الحج أحدُ أركان الإسلام، وأحدُ مَبانِيهِ العِظام، جاءت النُّصُوص التِّي تَدُلُّ على أنَّهُ رُكْن من أركانِ الإسلام، ومن أشْهَرِها حديث ابن عُمر المُتَّفق عليهِ: ((بُنِيَ الإسلامُ على خمس: شهادة أنْ لا إله إلا الله وأنَّ مُحمَّداً رسُولُ الله، وإقام الصَّلاة، وإيتاءِ الزَّكاة، والحج، وصومُ رمضان)) هذا في المُتَّفق عليه – أعني تقديم الحج على الصِّيام، وهو المُرَجَّح عند الإمام البُخاري؛ ولِذا بَنَى كِتَابَهُ على ذلك، فَقَدَّم المناسك على الصِّيام. جاء في صحيح مُسلم من حديث ابن عُمر أيضاً الحديث نفسِهِ أنَّهُ قال: (( بُنِيَ الإسلامُ على خمس شهادة أنْ لا إله إلا الله وأنَّ مُحمَّداً رسُولُ الله و إقام الصَّلاة، وإيتاءِ الزَّكاة، وصومُ رمضان، والحج ، قال لهُ رجل: الحج وصومُ رمضان؟ قال: لا، صومُ رمضان والحج)) والرِّواية التِّي فيها تقديم الحج على الصِّيام في الصَّحيحين، وهذا الاسْتِدْرَاك من ابن عُمر على هذا القائل في مُسلم، كَأنَّ ابنُ عُمر -رضي الله عنهما- أرَادَ أنْ يُؤَدِّب هذا القائل، وأنَّ الحديث مَحْفُوظٌ عِنْدَهُ عن النَّبي -عليه الصَّلاة والسَّلام- على الوَجْهَيْن، فَلَمَّا اسْتَدْرَكَ عليهِ وقال: ((الحج وصوم رمضان، قال: لا، وصومُ رمضان والحج)) وهو مُتأكد من رِوايَتِهِ -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلام- على هذا الوَجْه؛ وإنْ كان لا يَنْفِي الرِّوايات الأُخْرَى، ومنهُم من يقول أنَّ ابنُ عُمر نَسِي الرِّواية التِّي فيها تقديم الحج على الصِّيام، وعلى كُلِّ حال جُمهُورُ أهل العلم على تقديمِ الصِّيام على الحج، وبَنَوْا على ذلك مُؤَلَّفاتِهِم؛ لكنَّ الإمام البُخاري كأنَّهُ رَجَّح رواية تقديم الحج على الصِّيام، وبنى على ذلك تَرْتِيبَ الكِتاب.
الأركان الخَمْسَة، بالنِّسبة للرُّكْنِ الأوَّل من لَمْ يَأْتِ بِهِ لمْ يَدخُل في الإسْلامِ أصْلاً ((أُمِرْتُ أنْ أُقَاتِلَ النَّاس حتَّى يَشْهَدُوا أنْ لا إله إلاَّ الله – أو حتَّى يقُولُوا لا إلهَ إلاَّ الله)). الصَّلاة المنقُول عن الصَّحابة تَكْفِير تارِك الصَّلاة، كان هذا اتِّفَاق منهم على كُفْرِ تارِكِ الصَّلاة، بَقِيَّة الأرْكَان من الزَّكاة والصِّيام والحج، القولُ بِكُفْرِ تارك كل واحدٍ منها قولٌ معرُوف عند أهل العلم، قالَ بِهِ جَمْعٌ من أهلِ العِلْم ولو اعْتَرَفَ بالوُجُوب، أمَّا إذا أَنْكَرَ الوُجُوب فهو كافرٌ إجماعاً، فَتَاركُ الزَّكاة المُمْتَنِع من دَفْعِ الزَّكاة كافِر عند بعض أهلِ العلم ولو أقَرَّ بالوُجُوب، الذِّي لا يَصُوم كافر عند جَمْع من أهلِ العِلْم وإنْ كانَ مُقِرًّا بالوُجُوب، الذِّي لمْ يَحُجّ أو لا يَحُجّ أو لا يَنْوِي الحج كافرٌ عندَ بعض أهلِ العلم وإنْ اعْتَرَفَ بالوُجُوب، والقولُ بِكُفْرِهِ رِواية عن الإمام أحمد نقلها شيخ الإسلام ابن تيميَّة وغيرُهُ في كتاب الإيمان، وعلى كُلِّ حال جُمْهُورُ أهل العلم على أنَّهُ لا يَكْفُر إذا اعْتَرَفَ بالوُجُوب؛ لكنَّ الأمر جِدُّ خطير؛ ولِذا جاء في آية الوُجُوب: {وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً} [سورة آل عمران/97]، بعدَ ذلك قال: {وَمَن كَفَرَ} [سورة آل عمران/97] وفي هذا إشارة إلى القول الثَّاني وإنْ لَمْ تَكُنْ نَصّ؛ لَكِنَّها مُؤْذِنة بِأنَّ لهُ أصْل. عُمر بن الخطَّاب -رضي اللهُ عنهُ- كَتَبَ إلى الأمْصَار أنْ يَنْظُر من كانت لهُ جِدَة يَسْتَطِيعُ بها أنْ يَحُجّ، ولم يَحُجّ أن تُضْرَب عليهِ الجِزْيَة "اضربُوا عليهم الجِزْيَة ما هُم بمُسْلِمين، ما هُم بمُسْلِمين"، فالأمر خطير، والتَّساهُل من كثيرٍ من النَّاس يَسْتَطِيع أنْ يَحُجّ، قَادِر على الحجّ بِنَفْسِهِ ومالِهِ ومع ذلكم يَتَأخَّر! الشَّاب يقُول إذا تَخَرَّجْت، والشَّابَّة تقُول إذا تَزَوَّجْت، ويَتَعَلَّلُون ويَتَعَذَّرُونْ بِأَعْذَار لا قِيمَة لها، وأسْمَاء بنت عُمَيْس في الطَّلْق تُطْلَق، جَاءَها المخَاض وتَخْرُج إلى الحج، وتَلِد في المَحْرَم، عَشْرَة كِيلُو عن المدينة، اهتِمام الصَّحابة وعينات تختلف عن تَسَاهُلنا وتَراخِينا، فالله يعفُو ويسامح، هذا رُكْن من أركان الإسلام، ما تدري ما تَحْمِلُهُ الأيَّام بالنِّسبة لك، ما تَدْرِي ماذا يُقدّر لك، هل تَتَمَكَّنْ في غير هذا العام منْ أنْ تَحُج أو لا تَتَمَكَّنْ؟! ولِذا المُرَجَّح عند أهلِ العلم أنَّ الحج واجبٌ على الفَور لا على التَّرَاخِي.