قال تعالى: {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرةٌ} ولم يقل وإنهما، بل أعاد الضمير على الصلاة وحدها، مع أن الصبر كبير، وإنما أعاد الضمير إلى الصلاة اهتمامًا بها وعناية واعتناءً بشأنها، فالصلاة لا يخفى أنها ركن، والصبر غاية ما فيه أنه إذا لم يصبر على المصائب أو الطاعات آثم.
نظير ذلك قوله تعالى: {وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا} [سورة الجمعة:11] الضمير عائد إلى التجارة، مع أن الأصل في الضمير أن يعود إلى أقرب مذكور؛ لكن عاد الضمير إلى التجارة لأنها هي السبب في نزول الآية، والداعي إلى الانفضاض إلى التجارة أقوى من الداعي إلى الانفضاض من أجل اللهو، وهذا في واقع غالب الناس وإلا قد يوجد من يؤثر اللهو على التجارة.
كذلك الأمر في قوله: {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرةٌ} صحيح أن الصبر أعم، لكن وقع التنصيص على الصلاة اعتناءً بشأنها، ومن أهل العلم من يقدِّر محذوفًا في المعنى فيقول: {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا} أي الصلاة {لَكَبِيرةٌ} وإن الصبر لكبير أيضًا، فاكتفى بالمذكور عن المحذوف، كما هو في كثير من نظائره في لغة العرب:
نحن بما عندنا وأنت بما عندك راض والرأي مختلف
والتقدير: نحن بما عندنا راضون وأنت بما عندك راض.