هذا السؤال فيه تناقض، فكيف يكون مؤمنًا وهو لا يزكِّي، والزكاة ركن من أركان الإسلام؟! وإطلاق الإيمان على الشخص الذي أخلَّ بركن من أركان الإسلام فيه تجوُّز، وفي حديث سعد –رضي الله عنه- في (صحيح البخاري) أن النبي -عليه الصلاة والسلام- أعطى رهطًا وسعدٌ جالس، فقال سعدٌ للنبي -عليه الصلاة والسلام-: ما لك عن فلان؟ فوالله إني لأراه مؤمنًا، فقال: «أو مسلمًا» [27]، يعني: لا تجزم بأنه مؤمن، وهذا السائل جزم بأنه مؤمن مع أنه لا يزكِّي، والزكاة ركن من أركان الإسلام، فلا يجزم بهذا الوصف الكامل، بل مثل هذا يقال: مسلم، على الخلاف في تارك الزكاة هل يكفر أو لا يكفر، والجمهور على أنه لا يكفر، وفي مذهب الحنابلة رواية وقول عند المالكية أن تارك الأركان العملية كلها يكفر، ولكن المرجَّح أنه لا يكفر، بل يبقى في دائرة الإسلام، ولا يُطلق عليه لفظ الإيمان.
يُضيف السائل إلى ذلك أنه (يرجو رحمة ربه)، كيف يرجو رحمة ربه وقد ترك ركنًا من أركان الإسلام؟! بل عليه أن يكون خائفًا وجلًا، وعليه أن يبادر، وهو مع ذلك يقول: (يخاف الآخرة)! لو كان يخاف ما ترك الزكاة. المقصود أن مثل هذا عليه أن يتوب إلى الله -جل وعلا- ويبادر بالتوبة، ويؤدي الزكاة عن سنته هذه وما فاته من السنوات، علَّ الله أن يتوب عليه، والأمر خطير، وكنز الذهب والفضة وعدم إنفاقهما في سبيل الله جاء فيه الوعيد الشديد في القرآن، وما مِن صاحب إبل -كما جاء في الحديث الصحيح- ولا بقر ولا غنم ولا ذهب ولا فضة، جاء في رواية: إلا مُثِّلتْ له بقاع قَرْقَر تطؤه بأظلافها وأخفافها [يُنظر: مسلم: 987]، المقصود أن مثل هذا تارك لركن من أركان الإسلام، وعلى خطر عظيم، وعليه أن يُبادر بالتوبة، ويُبادر أيضًا بإخراج الزكاة لما مضى من السنوات، وأما إطلاق الألفاظ التي جاءت في السؤال (مؤمن، يرجو رحمة ربه، ويخاف الآخرة) فهذا فيه تناقض مع وصفه بأنه لا يزكِّي؛ لأن الزكاة ركن من أركان الإسلام، وأبو بكر -رضي الله عنه- مع الصحابة الذين وافقوه ولم يُعرَف له مخالف قاتلوا مانعي الزكاة، والله المستعان.