عرائس الأطفال يتكلَّم فيها بعض أهل العلم على أساس أنها هي لُعَب البنات الموجودة في النصوص، وأن عائشة -رضي الله عنها- كان عندها لُعَب بنات تلعب بها، وعندها فرس له جناحان، وعند غيرها كذلك، لكن ما المراد بهذه العرائس وهذه اللُّعب؟ فسَّرها أهل العلم الشراح قالوا: اللُّعبة هذه عبارة عن وساد كبير، في رأسه وساد صغير، وليس فيها أكثر من هذا، أما العرائس واللُّعب الموجودة الآن ففيها المضاهاة التامَّة لخلق الله -جل وعلا-، وهي مصوَّرة بدقَّة فاتنة، فهي الصور المجسَّمة التي أجمع العلماء على تحريمها، ومن مضاهاتها أنها إذا أُضجعتْ أَغمضتْ عينيها، وإذا أُجلستْ ضحكتْ، إذا أُوقفتْ وصُفِّق لها رقصتْ وغنَّتْ، فهل يُشك في تحريم مثل هذه العرائس؟ إذن ما الصور المجسَّمة المجمع على تحريمها إن لم تكن هذه؟ إضافة إلى أنه وُجد أنواع من هذه المجسمات التي يسمونها عرائس ولُعب بنات بأحجام تُثير الغرائز، وإخواننا في الهيئة وفي الحسبة عندهم قصص من هذا النوع، لا يحسن ذكرها في هذا المكان.
أما بالنسبة لجوال الكاميرا فلا شك أنه آلة تصوير، وهو بحدِّ ذاته قد يصوِّر ما فيه روح، فيكون تصويره محرًّمًا، وقد يصوِّر ما لا روح فيه، وتصويره جائز، وإن كان المختار عند الإمام القرطبي المفسِّر المعروف -رحمه الله- أنه لا يجوز تصوير خلق الله، ولو لم يكن ذا روح، فلا يجوز عنده تصوير الأشجار، لكن عامة أهل العلم على جواز تصوير ما لا روح فيه.
فهذا الجوال -مثلما قلنا- قد يصوِّر المباح، وقد يصوِّر المحرَّم، لكنه يُسهِّل المحرَّم، وقد يجد الإنسان نفسه في موقفٍ يَفرض التصوير عليه فيه نفسه، كيف ذلك؟ قد يكون شابًا صالحًا، لا يرى مثل هذه الأمور، وقد يُنكِرها، ولو تمكَّن من هذه الكاميرات لكسَّرها، لكنه الآن اقتنى هذا الجوال؛ باعتبار أن فيه خدمات لا توجد في غيره، لكن ماذا عن الثبات إذا حمل الجوال الذي فيه الآلة التي تُسهِّل له مزاولة هذا المنكر؟ قد لا يجد الصراع النفسي في تصوير نفسه، أو في تصوير والده، أو في تصوير والدته، أو في تصوير أخيه، لا يجد صراعًا قويًّا في تصوير هذا، لكن ماذا عمَّا لو رُزق بطفلٍ، وجعل الطفلُ يحبو مرةً ومرتين ثم يكبو؟ هذا المنظر لن يتكرَّر عليه مرة ثانية، فيأتيه الشيطان يقول: (اغتنم هذه الفرصة، والتصوير فيه خلاف)، فتجده يجرؤ على مثل هذا التصوير، وماذا عن الطفل إذا جعل يخطو في بداية المشي مرةً أو مرتين ثم يعثر؟ يقول له الشيطان: (هذا المنظر لا يمكن أن يتكرَّر عليك مرة ثانية)، فيَسهُل عليه التصوير، ثم بعد ذلك ينفتح الباب.
وعرفنا شبابًا في غاية من التحرِّي والتثبُّت، ثم بعد ذلك لمَّا ملكوا هذه الآلة أقدموا على التصوير، وصاروا يصوِّرون من غير قيد ولا شرط، ثم مالوا إلى القول الآخر، وقالوا: تبرأ الذمة بتقليد فلان وفلان، لكن المسألة مسألة هوى، فهو كان يرى حرمة التصوير، ثم رأى إباحته لا من أجل نظرٍ في الأدلة وتغيُّر اجتهاد، لكن الهوى قاده إلى ترجيح هذا القول من غير نظر في أدلته.