العلاج سبب من الأسباب، والآجال مكتوبة ومحتومة لا تتقدَّم ولا تتأخَّر: {إِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَلَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ} [يونس: 49]، إذا حلَّ الأجل فلا مزيد عليه، ولا يستطيع كل المخلوقين أن يزيدوا في عمر مَن حضر أجله، وهذا العلاج إذا قُدِّر نفعه وانتفع المريض وعاش بعده فإن أجله هو المطابق لما في القَدَر السابق، ولو قُدِّر أن هذا المريض لم يستفد من هذا العلاج ومات، أو مات بسببه بأن يُعطى علاجًا خطأً -مثلًا- فإن هذا هو أجله المحتوم المقدَّر عليه في اللوح المحفوظ. المقصود أن العلاج سبب من الأسباب، وجاء الأمر بالتداوي، وأنه لا ينافي التوكُّل كسائر الأسباب، فيُدفع المرض إذا قُدِّر نفع العلاج، وأن هذا السبب من الأدوية ينفع، فيكون كما يُدفع الجوع والعطش والحر والبرد بأضدادها كما قال ابن القيم.
وعلى كل حال العمل بالأسباب مأمور به، ولا ينافي التوكل، ومنها العلاج، وكون الإنسان يزيد عمره ويطول عمره بالعلاج هذا غير صحيح، والعلماء يختلفون في قوله -عليه الصلاة والسلام-: «مَن سرَّه أن يُبسط له في رزقه، ويُنسَأ له في أثره، فليصل رحمه» [البخاري: 2067] هل صلة الرحم تزيد العمر عمَّا كتبه الله -جل علا- وقدَّره، تكلَّم العلماء في هذا، والأصل أنه لا يستقدم ولا يستأخر إذا جاء أجله، وقال بعضهم: إن الزيادة في الحديث وبسط الرزق والنَّسأ في الأثر -وهو طول العمر- زيادة معنوية، وهو أنه يُبارك له في هذا العمر، فيتمكَّن من عمل ما ينفعه أضعاف ما يعمله لو لم يأتِ بهذا السبب الذي هو صلة الرحم، فتكون الزيادة معنوية، وهذا قول الجمهور، ومنهم من يقول: الزيادة حقيقية، وتغيير الأجل هو بالنسبة لما يظهر للملائكة، وأما ما في علم الله -جل علا- فإنه لا يتغيَّر، وأن الله -جل علا- يعرف أن هذا يصل رحمه ويطول عمره، وأن هذا لا يصل رحمه فلا يطول عمره، والكلام في هذا كثير لأهل العلم، والله أعلم.