{فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ} [(16)/ القمر]، يقول: والمعنى حمل المُخاطبين على الإقرار؛ لأنه استفهام تقرير، فحملهم على الإقرار، يعني إذا سُئل استُفهم... كيف كان العذاب؟ هل يُمْكِن أنْ يقول قائل إنه عذاب سهل؟! عذابٌ يسير؟! يُمكن أنْ يُفَرَّ منه؟! يُمْكن أنْ يُحاد عنهُ؟! جواب الجميع: لا، لا يُمكن، فهذا التقرير يحمل المُخاطب على الإقرار والإذعان؛ لوُقُوع العذاب بالمُكذبين لنوح موقعه، وأنَّ السُّنَّة واحدة ما حلَّ بهم؛ يَحِلُّ بمن فَعَلَ فِعْلَهُم، وهذه هي فائِدَة القصص في القرآن {لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ} [(111)/ يوسف] لكن لمن؟! {لِأُولِي الْأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى} [(111)/ يوسف] ليس مجرد قصص وتسلية وأخبار مثل ما يُذكر في كتب السَّمر، مُجرَّد أخبار لا حقيقة لها! يعني قد يقرأ الإنسان سيرة عنترة بن شداد ثمان مجلدات! أو حمزة البهلوان، أو الأميرة ذات الهمَّة! قصص وسواليف... ثم ماذا؟! فيها عبرة؟! ما فيها عِبْرَة؛ لأنَّها خيال ليست بواقع، أو فيها واقع لا يُفيد؛ بينما قصص القرآن عِبْرَة وليست مُجرَّد تسلية، هي تسلية للنبي -عليه الصَّلاة والسَّلام-، وتسلية لهذهِ الأُمَّة، وتسلية لمن اعتبر واتَّعَظ وادَّكَرْ؛ لكنْ مع ذلك هي إنما سِيقت؛ لِنَخْشَ ونَحْذَر، السَّبب الذِّي عُذِّبُوا من أجله؛ ولِذا يقول عمر -رضي الله عنه-: "مضى القوم ولم يُرَدْ بِهِ سِوانا"! يعني ما الفائدة أنْ نعرف أنَّ قوم نُوح أُغْرِقُوا؟! وقوم عاد أُهْلِكُوا بالرِّيح؟! وقوم ثمود إلى آخره، لا فائدة من ذلك إلاَّ أنَّنا نتصوَّر ما وقع بهم، ونَجْتَنِبْ ما أَوْقَعَهُم في هذا العذاب.