البخاري إذا قال في الرجل: سكتوا عنه، أو فيه نظر فإنه يكون في أدنى المنازل وأردئها، فالإمام -رحمه الله تعالى- عنده من الورع، وعفة اللسان، ما يحمله على مثل هذا، فقد يكون الراوي عنده شديد الضعيف لا يقبل حديثه الانجبار، ويقول: سكتوا عنه، هو من أهل التحري يحتاط لنفسه، أو يقول: فيه نظر، وهو شديد الضعف، قال: فإنه يكون في أدنى المنازل وأردئها عنده؛ ولكنه لطيف العبارة في التجريح فليعلم ذلك، لا شك أن العقول تتفاوت، والناس يتفاوتون تفاوتاً كبيراً في التحري والتثبت والاحتياط للنفس، فأين من يقول: فيه نظر؟ أو سكتوا عنه مع من يقول: فلان لا يساوي رجيع الكلب؟ نعم، أين هذا من ذاك؟ أين الثرى من الثريا؟ أو قال: فلان بكذا وهو قول من لا يؤمن بيوم الحساب، يصف بذلك كبار الأئمة مالك وأبا حنيفة وغيرهم، على كل حال هذه تنبئ عن عقليات؛ لأن الإنسان أهم ما عليه نفسه، فينبغي أن يحتاط لنفسه، وتجد من آحاد الطلبة وصغارهم يسأل عن فلان وعلان يخطئ، أما مسألة أخطأ فلان، وضل فلان من أسهل ما يقول، وهم شباب نصبوا أنفسهم حُكّام بين العباد، فعلينا أن يكون اللسان عفيفاً، والذمة بريئة من تعلق المخلوقين بها، وأعراض المسلمين حفرةٌ من حفر النار، كما يقول ابن دقيق العيد -رحمه الله-، يقول: "وقف على شفيرها العلماء والحكام"؛ لكن الوصية الجامعة أن على الإنسان أن يحتاط لنفسه أكثر من غيره، وأن لا يرد يوم القيامة مفلساً يجمع من الأعمال أمثال الجبال ثم يوزعها، كم من شخص حُطت رحاله في الجنان والناس يتكلمون في عرضه، وما ذلكم إلا لخيرٍ أراده الله له، والله المستعان.