((ما رُئِيَ الشيطان يوماً هو فيهِ أصغرُ، ولا أَدْحَر، ولا أَحْقَر، ولا أَغْيَظْ)) أَذَلّ، وأَبْعَد عن الخَيْر، وأشدّ غَيْظاً، وحَنَقاً ((منه في يومُ عرفة، وما ذلك إلاَّ لِما رَأَى من تَنَزُّل الرَّحمة))، هو لا يُريد الرَّحمة لبني آدم! هُو يُريد أنْ يُشاركُوهُ ويَدخُلُون معهُ النَّار، ولهذا كانت وَظِيفَتُهُ، وأقْسَم عليه {فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ} [ص/82] فَيَغِيظُهُ أنْ يَكْسِب الحسنات، ويَغِيظُهُ أنْ تُمحى عنهم ذُنُوبُهم، وتُكَفَّر عنهم سَيِّئاتُهُم ((إلاَّ لِما رَأَى من تَنَزُّل الرَّحمة وتجاوُز الله عن الذُّنُوب العِظَام)) جاء في خبرٍ رواهٍ ابن ماجه وفيه ضَعف: ((أنَّ النبي -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلام- فِي عَشِيَّةِ عَرفة سَأل الله -جلَّ وعلا- أنْ يَغْفِرَ للحُجَّاج جميع ذُنُوبِهِم، فقال الله -جلَّ وعلا- قد َفَعَلْتُ إلاَّ المَظَالِم، فقال -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلام- والمَظالِم؟ فلم يُجَب، فلمَّا كان من مُزدلفة سَأل هذه المسألة فَأُجِيب)) المقصُود أنَّ هذا الحديث مُضَعَّف عند أهلِ العلم، والبُخاري لا يُثْبِتُهُ، ((إلاَّ ما أُرِيَ يوم بَدْرٍ)) لأنَّهُ رَأى النَّصر المُبين، وهذا لا شكَّ أنَّهُ يَغِيظُهُ لما رَأَى من نَصْر ((قيل: وما رَأَى يوم بدرٍ يا رسُول الله؟ قال: أَمَا إنَّهُ قد رَأَى جِبريل يَزَعُ الملائكة))، تَصُفُّهُم، وتُرَتِّبُهُم، يُقدِّم ويُؤخِّر، وإذا حَضَر الملائكة، حضر النَّصْرُ معهُم، المقصُود أنَّ مثل هذا يَغِيظُهُ، والذِّي يَغِيظُهُ مثل هذهِ الأُمُور لا شكَّ أنَّهُ من جُنْدِهِ، الذِّي يَغِيظُهُ انتصار المُسلمين، وارتِفاع سَهْمُ الأخيار، أو انتصار لشعائِر الدِّين الأمر بالمَعْرُوف والنَّهي عن المُنكر، والجِهاد وغيرها من أُمور الدَّعوة، الذِّي يَغِيظُهُ مثل هذهِ الأُمُور لا شكَّ أنَّ فيهِ من صِفاتِهِ؛ بلْ هو من جُنْدِهِ، بعض النَّاس يَسْعَى جاهِد ألاَّ تقُوم قائِمة لهذهِ الأعمال، لِسَانُهُ مُسْلَط على أهل الخير منْ خِيَار هذهِ الأُمَّة من عُلَمائِها، وأهل الحِسْبَة، وأهل الدَّعوة، لا يُريد أنْ يَنْتَشِر الخير، واللهُ المُستعان.