الكذب: هو مخالفة الخبر للواقع، إلا أنه يوجد ما استثني من ذلك، فالتورية تخالف الواقع، والمناظرات تخالف الواقع، المناظرات التي يعقدها أهل العلم سواء كانت بين من يصح منه الكلام والمناظرة أو كانت مما لا يصح منه الكلام، كالمناظرة بين العلوم قال علم التفسير كذا وكذا وكذا ثم قال علم الحديث كذا.. كل علم يذكر فضله، هذا كلام مطابق للواقع وإلا لا؟ غير مطابق للواقع، وكذلك المقامات، وكذلك المبالغة فقد جاءت في النصوص: «أما أبو جهم لا يضع عصاه عن عاتقه» هل تطابق الواقع؟ أو هذه مبالغة؟ نعم مبالغة، فالمبالغة في بعض صورها لا تطابق الواقع، هل نقول أن كل ما لم يطابق الواقع كذب؟ أو نقول أن هذه الأمور مستثناة؟ يعني إذا قلنا بالمناظرات، وقلنا بالمقامات فالحريري في المقامات يقول: حدَّث الحارث بن همام، ولا وجود للحارث بن همام قال كلامًا كثيرًا في المقامات مجلد حدَّث الحارث بن همام، ولذلك ما قال حدثني الحارث بن همام قال حدَّث، وليس شخصية حقيقية، إنما على لسانه، وكل المقامات بهذه الطريقة، كلهم يجردون من الخيال شخص يتحدث ويجردون أشخاص يردون عليه، الآن المناظرات التي في كتاب شفاء العليل قال السنّي قال الجبري قال كذا قال..، وإن كان الكلام مأخوذ من مقالاتهم إلا أن ترتيب المناظرة بهذه الطريقة من صنيع ابن القيم -رحمه الله-.
على كلٍّ الكذب وإن كان حدُّه مخالفة الخبر الواقع إلا أن من الكذب ما استثني، استثني صور من الكذب المحرم.