وإذا كان لا يقع الخطأ في كلامه إذاً هو ضابط، فترى هذه المسألة من الدقائق، وقل من يكشفها، تحتاج إلى مزيد عناية، فهذه اللفظة يعني إذا قيل لك: إنها لا تشعر بشريطة الضبط قلت: صحيح، ومثل ما مثلنا، لكن هم إذا أطلقوا صدوق هم يعرفون مدلول صيغة المبالغة أنه لا يقع الكذب في كلامه، لا خطأ ولا عمداً؛ لأنهم يسمون الخطأ كذب؛ لأن الصدق نقيض الكذب، فإذا كان لا يقع الكذب في كلامه لا خطأ ولا سهو ولا عمد، فإنه حينئذٍ تكون الصيغة مشعرة بشريطة الضبط.
قال: "سمعت أبا عنبة الخولاني وكان قد صلى القبلتين مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((لا يزال الله يغرس في هذا الدين غرساً يستعملهم في طاعته))"
هذا الحديث أقل أحواله أنه حسن، يعني مقبول، حديث محتج به ((لا يزال الله يغرس في هذا الدين غرساً يستعملهم في طاعته)) لا يزال يعني إلى آخر الزمان، الإنسان إذا سمع الحديث الصحيح: ((لا يأتي زمان إلا وبعده شرٌ منه)) يصاب باليأس، وإذا نظر إلى واقع الناس بعد أربعة عشر قرناً وجد فيهم أخيار، فكيف يقال: ((لا يأتي زمان إلا والذي بعده شر منه)) ويستمر الخير إلى قيام الساعة؟ نقول: ((لا يزال الله يغرس في هذا الدين غرساً يستعملهم في طاعته)) والخير لن ينقطع عن هذه الأمة إلى قيام الساعة، ولا تزال طائفة من هذه الأمة على الحق منصورة، فهذه الأحاديث في مقابل حديث: ((لا يأتي زمان إلا والذي بعده شر منه)) مسألة إجمالية، يعني حكم إجمالي، يعني مجموع الناس إذا نظرت إلى أهل الأرض ينقص الخير عندهم، لكن قد وجد في أفراد منهم، وليس معناه أنه إذا كان شر منه أن الخير ينقطع بالكلية، لا، بل الخير موجود في أمة محمد إلى قيام الساعة و((لا يزال الله يغرس في هذا الدين غرساً يستعملهم في طاعته)) لا يزال يعني عندنا قبل ثلاثين سنة مثلاً الشباب ليس مستواهم في تحصيل العلم مثل مستواهم الآن، هذا شيء عاصرناه وعايشناه أقل بكثير، يوجد أفراد، يوجد عشرات من الناس عندهم علم، وعلم أصيل ومتين ويستحقوا أن يوصفوا بأنهم علماء، لكن ليسوا بالكثرة مثل ما نشاهد الآن، إن كان يوجد عشرات، فالآن يوجد آلاف -ولله الحمد- والله -جل وعلا- يغرس في هذا الدين غرساً يستعملهم في طاعته، لكن إذا نظرنا إليهم من جهة وجدنا أن الخير نقص عندهم وإن زاد من جهة، زاد من جهة الرغبة والتحصيل والتأصيل، لكنه نقص من جهة، جهة العمل نقصت، هل يقاس الخشوع بين طلاب العلم بالخشوع قبل ثلاثين سنة؟ ولا بالعوام يقاسون، لكن الزيادة والنقص في جانب دون جانب، وقد تكون في بلد دون بلد، وقد تكون في إقليم أو في جهة من الجهات دون أخرى.
قال: "حدثنا يعقوب بن حميد بن كاسب قال: حدثنا القاسم بن نافع قال: حدثنا الحجاج بن أرطأة عن عمرو بن شعيب عن أبيه قال: قام معاوية خطيباً" الحديث بهذا الإسناد فيه ضعف، فيعقوب بن حميد بن كاسب صدوق ربما وهم، والقاسم بن نافع مجهول، والحجاج بن أرطأة متكلم فيه "عن عمرو بن شعيب" والكلام فيه معروف صدوق "عن أبيه، قال: قام معاوية خطيباً" مع أنه مخرج في الصحيح، يعني من غير هذا الطريق، مخرج في الصحيحين.
"قال: قام معاوية خطيباً فقال: أين علماؤكم؟ أين علماؤكم؟ سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((لا تقوم الساعة إلا وطائفة من أمتي ظاهرين على الناس لا يبالون من خذلهم ولا من نصرهم))" متى يحتاج الإنسان أن يقول: أين علماؤكم؟ أين فقهاؤكم؟ أين الصالحون فيكم؟ يعني إذا لحظ ملحظ يحتاج إلى إنكار، يقول: أين العلماء؟ أين المصلحون؟ ويترك هذا الأمر فيما بينكم، أين علماؤكم ليصدقوني فيما أقول أو لينبهوكم على أخطائكم؟ نعم.
"أين علماؤكم؟ أين علماؤكم؟ سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((لا تقوم الساعة إلا وطائفة من أمتي ظاهرين على الناس لا يبالون من خذلهم ولا من نصرهم))" وهذا كسابقه.
قال أيضاً -رحمه الله-: "حدثنا هشام بن عمار قال: حدثنا محمد بن شعيب قال: حدثنا سعيد بن بشير عن قتادة عن أبي قلابة عن أبي أسماء الرحبي عن ثوبان: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((لا يزال طائفة من أمتي على الحق منصورين لا يضرهم من خالفهم حتى يأتي أمر الله -عز وجل-))" وهذا شاهد لما قبله وهو مخرج في مسلم.
قال أيضاً بعد ذلك: "حدثنا أبو سعيد عبد الله بن سعيد قال: حدثنا أبو خالد الأحمر قال: سمعت مجالداً يذكر عن الشعبي" مجالد بن سعيد ضعيف عند أهل العلم "يذكر عن الشعبي" عامر بن شراحيل التابعي الشهير "عن جابر بن عبد الله -رضي الله عنه- قال: كنا عند النبي -صلى الله عليه وسلم- فخط خطاً، وخط خطين عن يمينه، وخط خطين عن يساره، ثم وضع يده على الخط الأوسط، فقال: ((هذا سبيل الله)) ثم تلا هذه الآية: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ} [(153) سورة الأنعام]" الحديث بهذا الإسناد ضعيف؛ لأن فيه مجالد وهو ضعيف، لكنه مروي من طرق أخرى، وله شاهد من حديث ابن عباس عند الإمام أحمد والدارمي والطيالسي وغيرهم، فالحديث بهذا يكون حسناً.
النبي -عليه الصلاة والسلام- كثيراً ما يعظ أصحابه بالكلام، مقروناً بالوسائل التوضيحية يرسم لهم رسوم، ينكت بالعود، يخط خطوط، فهنا خط النبي -عليه الصلاة والسلام- خطاً مستقيماً، وخط خطين عن يمينه، وخطين عن يساره، الصورة واضحة، ثم وضع يده على الخط الأوسط، قال: ((هذا سبيل الله)) يعني الخطوط الذي عن يمينه وعن يساره السبل، سبل أخرى غير سبيل الله، ثم تلا هذه الآية: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ} [(153) سورة الأنعام].
ولا يمكن سلوك سبيل الله إلا بالتمسك بالوحيين ((تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا كتاب الله وسنتي)) لا بد من التمسك والاعتصام بالوحيين لنلزم سبيل الله الصراط المستقيم.
{وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ} [(153) سورة الأنعام] قال الحافظ ابن كثير: "وحد السبيل لأن الحق واحد، وجمع السبل لتفرقها وتشعبها" فسيبل الله واحد، والسبل الأخرى تتفرق بكم عن سبيل الله، والسبيل والطريق واحد، ويذكر ويؤنث هذا سبيل الله {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا} [(153) سورة الأنعام] {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي} [(108) سورة يوسف] فهو يذكر ويؤنث.
فالسبل كثيرة لتشعبها وتفرقها، وأما سبيل الله وهو الصراط المستقيم واحد، لكن ماذا عن قول الله -جل وعلا-: {يَهْدِي بِهِ اللّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلاَمِ} [(16) سورة المائدة] الحافظ ابن كثير يقول: "وحد السبيل لأن الحق واحد" فهل سبل السلام متعددة أو واحد؟ نعم؟ الشرائع متعددة، يعني نستطيع أن نقول: إن الغاية واحدة، والحق واحد، لكن الطرق الموصلة إلى هذا الحق والوسائل التي توصل إلى هذا الحق متعددة، فالسبيل واحد، قد يصل إليه الإنسان من باب الصلاة، قد يصل إليه من باب الصيام، قد يصل إليه من باب الإنفاق في سبيل الله، يعني وسائل موصلة إلى هذا السبيل، قد يصل إليه من باب العلم الشرعي، من باب الدعوة، من باب كذا، هذه سبل، يعني وسائل تصب في هذه الغاية الواحدة التي هي الحق، وهي سبيل واحد، والله أعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
"ولذا يريد أن يأخذ من الرجل الذي عمل له الحادث مبلغ لإصلاح السيارة، هل يجوز هذا؟ أفتونا مأجورين.
نعم إذا كان الخطأ عليه مائة بالمائة، وأنت السيارة تحتاج إلى إصلاح فعليه أن يدفع أجور الإصلاح، ولو قيل بأن عليه الأرش كان هذا هو الحكم الشرعي، فتقدر قيمتها سليمة، وتقدر قيمتها بعد الحادث ويأخذ الفرق بين قيمتها سليمة وبين قيمتها معيبة، وإن اكتفى بمجرد الإصلاح فالأمر إليه.
يعني صديقه هو السكران؟
هو يقول: وحيث قرر شرطة المرور على أن السائق الآخر هو الذي أخطأ، وعلماً أن هذا الشخص كان خمران؟
ما يدرى أيهم؟ ما يدرى هو صديقه الذي تضررت سيارته والخطأ عليه أو المخطئ الثاني الطرف الآخر هو السكران؟ ويريد أن يسأل هل السكران يؤاخذ أو لا يؤاخذ؟ ممكن، يعني هل تصرفات السكران كالخلاف في طلاقه هل يلزم أو لا يلزم؟ نعم بالنسبة لهذا في أروش الجنايات وقيم المتلفات تلزمه اتفاقاً، ولو كان سكران، تلزمه اتفاقاً.
السفر إذا كانوا ثلاثة يؤمروا أميراً منهم، وتلزم طاعته حينئذٍ.
كل إنسان يحكم من نفسه إن كان يستفيد يحضر.
تكلمنا عليها بالأمس في المقدمة، وطبعة بشار عواد طيبة.
فضلاً عن أجزاء الجسم الأخرى، ونمص وغيره فاتهمت بأنني قاطعة رحم، علماً بأني فعلت كل ما أستطيع من إنكار المنكر بالقول والشريط والكتابة حتى بدأت إحداهن بالجدال، ونسبة بعض الفتاوى التي لا أشك في كذبها لبعض المشايخ، وبدأت تضرب الفتاوى ببعضها، وتُلبس على من يسمع كلامها، وتتكلم بالعلماء حتى سار خلفها، واستساغ كلامها جاهلات من النساء، فبدأن يصنعن صنيعها، فلما وصل الأمر لهذا الحد، وحفظاً لأعذار العلماء تركت الذهاب.
حسناً صنعتِ، وهذا هو المطلوب، فعلى الإنسان الذي تحدثه نفسه بالحضور لهذه الاجتماعات التي جرت العادة بوجود هذه المخالفات فيها يحضر إليها بنية الإنكار، ويتابع الإنكار إن امتثل المنكر عليه وإلا فتجب العزلة عنه، ولا يجوز الذهاب إليه، ولو قيل ما قيل، وأما من تجب صلتهن، ويحرم القطيعة بهن فهؤلاء يمكن أن تكون الزيارة على جهة خاصة، يذهب إليهن منفردات، فالصلة قد تحصل بغير الاجتماعات.
أبو صالح الذي يروي عن أبي هريرة هو ذكوان السمان.
ما دام الكتاب يباع في الأسواق، وما وضع في المسجد إلا بنية التوقيف على هذه الجهة فلا يجوز لك أن تأخذ من هذه النسخ؛ لأن وضعها في المسجد مع نية الوقف هذا الذي يظهر، أو تركها صاحبها ليعود إليها، المقصود أنها إما أن تكون لقطة، إذا لم يكن هناك نية من الواقف، أو تكون وقف إذا نوى بوضعها في المسجد أن تكون وقفاً، لكن إذا تعطلت منافعها كهذا المسجد لا يوجد من يقرأ بها في هذا المسجد، ولا يجلس في المسجد أحد لأنه مسجد سوق تنقل إلى أقرب مسجد يوجد به من ينتفع بها.
هو ابن ماجه نفسه، وليس بشيخه.
التسمية إذا خلا الاسم من التزكية، إذا خلا من تزكية النفس، وصار معناه صحيحاً، وليس من خواص الرب -جل وعلا- جاز التسمية به، إلا إذا كان سمي به أحد الكفار مثلاً، أو الظلمة وأراد بهذه التسمية الإعجاب بالمسمى به، كما يسمي فرعون مثلاً، هذا يمنع لأنه نابع عن إعجاب بهذا الشخص الظالم الباغي المعتدي الكافر، وأما التسمية بطه فلا بأس بها، التسمية بضحى لا بأس أيضاً.
لأنه لا يوجد في الكتب الخمسة.
النقاب ممنوع بالنسبة للمرأة، وكذلك القفاز بالنسبة لليدين من محظورات الإحرام، إن لم تكن بحضرة أجانب فتكشف وجهها، وتكشف يديها، وإن كانت بحضرة أجانب فترخي جلبابها على وجهها، بمعنى أنها تغطي وجهها بغير نقاب، وتستر يديها بما تستر به بدنها.
على كل حال من أراد أن يستبدل الكتب الكبيرة المسندة الأصول كالستة بكتب مختصرات فله ذلك، إن كان يبدأ مثلاً بالبلوغ أو المحرر فيبحث عن الأسانيد والطرق لهذه الأحاديث هذا جيد ويستفيد -إن شاء الله-.
الأحكام معلقة على خروج الدم، فتصلي وتصوم إلا إذا رأت الدم.
العبادة إذا ثبت أجرها المحدد من الشرع لا يزيد لذاتها، لكن قد يؤجر الإنسان بسبب ما يحتف بها من زيادة في إخلاص، أو لحوق المشقة بسببها، هذه قد تكون مما يزيد الحسنات أجراً زائداً على الأصل، فمثل المصائب، المصائب كفارات لمن صبر واحتسب، ومنهم من يقول: إن مجرد وقوع المصيبة كفارة، والصبر والاحتساب له قدر زائد من الأجر على أجر أصل المصيبة، وإن زاد على مجرد الصبر وعدم التشكي الرضا بالقدر زاد أجره، فزيادة الأجر لما يحتف بهذه العبادات.
فكيف أتخلص من هذا الوسواس حيث أنني حتى في فترة بين الصلوات أعاني من نفس الأمر في تلاوة القرآن، فماذا أفعل؟ أرشدوني هل علي الاغتسال كل مرة؟ وماذا أفعل للخلاص؟
هذا الذي يظهر أنه من الشيطان ولا حقيقة له ولا واقع، يعني كونك تحس هذا من تلاعب الشيطان بك، وأنت استرسلت معه في أول الأمر فأطعته فيما يملي عليك، وزاد الأمر عندك، وإلا لو انصرفت عن هذه الوساوس، ولم تلتفت إليها، واستعذت بالله من الشيطان الرجيم، وأكثرت من الذكر والتلاوة انصرف عنك الشيطان، وعلى هذا إذا كان يخرج منه بالفعل ما يوجب الغسل وهو مستيقظ بلذة، لا بد أن يكون مع الدفق، أما إذا كان يخرج من غير لذة ولو خرج ورآه بعين رأسه فإنه لا يوجب الغسل، إنما يغسل ذكره وينضح فرجه ويتوضأ، أما إذا كان يخرج منه بالدفق مع اللذة فإنه يوجب الغسل، هذا إذا كان حقيقي بأن نظر في بدنه وسراويله ووجد شيئاً من ذلك، أما إذا كان مجرد وساوس بحيث إذا رأى ما وجد شيء هذا عليه أن ينصرف منه.
لعلها أخت له من أمه مثلاً، وإلا يسأل هو عن والده.
أخت لي تسأل أن والدها توفي ولم يعق عن نفسه، فهل يمكن أهله أن يعقوا عنه أو لا يلزم منهم أن يعقوا عنه لأني أو لأنه توفي؟
مثل هذا الكبير جاء في الحديث: ((كل غلام مرتهن بعقيقته)) والعقيقة بالنسبة للصغير على الأب، وهذا باعتباره كبر ومات والأصل في العقيقة أنها سنة فمثل هذا يقال: فات محلها.