الإحسانُ: هو المرتبةُ الثالثةُ مِن مراتبِ الدِّينِ بعد الإسلام والإيمان، وهذه المرتبة التي لا يتصِفُ بها إلا الأفذاذُ مِن عباد الله، وهي مرتبةُ المراقبةِ، وإذا كانت دائرةُ الإيمانِ أضيقَ مِن دائرةِ الإسلامِ، فدائرةُ الإحسانِ أضيقُ بكثيرٍ مِن دائرةِ الإيمانِ؛ فالإحسانُ، كما ذَكَرَه النبيُّ صلى الله عليه وسلم: «أن تعبدَ اللهَ كأنَّك تراه، فإن لم تكنْ تراه، فإنَّه يراكَ» [مسلم (8)]، يعني: تُراقِبُ اللهَ - جلَّ وعلا -، وتستحضِرُ اسمَهُ: «الرقيبَ».
فمنزلةُ المراقبةِ لا تحصلُ لكلِّ أحدٍ؛ لأنَّ الغَفْلةَ غطَّت على قلوبِ كثيرٍ مِن الناس، تجدُ الجسمَ في المسجدِ والقلبَ في السوقِ، أو في البيتِ، فحضورُ القلبِ أمرٌ عسيرٌ على كثيرٍ مِنَ الناسِ في هذا الوقتِ، والعبرةُ بالقلبِ؛ لأن خطابَ الشرعِ جميعَه مُتَّجهٌ إلى القلبِ؛ قال اللهُ تعالى: {يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} [الشعراء: 88، 89].
فلا بدَّ مِن مراقبةِ اللهِ - جلَّ وعلا -؛ فإنَّه هو المطَّلعُ على السرائرِ، كما قال تعالى: {وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى} [طـه: 7]، وقال تعالى: {يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ} [غافر: 19]، فعلى الإنسانِ أن يعبدَ اللهَ - جلَّ وعلا - بمرتبةِ الإحسانِ: كأنَّه يراه - جلَّ وعلا - عيانًا، فإذا لم يستطعْ، ولم يتيسَّرْ له تحقُّقُ هذا الأمرِ، فأقلُّ الأحوالِ أن يستحضِرَ أنَّ اللهَ يراه، ويطَّلِعُ على سريرتِه وعلانيتِه؛ فيعامل ربَّه بمقتضى هذه الحال؛ يقولُ بعضُ السلفِ: «لا تجعلِ اللهَ أهونَ الناظِرِينَ إليك» [حلية الأولياء 8/142].