صلاة الضحى سُنَّةٌ مؤكدة فعلها النبي –صلى الله عليه وسلم–، وأرشد إليها، وأوصى بها جمعًا من أصحابه –رضي الله عنهم-، "أوصاني خليلي بثلاث" لأكثر من صحابي، وذكر منها: «ركعتي الضحى» [البخاري: 1178]، وجاء في الحديث الصحيح أنه «يُصبح على كلِّ سُلامى مِن أحدكم صدقة» فعدَّد بعض الصدقات، ثم قال: «ويُجزئ من ذلك ركعتان يركعهما من الضحى» [مسلم: 720].
أما عددها: فأقلها كما جاء في هذه الأحاديث ركعتان، وإذا زاد فصلاها أربعًا، أو ستًّا، أو ثمانيًا، فكل صلاةٍ بأجرها. وبعضهم يقول: إن أكثرها ثمان؛ لِما ثبت "أن النبي –عليه الصلاة والسلام– صلى يوم الفتح ثماني ركعات" [البخاري: 357]، فمنهم من قال: إن هذه صلاة الضحى، ومنهم من قال: إن هذه صلاة الفتح.
وعلى كل حال كونه يُصلي ثمانيًا لا يعني أنه حدٌّ مُحدَّد لا يُزاد عليه ولا يُنقص، بل الصلاة خير مُستكثرٍ منه، فليصلِّ ما دام الوقت يُسعفه ولا يعوقه ذلك عمَّا هو أهم منه وأوجب، فإن صلاها ركعتين، أو أربعًا، أو ستًّا، أو ثمانيًا، أو أكثر من ذلك حسب التيسير فلا بأس.
وجاء عن الحافظ عبد الغني المقدسي أنه يُصلي من ارتفاع الشمس إلى قُرب الزوال، وذكروا عددًا ما أدري هل الوقت يستوعبه أو لا، قالوا: ثلاثمائة ركعة. وعلى كل حال مثل هذا الذي يحمل مشقةً عظيمة، وقد يترتَّب عليه خِفَّةً في الصلاة، أو عدم طمأنينة فيها، الكلام على إجادة العمل، فالمطلوب: استحضار ما يقرأ، والطمأنينة في صلاته، وما أدري عن هذا النقل هل يثبت عن الحافظ عبد الغني؟ لأنه صاحب سُنَّة، ومعروفٌ بعلمه وعبادته.
ونُقِل عن الإمام أحمد أنه يُصلي في اليوم والليلة ثلاثمائة ركعة، لكن اليوم والليلة مستوعبة، فتستوعب ثلاثمائة ركعة، وابن المطهر الشيعي صاحب (منهاج الكرامة) الذي رَدَّ عليه شيخ الإسلام في (منهاج السُّنَّة) نَقَل عن علي بن أبي طالب –رضي الله عنه- أنه كان يُصلي في اليوم والليلة ألف ركعة، فقال شيخ الإسلام -رحمه الله-: (الوقت لا يستوعب).
وعلى كل حال الإكثار من التعبد بالذات الصلاة خير مُستكثرٍ منه، لكن لا يعوقه هذا الفعل عمَّا هو أوجب منه من عباداتٍ أخرى واجبة؛ لأن هذه سُنن؛ فالإكثار منها مطلوب، وثواب المُستكثِر على الله -جلَّ وعلا-، وأجره عظيم، لكن ينبغي أن تكون هناك موازنة بين ما يفعل وما يترك، فلا يُقدِّم شيئًا وغيره أفضل منه، ولا يُقدِّم شيئًا يترتَّب عليه ترك شيءٍ واجب، أو ما أشبه ذلك، والله أعلم.