أما طلب الفقه في البداية وفي أول الأمر فلا بد أن يكون من كتب الفقه، لا من كتب الحديث، والأصل والعمدة الكتاب والسنة، وهذا لا يختلف فيه أحد، لكن التفقُّه في أول الأمر بالنسبة لطالب العلم المبتدئ لا بد أن يكون على يد فقيه؛ لأن فرضه كفرض العامي عند السؤال، ففرضه سؤال أهل العلم، وكتب الفقه إنما صُنِّفتْ بعد استقرار الجمع للسنة النبوية، وأَلَّفها علماء جمعوا ما يتعلَّق بالمسألة الواحدة في مكان واحد، فلا يمكن أن يَذكر الفقيه مسألة منسوخة في باب، ثم يَذكر الناسخ لها في باب آخر، إنما يُقرِّر الناسخ وما استقرَّ عليه الحكم، بينما في المقابل يمكن أن يمر عليك في كتب الحديث حديث منسوخ، فيمر عليك -مثلًا- في أوائل (البخاري)، وتستمر تعمل به حتى يَرد الناسخ في آخر الصحيح، أو في كتاب آخر من كتب السنة، فالمبتدئ الذي ليس عنده تصوُّر تام لكتب السنة، مثل هذا يتفقَّه على كتب الفقهاء، وقلنا مرارًا: إن طالب العلم في أول الأمر يتصوَّر مسائل هذا الكتاب، ثم يستدل لهذه المسائل، ثم ينظر مَن خالف، وأدلة المُخالف، ويوازن بين الأدلة، ويَخرج بالقول الصحيح الراجح، وليس معناه أن هذه المتون التي أَلَّفها الفقهاء دساتير لا يُخرَج عنها، بل هي قول بشر، ولذلك نُخضِع هذا الكلام للأدلة، فما وافق الدليل عملنا به، وما خالف الدليل ضربنا به عرض الحائط، فلا بد أن نتفقَّه من الكتاب والسنة، لكن بعد أن نتأهَّل لذلك.