مَا هِيَ أَفضَل طَرِيقَةٍ لِحِفظِ الصَّحِيحَينِ بِالإِسنَاد؟!
قُلنا إنَّ أفضل طريقة لِحفظ الأسانيد؛ الاعتماد على تُحفة الأشراف، يعني تأتي إلى أسانيد المُكثرين، والسَّلاسل التِّي تُروَى بها عَشَرات الأحاديث سَتَحفَظ سند واحد، ثُمَّ تَحفَظ تحتَهُ عِشرِين ثلاثين مائة حديث؛ هذا يُيَسِّر لك حِفظ الأسانيد، ولو سَلَكت الطَّريقة التِّي شَرَحناها في كَيفِيَّة فَهم السُّنَّة مَعَ حِفظِها في آنٍ واحد؛ فهي نافِعة ومُجدِية وتحتاج إلى وقت، تحتاج إلى جد، تحتاج إلى صبر؛ لكن ليسَ بكثير أن تُصرِف وتُنفق خمس سنوات على الكُتب السِّتة، وتعرف جميع ما في هذه الكتب، وهذه شرحناها في مُناسبات كثيرة وإن أردتم كان نُشير إليها إشارة، وهي أن تَجعَل البُخاري مثلا عُمدة في البحث، تدورُ حول فَلَكِهِ، تَجعَلُهُ مِحوَر بَحثِك، فتأتي إلى الحديث الأول في البُخاري، فتنظر إلى التَّرجمة وما دعم به التَّرجمة من أقوال الصَّحابة والتَّابِعين،ثم تنظر في الإسناد، ثُمَّ تَنظُر في المَتن، ثُمَّ بعد ذلك تَنظُر إلى الموضع الثاني في صحيح البُخاري إذا خرَّج فيهِ هذا الحديث، تَنظُر مثل النَّظر السَّابق في التَّرجمة، والآثار، والإسناد، هل يَتَّفِق مع السَّابِق أو لا يَتَّفِق؟! المَتِن هل يَزِيد أو يَنقُص؟! ثُمَّ الموضِع الثَّاني والثَّالث والرَّابع والخامس والسَّادس والسَّابع، تنتهي من الحديث الأوَّل في البُخاري، وأنت في كل موضع تُثبِت الزَّائد, وتُشير إلى أنَّ هذهِ الجُملة نَقَصَت من باب كذا، وزَادَت في باب كذا، فإذا انتهيت رجعت إلى صحيح مُسلم، فَتَنظُر أيضاً في تخريج مُسلم لهذا الحديث، وتَجعَلُهُ تحت عملك وصَنِيعك في صحيح البُخاري ، تًنظُر فِي إِسنَادِهِ هل يَتَّفِق مع البُخاري في أحدٍ من الرُّواة؟ هل يختلف؟! هل صِيَغ الأداء تَغَيَّرَت أو هي مُتَّفِقة؟! هل زَاد ألفاظ أو نَقَص ألفاظ؟! ومُسلم يُخرِّج الحديث من طُرُق كثيرة في مَوضِعٍ واحد، ومع ذلك تُشَطِّب على الحديث إذا انتَهِيت منهُ، تقول: دُرِس مع صحيح البُخاري في المواضع السِّتَّة، الأوَّل تُثبِت فيهِ جميع ما ذَكَرنا، ثم تُشير في الموضع الثَّاني إلى أنَّهُ دُرِس في الموضع الثَّاني في البُخاري، في الموضع الأوَّل، والثَّالث كذلك، والرَّابع، ثم بعد ذلك تَنظُر فيمن وافق الشيخين، فَتَجِد أهل السُّنن خَرَّجُوا، فَتَرجِع إلى أبي داود وتَنظُر فيه مثل ما نَظَرت في مُسلم، تُثبِت الزَّائد من الرُّواة، والألفاظ، تَنظُر فِي صِيَغ الأَدَاء هل تَغَيَّرَت أو ما تَغَيَّرت، بِمَ تَرجَم الإمام أبو داود على الحديث، هذا فِقه أَهلِ العِلم، التَّرَاجِم هذا فِقهُهُم، هذا فِقه أهلِ الحَدِيث، ثم تَنظُر في التِّرمِذِي وغَيرِهِ من الكُتُب، إذا انتهيت من الحديث الأول تكون نَظَرت الآن مَجمُوع أحادِيث الكُتُب السِّتَّة، يعني لو نَظَرنا إلى جامع الأصول وَجَدنا فيه عشرة آلاف حديث، أنت في هذا الحديث في البُخاري انتهيت من سَبعَة، وهو واحد، وفي مُسلم انتهيت مِن خَمسَة طُرُق أو سِتَّة، من سُنَن أبي داؤد ثلاثة طُرُق كَرَّرَهُ في ثلاثةِ مَواضِع أو أَورَدَهُ مِن ثلاثَةِ طُرُق، هي يُرقِّمُونها، وقُل مثل هذا في بَقِيَّةِ الكُتُب، فَأَنت انتَهِيت من ثلاثين حديث من أحاديث الجامع الأُصُول مُرَقَّمة حديث واحِد! ثم تنتقل إلى الحديث الثاني والثَّالث والرَّابع... إلى أن ينتهي صحيح البُخاري؛ فيكون عندك مُختصر لصحيح البُخاري فيه ألفين حديث! بَدَل سَبعَة آلاف وخمسمائة حديث! أنتَ الذِّي اختَصَرتَ الصَّحيح؛ فَصَارَ عِلمُكَ بما حُذف مِن صحيح البُخاري كَعِلمِكَ بِمَا أَثبَتّ، تَصَوَّرت صحيح البُخاري تَصَوَّر كامل! تِصَوَّرت مَا يُوَافِقُ فيهِ مُسلم البُخاري من المُتَّفقِ عليهِ، تِصَوَّرت مَا يُوَافِقُ فيهِ أبو داود البُخاري ومُسلم، تِصَوَّرت مَا يُوَافِقُ فيهِ التِّرمذي الثَّلاثة وهكذا... إذا انتهيت من ما يَتَّفِق عليهِ الشَّيخان، وما يَتَّفِق عليهِ هؤُلاء، تَأتِي إلى زَوَائِد مُسلِم، أحاديث في صحيح مُسلم لا تُوجد في البُخاري، وأنت انتَهِيت من المُتَّفق عليه؛ لأنَّك كَتَبت عليه علامة، ما عندك أقلام مُلوَّنة أَشَّرت في صحيح مُسلم أنَّ هذا الحديث دُرِس مع البُخاري الذِّي يَلِيه ما دُرِس! تُثبِتُهُ زَائِد وهكذا... إلى أن تنتهي مِن مُسلم، وتَنظُر فِيمَن يُوافِقُهُ من أصحاب السُّنن، إلى أن تَنتَهِي مِن مُسلم؛ يكون انتَهِيت مِن أَكثَر من خمسين بالمائة من أحَادِيث السُّنن! في المُتَّفق عليه وزوائد مُسلم، ثُمَّ بعد ذلك تأتي إلى زوائد أبي داود، ثُمَّ التِّرمذي؛ يَطُولُ بِكَ الوَقت، تَحتَاج إِلَى خَمس سَنَوَات بِهَذِهِ الطَّرِيقَة! لو جِئتَ إلى الأعمَال الجَاهِزَة فَوَجَدت البُخاري بدون تَكرَار، أَخَذت الزَّبِيدي مثلًا وزوائد المُنذِرِي عليه صحيح مُسلم، ثُمَّ زوائد أبي داود.. كُلَّها جاهزة موجودة في الأسواق؛ يَكفِيك لِدِرَاسَتِهَا سَنَة واحِدَة! لكن مع ذلك، ومَا يُدرِيك أنَّ هَؤُلاء الذِّينَ اختَصَرُوا هذهِ الكُتُب حَذَفُوا أَشيَاء أَنتَ بِأَمَسِّ الحاجة إليها حينما اقتَصَرُوا على المَرفُوعَات المَوصُولَة، يعني في بعض التَّكرار ما يَفتَح لك آفَاق! في بعضِ الأسَانِيد التِّي استَغنَوا عنها ما يُنوِّر ذِهنَك؛ تَخرُج من هذهِ الكُتُب وأنتَ لَدَيكَ ثَروَة فِي المُتُون والأَسَانِيد وفِقه الأَئِمَّة! هذا فِقه أهل الحَدِيث الذِّي هُو أَقرَب الفِقه إِلى الدَّلِيل، فقرَاءة الشُّرُوح يحتاج إلى وقتٍ طويل، يُقرَأ مَا يُشكِل، إذا أَشكَل عليك مَعنَى من المَعَاني، أو مَثَلاً مَا فَهِمت كيف تَربط بين الحديث وتَرجَمَة البُخَاري عليه؛ تَقرَأ الشُّرُوح لِتَستَفِيد.