قال قوم: «لفظي بالقرآنِ مخلوقٌ» ويسمَّون اللفظية.
وعارضهم قوم فقالوا: «لفظي بالقرآنِ غيرُ مخلوقٍ». وإطلاق هذا أيضًا غلط؛ لأنّ اللَّفظ يُطلق ويُراد به التلفُّظ، وهذا فعل العبد، ويُطلق ويُراد به الملفوظ، وهذا كلام الله، فإذا كان معنى «اللَّفظ» اسم المفعولِ الذي هو الملفوظ به -وهو القرآن- صار إثبات هذا المراد هو عين كلامِ جهمٍ، أي: ملفوظي -وهو القرآن- مخلوق. وإذا كان المقصود به التلفُّظ الذي هو فعل القارئ، فاللَّفظ من عملِ العبدِ، قال تعالى: {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ} [الصافات: 96] صار نافيه نافيَ كونِ أفعالِ العبادِ مخلوقة، فصارت الجملة مشكلة من هذه الحيثية.
فـ«اللفظ» مُجمل يحتاج إلى بيانٍ، وإطلاقه على الإجمالِ ممنوعٌ، وجاء عن الأئمة: «من قال: لفظي بالقرآنِ مخلوقٌ فهو جهميٌّ» [السنَّة لعبد الله بن أحمد (181)، والسنَّة لأبي بكر الخلال (2113، 2176، 2177)، والإبانة لابن بطَّة (144، 159، 160)]. وجاء: «من قال: لفظي بالقرآنِ غير مخلوقٍ فهو مبتدعٌ» [السنَّة لأبي بكر الخلال (2167، 2176، 2178)، والإبانة لابن بطَّة (159، 161)]. وهو على الحالين موافق للمعتزلةِ؛ فإذا قال: «لفظي بالقرآنِ مخلوق» وأراد به الملفوظ، فقد وافق الجهميَّة والمعتزلة؛ باعتبارِ قولهم: إن القرآنَ مخلوقٌ. وإذا قال: «لفظي غير مخلوق» وأراد به التلفُّظ، فقد وافق المعتزلة في أن العبد يخلق فعلَه، وليس بمخلوق لله جل جلاله، وعلى الاحتمالين فمثل هذا مما لا يجوز التلفُّظ به، فلا نقول: لفظي بالقرآنِ مخلوقٌ، ولا: لفظي به غيرُ مخلوقٍ؛ لأنه ما من احتمالٍ إلا ويرد فيه المنعُ على ما ذكَرنا، وقد جاء تشديدُ الأئمَّة فيه.