إذا احتمل الدليل أمرين أحدهما أرجح من الآخر فالراجح هو الظاهر، والمرجوح هو المؤول، والأصل العمل بالراجح إلا إن وجد ما يمنع من العمل به، فيلجأ إلى المؤول.
فاليد الواردة في نصوص الكتاب والسنة الظاهر منها أنها اليد الحقيقة، وتأويل اليد بالنعمة أو بالقدرة هذا غير الظاهر، لكن هم يقولون: منع من إرادة الظاهر خشية التشبيه، فهم من باب تنزيههم لله جل جلاله ينفون عنه الظاهر، ويثبتون المؤول، ينفون الراجح، ويثبتون المرجوح تمسكًا بالتنزيه، لكنهم قبل أن يعطلوا ويؤوِّلوا مروا بمرحلة التشبيه، فلما تبادر إلى أذهانهم التشبيه عطلوا بعد هذا، وإلا لو قالوا: (سمعنا وأطعنا، الله جل جلاله يثبت لنفسه يدًا، يثبت لنفسه سمعًا وبصرًا، فنثبته على ما يليق بجلاله وعظمته)، لا نحتاج إلى أكثر من هذا، والمعاني معروفة، والكيفيات مجهولة، كما جاء عن أم سلمة، وعن مالك: «الاستواء معلوم، والكيف مجهول، والسؤال عنه بدعة» [العرش للذهبي (ص: 175)].
أما توهم التشبيه الذي يحتجون به على منعهم حمل اللفظ على ظاهره فيجاب عنه بنفي التشبيه، فلكلٍّ ما يليق به، فإذا أثبتنا لله جل جلاله وجهًا فإننا نثبته على ما يليق بجلاله وعظمته، ويكفي للتدليل على ذلك أن المخلوقات لها وجوه حقيقية، ومع هذا ليس وجه الإنسان مثل وجه الحيوان، ووجوه الحيوانات مختلفة أيضا، فليس وجه الذئب، مثل وجه القرد، أو ليس وجه الذئب والقرد مثل وجه الحمار، فإذا كان هذا التفاوت موجودًا بين المخلوقات المشتركة في الضعف فكيف بالخالق؟ ومعلوم أنه لا مشابهة ولا نسبة بين المخلوق والخالق، فلكلٍّ ما يليق به.
ما جاء فيما يتعلق بالله جل جلاله من النصوص الصحيحة، واعتمده سلف هذه الأمة فلا محيد عن إثباته، فكل خير في اتباع من سلف، لكن النصوص المحتملة والتي لم يتفق على معناها سلف الأمة فللخلف فيها مندوحة؛ لأنهم إن قالوا بالقول فقد سبقوا، وإن قالوا بضده فقد سبقوا، لكن ما يتفق عليه سلف هذه الأمة فنحن مطالبون بفهم النصوص على فهمهم.