ورد النهي عن الصلاة بعد الصبح حتى تطلع الشمس، والنهي عن الصلاة بعد صلاة العصر حتى تغرب الشمس، وحديث عقبة بن عامر: «ثلاث ساعات كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهانا أن نصلي فيهن، وأن نقبر فيهن موتانا: حين تطلع الشمس بازغة حتى ترتفع، وحين يقوم قائم الظهيرة حتى تميل الشمس، وحين تضيف الشمس للغروب حتى تغرب» [مسلم (831)]، مع أحاديث: «إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين» [البخاري (1171) واللفظ له، ومسلم (714)]، وحديث الصلاة بعد الوضوء في حديث بلال [البخاري (1149)، ومسلم (2458)]، وحديث: «لا تمنعوا أحدا يطوف بهذا البيت ويصلي أي ساعة شاء من ليل أو نهار» [أبو داود (1894) واللفظ له، والترمذي (868)، والنسائي (585)، وابن ماجه (1254)] فهذه صلوات لها أسباب، تتعارض أحاديثها مع أحاديث النهي، فالجمهور - الحنفية والمالكية والحنابلة - على أن أحاديث ذوات الأسباب عامة في جميع الأوقات، وأحاديث النهي خاصة بهذه الأوقات، والخاص مقدم على العام، فلا يفعل في الأوقات الخمسة شيء من النوافل ولو كان له سبب؛ لأن الخاص مقدم على العام.
والشافعية يعكسون، فيرون أن أحاديث النهي عامة في جميع الصلوات، وأحاديث ذوات الأسباب خاصة بهذه الصلوات التي جاء ذكرها، والخاص مقدم على العام، فيظهر من هذا أن كل فريق يرى أن أحاديثه خاصة، وأحاديث مخالفه عامة، والخاص مقدم على العام، ومن خلال النظر في نصوص الفريقين نجد أن كلامهم كله صحيح، فأحاديث النهي عامة في جميع الصلوات، خاصة في هذه الأوقات، وأحاديث ذوات الأسباب عامة في جميع الأوقات خاصة بهذه الصلوات، فالعموم والخصوص وجهي، وليس قول إحدى الطائفتين بأولى بالقبول من قول الطائفة الأخرى، فهما مستويان، وفي هذه الحال نحتاج إلى مرجح خارجي - والمسألة يطول شرحها - لكن المرجح عندي أن الوقتين الموسعين لا مانع من الصلاة فيهما لذوات الأسباب؛ لأن النهي عن الصلاة في هذين الوقتين من باب نهي الوسائل كما قال ابن عبد البر وابن رجب وغيرهما؛ لئلا يستمر المصلي في صلاته حتى يأتي الوقت المضيق.
أما الوقت المضيق فالنهي فيه أشد، ولا يقتصر النهي فيه على الصلاة، بل يتناول أيضًا دفن الأموات؛ لئلا يحتاج إلى الصلاة؛ وسبب النهي تعلق الكفار بطلوع الشمس وغروبها، ولا يمكن أن يتعلق بعد صلاة الصبح أو بعد صلاة العصر؛ لطول المدة بين صلاة الصبح وطلوع الشمس أو بين صلاة العصر وغروبها.