من نساء الصحابة -رضي الله عنهم جميعًا- كعائشة مَن تصدَّر للإفتاء، لكن هذا لا بد أن يكون من وراء حجاب، ولا بد أن تُؤمَن الفتنة، وإلا فالأصل أن المرأة تقرُّ في بيتها؛ للأمر الإلهي: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ} [الأحزاب: 33]، فإذا رَجحت المصلحة بأن تكون مفتية للنساء، وهي أعرف بأمور النساء، فلا مانع؛ لأن الرجال لهم مَن يحلُّ مشاكلهم، ولا يوجَد امرأة الآن عندها من العلم مثل ما عند عائشة -رضي الله عنها- مما يخفى على الرجال، لنقول: (إن عائشة تفتي الرجال)، فهل يمكن أن يُتصوَّر امرأة عرفتْ من أمور النساء ما يخفى على غيرها، وما يخفى على الرجال؟ الذي جاء عن عائشة مما يخفى على الرجال كله مدوَّن في الكتب، وعرفه الرجال بأجلى صُورِه، فلا يقال: إن المرأة تفتي الرجال؛ لأن الرجال عندهم مَن يكفيهم. ومع الاحتياطات التامة لا مانع أن تفتي المرأة النساء، إذا دعت الحاجة إلى ذلك، وهي أقرب إلى معرفة مشاكل النساء وظروف النساء، بالضوابط الشرعية التي لا بد من توفُّرها، كأن يكون من وراء حجاب، {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاءِ حِجَابٍ} [الأحزاب: 53]، وأن تُؤمَن الفتنة.
والأمور العامة إنما يُطلَب لها الرجال، كالإمامة والتحقيق، فلو أن امرأة متَّهَمة -مثلًا-، فمن الذي يُحقِّق معها؟ في عهد النبي -عليه الصلاة والسلام- يوجد من النساء من أهل العلم والعقل والدين مَن يمكن أن يقوم بمثل هذا، لكنه -عليه الصلاة والسلام- قال: «واغْدُ يا أُنيس إلى امرأة هذا، فإن اعترفتْ فارجمها» [البخاري: 2314]؛ لأن هذه الأمور لا يقوم بها النساء، ولا تناسب أن يقوم بها النساء، وقد يقول قائل -مثلًا-: (أُنيس هذا رجل، فكيف يخلو بامرأة؟)، نقول: هل يُتصوَّر خَلوة في عصره -عليه الصلاة والسلام-؟ فمعها محرمها، ويسألها من وراء حجاب، فإن اعترفتْ أُقيم عليها الحد؛ لأن بعض الناس يستمسك بشيء من المتشابه، ويترك الأمور المُحكمة.
والهجمة التي يُروِّج لها الأعداء وأبواق الأعداء؛ لتحرير المرأة، هجمة خطيرة، نسأل الله -جل وعلا- أن يقينا ومجتمعات المسلمين شرَّها.