الذي ينسى سجدة من كل ركعة، هذا أقرب إلى كونه يلعب من كونه ينسى!، نعم ابتُلي كثيرٌ من النَّاس بالنِّسيان لاسيَّما في الظرف الذِّي نعيشُهُ في الأزمان المُتأخِّرة، تجد الإنسان ينسى ما بيده! شخص يبحث عن نظارتِهِ وهي عليه!! وآخر يبحث عن شماغه ولاَّ طاقيَّته وهي على رأسه! النُّوع هذا من النِّسيان لا شكَّ أنَّ ظُرُوف الحياة التِّي نعيشها صار له سبب؛ لكن إذا تُصُوِّر هذا في الأُمُور العادِيَّة التِّي يُؤثِّر عليها مثل هذا الأمر فكيف يُتَصوَّر في العبادة؟! نعم، انشغال النَّاس بِأُمُورِ دُنياهم وصل إلى حَدٍّ نََسِيَ فيه كثيرٌ من النَّاس أنفُسهم وهم يَتَعَبَّدُونَ لله -جلَّ وعلا-! ولا شكَّ أنَّ هذا فيهِ شيءٌ من إيثار ما انشغلُوا بِهِ عمَّا انشغلُوا عنهُ، هذا فيهِ شيءٌ من الإيثار؛ لأنَّ هذا لمَّا استولى على عقلِهِ نَسِيَ ما هو بِصَدَدِهِ، والقلب لا يحتمل هذه الأُمُور مُجتمعة؛ ولِذا يُوصي أهلُ العلم أنَّهُ إذا قَرُبَ وقتُ الصَّلاة؛ فَلْيَتَفَرَّغْ لها، وأنْ يُقْبِل عليها بِكُلِّيَّتِهِ، وبعضُهُم يُشَبِّه القلب بالمروحة! يعني إذا أَغْلَقْتَها تستمر، تشتغل، إذا قَطَعْتْ أُمُور دُنْيَاك، ودَخَلْتَ فوراً في صلاتك؛ تَجِدْ القلب ما زال مُنْشَغِلْ بما هو بِصَدَدِهِ قبل دُخُولِهِ في الصَّلاة، فلا بُدَّ أنْ يَتْرُك هناك فُرصة يَتَهَيَّأُ الإنسانُ فيها للعبادة، ويَتَفَرَّغ من جميع أعمالِهِ، ويُقْبِل على رَبِّهِ؛ لِيَأْتِي بصلاةٍ كما كانَ النَّبي -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلام- يُصلِّيها، امْتِثَالاً لقولِهِ: ((صَلُّوا كما رَأيتُمُوني أُصلِّي)).
وقبل سُقُوط سُوق الأسهم، قبل سنتين رَأَيْنا أوضاع النَّاس، وانسعارهم بهذه الأسهم، وغَفْلَتُهُم عن دينهم، وعن ذَوِيهم، وعن أُسَرِهِم، والنَّتِيجة؛ لا شيء! فعلى المُسلم أنْ يُعْنَى بالرَّصِيد الذِّي لا يَتَعرَّض لمثلِ هذهِ الخسائر، وهذهِ الكوارث، ولا يُخافُ عليهِ من لص! لا يُخافُ عليهِ إلاَّ من صاحِبِهِ الذِّي جَمَعَهُ، فهو الذِّي قد يحرص عليهِ؛ بحيث يبقى رصيداً لهُ يَنْفَعُهُ يوم لا ينفع مال ولا بنون، أو يُفرِّقُهُ ويُوزِّعُهُ على أُناسٍ في الغالب هم أكرهُ النَّاسِ عندهُ؛ لأنَّهم يتعرَّضُون للسانه ويده والاعتداء منهُ هؤلاء في الغالب أنَّهم أكرهُ النَّاسِ إليه، فيأتِي مُفلساً يوم القيامة، تَعِب في الدنيا وجَمَع الحسنات، ثُمَّ بعد ذلك وزَّعها على هذا الصِّنف من النَّاس، يعني لو تُصُوِّر أنَّ الإنسان يغتابُ والِدَهُ أو يغتاب أُمَّهُ يعني الأمر أخف مِنْ أن يغتاب شخص لا يُحِبُّهُ؛ بل يكرهُهُ، ويُبْغِضُهُ وبينهُ وبينه شَحْنَاء ومُنافرة، ثُمَّ بعد ذلك يُهْدِيهِ ما جَمَعَ وما تَعِبَ عليهِ من حسنات!! المقصُود أنَّ الإنسان عليهِ أنْ يحرص أشدَّ الحرص، يعني إذا كان النَّاس يَحرُصُون على حِفْظِ مُقْتَنَياتِهِم من حُطام الدُّنيا فيضعُونها في البنوك! يعني البُنُوك ليست لحفظ النٌّقُود فقط، بعض الأعيان تُوضع في البنوك، يعني كتاب طُبِع منه أربع نُسخ فقط، فغالى النَّاسُ بقيمتِهِ، وشخص عنده نُسخة من هذهِ النُّسخ الأربعة يتمنَّى لو أنْ أُتْلِفت النُّسخ الثَّلاث، وأَوْدَعْ نُسختهُ في بنك؛ لئلًّا تُسْرَقْ! كل هذا حِرْصاً على قِيمتِهِ، وهو ليسَ من الكُتُب العِلْمِيَّة الشَّرعِيَّة النَّافعة – أبداً - علم لا ينفع؛ لكنَّهُ لهُ قيمة في عُرْفِ النَّاس، حفظهُ في بنك! والمجوهرات تُحْفَظ في البنوك، وغيرها من الأغراض التِّي يُخشى عليها، العُرُوض التِّي يُخْشَى عليها تُحْفَظ، قديماً كان النَّاس قبل البُنُوك يجعلونها كنوز في جوف الأرض أو جُدران يبنُون عليها، والإنسان أغلى ما يملك العُمر، وهذه الأنفاس وهذهِ الدَّقائق التِّي يَعِيشُها، ويَصْرِفُها في طاعة الله، ويأتي بأعمالٍ أمثال الجِبال؛ ثُمَّ بعد ذلك؛ يُفَرِّقُها، فَيَأْتِي مُفْلِسْ يوم القِيامة، هذا الذِّي نَسِيَ أربع سجدات منْ أربع ركعات! بأيِّ قلبٍ دخل في الصَّلاة؟! نعم يعرض السَّهُو في الصَّلاة مراراً، ويغفل الإنْسَان عنْ صَلَاتِهِ؛ لكنْ مِنْ كُلّ رَكْعَة يَنْسَى سَجْدَة!