يمكن تلخيص الأسباب التي جعلت أهلَ العلم يختلفون في كثير من المسائل فيما يلي:
1- عدم بلوغ الدليل، فيكون في المسألة دليل ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم بلغ أحمد ولم يبلغ أبا حنيفة، فعمل به أحمد ولم يعمل به أبو حنيفة، أو العكس.
2- عدم بلوغ الناسخ وما شابهه، كأن يبلغه الخبر فيعمل به، ويكون للخبر ناسخ لم يبلغه، أو يكون لعمومه مخصص أو مقيِّد لم يبلغه.
3- الاختلاف في فهم الدليل، فقد يبلغه الخبر، لكن يفهم منه غير ما فهمه العالم الآخر.
4- المنـازعة في ثبوت الدليل وصحته، فقد يبلغ الخبر جميع الأئمة، ويشتهر في الأوساط العلمية، لكن منهم من يضعفه، فلا يعمل بمقتضاه، ومنهم من يصححه فيعمل به، فيقع الخلاف.
5- معارضة الدليل بما هو أقوى عند الإمام -مع التسليم بصحته-، فيعارضه بأدلة أخرى، كما عارض الشافعية استدلال الحنابلة على تفطير الحجامة بحديث شداد بن أوس رضي الله عنه: «أفطر الحاجم والمحجوم» [أبو داود (2369)، والنسائي في الكبرى (3138، 3139)، وابن ماجه (1681)، وأحمد (17112)] بأن النبي صلى الله عليه وسلم «احتجم وهو صائم» [البخاري (1938)]، ورأوا أن هذا متأخر؛ لأنه في حجة الوداع، وذاك عام الفتح.
6- الاختلاف في التقعيد، وهذا من الأسباب التي ينشأ عنها الخلاف بين أهل العلم، فكل واحد من أهل العلم له قواعد أخذوها من النصوص الشرعية يسير عليها. وهذه القواعد قد يختلفون فيها، وبسبب اختلافهم في هذه القواعد اختلفوا في بعض الفروع المندرجة تحتها.
وبالجملة فالاختلاف بين أهل العلم أسبابه كثيرة تؤول إلى ثلاثة أمور:
- ما يرجع إلى بلوغ النصوص إليهم أو عدمه.
- ما يرجع إلى الخلاف في ثبوتها.
- ما يرجع إلى الخلاف في فهمها وما يعارضها وما يوافقها أو الإجمال في الألفاظ.
فالمقصود أن مثل هذه الأمور فيها معاذير لأهل العلم في خلافهم.