لا شك أن إخفاء العمل أدعى إلى الإخلاص، وكون العمل لا يُعرَف عن صاحبه: لا ينتابه ولا يعتريه مراءاة للناس، ولا استشرافٌ لمدحٍ ولا ثناء، فلا شك أنه حينئذٍ أقرب إلى الإخلاص، فهو أفضل، لكن قد يترتَّب على إظهار العمل فائدة راجحة كما يقول أهل العلم: (وقد يَعرض للمَفُوقِ ما يجعله فائقًا)، وحينئذٍ إذا وُجِد مَن يقتدي به فيَسُنَّ السُّنَّة الحسنة؛ ليُعمَل بها ويُقتدى به فيها، فيكون له أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة، فلا شك أن هذه فائدة زائدة وراجحة على الإخفاء الذي يقتصر فيه العمل على صاحبه، وإلا فالأصل أن الإخفاء أقرب إلى الإخلاص، وأدعى إلى الإخلاص، وإظهار العمل قد ينتابه ويعتريه شيء من مراءاة الناس، أو النظر إلى مدحهم وثنائهم، فينقص أجره بقدر ذلك، لكن مع ذلك إذا استشعر أنه إذا أظهره يُقتدَى به فيكون له أجره وأجر مَن عمل به، فلا شك أن هذا يكون مرجِّحًا، كما جاء في الحديث الصحيح في الذي بدأ الصدقةَ في المسجد وأظهرها فقال النبي -عليه الصلاة والسلام-: «مَن سنَّ في الإسلام سنة حسنة، فله أجرها، وأجر مَن عمل بها بعده» [مسلم: 1017]، وحينئذٍ يكون الإظهار أفضل من هذه الحيثية، {إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ} [البقرة: 271]، فالإخفاء خير، هذا هو الأصل، لكن إذا أُبديتْ فيها خير من أجل الاقتداء، وعلى كل حال في كلٍّ خير، ويبقى أن الأصل الإسرار، وإذا أُظهِرت لفائدةٍ؛ ليُقتدَى به، أو لكونه ممن يُقتدى به أظهر عمله، فلا شك أن هذا مرجِّح.
وعلى هذا الأصل: على سبيل المثال في النوافل فهي في البيت أفضل، «أفضل صلاة المرء في بيته إلا الصلاة المكتوبة» [البخاري: 731]، لكن إذا كان بحيث يصلي النوافل في بيته ويتأخَّر عن الإتيان إلى المسجد، فإذا جاء في وقت الإقامة وأدرك تكبيرة الإحرام لا شك أنه أدرك الفضل، لكن مع ذلك إذا نظر إليه غيره من العامة وقالوا: (الشيخ فلان يتأخَّر، وما يجيء إلا مع الإقامة)، مثل هذا يُندَبُ له أحيانًا أن يُظهر عمله؛ ليُقتدى به. وقس على هذا بقية الأعمال، والله أعلم.