{فَأَمَّا مَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ}[(6) سورة القارعة]، يعني كَثُرَتْ أعمالُهُ الصَّالحة فرَجَحَت كِفَّتُها بِكِفَّةِ الأعمال السَّيِّئَة يعني زادت حسناتُهُ على سَيِّئَاتِهِ، وقد خَابَ منْ رَجَحَتْ آحادُهُ على عَشَرَاتِهِ، يقولُ أهل العلم: "خابَ وخَسِر منْ رَجَحَتْ آحادُهُ على عَشَرَاتِهِ" يعني الحَسَنة بعشْرِ أمثالُها والسَّيِّئَة واحِدَة، ومع ذلك تَرجِحْ السَّيِّئَاتْ على الحَسَنات؟ هذا دليلُ الخَيبة والحِرمانْ والخُسْرَانْ، خَابَ وخَسِرْ منْ رَجَحَتْ آحَادُهُ وَزَادَتْ على عشراتِهِ، ففضلُ الله -جل وعلا- وكَرَمُهُ وجُودُهُ يجعل الحَسَنَة بعَشْرِ أمثالها هذا أقل تقدير و إلاّ فالله -جل وعلا- يُضاعف إلى سبعمائة ضِعف وفَتَحَ لنا أبْوَاب وآفاق تُوصِلُنا إلى جَنَّاتِهِ ومرضَاتِهِ، وضَاعَفَ لنا الأُجُور على أعمالٍ يسِيرَة إذْ لو أنَّ الإنسان يُكْثِرُ منْ الاسْتِغْفَار بِحُضُور قلب لا مَعَ الغَفْلَة واللَّهُو لكانَ لهُ شأنْ غير شأنه الذِّي يَعِيشُهُ، ولو كان يُكْثِر من التَّسْبيح والتَّحميد والتَّهليل، وكُلُّ تسْبيحةٍ صدقة وكُلُّ تسبيحَةٍ أو تحميدَةٍ أو تَهْليلةٍ شَجَرة في الجنَّة، والجَنَّة قِيعَان وغِرَاسُها التَّسبيح والتَّحميد والتَّهليل يعني ما يُكلِّفُ شيء.
الإنسان إذا أرادَ أنْ يَغْرِس نَخْلَة يحتاج إلى أنْ يَشْتَرِي الفَسِيلَة ثُمَّ يغرِسُها ويَتْعبُ على نخلِها وغَرْسِها وسَقْيِها وانْتِظارُ ثَمَرَتِها السِنِين، فَضْلاً عنْ كَونِهِ يغْرِسُ نواة انتظارٌ طويل، لكِنْ إذا قال: سُبحان الله غُرسَتْ لهُ هذهِ النَّخلة، الحمد لله غُرسَتْ لهُ نخلة يُكلف شيء يا الإخوان هذا؟ هذا ما يُكلِّف شيء سُبحان الله وبحمده مئة مرَّة في دقيقة ونِصف تُقال حُطَّتْ عنهُ خطاياه وإنْ كانت مِثْل زَبَدِ البحر، من قال" لا إله إلا الله وحدهُ لا شريك لهُ، لهُ الملك، ولهُ الحمد، وهُو على كلِّ شيءٍ قدير" عشر مرَّات بدقيقة تُقال -يا الإخوان- العشْر، كان كمنْ أعْتَقَ أربعةً من ولدِ إسماعيل" عِتْقْ رَقَبَة وهذهِ عشرُ رِقَابْ بدقيقةٍ تُقال حُطَّتْ عنهُ خَطاياهُ وإنْ كانت مِثل زبَدِ البحر بِدقيقة ونصف، وبِهذا تَرجِح كِفَّةُ الحَسَنات، بشيءٍ لا يُكلِّفُك شيء، ما أُمِرْتْ بِأخْذ مِسْحَات على كتفك وتذْهب إلى البَراري والقِفَار منْ أجل أنْ تغرِسْ شَجَرَة لِيُغْرَسْ لَكَ بدلَها شجَرَة في الجنَّة، وأنتْ في فِراشِك وأنْتَ في طريقِك، وأنْت جالِسْ في مجْلسٍ يكثُرُ فيهِ اللَّغَط والكَلام في أُمُور الدُّنْيا بإمْكانِك أنْ تقُول: سُبحان الله وبحمدِه سُبحان الله العظيم، ((كلِمَتانِ خَفِيفَتانِ على اللِّسَانْ، ثَقِيلَتانِ في المِيزَانْ، حَبِيبَتَانِ إلى الرَّحمن، سُبحان الله وبحمده، سُبحان الله العظيم)) ((سبَقَ المُفَرِّدُون الذَّاكِرُونَ الله كثيراً والذَّاكِرَاتْ)) فالذِّكْر الذِّكْر يا إخوان، هذا لا يُكلِّف شيء، وبِهِ تَرجِحُ كِفَّةُ الحَسَناتْ.