من الممكن أن تؤول الرؤى قبل وقوعها، وذلك بأن تؤول ثم تظهر في الواقع على مقتضى هذا التأويل، فإذا كان المؤوِّل ماهرًا في التأويل غالبًا ما يقع كما يتأول، وهو علم له ضوابطه وقواعده، وهو علم يقبل المران والتدريب، لكن لا شك أن كون الإنسان يصرف وقته وجهده لتأويل الرؤى، وينصرف عن علم الكتاب والسنة الذي هو أهم، فلا شك أنه مفضول، نعم إذا جاء من غير تعب فلا بأس، أما أن يَصرِف له الوقت والجهد، ويقرأ الكتب المؤلفة في هذا، ويَتصدَّى لتأويل رؤى الناس، ويستغرق وقته كله وجهده، هذا لا شك أنه مفضول.
ما الذي يحدث لو لم يُجَب الرائي؟ لو قُدِّر أن شخصًا رأى رؤيا ولم وجد في الأمة من يعبرها له ما الذي يحدث؟ لو أن شخصًا سأل في بلدٍ كبير مملوء بالعلماء، وما وجد من يعبر له الرؤيا، هل يأثم الناس كلهم؟ لا يأثمون، ولا نشك أنه يوجد توسع في هذا الباب حتى أن بعض من يؤول كأنه يفتي بقال الله وقال رسوله، يجزم جزمًا بحيث لا يشك ولا يتطرق إليه أدنى احتمال للنقيض، يسأل فيجيب مباشرة، أحيانًا قد يستفصل من السائل، وأحيانًا يعطي الجواب مباشرةً.
والرؤى تختلف باختلاف الأشخاص والأحوال والأوضاع، فالذي يناسب هذا الشخص لا يناسب غيره، ومن الخطأ أن يحلف بعض من يؤوِّل الرؤى على تأويل ما لشخص قد تكون ظروفه غير ظروف من ذهب وهمه وظنه إليه، لاسيما وأنهم كثيرًا ما يؤولون الرؤى بالهاتف، مع أن مظهر الشخص له دخل في تعبير الرؤيا.
ولا شك أن التعبير له شأن، وهو مما عرف به يوسف -عليه السلام-، وعرف به من المسلمين محمد بن سيرين، ويوجد في العصر الحديث من يتصدى لذلك واشتهر بذلك، لكن لا شك أن غيره من العلوم -العلوم التي تتعلق بالكتاب والسنة- أولى من ضياع الوقت فيه، وإن كان له أصل في الشرع.