وإذا عرفت أقوال أهل العلم في الجماع فاعلم أنهم متفقون على أن مقدمات الجماع كالقبلة والمفاخذة واللمس بقصد اللذة حرام على المحرم، ولكنهم اختلفوا فيما يلزمه لو فعل شيئاً من ذلك، فمذهب مالك وأصحابه أن كل تلذذ بمباشرة المرأة من قبلة أو غيرها إذا حصل معه إنزال أفسد الحج، وقد بينا قريباً ما يلزم من أفسد حجه حتى إنه لو أدام النظر بقصد اللذة فأنزل فسد عند مالك حجه، ولو أنزل بسبب النظرة الأولى من غير إدامة لم يفسد حجه عند مالك، وعليه الهدي.
أما إذا تلذذ بالمرأة بما دون الجماع ولم ينزل فإن كان بتقبيل فعليه هدي، والقبلة حرام على المحرم مطلقاً عند مالك، وأما إن كان بغير القبلة كاللمس باليد فهو ممنوع إن قصد به اللذة، وإن لم يقصدها به فليس بممنوع، ولا هدي فيه، اللمس باليد من غير لذة كأن يمسكها مثلاً خوفاً من ضياعها، أو في زحام، أو ما أشبه ذلك، هذا ليس بممنوع ولا هدي فيه ولو قصد به اللذة، وبالمناسبة يوجد من بعض الشباب من يمسك بيد زوجته من غير حاجة وبين الناس، وأحياناً يفعل ما هو أكثر من ذلك بأن يضع يده على عاتقها، أو من ورائها، وهذا بين الناس، ومع الأسف أنه قد يوجد في الحرم مثل هذا، وفيه من الإثارة ما فيه، فمثل هذا يمنع ولو كانت زوجته، إذا كان خائفاً عليها في مواطن الزحام، وحريص على..، ممكن، أما يفعل هذا في وقت السعة لا.
ولا هدي فيه ولو قصد به اللذة، وإنما عليه الإثم إلا إذا حصل بسبه مذي فيلزم فيه الهدي ومحل هذا عندهم في غير... إلى آخره.
فتحصل أن مذهب مالك فساد الحج بمقدمات الجماع إن أنزل، وإن لم ينزل ففي القبلة خاصة مطلقاً هديٌ، وكذلك كل تلذذ خرج بسببه مذي، وما عدا ذلك من التلذذ فليس فيه إلا التوبة والاستغفار، ولا يفسد الحج عنده إلا بالجماع أو الإنزال.
ومذهب أبي حنيفة -رحمه الله-: أن التلذذ بما دون الجماع كالقبلة واللمس بشهوة ونحو ذلك يلزم بسببه دم، ولو ردد النظر إلى امرأته حتى أنزل فلا شيء عليه عند أبي حنيفة -رحمه الله-.
ومذهب الشافعي -رحمه الله-: أنه إن باشر امرأته فيما دون الفرج بشهوة أو قبلها بشهوة أن عليه فدية الأذى والاستمناء عنده كالمباشرة فيما دون الفرج، وصحح بعض الشافعية أن عليه شاة، ولو ردد النظر إلى امرأته حتى أمنى فلا شيء عليه عند الشافعي، ومذهب الإمام أحمد أنه إن وطئ فيما دون الفرج ولم ينزل فعليه دم، وإن أنزل فعليه بدنة، وفي فساد حجه روايتان:
إحداهما: أنه إن أنزل فسد حجه وعليه بدنة، وبها جزم الخرقي، وقال في المغني: في هذه الرواية اختارها الخرقي وأبو بكر، وهو قول عطاء والحسن والقاسم بن محمد ومالك وإسحاق.
والرواية الثانية: أنه إن أنزل فعليه بدنة ولا يفسد حجه.
قال ابن قدامة في المغني: في هذه الرواية وهي الصحيحة أنه لا يفسد حجه؛ لأنه استمتاع لا يجب بنوعه حد فلم يفسد الحج كما لو لم ينزل؛ ولأنه لا نص فيه ولا إجماع، ولا هو في معنى المنصوص عليه، انتهى محل الغرض منه.
ما ذكرنا عن أحمد من أنه إن أنزل تلزمه بدنة أي سواء قلنا بفساد الحج أو عدم فساده، وممن قال بلزوم البدنة في ذلك: الحسن وسعيد بن جبير والثوري وأبو ثور، كما نقله عنهم صاحب المغني، وإن قبل امرأته ولم ينزل أو أنزل جرى على حكم الوطء فيما دون الفرج وقد أوضحناه.
وإن نظر إلى امرأته فصرف بصره فأمنى فعليه دم عند أحمد، وإن كرر النظر حتى أمنى فعليه بدنة عنده، وقد قدمنا عن مالك: أنه إن كرر النظر حتى أنزل فسد حجه، وهو مروي عن الحسن وعطاء.