شرح مقدمة سنن ابن ماجه (12)
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وعلي بن محمد قالا: حدثنا وكيع قال: حدثنا سفيان عن زياد بن إسماعيل المخزومي عن محمد بن عباد بن جعفر عن أبي هريرة قال: "جاء مشركو قريش يخاصمون النبي -صلى الله عليه وسلم- في القدر، فنزلت هذه الآية: {يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ * إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} [(48-49) سورة القمر]" زياد بن إسماعيل المخزومي راويه فيه كلام، وخرج له مسلم في المتابعات، لكن حديثه لا ينزل عن درجة الحسن، فالحديث حسن، وقال فيه الترمذي: حسن صحيح.
"جاء مشركو قريش إلى النبي -عليه الصلاة والسلام يخاصمونه في القدر" ومن ذلك قولهم: {لَوْ شَاء اللّهُ مَا أَشْرَكْنَا} [(148) سورة الأنعام] فهم يحتجون بالمشيئة والقدر على فعلهم الشنيع الذي هو أعظم الذنوب الشرك، ولا حجة لهم فيه؛ لأن الله -جل وعلا- هداهم ودلهم إلى الصراط المستقيم، وهداهم النجدين، لكنهم ما قبلوا، وأعرضوا وأشركوا، فهم يلامون على شركهم، ويؤخذون عليه، ولا حجة لهم بعد أن بلغهم القرآن، وما أنزل الله -جل وعلا- على نبيه -عليه الصلاة والسلام-، وكل شيء مخلوق بقدر من الله -جل وعلا-، ولا يحدث في ملكه -جل وعلا- إلا ما يشاءه ويريده إرادة كونية، وإن لم يرده إرادة شرعية، فيحصل ما يريده الله -جل وعلا- كوناً وقدراً كالشرك والكفر والنفاق والعصيان، وكل هذه مراده لله -جل وعلا- قدراً، وإن كان الله -جل وعلا- لا يريدها شرعاً، بل نهى عنها وحذر منها، ورتب عليها العقوبات، فلا مستدل لهم، ولا مستمسك لهم بالقدر، واحتجوا به على المعيبة التي ارتكبوها وهي الشرك، لكن القدر إنما يحتج به على المصائب لا على المعايب، ولذلك نزل قوله -جل وعلا-: {يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ} [(48) سورة القمر] لأنهم أشركوا بالله، وإن احتجوا بما احتجوا به من القدر، فإنه لا حجة لهم فيه، والله -جل وعلا- كل شيء خلقه بقدر، لا يقال: إنهم احتجوا بالقدر فلا قدر نفياً لحجتهم، لا، كل شيء مخلوق بقدر، لكن مع ذلك تجتمع الإرادتان –أعني الكونية والشرعية- في إيمان المؤمن، وتنفرد الكونية في شرك المشرك، لكن هل توجد الإرادة الشرعية دون الإرادة الكونية؟ لا يمكن، إنما توجد الإرادة الكونية دون وجود للإرادة الشرعية، يعني ما يمكن أن يؤمن مؤمن والله -جل وعلا- لا يريد منه الإيمان؟ نقول: تنفرد الإرادة الشرعية دون الكونية.
ثم قال: "حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال: حدثنا مالك بن إسماعيل قال: حدثنا يحيى بن عفان مولى أبي بكر قال: حدثنا يحيى بن عبد الله بن أبي مليكة عن أبيه أنه دخل على عائشة فذكر لها شيئاً من القدر، فقالت: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((من تكلم في شيء من القدر سئل عنه يوم القيامة، ومن لم يتكلم فيه لم يسأل عنه))" يحيى بن عثمان متروك الحديث، فالحديث ضعيف جداً، وفي متنه أيضاً نكارة، الذي يتكلم بالقدر يريد أن يحتج به على معاصيه وفجوره، هذا لا شك أنه يسأل عن هذه المعاصي وعن هذا الفجور وعن احتجاجه بالقدر، أما من تكلم بالقدر وعامة أهل العلم يتكلمون فيه، يتكلمون في قضايا القدر التي تتعلق بتقريره باعتباره جزء من مسائل الاعتقاد، ولابن القيم كتاب كبير جداً اسمه: شفاء العليل في مسائل القضاء والقدر والحكمة والتعليل، يعني تكلموا في القدر، لا على سبيل الاحتجاج به على المعاصي وغيرها، لا، إنما تكلموا في تقرير مسائله، وإحقاق الحق على ضوء النصوص الشرعية، والحديث يدل على أن من تكلم في شيء من القدر نكرة في سياق الشرط فتعم، أي شيء من أشياء القدر، فمعناه أن ابن القيم سوف يسأل عن كتاب شفاء العليل، وكل من تكلم في القدر سوف يُسأل، ليس المراد هذا، وهذا الحديث أولاً ضعيف ومتنه منكر، أما من استدل بالقدر، واستغل بعض النصوص المتشابهة في هذا الباب لا شك أنه سوف يسأل.
((من لم يتكلم فيه لم يسأل عنه)) لا شك أنه لا ينسب لساكت قول، لكن لا بد أن ينطوي على عقيدة صحيحة، ما هو يسكت ولا يتكلم وينطوي على عقيدة فاسدة، وحينئذٍ لا يسأل، لا، إذا أشكل عليه شيء يسأل أهل العلم عنه، ويكشفون له المشكل.
"قال أبو الحسن القطان: حدثناه خازم بن يحيى قال: حدثنا عبد الملك بن سنان قال: حدثنا يحيى بن عثمان فذكر نحوه" فمدار الخبر على يحيى بن عثمان وهو متروك.
قال -رحمه الله-: "حدثنا علي بن محمد قال: حدثنا أبو معاوية قال: حدثنا داود بن أبي هند عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، قال: خرج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على أصحابه، وهم يختصمون في القدر، فكأنما يفقأ في وجهه حب الرمان من الغضب" أولاً: رواية عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده اختلف فيها أهل العلم اختلافاً كبيراً، وسبب الاختلاف الخلاف في عود الضمير في قوله: عن جده، هل هو جد عمرو فيكون محمد، أو جد شعيب فيكون عبد الله بن عمرو بن العاص، وجاء التصريح به في بعض الروايات عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عبد الله بن عمرو، فإذا قلنا: إن الضمير يعود على عمرو والجد محمد الخبر مرسل، وإذا قلنا: يعود إلى شعيب والجد عبد الله بن عمرو بن العاص كما يؤيده بعض الروايات المصرحة فلا شك أنه يكون غير مرسل، باعتبار أن الصحابي مذكور من جهة، والخلاف في سماع شعيب من جده عبد الله بن عمرو معروف عند أهل العلم، والمسألة محل خلاف كبير بين أهل العلم، منهم من يضعفها، ومنهم من يصححها، وعلى كل حال القول المتوسط في هذه السلسلة أنها من قبيل الحسن، إذا ثبت السند إلى عمرو، وقد ثبت هنا، فالحديث هنا حسن، ولا إشكال فيه.
"خرج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على أصحابه" إما من بيته إلى أصحابه وهم في المسجد، أو خارج المسجد، وهم يختصمون في القدر، مسائل القدر لا شك أنها فيها شيء من الإشكال، وفي كثير منها لا يمكن أن يتوصل إلى حسم لهذه القضايا، وحينئذٍ على المسلم أن يرضى ويسلم، ويقبل ما جاء عن الله وعن رسوله -عليه الصلاة والسلام-؛ لأن القدر سر من أسرار الربوبية، فالاسترسال في بحث مسائله وقضاياه لا سيما على متوسط الفهم لا يوصل إلى نتيجة، بل على الإنسان أن يرضى ويسلم، فإذا أمر ائتمر، وإذا نهي انتهى، ومع ذلك يؤمن بالقدر، وأن كل شيء بقدر، وأن الله قدر الأشياء قبل أن يخلق السماوات والأرض.
قال: "فكأنما يفقأ في وجهه حب الرمان" يعني احمرت أوداجه -عليه الصلاة والسلام- من الغضب؛ لأن مثل هذه الأمور قد تجر الإنسان إلى الشك والريب، وقد يزيد عنده الأمر فيرتد -نسأل الله السلامة والعافية-، وكثير ممن أوغل في مثل هذه المسائل التي لا يدرك غورها حصل له ما حصل من الشك والارتياب، وعدم الرضا والتسليم بما جاء عن الله وعن رسوله.
فقال -عليه الصلاة والسلام-: ((بهذا أمرتم أو لهذا خلقتم؟ تضربون القرآن بعضه ببعض)) فهناك أدلة يستدل بها نفاة القدر، وهناك أدلة يستدل بها أهل الجبر، الغلاة في إثبات القدر، فهؤلاء يضربون أدلة هؤلاء بأدلتهم والعكس، وأهل السنة وفقوا للجمع والتوفيق بين هذه النصوص في هذا الباب كغيره من أبواب الدين، يعني مثلاً عندنا الإرجاء والخروج، المرجئة يضربون أدلة الخوارج بأدلتهم، والخوارج يضربون أدلة المرجئة بأدلتهم، وتحصل المقاولات والمناظرات بكثرة بين هذه الفرق التي هي على طرفي نقيض، لكن من وفق للتوفيق بين هذه النصوص، وحملها على وجوهها المعتبرة على الطريقة الشرعية المقررة عند أهل العلم، لا شك أن هذا هو عين التوفيق، ويسلم من ضرب القرآن بعضه ببعض.
يقول: ((بهذا هلكت الأمم قبلكم)) يعني المرجئي إذا أوردت عليه أدلة الخوارج فإما أن يطعن في هذه الأدلة، وبعضها في القرآن، وبعضها في صحيح السنة، فيحصل له شيء من الهلاك، يهلك يعني ولو لم يهلك بدنه، يعني أهلك دينه، إذا ضرب النصوص بعضها ببعض، والخارجي إذا أوردت عليه النصوص التي يستدل بها المرجئة أيضاً حصل عنده ما يحصل من إنكار لهذه النصوص فيهلك.
قال: "فقال عبد الله بن عمرو: "ما غبطت نفسي بمجلس تخلفت فيه عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ما غبطت نفسي بذلك المجلس وتخلفي عنه" لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- غضب غضباً شديداً، والمشفق عليه المحب له لا يرضى أن يراه على هذه الصورة صورة الغضب، لا يرضى لنفسه أن يرى النبي -عليه الصلاة والسلام- وهو مغضب، وكذلك كل محبوب لا يتمنى لمحبوبه أن يغضب، وإذا غضب يتمنى أنه لا يوجد في هذا المجلس، وهذا ظاهر.
قال -رحمه الله-: "حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وعلي بن محمد قالا: حدثنا وكيع".
طالب:.......
البحث فيها؟
طالب:.......
ما في إشكال -إن شاء الله- إذا كان المقصود الوصول إلى الحق مع عدم الإيغال، يعني يكون عنده خط الرجعة قريب، ما يوغل، إذا ما فهم شيء يرجع على طول؛ لأنه إن أوغل مع عدم الفهم لن يصل إلى نتيجة، بل قد يكون المردود عكسي عليه.
قال: "حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وعلي بن محمد قالا: حدثنا وكيع قال: حدثنا يحيى بن أبي حية أبو جناب الكلبي" هذا ضعيف عند أهل العلم "عن أبيه" وهو أيضاً مجهول "عن ابن عمر قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((لا عدوى ولا طيرة ولا هامة ولا صفر)) فقام إليه رجل أعرابي فقال: يا رسول الله أرأيت البعير يكون به الجرب فيجرب الإبل كلها؟ قال: ((ذلكم القدر، فمن أجرب الأول؟))" الحديث بهذا الإسناد ضعيف بلا شك، وهو مخرج في الصحيحين وغيرهما من حديث أبي هريرة، فمتنه صحيح ((لا عدوى ولا طيرة ولا هامة ولا صفر)) إلى آخره إلا قوله: ((ذلكم القدر)) فهي لم تذكر إلا في هذا الطريق الضعيف، فلا تصح.
((لا عدوى ولا طيرة)) إذا ثبت اللفظ أن المتن ثابت بلا شك من حديث أبي هريرة وغيره في الصحيحين وغيرهما ((لا عدوى)) (لا) هذه نافية، يعني لا وجود للعدوى، وهي سراية المرض من المريض إلى الصحيح، هذا لا وجود له، ((ولا طيرة)) يعني التشاؤم بالطيور، وكون الإنسان يمضي بسببها، أو يرجع وكان العرب في الجاهلية إذا أرادوا سفراً فرأوا طيراً إن جاء عن شماله تشاءموا به، ورجعوا عن طريقهم ومقصدهم، وإن جاء من طريق اليمين تفاءلوا به، وأمضاهم إلى حاجتهم فلا طيرة.
((ولا هامة)) وفي رواية: ((ولا صفر)) ولا هامة هذا طائر يقال له: البوم، الهامة هي التي يقال لها: البوم، يزعمون أنها إذا وقعت في بيت أحد أو بالقرب منه أو رآها في النوم أن هذا نعي له، وأن موته قريب، وهذا لا أصل له ((ولا صفر)) يعني ولا تشاؤم بشهر صفر كما كان العرب في الجاهلية يفعلون، أو أن صفر داء يصيب البطن بسبب من الأسباب فنفاه النبي -عليه الصلاة والسلام-.
المقصود أن هذه الأمور كلها منفية، فلا عدوى، والخلاف بين أهل العلم معروف هل هناك عدوى أو لا عدوى؟ فمن أثبتها احتجاجاً بمثل حديث: ((وفر من المجذوم فرارك من الأسد)) ((لا يورد ممرض على مصح)) هذه الأحاديث أو هذان الحديثان يفهم منهما أن هناك عدوى، وإلا ما الداعي إلى الفرار من المجذوم، وما سبب النهي عن إيراد الممرض صاحب الإبل المريضة على الإبل الصحيحة؟ والنبي -عليه الصلاة والسلام- يقول: ((لا عدوى)) يعني مقتضى: ((لا عدوى)) كل مع المجذوم ولا تتضرر؛ لأنه لا عدوى، ومقتضى: ((لا عدوى)) يورد ممرض على مصح؛ لأن الإبل الصحيحة لن تتضرر؛ لأنه لا عدوى، وأهل العلم لهم مسالك للتوفيق بين هذه النصوص، فمنهم من يقول: ((لا عدوى)) على ظاهره، فلا عدوى مطلقاً، والأمر بالفرار من المجذوم، أو النهي عن إيراد الممرض على المصح لئلا يتفق أن تمرض هذه الإبل الصحيحة أو يصاب السليم بالجذام بتقدير الله -جل وعلا-، ولا علاقة للمجذوم في مرض الصحيح، ولا علاقة للإبل المريضة ولا تأثير عليها على الإبل الصحيحة فلا عدوى، لكن يكون النهي والأمر بالفرار والنهي عن إيراد الإبل المريضة يكون من باب سد الذريعة؛ لئلا تصاب الإبل بالمرض، أو يصاب الصحيح بالجذام فيعتقد أن المرض سرى إليه من المريض، فيقع في الحرج، الحرج ما هو؟ أن يقع في نفسه شيء من تكذيب الخبر الذي فيه: ((لا عدوى)) فيكون أمره بالفرار من باب الاحتياط للدين، لا الاحتياط للبدن، إنما يكون احتياط للدين لا الاحتياط للبدن، فنهيه يعني أمره بأن يفر من المجذوم لئلا يصاب بالجذام ابتداءً من الله -جل وعلا-، وعلى هذا القول فمخالطة المريض والسليم على حد سواء، لا فرق بينهما، والعدوى منفية نفياً تاماً، ولا فرق بين مخالطة المريض بالجذام، أو غيره من الأمراض، ومخالطة الصحيح، لكن الأمر بالفرار من أجل حماية الدين لا حماية البدن؛ لأنه قد يصاب هذا الصحيح بالمرض فيعتقد عدم صحة ما جاء عن النبي -عليه الصلاة والسلام- يقع في نفسه شيء من تكذيب الخبر، فيتضرر في دينه، ومنهم من يقول: إن العدوى ثابتة، والمرض بتقدير الله -جل وعلا- يسري من المريض إلى السليم، وهذا هو ما يثبته الأطباء، ويقولون: العدوى ثابتة، والنفي هنا لسريان المرض بنفسه، يعني المنفي كون المرض يسري بنفسه لا بتقدير الله -جل وعلا-، أما كونه يسري بتقدير الله -جل وعلا- هذا حاصل، والمنفي: ((لا عدوى)) المراد بها لا يتعدى المرض بنفسه من غير تقدير الله -جل وعلا-، ويؤيد ذلك الأمر بالفرار من المجذوم، وعدم الإيراد الممرضة على المصحة، وعلى كل حال الأطباء يثبتون هذه العدوى، لكن هذه السراية إنما هي بتقدير الله -جل علا-، والأمر بالفرار وعدم إيراد الممرضة على المصحة من باب حماية الأبدان وإلا الأديان؟ لا، على القول الثاني.
طالب:.......
الأبدان نعم، من باب حماية الأبدان، ويحمل الحديث: ((لا عدوى)) على أن المرض لا يتعدى من المريض إلى السليم بنفسه، ولا يسري إليه بغير تقدير الله -جل وعلا-، ومقتضى الحديث أنه لا عدوى، وأن مخالطة المريض كمخالطة الصحيح ولا فرق، لكن كون الإنسان ينهى عن المخالطة، وأن يفر من المجذوم حماية لدينه أن يقع في نفسه شيء من تكذب الخبر فيهلك، منهم من يقول: إنه لا عدوى لفظ عام تنفي العدوى في جميع الأمراض إلا الجذام في بني آدم وإلا الجرب في الحيوان.
قال: "فقام إليه رجل أعرابي فقال: يا رسول الله أرأيت البعير يكون به الجرب فيجرب الإبل كلها؟" فجاء الرد ((فمن أجرب الأول؟)) يعني الأول من الذي أجربه؟ هو الله -جل وعلا-، إذاً الذي أجرب الثاني والثالث والرابع والعاشر والمائة هو الله -جل وعلا-، وكأن النفي هو المتجه، ويبقى النفي على عمومه، وأما الفرار إنما هو صيانة للدين.
طالب:.......
إيه العدوى المنفية أن يسري المرض بنفسه لا بتقدير الله -جل وعلا-، هذا القول الثاني، والمسلك الثاني عند أهل العلم أن المرض يسري من الأطباء، ومن بعض الناس من يرى أنه يسري بنفسه.
طالب:.......
لا، الطيرة لا قيمة لها، الهامة لا قيمة لها أصلاً، إنما هو مجرد اعتقاد جاهلي.
طالب:.......
يعني يصير النفي واحد في الجميع؟ على كل حال المسلك الثاني يعني له وجهه، والأطباء يثبتون العدوى.
طالب:.......
على كل حال المسلكان معروفان عند أهل العلم، ولكن الأكثر على نفي العدوى، وأن مخالطة السليم المريض كمخالطة السليم ولا فرق، وهذا ظاهر من حيث كثرة من يمرض في بيوت المسلمين ويمرضونه ولا يصابون بشيء هذا ظاهر.
طالب:.......
هو الأصل في الدواب، هو الأصل في الإبل، لكن أيضاً بعد كون الإنسان وهو مريض ينزل على إنسان صحيح وذاك مأمور بالفرار منه إحراج، أقول: هذا إحراج.
بعد هذا يقول -رحمه الله-: "حدثنا علي بن محمد قال: حدثنا يحيى بن عيسى الجرار عن عبد الأعلى بن المساور" ويحيى ضعيف، وعبد الأعلى متروك "عن الشعبي قال: لما قدم عدي ابن حاتم" فالحديث ضعيف جداً "لما قدم عدي بن حاتم الكوفة أتيناه في نفر من فقهاء أهل الكوفة، فقلنا له: حدثنا ما سمعت من رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟ فقال: أتيت النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: ((يا عدي ابن حاتم أسلم تسلم))" الحديث ضعيف جداً، وهذه الجملة: ((أسلم تسلم)) ثابتة في الصحيح في دعوة النبي -عليه الصلاة والسلام- لهرقل.
"((أسلم تسلم)) قلت: وما الإسلام؟ قال: ((تشهد أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله، وتؤمن بالأقدار كلها خيرها وشرها، وحلوها ومرها))" وهذا أيضاً يشهد له حديث جبريل السابق، فالحديث وإن كان إسناده ضعيف جداً، ولا يثبت بهذا الإسناد إلا أن له ما يشهد له، فالجملة الأولى: ((أسلم تسلم)) هذه ثابتة في الحديث في كتابة النبي -عليه الصلاة والسلام- لهرقل، وبقية الحديث في شرح الإسلام يشهد له حديث جبريل ما الإسلام؟ قال: ((تشهد ألا إله إلا الله، وأني رسول الله، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة)) ثم بعد ذلك الإيمان، إلا أنه هنا جعل الإيمان بالقدر من الإسلام، وفي حديث جبريل جعله من أركان إيش؟ هنا جعله من أركان الإسلام، وفي حديث جبريل جعله من أركان الإيمان، وهذا لا إشكال فيه عند من يقول: إن الإيمان والإسلام مترادفان كالإمام البخاري ومحمد بن نصر المروزي وغيرهما من الأئمة، وأما الجمهور الذين يرون التغاير بين حقيقتي الإسلام والإيمان فيقولون: إن هذا فيه تلفيق، ولا يثبت بمثل هذا الإسناد.
((وتؤمن بالأقدار)) -وهذا هو الشاهد- الصادرة عن الله -جل وعلا- كلها خيرها وشرها، وترضى بذلك وتسلم حلوها ومرها، فأقدار الخير التي هي من قبيل الخير الحلوة هذه لا شك أنا نعمة من الله -جل وعلا- تحتاج إلى شكر، وأما الشر المر فيحتاج إلى صبر، و((عجباً لأمر المؤمن إن أمره كله خير، إن أصابته سراء فشكر كان ذلك خيراً له، وإن أصابته ضراء فصبر كان ذلك -أيضاً- خيراً له)).
ثم قال: "حدثنا محمد بن عبد الله بن نمير قال: حدثنا أسباط بن محمد قال: حدثنا الأعمش عن يزيد الرقاشي" يزيد بن أبان الرقاشي عابد معروف زاهد، لكنه في الرواية ضعيف "عن غنيم بن قيس عن أبي موسى الأشعري قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((مثل القلب مثل الريشة تقلبها الرياح بفلاة))" تقلبها الرياح بفلاة ((مثل القلب مثل الريشة تقلبها الرياح بفلاة)) كثيراً ما يقسم النبي -عليه الصلاة والسلام- بإيش؟ ((لا ومقلب القلوب)) والقلوب بين إصبعين من أصابع الرحمن، إذا أراد أن يقلب قلب عبد قلبه، فالقلوب لا شك أنها مثل الريشة بالفلاة تنقلب ظهراً لبطن، والقلوب كذلك عرضة لأن تقلب، لا سيما مع وجود الفتن وعدم الاعتصام بالكتاب والسنة، هذا يعرض القلوب للتقليب في لحظة، في آخر الزمان يصبح الرجل مؤمناً، ويمسي كافراً، والعكس، ويبيع دينه بعرض من الدنيا، وعلى كل حال تقليب القلوب أمر معروف، وهي بين إصبعين من أصابع الرحمن، والخبر ضعيف.
أخرج الإمام أحمد من حديث أبي موسى عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((إنما سمي القلب من تقلبه، إنما مثل القلب كمثل ريشة معلقة في أصل شجرة، يقلبها الريح ظهراً لبطن)) وإسناده جيد.
قال: "حدثنا علي بن محمد قال: حدثنا خالي يعلى عن الأعمش عن سالم بن أبي الجعد... قال: جاء رجل من الأنصار إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله إن لي جارية أعزل عنها؟ قال: ((سيأتيها ما قدر لها)) قال: فأتاه بعد ذلك فقال: حملت الجارية، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((ما قدر لنفس شيء إلا هي كائنة))" هذا الحديث سنده صحيح، والأسئلة في هذا الباب متعددة من قبل الصحابة؛ لأنهم يقتنون الجواري، ويستمتعون بها، ولا يريدونها أن تحمل؛ ليتمكنوا من بيعها متى ما أرادوا؛ لأنها إذا حملت وولدت صارت أم ولد، لا يجوز بيعها على الخلاف في مسألة بيع أمهات الأولاد، لكنها أعتقها ولدها وحررها، تكون حرة بعد موت سيدها، فلا يريدون منها أن تحمل؛ لكي يبيعها متى شاءوا.
"فقال: إن لي جارية أعزل عنها" والعزل: الإنزال خارج الفرج، وإذا كانت المرأة حرة لا يجوز إلا بإذنها، وإذا كانت أمة مملوكة جاز بغير إذنها "أعزل عنها، قال: ((سيأتيها ما قدر لها))" اعزل أو لا تعزل لا فرق، فإن كانت النفس مكتوبة لا بد أن ينزل شيء إلى الرحم، فيلقح ما عند المرأة، وحينئذٍ يحصل الحمل، وإن لم يكتب شيء عزلت أو لم تعزل لا ينفعك العزل، وفي حكم العزل الموانع، وإن كانت هذه الموانع أثرها أقوى من العزل -بإذن الله-، وكل شيء بقدر، يعني إذا أراد الله أن تحمل المرأة حملت ولو أكلت جميع أنواع الموانع، وإذا أراد الله لها الحبل حبلت ولو عزل عنها، فكل شيء بإرادة الله -جل وعلا-، لكن هذه أسباب.
"((سيأتيها ما قدر لها)) قال: فأتاه بعد ذلك، قال: قد حملت الجارية، قال النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((ما قدر لنفس شيء إلا وهي كائنة))" إذا كتب قُدر وقضي لا بد أن يقع، وجاء في حديث جابر: "كنا نعزل والقرآن ينزل، ولو كان شيئاً ينهى عنه لنهى عنه القرآن" وجاء عن اليهود أنهم قالوا: العزل هو الموءودة الصغرى، فقال النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((كذبت يهود)).
قال: "حدثنا علي بن محمد قال: حدثنا وكيع عن سفيان عن عبد الله بن عيسى عن عبد الله بن أبي الجعد" قالوا عنه: مجهول الحال "عن ثوبان قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((لا يزيد في العمر إلا البر، ولا يرد القدر إلا الدعاء، وإن الرجل ليحرم الرزق بخطيئة يعملها))" عبد الله بن أبي الجعد هذا مجهول الحال، فالإسناد ضعيف، وقد حسنه بعضهم، بناءً على قبول رواية مجهول الحال الذي يعبر عنه عند بعض أهل العلم بالمستور.
"عن ثوبان قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((لا يزيد في العمر إلا البر))" في الصحيح: ((من أحب أن يبسط له في رزقه، وينسأ له في أثره، فليصل رحمه)) فإذا كانت صلة الأرحام تزيد في العمر، ينسأ له في أثره، يعني يدفع له في أجله، فالبر الخاص بالأبوين من باب أولى، والعلماء يختلفون في هذه الزيادة، هل هي حقيقية حسية أو معنوية؟ بمعنى أن الإنسان عمره سبعون سنة، فإذا بر بوالديه أو وصل رحمه زيد له خمس عشر سنوات بحسب قوة هذا البر أو عدمه، وبهذا قال جمع من أهل العلم، وهو الأصل في الزيادة أن الزيادة حقيقية، وعلى هذا تكون هذه الزيادة على ما في علم الملائكة، يعني يؤمر بكتب أجله، فيقال: اكتب سبعين، هذا الذي في علم الملائكة، وفي علم الله -جل وعلا- أن عمره أكثر؛ لأنه سوف يصل رحمه ويبر والديه، فما في علم الله -جل وعلا- لا يتغير، وما في علم الملائكة قابل للتغيير {يَمْحُو اللّهُ مَا يَشَاء وَيُثْبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ الْكِتَابِ} [(39) سورة الرعد] ومنهم من يقول: إن هذه الزيادة معنوية، أما مكتوب له سبعين سنة لا يزيد {فَإِذَا جَاء أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ} [(34) سورة الأعراف] ما فيه، العمر هو العمر، لكن هذه السبعين أو الخمسين تعادل مائة بالنسبة لغيره، والزيادة بالبركة ظاهرة، يعني عمر الإنسان ساعة بعض الناس عن يوم لغيره، والعمر بعض الناس يعيش أربعين خمسين..، عمر بن عبد العزيز أربعين سنة عمره، عُمْر عمَر بن عبد العزيز أربعين سنة، ولو قيس بعمر من أعمارهم أضعاف ذلك ما صنعوا مثل ما صنعوا، ولا أنجزوا مثل ما أنجز، النووي -رحمه الله- عمره تجاوز كم؟
طالب:.......
نعم يعني عمره قصير جداً، ومع ذلك أنتج من العلم والتأليف والطلاب الشيء الكثير، يعني له كتب لا نظير لها، وحصل بها من النفع ما لم يحصل بغيره إلا القليل النادر، يعني من منة الله عليه، وإنزال البركة في عمره أن ألف مثل رياض الصالحين، رياض الصالحين في مساجد الدنيا يقرأ، ويقال: قال -رحمه الله تعالى-، وكتابه المجموع شرح المهذب لو اجتمعت جامعات الدنيا تؤلف مثله ما استطاعت، ولو كمل لو قدر كماله لأغنى عن كثير من كتب الفقه، وعندي أنه في قسم العبادات لا نظير له، والله المستعان.
فهذه الزيادة في البركة معنوية، وليست زيادة حسية، وكم من شخص يمكث مائة سنة ثم يموت ولا شيء وكأنه ما وطئ على الأرض، فليحرص الإنسان على مثل هذه الأسباب التي تكون سبباً في نزول البركة في عمره، وفي جهده، وفي عمله.
((ولا يرد القدر إلا الدعاء)) الدعاء من القدر، ومع ذلك يرد القدر، كيف يرد القدر؟ الإنسان مكتوب عليه هذا الشيء إلا إذا دعا برفعه، والقدر مع الدعاء يعتلجان، والدعاء شأنه عظيم، وجاءت النصوص بأنه هو العبادة {قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ} [(77) سورة الفرقان] فالدعاء شأنه عظيم، وإذا دعا المسلم وبذل السبب وحرص على انتفاء الموانع التي من أعظمها وأشدها أكل الحرام، فإن الله -جل وعلا- لن يخيبه، فإما أن يستجيب دعوته التي دعا بها، وإما أن يدخر له هذه الدعوة إلى وقت هو أحوج ما يكون إليها، وإما أن يرفع عنه من البلاء بقدرها وأعظم، فلن يخيب على كل حال إذا بذل السبب، أسباب القبول ونفى الموانع، حرص على انتفاء الموانع، أما إذا وجدت الموانع فيدعو أو لا يدعو لا فرق؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء يقول: ((يا رب يا رب، ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وغذي بالحرام، فأنى يستجاب له)) يعني الأسباب موجودة، أشعث، أغبر، مسافر، يمد يديه يرفع يديه من أسباب الإجابة رفع اليدين، والسفر أيضاً مظنة إجابة، وكون الإنسان أشعث أغبر منكسر القلب أيضاً مظنة إجابة، لكن وجود المانع مانع، يأكل حرام ويدعو الله -جل وعلا-؟! ((أطب مطعمك تكن مستجاب الدعوة)).
((ولا يرد القدر إلا الدعاء، وإن الرجل ليحرم الرزق بخطيئة يعملها)) ((وإن الرجل ليحرم الرزق بخطيئة يعملها)) وهذه الجملة من هذا الحديث لا شاهد لها، فتبقى ضعيفة، ولا شك أن الرزق مما يطلب من الله -جل وعلا-، وما عند الله -جل وعلا- لا ينال بسخطه، وكون الإنسان يصاب بما يصاب {وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ} [(30) سورة الشورى] و{ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ} [(41) سورة الروم] فكل هذه أسباب لوقوع المصائب ولحرمان الرزق.
قال بعد ذلك: "حدثنا هشام بن عمار قال: حدثنا عطاء بن مسلم الخفاف قال: حدثنا الأعمش عن مجاهد عن سراقة بن جعشم" قالوا: مجاهد لم يسمع من سراقة، فالحديث بهذا الإسناد ضعيف، والمتن في مسلم "قال: قلت: يا رسول الله العمل فيما جف به القلم وجرت به المقادير أم في أمر مستقبل؟ قال: ((بل فيما جف به القلم، وجرت به المقادير))" يعني العمل هل هو فيما كتب على الإنسان؟ يعني في دائرة ما كتب على الإنسان؟ والإنسان كتب عليه ما كتب ولن يتغير؟ نعم؟ أم في أمر مستقبل؟ يعني أنه بالإمكان أن يعمل الإنسان ويؤجر على شيء لم يكتب عليه من قبل؟ يعني هل الأمر مفروغ منه أو هو أنف كما تقول القدرية؟ قال: ((بل فيما جف به القلم)) يعني فيما سطر في اللوح المحفوظ، ولن يتغير من الواقع شيء، كيف؟ أفلا نتكل؟ يعني ما يحتاج نعمل إذا كان كل شيء مكتوب، نعم "قال: ((اعملوا، وكل ميسر لما خلق له))" أهل الجنة ييسرون لعمل أهل الجنة، وأهل النار ييسرون لعمل أهل النار، والله -جل وعلا-: {وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ} [(46) سورة فصلت] أهل النار يعني ما جبروا على عمل أهل النار، ترك لهم حرية واختيار فاختاروا، لا يقال: إن الإنسان مظلوم ما دام كل ميسر، أنا ما يسر..، فلان قد يقول عن نفسه: إنه ما يسر لي الخير فكيف يعاقب؟ يعاقب؛ لأن له حرية واختيار، من الذي منعه عن أن يحضر الصلاة في المسجد؟ من الذي منعه أن يدفع الزكاة؟ من الذي منعه أن يصوم؟ من الذي منعه أن يحج؟ ما في ما يمنع، تركت له الحرية والاختيار، ليس بمجبور، وإن كانت الحرية ليست مطلقة، وهذا الاختيار ليس بمطلق، إنما في مقدوره أن يعمل، فترك العمل، هو ما كتب له في القدر السابق لا شك أنه مناسب لما يختاره لنفسه، مناسب ومطابق لما يختاره لنفسه، والحديث له شواهد من حديث عمر، متن الحديث في صحيح مسلم من طريق أبي الزبير عن جابر، قال: جاء سراقة بن مالك بن جعشم وساق الحديث، فالحديث في مسلم.
بعد هذا يقول -رحمه الله تعالى-: "حدثنا محمد بن المصفى الحمصي قال: حدثنا بقية بن الوليد عن الأوزاعي عن ابن جريج عن أبي الزبير عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إن مجوس هذه الأمة المكذبون بأقدار الله، إن مرضوا فلا تعودوهم، وإن ماتوا فلا تشهدوهم، وإن لقيتموهم فلا تسلموا عليهم))" أولاً: بقية بن الوليد مدلس، وتدليسه تدليس تسوية، وتدليس التسوية شر أنواع التدليس، وأيضاً فيه عنعنعة أبي الزبير عن جابر، وهي خارج الصحيح، فلا تحمل على الاتصال إلا إذا صرح بالتحديث، وهنا عنعن، ففيه آفتان، فيه بقية بن الوليد مدلس، وأيضاً أبو الزبير مدلس، ولم يصرح بالتحديث، لكن له شواهد عند أبي داود من حديث عمر بن الخطاب وعند الحاكم وعند أبي داود أيضاً الحاكم من حديث حذيفة، فالحديث بمجموع طرقه حسنه بعض العلماء كالألباني -رحمه الله تعالى-.
"عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إن مجوس هذه الأمة المكذبون بأقدار الله))" يعني الذين يزعمون أن مع الله خالق غير الله -جل وعلا-، القدرية يزعمون أن الإنسان يخلق فعله، فأثبتوا خالقاً مع الله -جل وعلا-، فأشبهوا المجوس الذين أثبتوا للكون خالقين.
((المكذبون بأقدار الله، إن مرضوا فلا تعودوهم)) يعني من باب هجر المبتدع، إذا مرض لا يعاد ((وإن ماتوا فلا تشهدوهم)) يعني لا تشهدوا جنائزهم، ولا تصلوا عليهم، ولا تتبعوهم، وهذا وإن كان فيه تفويت للقيراط الذي جاء، الذي رتب على الصلاة على الميت، لكن المصلحة المترتبة على الترك راجحة، لا سيما عند من يقول بأنهم..، بعض العلماء يكفر القدرية، بعضهم يكفر القدرية، وأقوال أهل العلم فيهم معروفة، لكن من له تأويل سائغ يعني بنوع شبهة فمثل هذا لا يكفر، وبدعته مغلظة، وما جاء في هذا الحديث صحيح، لا يعادون إذا مرضوا؛ لأن المبتدع يهجر، وإن مات لا يصلى عليه ولا يشهد، وإن لقي فلا يسلم عليه، هجراً له، وإخماداً لبدعته، والله أعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
"الذهب المحلق للنساء جائز، ولا بأس به، وتحريمه منسوخ.
طالب:.......
لا، حتى في حديث عظة النساء بعد صلاة العيد، يلقين بالفتخ، ..محلقة.
شباب لا يحافظون على الصلاة في وقتها المحدد، ويتعمدون تأخيرها، وبعضهم لا يصليها في المسجد إلا إذا نصحتهم، وإذا سألت البعض لماذا لا تصلي معنا في المسجد؟ يقول: أصليها في البيت، وقد رأيت –والله- بعض منهم وقت الصلاة يتخفى حتى لا أراه فأنصحه، وقد تحدثت معهم، فمنهم من يستجيب، ومنهم من يراوغ ويتحجج، وقد ناقشتهم في مسألة صحة صلاة البيت إلا بعذر، وهم ليسوا من أصحاب الأعذار، وقد اكتشفت أن أباً لمجموعة منهم هو بنفسه لا يصلي معنا جماعة إلا نادراً في الشهر مرة أو مرتين، وهو من أصحاب الأموال والتجارات الدنيوية، ورجل طيب في أخلاقه وتعامله، ولكن ميزاننا يختلف عن موازين أهل الدنيا، فعزمت على مناصحته إشفاقاً عليه وعلى حاله، وإبراءً للذمة، وإقامة للحجة عليه، نحتاج إلى وصيتكم لمن يباشر مثل هذه الأعمال، وما حكم السلام عليهم؟ وهل في ذلك تفصيل؟ أفيدونا مشكورين... إلى آخره.
على كل حال إذا تابعت ما ذكرت فأنت في جهاد، وأنت تدعو إلى الله {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ} [(33) سورة فصلت] فعليك أن تستمر في نصحهم وتوجيههم وإرشادهم ولا تيأس ولا تقنط، ولا تمل، ولا تكل، فهذه سبيل النبي -عليه الصلاة والسلام- {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي} [(108) سورة يوسف] والصلاة من أوجب الواجبات، فعليك أن تتابع النصح لهم بالأسلوب الذي يترتب عليه المصلحة، ولا يحقق مفسدة، إنما يحقق المصلحة المرجوة، فإذا تابعت فأنت على خير -إن شاء الله تعالى-.
لكل نبي متبوع، يعني له أتباع، لكل نبي متبوع حواري، أما الذي لا أتباع له لا حواري له.
أحاديث البلوغ في أحاديث الأحكام، بلوغ المرام المعروف أنه في أحاديث الأحكام، وهناك أبواب من أبواب الدين طالب العلم بأمس الحاجة إليها كأحاديث الآداب والأخلاق ورياض الصالحين كفيل بها، ولذا جاء في وصية الشيخ فيصل بن مبارك -رحمه الله- أنه يوصي طلاب العلم بحفظ رياض الصالحين إن أمكن، وإن لم يمكن فمن باب كذا إلى باب كذا، حدد في وصيته -رحمه الله-، ورياض الصالحين أمره يعني ليس بالصعب، وأعرف مجموعة من طلاب العلم أئمة مساجد حفظوا رياض الصالحين بطريقة مريحة جداً، يحفظون الحديث الواحد ويقرؤون عليه شرح مختصر، ثم بعد ذلك يلقونه بعد صلاة العصر حفظاً، أئمة هؤلاء، أئمة مساجد، كل يوم حديث واحد، يلقونه على الجماعة حفظ، ويعلقون عليه تعليق مختصر مما راجعوه في الشرح، ومدة يسيرة والكتاب محفوظ كامل من غير مشقة.
لا شك أن هذه طريقة محدثة، والألوان موجودة من القدم، وما يحدث لا سيما في العبادات المحضة لا ننصح باستعماله، فعلى الإنسان أن يسلك الجادة المعروفة عند أهل العلم، ويقولون: إنها وسائل إيضاح وتسهل على الحفاظ وتسهل عليهم فهم المعاني، لكنها محدثة.
تحدثتم في درس سابق عن محبة الإنسان لأخيه ما يحب لنفسه، وقد استشكلت علي مسألة تخص النساء، لو أن الفتاة تمنت الزواج بشخص له زوجة، فهل يدخل ذلك في أنها لم تحب لأختها زوجة ذلك الرجل ما تحب لنفسها؟ يعني هل في ذلك بأس يلحقها إثم؟ ثم لو حاولت بطرق شتى إيصال تلك الرغبة أي رغبة الزواج إلى ذلك الرجل، فهل عليها إثم؟ والرجل ممن تحسبه من أهل الخير؟
أما كونها تتمنى الزواج بشخص أعجبها في دينه وخلقه وعلمه هذا مما تحمد عليه، وتؤجر -إن شاء الله تعالى- إذا كان هذا هو الدافع لها، والواهبة التي وهبت نفسها للنبي -عليه الصلاة والسلام- دليل صريح في هذا، وأيضاً عثمان بن عفان -رضي الله تعالى عنه- أهدى وعرض ابنته على عبد الله بن مسعود، وعرض عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- صفية على أكثر من واحد، المقصود أن مثل هذا العرض ومثل هذا التمني أمر مشروع، إذا كان الدافع إليه أن هذا الرجل ممن وصف بالأوصاف التي ذكرت.
فهل يدخل ذلك في أنها لم تحب لأختها -زوجة ذلك الرجل- ما تحب لنفسها؟
لا ما يدخل أبداً، يعني هل في ذلك بأس يلحقها؟ لا أبداً، بل هي مأجورة على ذلك.
ثم لو حاولت –تقول- بطرق شتى إيصال تلك الرغبة أي رغبة الزواج إلى ذلك الرجل، فهل عليها إثم؟ والرجل ممن تحسبه من أهل الخير؟
يعني لو أوصلت هذه الرغبة بواسطة، لا يكون عن طريقها هي بنفسها، وإنما تكون بواسطة من يوصلها بطريقة أيضاً لا تكن مباشرة؛ لأن القلوب في هذه الأوقات دخلها ما دخلها من الدغل، وتغيرت بلا شك، فمثل هذه الأمور لا بد أن تكون بواسطة، لا تكون مباشرة بين المرأة والرجل، ولا بين الرجل والمرأة أيضاً لو أرادها هو، إنما يخاطب ولي أمرها، وهي أيضاً تبعث من يوصل هذه الرغبة عليه، بطريقة غير واضحة ومكشوفة، لو عرّضت.
والسؤال: ما حكم الأكل مع هؤلاء الروافض والسلام عليهم مع أنهم لا يصلون معنا؟ وما حكم المزح معهم؟ وهل تنصحوننا بترك هذا العمل خصوصاً أننا نريد أن نطلب العلم ولكن أوقات الدوام الصباحية والمسائية تحول بيننا وبين الطلب؟
لو بحث هؤلاء الإخوة الذين لديهم رغبة في طلب العلم عن أعمال مناسبة لا تكون شاقة عليهم تستغرق أوقاتهم، يعني يبحثون عن عمل يترك لهم فرصة، يتيح لهم الفرصة لطلب العلم كان أولى، وأما بالنسبة للتعامل مع هؤلاء لا شك أنهم مبتدعة، ومنهم الغالي، ومنهم المبتدع الذي لا تخرجه بدعته عن دائرة الإسلام، فأما من أخرجته بدعته عن الإسلام ممن يدعو غير الله -جل وعلا- من الأولياء والأئمة، أو يزعم نقص القرآن، أو يقذف عائشة، أو غير ذلك من الأمور المكفرة، فمثل هذا حكمه حكم الكفار، لا يبدأ بالسلام، وأما التعامل معهم على ما يقال بشيء من المداراة التي تحقق مصلحة الدعوة فهذا -إن شاء الله- لا بأس به.
بالنسبة للمصنفين خُرجا تخريجاً لا بأس به، وبينت بعض أحكام الآثار، وإن كانت السائلة متأهلة فتنظر في الأسانيد من خلال كتب الرجال، ويكون لديها الحكم علماً بأن الآثار في الجملة لا يعتمد عليها في إثبات الأحكام إلا إذا كانت من أقوال الخلفاء الراشدين، أما من عداهم فيستأنس بها، ولا يثبت بها حكم، لا سيما عند من يقول بأن أقوال الصحابة ليست حجة بنفسها.
الذي يظهر أن اصفرار الشمس قبل ذلك، قبل ربع ساعة، إنما ربع ساعة هذه الوقت الذي تتضيف فيه للغروب، وهذا وقت مضيق من الأوقات الثلاثة المضيقة، وتأخيرها من غير عذر إلى اصفرار الشمس هذا وإن كان أداءً وفي الوقت لكنه جاء ذمه.
الجماعة لا تلزم النساء، ولا يترتب عليها الأجر المرتب على صلاة الجماعة بالنسبة للرجال، لكن إذا كانت المرأة بحيث إذا صلت وحدها كثرت عندها الهواجيس، ولا ضبطت صلاتها، وكثر السهو في صلاتها، وغفلت، وإذا صلت مع غيرها أو صلت بغيرها انضبطت، فتكون مشروعية الجماعة من هذه الحيثية وإلا فالأصل أن الجماعة للرجال.
إذا كان تزيد في طوله أو في كثرته فهو وصل.
إحدى الأخوات تسأل عن خدمة تداول الأسهم عن طريق الإنترنت، والتي تقدمها البنوك مقابل مبلغ من المال، بالإضافة إلى أنها تأخذ عمولة عن كل عملية بيع وشراء، والبنوك تتفاوت في جودة هذه الخدمة، فلو أردت الحصول على هذه الخدمة من بنك ربوي لجودة خدمته فهل يجوز ذلك؟
إذا وجد غيره ممن لا يتعامل بالربا فلا يجوز التعامل معه؛ لأن التعامل معه تعاون على الإثم والعدوان؛ لأن هذا سبب استمراره وبقائه، فلو قوطعت هذه البنوك التي تتعامل بالربا لاضطروا أن يصححوا وضعهم.